أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي المسعودي - انا ام وجثتي















المزيد.....

انا ام وجثتي


محيي المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 2862 - 2009 / 12 / 19 - 22:01
المحور: الادب والفن
    



ممتعة, كانت عطلتي. ملأتني نشوة, لما يزل بعضها كالعطر ينتشر في جسدي وروحي وانا عائد في الحافلة الى عملي ... اشعر بالاسترخاء على كرسي الحافة مع انه كان ضيقا وانا مابين اليقظة والحلم ... لم اتعب ككل مرة في سفري هذا الذي يستغرق ساعات طوال... ربما انتابني هذا الشعور لانني كنت في بيتي وبين اهلي اصدقائي فنسبت ضغوط العمل وتلك الاحقاد التي تنهشني كل يوم بانيابها ومخالبها او ربما لانني تخلصت من الغربة والوحدة القاسيتين اللتين كانتا تعاشراني كزوجتين ناشزتين في فراش واحد ..لاأدري ... المهم انني اشعر بالسعادة, لا بالحزن ككل مرة على من وما فارقت في بلدي . لم افكر وانا في الباص بشقتي الصغيرة الكائنة في احدى ضواحي مدينة عمّان , ولم تخطر على بالي كل تلك الهواجس التي كنت اعيشها يوميا ... وكانها حقيقية في بعض الاحيان .. مرة ارى ثعبانا ينام الى جانبي واخر يتحرك على جسدي او عقرب يدخل منخري ... لااحد كان يعيش معي في الشقة منذ سنين ... هناك على الحائط ارى عفريتا يهزء مني او جنية تغازلني, انا متاكد ان في الحمام احدههم ...! لست جبانا سوف اذهب الى الحمام وافتح الباب لاراه واضربه ... فانا اقوى من الجن هكذا كنت اخاطب نفسي الجازعة ... ولكن احدهم يطرق الباب الان انه واقف خلفه..! اسرع الى الباب افتحه.. لا احد ورائه... كل هذه وغيرها من الهواجس ... كانت تعيش معي في داخل تلك الشقة الصغيرة ولم تخفني ... لا لانني شجاع كما ادعي ولا لانني اؤمن بها بل لانني تمردت على كل شيء حتى على الغيب وما عدت افرق بينه وبين الواقع ... ولكن هاجسا كان يقلقني كثيرا ... فهو يراودني كلما ذهبت للنوم ... ماذا لو متُّ على فراشي ؟! كم من الايام يستغرق الامر حتى تُكتشف جثتي ؟! .ربما عندما تصبح رائحة الجثة الكريهة لاتحتمل فيأتي احدهم , ليس لتقصي خبري فلا احد في الحارة تربطه علاقة بي إلاّ "عكاب" صاحب السكن الذي تنتهي علاقته بي بعد استلام اجرة الدار وقد يكون هو من يكتشف جثتي عندما يدفعه الايجار الى ذلك ... لم تكن لدي حقيبة في الشقة , بل كان لدي كيسا من الجنفاس اضع فيه ملابسي ........ صحوت من هواجسي هذه وانا ادلف في ذلك الممر الضيق المظلم المؤدي الى شقتي الصغيرة الرطبة طوال العام . كل شيء كما هو ... الغربة , الرطوبة, تهالك الجدران, الحشرات الاليفة ... الصمت الذي يلبسه ليل هذا المكان منذ عرفته ... كل شيء كما هو ... في الممر نُزعت مني النشوة والاسترخاء .. كنت كأني عائد من العمل ككل مرة بعد منتصف الليل ... نسيت نشوة ومتعة اجازتي وانقطعت عن تلك الحياة التي تركتها خلفي منذ ساعات . جئت مندفعا في الممر باتجاه الشقة, حتى تلك القطط السوداء لم تثرني كما كانت تفعل, وتدخلني عالم الهواجس قبل دخولي الشقة, لكن شيئاً ما استوقفني ... لم انتبه له حتى وانا ادير المفتاح في قفل الشقة ... انها رائحة كريهة لا تطاق معتقة بالرطوبة والعفن وصوت الصراصير ... الظلمة حالكة جداً داخل الشقة ... اشعر بالاختناق ... كان زر الكهرباء بعيداً عني من هنا, وعليّ ان اجتاز غرفة الاستقبال حتى اصل مفاتيح الكهرباء ...
الرائحة قوية .. اصابتني بالدوار حتى كدت اسقط فوق الارض ... اللعنة على الكهرباء.. انها مقطوعة عن الشقة, ربما عن الحي كله . لماذا لم انتبه لذلك عندما كنت في الخارج ؟ المشكلة ان ليس لدي شمعة اشعلها ... بل ولا حتى علبة كبريت ... ماذا افعل ؟ المدينة نامت منذ زمن ولن اجد دكاناً اشتري منه الشموع ... عليّ ان انام كيفما يكون وفي الصباح اتدبر امري ... ولكن كيف ! وهذه الرائحة الكريهة تكاد تسقطني ارضاً..! لابد ان احدى القطط بقيت داخل الشقة وماتت من الجوع اثناء غيابي, ولكن اين هي الان ...؟ لااستطيع ان اراها في هذه الحلكة....
اف ... اف... لقد تذكرت انا لست في العراق حتى تنقطع الكهرباء ..لم تكن الكهرباء مقطوعة عن الشقة, بل انا فصلتها عند مغادرتي مساء ذلك اليوم الذي غادرتها فيه الى اهلي في العراق .. ولم يكن قاطع التيار الكهربائي بعيدا عني لاعيد التيار ... ما اجمل ان تلعن الظلمة بضوء, ولكن ما اقسى ان يلعن الضوء حقيقة الانسان ...انا اقف على فراشي بهيئتي وملابسي التي عدت بها لتوي من مدينتي وانا ايضا بملابس نومي ممدد على فراشي, جثة هامدة منتفخة تنبعث منها رائحة كريهة لاتطاق تعلن تفسخها... من انا ..!؟ الجثة ام الواقف عليها ....؟ ربما انا الواقف لست حقيقة بل الروح كما يقولون... اذن لأتلمس جسدي ... انه ..انه .. لي, وانا انا ... ولكن لمن هذه الجثة ...!؟ هي انا ايضا ً ... هذا وجهي الذي اراه كل يوم في المرأة بكل تفاصيله الدقيقة حتى الصلعة الصغيرة هي صلعتي اعرفها مع ما اصابها من تفسخ ... ثم ان ملابس النوم هي ملابسي التي اشتريتها من اسواق الملابس المستعملة , حتى الملابس الداخلية هي ملابسي ماهذا يا ترى ...!؟ لابد لي ان اتاكد من الجثة ان كانت جثتي ... ليس من خلال هذه التفاصيل ولكن من خلال كلمة (جيداء) التي وشمتها على ذراعي الايمن .. اللعنة الكلمة نفسها وعلى الذراع نفسه .. لابد اني متّ منذ خروجي اخر مرة ولذلك تعفت جثتي .. ولكن اللعنة الست انا حيا واشاهد هذه الحال ..!! حسنا غدا سوف اخبر الشرطة لتعتقلني وتحبسني عقدين من الزمن بتهمة قتل انا لانا .. فلا يوجد احد تستطيع الشرطة ان تتهمه غيري ..
=====================================
سطور من سيرة
محيي المسعودي
شاعر وقاص وروائي وصحفي وناقد من العراق ..عمل في الصحافة العربية والعراقية ما يزيد على الثلاثين عاما
17عاما منها في الاردن فشغل مدير تحرير جريدة الديار الاردنية اليومية ورئيس الدائرة الثقافية فيها حتى مغادرته البلد – معني بثقافة الطفل وقد نال جائزة ثقافة الطفل العربي في الامارات (للشعر) – اشرف على ملاحق ثقافية خاصة بالطفل وكتب العشرات من قصص وسيناريوهات الاطفال – له عشرات المقالات النقدية -الادبية والفنية- في صحف ومجلات ومواقع الكترونية مختلفة وخاصة في الفن التشكيلي والمسرح– ترأس تحرير جريدة بابل الثقافية وعمل مدير تحرير مجلة شبابيك المعنية بالتراث والحضارات القديمة والثقافة الصادرة في العراق ......
نُشرت له:
ثلاث روايات ومجموعة قصصية ومجموعتين شعريتين ومجموعتين شعريتين للاطفال وله مخطوطات عديدة تحت الطبع
عضو اتحاد الادباء والكتاب العراقيين - عضو نقابة الفنانين العراقيين عضو اتحاد الصحفيين العراقيين عضو مؤسس لمجموعة جنى الثقافية في الاردن



#محيي_المسعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في كتابه - مسلمة الحنفي ... قراءة في تاريخ محرّم -
- الثلاثي المُعاق العاق , لأِبوةِ العراق
- السعودية تبدأ حربها لتحرير اليمن السعيد
- -المواطن G -دراما عراقية مؤدلجة تنعى الواقع الجديد لصالح جها ...
- -فجر العالم- خطوة سينمائية جريئة لاستنطاق واقع عراقي اخرس طا ...
- الرياضة العراقية بين دكتاتورية الامس وفوضوية اليوم
- سوريا بين -الهلال الشيعي- -والمعتدلين العرب-
- بريشت رائد المسرح الالماني المعاصر
- آلهة اليمن السعيد غاضبة على الحوثيين
- صالح المطلك : البعثيون مظلومون في العراق
- لماذا العراق الدولة الاكثر اعداء !!؟؟
- العراق ... هل ثمة وطن باق !؟
- -مركز الرافدين للتدريب والمعلومات- . مدرسة لمحو اُمية الحاسو ...
- الديمقراطية في العراق .. صناعة مكلفة لبضاعة تالفة
- العراق لا يساوي شبرا مما أملك ... !
- دور ثقافة الاطفال في العراق عناوين تُثري وواقع مُزري
- الاعمال الاخيرة للفنان كامل حسين تؤسس لذائقة فنية عراقية جدي ...
- اي عراق كان واي عراق اليوم واي عراق غدا !!!! ؟؟؟؟
- - بروفة في جهنم - مسرح عراقي نجح باستثمار الحريات واخفق في ا ...
- الموصل تكشف النوايا الخفية ضد وحدة العراق


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي المسعودي - انا ام وجثتي