محيي المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 2699 - 2009 / 7 / 6 - 05:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ذكرني القول الحماسي المتشدد للسيد مسعود برزاني ( لن اتنازل عن شبر من كردستان ) - في معرض رده على منتقدي دستور الأقليم – ذكرني هذا القول بأقوال صدام حسين في هذا الخصوص اتجاه العراق كله . وذكرني هذا القول ايضا بقول مواطن عراقي ايام النظام السابق عندما قال هذا المواطن "هامسا لي" ان العراق لا يساوي عنده شبرا من ارض يملكها خارج سيطرة صدام . وحين ندقق بالأقوال الثلاثة سوف نجدها كلها صحيحة ولكنها مختلفة الأسباب , فالمواطن قال ما قال بسبب انه لم يشعر يوما , بانه مواطن يملك شيئا يذكر في وطنه العراق, مع وجود صدام حسين رئيسا . اضافة لمصادرة حقوق المواطنة كافة , والمتمثلة بالعيش الكريم والحرية وإبداء الرأي وحق المشاركة في الحكم من خلال الديمقراطية مقابل واجباته التي قام بها كاملة اتجاه الوطن والتي كان اخرها فقدان احد اعضائه ومقتل شقيقه على الحدود دفاعا عن هذا الوطن . اما صدام حسين فأقواله كثيرة ولا تعد بخصوص تمسكه بأرض العراق, ويكفي تأكيدا على اقواله , افعاله التي دفع من خلالها ملايين الأرواح وكان مستعدا لدفع ارواح العراقيين جميعا مقابل حفاظه على ارض العراق , ولكن ليس كوطن للعراقيين بل كملك صرف له ولوارثيه من ابنائه . اما السيد مسعود برزاني فأني لا أراه يختلف كثيرا عن صدام , فهو يستخدم نفس الشعارات والأدوات والأساليب لحشد الناس البسطاء ضد كل من يعارضه ويهدد مصالحه الشخصية سواء كان هذا الشخص من كردستان او من أي مكان عراقي آخر. والكرد عنده وفي قرارة نفسه كما يبدو لي ليس اكثر من رعايا يخدمونه وعائلته , ويعملون على هذه الأرض فقط لخدمته ومتى ما طالبوا بحقوقهم فانه يتهمهم بالخيانة كما كان يفعل صدام . ولم ننس بعد ما يُؤكد هذا عندما استعان السيد مسعود بصدام لقمعهم, حين اختصم مع شريكه اليوم الرئيس العراقي الحالي جلال طلباني . ومن يراقب الحكومة "الأقليمية" في الشمال سوف يجد ان الأحزاب هي التي تمتلك كل مقدرات الأقليم خاصة والدولة العراقية عامة فالحزب يمتلك الثروات والأموال والقرارات وهذا يتنافى تماما مع الديمقراطية الليبرالية التي يعمل بها العراق, بل ويتنافى حتى مع بعض الأنظمة الشمولية ولا يتطابق الاّ مع نهج النظام العراقي السابق, ويشابه النظام السوفياتي السابق ايضا, مع الاختلاف في مرجعية الملكية, فالأخير ملكية الدولة تعود فيه للحزب الشيوعي وفي النظام الكردستاني تعود ملكية الدولة لعائلة صاحب الحزب ... لا اريد "هنا" القول ان الأحزاب في الشمال تؤسس دولة داخل الدولة العراقية لان ذلك اصبح واضحا وقد تأكد اكثر من خلال مسودة دستور الأقليم ولكني اتساءل من اجل من كل ما تقوم به الأحزاب في شمال العراق ؟ اذا كان كما ظاهره وكما يوحي به الساسة هناك, بانه من اجل قيام دولة كردية فان قيام هذه الدولة ضرب من المستحيل لعدم وجود مقوماتها الأساسية ولأسباب اخرى كثيرة ابرزها الجغرافية الطبيعية والبشرية التي لا تسمح بولادة هذه الدولة ناهيك عن شراهة الجيران اللذين يتربصون فرصة الانفصال ليكون المنفصل لقمة شهية وهنية . خلاصة القول ان كلفة قيام الدولة في الشمال اكبر من قيمة الدولة نفسها وبالتالي فانها تمثل خسارة فادحة و كارثة لابناء شمال العراق وهذا ما يدركه السياسيين الكرد قبل غيرهم وقد قاله صراحة الرئيس " الذي احبه واحترمه" جلال الطالباني في احد لقاءاته عندما قال ان قيام دولة كردية غير ممكن في الظروف الحالية وعلينا ان لا نهدر الاموال والطاقات في هذا المجال بل يجب توظيفها لخدمة ورفاه ابناء الأقليم . وعليه يصبح جليا وواضحا ان تصريحات وتلميحات مسعود برزاني ليس الا اداة او اسلوبا لحشد الكرد ضد أي عراقي من الشمال حتى الجنوب يعارض هذا "المسعود" الذي قرر ان "يطوّب" كردستان باسمه .
وعند قراءة هذا المشهد السياسي العراقي نتبن ان الخطاب السياسي العراقي يتنوّع حسب مصالح السياسي الحاكم "المالك" وليس حسب مصالح المواطن الذي يتحدث نيابة عنه ذلك السياسي وتمثل هذه الحال "مقلوب المفهوم الديمقراطي" أي أن النظام الديمقراطي يفرض على السياسي الحديث والعمل وفق مصالح مواطنيه الذين يفترض أن يكونوا خلفه وأن لا يتجاوز مصالحهم الظاهرة والخفية إلاّ في حالات يرى فيها السياسي - كونه مختصا – انها أكثر نفعا للمواطن مما يراه ذلك المواطن العادي على أن تُثمر تلك الحالات بعد زمن ما لصالح المواطن فيراها الأخير ويتأكد منها فتزيد ثقته بالسياسي الذي يمثله. وهذا ما لا تحققه تصرفات بعض الساسة في شمال البلاد ناهيك عمّا تجلبه من اخطار كبيرة على الشمال خاصة, وعلى العراق عامة.. وفي حدود هذه الرؤية تتبدى لنا أعمال وأقوال سياسية عراقية وهي تعكس مقدار استهتار السياسي بحقوق من يمثلهم مرة وبحقوق الوطن كله مرة أخرى . ربما نجد في الجنوب والوسط أن السياسي تنازل "أخيرا" راضيا او مجبرا عن تجبير الأرض والانسان " اقليم – طائفة - عرق " لصالحه وصار يسوق مصالحه الحزبية والشخصية من خلال سوق الوطن والوطنية وهذا السلوك الأخير ورغم خطورته او عدم نضوجه الاّ انه يبدد المخاوف لدى الشعب على وحدة البلاد شعبا وارضا .. ورأينا المواطن العراقي في الوسط والجنوب يتنفس الصعداء بعد قبره لفكرة الأقاليم السياسية .. أن هذه الحال تعكس مرة حجم وعي السياسي في هذه المناطق ومرة أخرى تعكس وعي الناس وقدراتهم على فرض آراءهم على السياسي, ولكنها في كل الأحوال تعكس نضجا سياسيا او محاولة نضج على مستوى القاعدة ورأس الهرم على اقل تقدير ..
وبالعودة الى قول السيد برزاني بانه "لن يتنازل عن شبر من كردستان" ومحاولة قراءة هذا القول سوف نرى مدى تشبث السيد البرزاني بما يمتلك . ويكشف لنا ايضا عما يضمره اتجاه بلده العراق الذي "لا يساوي شبرا مما يملك" وهذه الصورة ترجع بنا الى مقولة المواطن العراقي في بداية الحديث والذي قال "ان العراق لا يساوي شبرا مما يملك خارج سيطرة صدام . المواطن نلتمس له العذر للأسباب التي ذكرناها وحال الاحباط التي كان يعيشها, ولكن أي عذر نلتمس للسيد البرزاني ؟ الاّ اذا اعتبرنا الشعب العراقي يمثل للبرزاني ما يمثله صدام لذلك المواطن العراقي ........!!!
اتمنى على المواطن العراقي في الشمال ان ينتبه لمصالحه ولواقعه وان لا يصوت في الانتخابات القادمة لكل سياسي يتجار بقضيته ووطنيته العراقية لمصالح خاصة سوف تعزل ابن الشمال عن اخوته في الوسط والجنوب وان لا يسمح لبعض السياسين بوضع الاسافين بينه وبين اخوته الاخرين . وعلى البرلمان العراقي ان يلغي من الدستور الفدرالية وحق اقامة الاقاليم السياسية مع بقاء اللامركزية الادارية فقط في ادارة المناطق او الاقاليم حتى لا يتحول العراق الى امارات متناحرة وليست متحدة . نحن نعيش اليوم ونعمل على ان يكون العراق بلدا ديقراطيا تتوفر فيه كافة حقوق المواطنة فلماذا التشرم وتحكم المصالح المناطقية او العرقية مادمنا بلدا واحدا يتساوى فيه المواطنون كافة !! .
#محيي_المسعودي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟