أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم المصري - الاعتداليون .. محمد سليم العوا نموذجاً















المزيد.....

الاعتداليون .. محمد سليم العوا نموذجاً


إبراهيم المصري

الحوار المتمدن-العدد: 858 - 2004 / 6 / 8 - 07:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كانت سحابة الدخان الكونية السوداء التي أطلقها أسامة بن لادن وأتباعه يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 الذروةَ التي وصل إليها حاملو الحياة على مَركبٍ ديني .. يدفعه هؤلاء إلى ما يرونه الطريق القويم .. وفي الطريق إلى هذا الهدف احتشدت أطيافٌ تتراوح بين مقوضي البرجين التوأم في نيويورك إلى الاعتداليين الذين نأوا بأنفسهم أو حاولوا بعيداً عن التطرف .. وهؤلاء في ابتعادهم وفي أدبياتهم الدينية والفكرية يصنفون أنفسهم .. وَسَطاً .. بين الإفراط والتفريط .. وهم بهذا التصنيف يجلسون في طمأنينة مزمنة لا تترك مجالاً لسؤال عمَّا إذا كان في خلفية الاعتدال هذه تكمن بعض أو كل تلك الأفكار التي يحاول المتطرفون إنضاجها بالنار على مسرح يشمل الكرة الأرضية بأسرها .
ويستخدم الاعتداليون مصطلحات غامضة مثل ( تيار الجادة ) ، ( العلم الصحيح ) ، ( الالتزام بالعقيدة والشريعة ) وهي مصطلحات يجد فيها كل صاحب هوىً هواه ، لأن أشخاصاً مثل أسامة بن لادن أو أبو حمزة المصري يعتقدون أيضاً أنهم ( تيار الجادة ) وعندهم ( العلم الصحيح ) ويدعون إلى ( الالتزام بالعقيدة والشريعة ) .. والناس لا يتوفر لها الوقت الكافي ولا حتى الرغبة لوضع أفكار الجميع تحت الميكروسكوب .
ولمَّا كان .. الارتياب .. قيمة لا لنكفر وإنما لنفهم .. فقد قرأت حواراً للدكتور محمد سليم العوا .. المفكر الإسلامي المعتدل .. نشرته مجلة المحيط الثقافية المصرية في عددها رقم 31 مايو 2004 .
ورغم أن الحوار في مجمله يعبَّر عن لهجة معتدلة وهادئة إلا أنني أعدت قراءته مُرتاباً هذه المرة .. لأن بعض ما جاء فيه من وجهة نظري يعبِّر عن تلك الأفكار التي يتطابق الاعتداليون والمتطرفون في تبنيها وإنْ بطرق مختلفة أو ينسبونها لأنفسهم بيقين يتراوح بين الكتابة إلى إطلاق النار .
ولا يعني هذا أنني أتهم الدكتور محمد سليم العوا بتبني فكر المتطرفين وإنما يعني كما سأوضح أن ( القضايا ) التي نواجهها بحاجة إلى ( قطع صريح ) لا إلى تقليبٍ لا ينتهي في متاهة المتطرفين أو الاعتداليين أو المفرطين .
يميز الدكتور العوا في حواره بين تيارات التشدد والغلو والوسطية ويرى أن الأخير في اتساع كونه استمر في الرد على دعوات التشدد والغلو وفي إدانة العنف سواء ارتكبه هؤلاء الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام أم ارتكبته الحكومات وأجهزة الأمن .
وبصرف النظر عن هذا التقسيم المدرسي الذي يصفُّ أحجاراً للتيارات ويجلس على أحدها فإن ما قام به .. تيار الوسطية .. عمل محمود بالطبع إلا أن ثمة ملاحظتين هنا :
الأولى : أن المساواة بين عنف المتطرفين وعنف الحكومات لا يجوز لأن المتطرفين حينما ارتكبوا عنفهم لم يوفروا لا الحكومات ولا المجتمعات وإنما حملوا خطاباً تكفيرياً وتدميرياً للجميع .. وكان على الحكومات من موقع المسؤولية أن ترد وهذا ما فعلته الحكومة المصرية مثلاً وإلا لما توقفت موجات الإرهاب التي ضربت مصر في التسعينيات من القرن العشرين الماضي .. كما أن عنف الحكومات يمكن الرد عليه بوصفه متكئاً على قمع السلطة ، ولكن عنف المتطرفين يتكئ على الدين في مطلقاته ، ولنتصور أن الحكومة المصرية لم تردع المتطرفين وتركت ذلك .. للوسطيين .. كانوا سيوغلون أكثر في إرهابهم لأنهم ينطلقون من حجر صلب يغير أداة التعبير عن نفسه ولكنه يبقى في جوهره صلباً وغير قابل للنقاش .
ثم إن هؤلاء يجدون شعبية طاغية عند الجمهور العربي كما في حالة رجل مثل أسامة بن لادن الذي يملك شعبية لا يحظى بمثلها الوسطيون أو الاعتداليون .
والملاحظة الثانية : من قاع المجتمع الذي أصبحت أشك كثيراً في أن مفكرينا إسلاميين أو غير إسلاميين يعرفون جيداً ما يحدث فيه .
في حوار على ماسنجر الهوت ميل طلبت مني طالبة مصرية جامعية أن .. ( أتجنب المشركين ) .. وقالت إننا يجب أن نعمل على بناء مجتمع إسلامي وأن نعمل كمسلمين على هداية .. ( الكافرين ) .. وتوجت مواعظها بأنها استمعت إلى الداعية عمرو خالد وأنه هو الذي .. ( هداها ) .. وعمرو خالد كما نعرف جميعا من الاعتداليين ولا يدعو كما نعرف جميعا لحمل السلاح .. ولكنه يشيع ثقافة تصنف الناس وإنْ لم يكن بشكل مباشر فإن الجمهور يتلقاها بوجدان يرفع التكليف الديني إلى مستوى غزو شعوب العالم لهدايتها .. وكلما قلت نحن ( مسلمين ) أكثر من اللازم كلما وضعت الآخر في مربع التضاد التام معك .
وحينما قلت للطالبة لنلتفت إلى مشاكل مصر من فقر وتعليم وصحة ، قالت كل شعوب الأرض عندها هذه المشاكل والمهم كما قالت .. الدعوة إلى الله .. وهذا يعني أن البث الديني المتواصل يرفع الناس عن قضاياهم إلى التجريد الذي يؤدي في النهاية إلى انفصام تام بتحويل الجميع إلى دعاة ومن شأن ذلك إيجاد إرهابيين بجدارة ، وإلا ما الذي جعل رجلا مثل أيمن الظواهري درس الطب وكان طبيباً لا يلتفت إلى مهنته التي كان يمكن أن ينفع بها الناس ويدعو بها إلى الله أكثر من وجوده في مرتفعات تورا بورا .
فهل نما إلى هذه الطالبة .. ( العلم الصحيح ) .. الذي يدعو إليه الدكتور محمد سليم العوا .. وهي التي من منظورها هذا يمكن أن تعتبر القبطي في مصر مشركاً وتتعامل معه على هذا الأساس ؟ أم أن .. ( العلم الصحيح ) .. هو إنضاج مفهوم الوطن الذي يساوي بين جميع أبنائه في شراكة إنسانية ودستورية وقانونية ومعيشية لا تستند إلا على جذر المواطنة وليس على الجذر الديني الذي أنتج ما أنتج من العنف ولا يزال .
على أن الدكتور محمد سليم العوا يتنبأ في حواره بأن العنف سوف يزداد ، ليس لأن له جذر ديني يجب القطع معه إلى حداثة تسمو بالدين وتبعده عن الصراع الاجتماعي والدولي ولكن لأن الشعور بالاضطهاد كما قال الدكتور سوف يزيد من العنف .
ويبرر المفكر الإسلامي المعتدل العنف الذي ساد في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي بأنه رد فعل على شعور المسلمين بالاضطهاد ونهب الثروات ، إن لم يكن على يد الاستعمار بشكل مباشر فعلى يد العسكريين والشركات الرأسمالية التي جاءت إلينا .. وهل يقول أسامة بن لادن في مشاكسته النكدة مع الغرب غير ذلك ؟
رغم عمومية كلام العوا فإنني سوف أسحبه على حالة مصر فقط ، ولا أعرف إن كان سيتفق معي في أن العنف لم يكن سببه الاضطهاد والشعور بالظلم والاستعمار المباشر أو غير المباشر وإنما كان سببه جماعات بالتحديد لها تصور للدولة والمجتمع وتريد إخضاعهما لهذا التصور .. وإلا لماذا لم ينهض المجتمع المصري كله للاصطفاف خلف أصحاب العنف .. لقد فعلها هذا المجتمع مرة واحدة يومي السابع عشر والثامن عشر من يناير عام 1977 رداً على قرارات الدكتور عبد المنعم القيسوني وزير المالية حينها والتي كانت وصفة من صندوق النقد الدولي تمس الخبز اليومي للإنسان المصري .. كان هذا الإنسان يدافع عن قوت يومه لا عن إقامة .. دولة إسلامية .. ارتكب في سبيلها المتطرفون كل الجرائم الممكنة ووجدوا من الاعتداليين كل التبريرات الممكنة .
صحيح أن الدكتور العوا يُخطـِّئ تلك الجماعات ويرى أن الحاجة ماسَّة لإصلاح حقيقي لكنه ينسب الإصلاح إلى تيار .. الوسطية .. نافياً النموذجين الآخرين من وجهة نظره ( العنف المدمر ) و ( المنتمي حضارياً للغرب ) ولعلَّ الدكتور يعرف قبل غيره أن حياتنا كلها الآن مُركبة من حضارة الغرب وأن قبول تطور ما من حضارة أخرى يعني قبول قيمها لا بمعنى التماهي التام ولكن بمعنى المبادئ التي تتلخص في الحرية والمساواة بين البشر والفصل بين الدين والدولة بوصف الدولة محايدة تجاه مواطنيها وأديانهم بل ويحمي الدستور حقهم في الاعتقاد وهي القيم التي يداعبها الاعتداليون أحياناً على خجل لأن قبولها الصريح يعني ببساطة القطع التام مع الجذر الديني في تفكيرهم .. حتى أن الوسطيين أو الاعتداليين لجأوا إلى ايرلندا كما يقول الدكتور محمد سليم العوا في حواره لإنشاء ( مجلس اتحاد العلماء والمفكرين الإسلاميين ) الذي قال إن دولا عربية رفضت إقامته على أراضيها ويرى فيه القاطرة التي ستعمل على إشاعة .. الوسطية .. ومهمة هذه القاطرة بالطبع هي أسلمة المجتمع حتى يمكن للمسلمين المؤمنين بدينهم مطابقة حياتهم للموازين الإسلامية في المجالات كافة كما يقول الدكتور .. وكأن المجتمع غير مسلم أو على الأقل ليس بشكل كامل ..
وها نحن مرة ثانية في المربع رقم واحد لأن هذا الكلام يعني أن المسلمين خارج مطابقة حياتهم للموازين الإسلامية ومن الواجب إعادتهم إلى ذلك ( باتحاد العلماء والمفكرين الإسلاميين )
لندع البلاغة جانباً .. ونسأل إن كان ثمة خلاف بين الاعتداليين والمتطرفين في الالتزام بالموازين الإسلامية .. لكن ما هي هذه الموازين .. هل تعني مثلا الحرية الكاملة بدون رقابة على التفكير أو المعتقد .. المتطرفون لا يرون ذلك ويمكنهم ملاحقة كتاب حتى قتل صاحبه ، لكن الدكتور يرى أن حرية الإبداع وكفالة الحق في التعبير بلا قيود ضمان لأمة قادرة على التقدم من غير نهاية .
حسناً .. ها هو الدكتور محمد سليم العوا يفتح نافذة كبيرة للضوء لكنه سرعان ما يُغلقها في سياق تعليقه على قضية الدكتور نصر حامد أبو زيد .
يشدد الدكتور العوا على الحق في التعبير وإن كان مخالفاً للسائد من أفكارنا أو خروجاً على المقبول عند الناس من ثقافتهم الدينية أو معارضة لما هو ثابت بدليل شرعي صحيح على أن يُتاح لكل ذي رأي مخالف أن يرد ويقيم الحجة حتى تظهر الحقيقة ، وهذا كلام من ذهب يقوله الدكتور العوا ثم يترك الأسى عميقاً في نفسي على الأقل .. حين يقول إن قضية نصر حامد أبو زيد كان يمكن أن تنتهي لو استمع أبو زيد لنصيحة محاميه ووقف أمام المحكمة ونطق بالشهادتين .
ومنهج إمساك العصا من المنتصف هذا لم يعد ينفع ، لأن أبو زيد وكما يعلم الدكتور العوا لو نطق بالشهادتين أمام المحكمة لكان معنى هذا أنه كان مرتداً وتاب والدكتور أبو زيد رفض هذا وشدد على حسن إسلامه .
ويرى الدكتور العوا أن الحكم الذي صدر بحق أبو زيد لم يكن حكما بالردة وإنما كان حكماً بالتفريق بينه وبين زوجته ، وماذا يعني هذا في الحقيقة ، ألا يعني حكم التفريق من وجهة نظر إسلامية أن الزوج أصبح مرتداً ولا يجوز له الاستمرار مع زوجة مسلمة .. وحتى لو كان كلام الدكتور العوا فقهياً صحيحاً ، فمن الذي سيمنع ( مجاهداً لا يفهم ) في ضوء حكم كهذا من قتل أبو زيد كما حدث مع الدكتور فرج فودة .
هل يحتاج منطق إمساك العصا من المنتصف إلى شرح أضافي ؟
التلخيص أفضل :
كان على الدكتور نصر حامد أبو زيد أن ينطق بالشهادتين ( وإن فعل ذلك فقد أقر بردته ) ، وحق التعبير مكفول والمنهج التكفيري مرفوض من وجهة نظر الدكتور محمد سليم العوا ، ولكن ماذا يعني هذا الكلام إن كان الدكتور العوا قد أغلق نافذة الضوء بعدم مطالبته كقانوني وحقوقي بإلغاء قانون الحسبة تماما من منظومة القوانين المصرية .. ولا شك أن الدكتور يعلم تماما أن جماعة الإخوان المحظورة في مصر وضعت قانون الحسبة ضمن مبادرتها للإصلاح .
الحكومة المصرية اتخذت على الأقل خطوة تقدمية بحصر دعاوى الحسبة في نوابها العموميين وعدم تركها للأفراد .
الدكتور محمد سليم العوا يبدي أيضاً سعة صدر كمفكر إسلامي ويرى أنَّ ما يُقال عن الشريعة الإسلامية فيه خلط كبير وأنَّ الجزء الأكبر من الشريعة الإسلامية يطبقه الإنسان على نفسه أولاً .. وأنَّ الجانب الجنائي يمكن تطبيقه عن طريق .. قضاء مختص .. وأسأل الدكتور العوا ( مختص بماذا ) .. إن لم يكن بتطبيق الحدود التي يضعها المتطرفون على قائمة أهدافهم .. وإنْ كان الدكتور العوا يرى في وصول حزب العدالة والتنمية في تركيا نموذجاً لوصول قوى الاعتدال الإسلامي إلى السلطة ، فإن هذا الحزب ملزم بشروط العضوية التي تسعى إليها تركيا في الاتحاد الأوروبي ومن بين هذه الشروط ( إلغاء عقوبة الإعدام ) فهل ستعمل تركيا بموجب المصلحة أم الشريعة ، أم بمبدأ حيثما تكون المصلحة يكون شرع الله ، وإن وصلت قوى الاعتدال الإسلامي كما تطلقون عليها ممثلة بجماعة الإخوان المحظورة إلى السلطة في مصر وقررت تطبيق الحدود وهي تطالب الآن في مجلس الشعب المصري بتطبيق حد الجلد على شاربي الخمر .. فماذا نفعل بتعارض ذلك مع المدونات الدولية لحقوق الإنسان ، هل نتخلى عن الشريعة ونصبح كفـَّاراً أم نطبق الحدود كما فعل جعفر نميري في السودان .. أم نندرج في حياة العصر كما هو حادث في بعض المجالات الآن ونعتبر السجن عقوبة تقوم مقام قطع اليد في إقامة شرع الله .. هذا من الأسئلة التي يجب أن يتصدى لها .. الاعتداليون .. بوضوح تام .. لأننا لا نعيش وحدنا على هذا الكوكب ولا حتى نعيش وحدنا متجانسين عقائدياً في بلد واحد كمصر .
الدكتور محمد سليم العوا في الحقيقة .. يُجيب .. قائلاً إن ثمة .. مشروعاً حضارياً .. يعمل هو وغيره من المفكرين الإسلاميين عليه ويقوم هذا المشروع من وجهة نظره على قاعدتين :
ـ أن يُترك الناس وما يدينون ولا يُكره أحد سواء على اعتناق عقيدة لا يريدها ولا على ترك عقيدة يريدها .
ـ نحن وإياكم ( يقصد نحن والمختلفين على ما فهمت أنا ) يجب أن نعمل على تحقيق المصلحة الوطنية في كل بلد .
كلام رائع لا غبار عليه ولكنه مفخخ .. بعبارات مثل ( المصلحة الوطنية ) .. التي يمكن أن تطرح سؤالاً عمَّا إذا كان من المصلحة الوطنية أن يتولى رئاسة الدولة قبطي أو قبطية طالما يتشاركون في الوطن والمصلحة الوطنية ؟
أم أننا سنعود من باب آخر إلى الصيغة الثيوقراطية للدولة التي ترتب تعاونا مع الأقباط بوصفهم ( إخواناً ) لهم ما لنا وعليهم ما علينا ثم نصمت عن حقهم مثلا في بناء الكنائس بدون شروط إلا ما تقتضيه شروط البناء والعمران .
وهكذا إلى ما لانهاية في الحقيقة يذهب الفكر الوسطي أو الاعتدالي في المداورة متخفياً بحسن نية أو بسوئها لا فرق تحت عبارات ومصطلحات تخفي هي الأخرى نقاط التلاقي بين المتطرفين والاعتداليين وإن كان الاعتداليون أقل خطراً لكنهم يطيلون أمدَ الأزمة بالتقليب في الجدل الذي لا ينتهي إلا بمواجهة الأسئلة الصريحة والإجابة عليها بوضوح تام .
ـ ماذا تعني دعوتهم للديموقراطية هل تعني الاحتكام إلى صندوق الاقتراع ، أم الاحتكام إليه مرة واحدة وبعد ذلك لكل حادث حديث ؟
ـ هل يعمل الاعتداليون على دولة مدنية أم دولة بين ـ بين أم دولة مدنية بغطاء ديني ؟
ـ هل يقدمون القانون على الدين في ضبط المجتمع باختلاف عقائده أم يعتبرون أنفسهم أصحاب الحقيقة الوحيدة ؟
ـ هل يقدمون العقل على النقل ويكفون عن استدعاء الفقه القديم في كل صغيرة وكبيرة ؟
ـ ثم ما هو موقفهم من العلمانية ، هل يعملون على رد تهمة الإلحاد عن العلمانيين وإن كان هؤلاء عقبة في طريق الإصلاح كما يقول الدكتور محمد سليم العوا ، ألا يقف الاعتداليون أيضاً عقبة ، بل إن تأثيرهم أخطر لأنهم يتغذون على المكنون الديني للمجتمع ويشيعون بين الناس ثقافة تصل بهم إلى التعارض بين إيمانهم وشؤون حياتهم وإلى نوع من العصاب الديني الذي يجعل الإنسان مريضاً ومذنباً تجاه نفسه أكثر من كونه إنساناً يصيب ويخطئ .. وسأضرب مثالاً .
من يتقدم للفتوى في راديو أم نقول مذياع حتى لا يغضب المتطرفون والاعتداليون .. لا شك أنه يجب أن يكون رجلا متفتحاً على عصره و .. وسطياً .. لا يميل إلى المغالاة .. لكن أحد هؤلاء الشيوخ أصحاب الفتوى كان في برنامج ديني في محطة إذاعية عربية رسمية يجيب على أسئلة المستمعين .
اتصلت به سيدة وقالت : يا شيخ ماذا تقول في مشاهدة قناة ؟؟؟؟ وذكرت اسم قناة تقدم برامج دينية ، فما كان من الشيخ إلا أن قال إنه لا يشاهد التلفزيون وحينما قال له مقدم البرنامج إنها قناة .. دعوية .. رد الشيخ قائلاً : هكذا بلغنا !!
لا نحتاج إلى ذكاء كبير لندرك أن السيدة قد تدرك بعد الإجابة أن التلفزيون .. حرام .. ويمكن أن نأخذ هذا المثال ونسحبه على أمثلة كثيرة للغاية يفتي فيها الاعتداليون بما يجرِّم جوانب كثيرة في الحياة .
غير أن الدكتور محمد سليم العوا لا يجرِّم العلمانية ويرى في نهاية حواره مع مجلة المحيط أنها تعني تنظيم العلاقة مع الدين وعدم إنكار دوره في حياة الأفراد والمجتمعات ، فلماذا لا يشيع الدكتور كلامه هذا بنبرة أعلى ويقول بوضوح إن العلمانية لا تعني الإلحاد أو الكفر كما يشيع فقهاء أصواتهم عالية للغاية .. وبعضهم ممن يعتبرهم الدكتور .. وسطيين ..
إن مسلما في الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا له من الحقوق والطمأنينة في ظل العلمانية أكثر بكثير مما له في بلده الأصلي الذي لا يزال يتخبط بين معتدلين ومتطرفين و بين ـ بين .
لا أدافع عن المسيحيين ولا عن المسلمين ، وإنما أدافع عن مواطنين لهم الحق كل الحق في وطن ودولة تساوي بين جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات وتحفظ للأديان منزلتها السامية بنص الدستور وتفتح الطريق أمام الجميع للعمل ولعل الدكتور محمد سليم العوا يعرف جيداً حديث الرسول عليه الصلاة والسلام والذي يقول فيه ( إذا أراد الله بقوم سوءاً سلط عليهم الجدل وقلة العمل ) .. والإسلاميون تحديداً من حسن البنا إلى وعاظ الفضائيات الآن أطالوا أمد الجدل كثيراً حتى أضروا بنا وبالدين الإسلامي ضرراً لا أظن إن إصلاحه متاح على المدى القريب .
يعرف الدكتور محمد سليم العوا أن ملخص دعوة حسن البنا كان إعادة الخلافة الإسلامية وأنه كان يسعى إلى أن يكون الملك فاروق خليفة للمسلمين وحينما حاول رجل مثل علي عبد الرازق قطع الطريق على هذا التفكير بكتابه الإسلام وأصول الحكم ، بادر المعنيون من الإخوان والقصر والأزهر بقطع كل طريق على الرجل .
وها أنت يا دكتور محمد بعد نحو سبعين عاما على دعوة البنا تقول إن الخلافة اختراع من الصحابة ، فهل في رأيك سوف ننتظر سبعين عاما أخرى حتى الاعتراف بأن دولة مدنية علمانية كما هو الحال في الغرب والهند رغم كل ما يُقال في نقد هذه الدولة .. أفضل بما لا يقاس من دولة بها شبهة ثيوقراطية .. أخشى أن حبراً غزيراً ودماً كذلك سوف يسيلان قبل اعتراف .. الاعتداليين .. بهذه الدولة المدنية .



#إبراهيم_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرفة البيت .. كريم عبد في كتابه - الدولة المأزومة والعنف الث ...
- اقتصاد .. الخنزيرة .. وثقافتها
- البيانولا
- ومن يأتي .. للفحول .. بحقوقهم
- سلامٌ عليك
- مَجَـرَّة الرمَّان
- ماذا فعل بنا .. هؤلاء .
- قفا .. نضحك
- ليحفظنا الله .. من يوم الجمعة
- جنود السيد .. أحلى جنود !!
- لماذا أنا .. المصري .. أكتب عن العراق ؟
- ما هي حكاية .. الأطفال والنساء والشيوخ ؟
- رسالة خاصة .. إلى صديق عراقي
- حديقة الأرواح
- صلاح السعدني .. خيالٌ واسع .. ومعطوب
- END OF VIDEO CLIP
- هل أنا .. عميلٌ .. للموساد والسي آي إيه ؟
- حدث في .. الفلوجة
- الروض العاطر
- النبأ الطيب .. من تونس


المزيد.....




- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم المصري - الاعتداليون .. محمد سليم العوا نموذجاً