أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 13 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..















المزيد.....

الفصل 13 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2782 - 2009 / 9 / 27 - 04:04
المحور: الادب والفن
    


13

تخلصتَّ يا " لينا " من عبء ثقيل حط على نفسك بعد أن لفظت الانتفاضة آخر أنفاسها .. وأيقنت أنك أنت الوحيدة المستأثرة بي في أعقاب اقتران " غادة " من رجل آخر فضلَّته عليَّ دون إخضاعه إلى مقاييس الاستقرار النهائي ونوع النسل ..
والآن بقيت أنت وأنا الوحيدان اللذان يقفان في وجه هذا العالم الذي تآمر على أحلامنا وطحن أمنيات أطفالنا في أعقاب خمود اشتعال الإطارات المطاطية وقذف زجاج السيارات بالحجارة ..
ربما تأكلين نفسك ندماً بعدما خبا اشتعالي الدائم إليك ! لقد كنت أبحث في عينيها عن لحظة توهج أنكفئ بعدها على صدرك أسمع دقات قلبك الناظم لحياتي المستقرة .. اسألي نفسك : هل لي أن أحس بثقل رأسه على نهدي الأيسر ؟ أذنه تلامس النتوء النافر ، ويدي فوق الأذن الأخرى تداعب الذؤابة وبعض خصلات الشعر القريبة منها ، ثم نبدأ بالعد سويا حتى إذا ما وصلنا إلى الثانية بعد السبعين ، رفعت رأسك ونظرت إليّ في تكرار تلبسنا دونه نشعر أن ثمة نقص أجهض الحالة كلها ، ثم تتقاطع نظراتنا في ومضة سريعة خاطفة ما تلبث أن تقولي بعدها : غداً ستسأل غادة ، هل احتضنت " لينا " الليل كله ؟ هل نامت بين ذراعيك ودفنت رأسك بين ضلوعها ؟ هل صدرها الثالج يشبه في شيء الرمال الصفراء المبللة بالندى ؟ !
إذا كنت يا "لينا " قد خبوت أعذريني ، حجم الفجيعة أصابني بالدوار ، أقعدني كسيحاً مهيض الجناح ، لا أقوى على الاشتعال ، كما كان الحال ، دون أعواد ثقاب ، أو ما ينوب عنها ، أو دون احتكاك جسدي بأي جسم طري لدن ، أو اشتمام رائحة عطر مميز لا يقل انبعاثه عن أزهار الربيع النفاذة ..
وإذا كان لي من فرصة أجدد فيها نفسي ، فلن تكون هي ذاتها التي ذهبت مع غادة مهما تماهت في الإيقاع والخواص ، ولا حتى عندما تعود بعد أن يتحقق المحوران الباقيان ، لأنه ببساطة ، تضاءلت قواي وخفت حماسي ولم أعد بنفس الحمية و الجاهزية ، و مع ذلك ، مازلت أحاول دوماً البحث عن صيغة تجدد فيّ الاشتعال حتى وإن كان أقل مما ينبغي أو أضعف مما كان ..
ربما حين تعود " غادة " ، وأرى " سهام " تحث الخطى ، تتفتح قريحتي ، وأعطي " كنعان "كل ما عندي حتى يستفيد منه وينمي ما عنده . فهي حسبما ذكرت " إيناس " مفرطة الجمال ومتزنة السلوك وعندها من الجاذبية أضعاف ما تمتعت به أُمها ، فضلاً عن الفطنة والذكاء ، فكيف ، إذن ، سيكون حالها عندما تنضج ويحين وقت قطافها ؟ إنها دون شك ستكون شغل " كنعان " الشاغل ، ولن يسمح لأحد مهما كان قريباً منها ، الوصول إليها ومغازلتها ، سينسج من خيوط أيامه حكاية عشقه معها التي ربما تستمر طويلاً ، ولكنها ستتكلل بالزواج وإنجاب الأطفال ومصاهرة المستقبل ..
وربما حين تعود " غادة " يا " لينا " أجد في عينيها ، إن تقاطعت مع عيني ، ما يحفزني على الاشتعال حتى أذيب آخر أيامي في روحك المتوهجة ، وأعوضك بالتالي عن لحظات الصمت التي كابدت فيها مختلف أصناف العذاب ، وأنت ترين إنصهاري الكامل في أتون عشقها ، دون أن تتفوهي بكلمة واحدة تفسد لحظات المتعة وخطط المستقبل ، كما لو أنك فضلت الاحتراق مثل شمعة فوق منضدة قريبة مني على أن تضيء شارعاً عاماً بعيداً لا يقع فيه نظرك عليّ وأنا في كامل هيئة الوقار و المكانة الاجتماعية التي تزيد من رصيد فعلي الانتفاضي وتمكنني من فرض سطوة الأخلاق على تلاوين المرحلة ..
وحين تعود ، لا أحد يعرف ، على أية حال ، حجم الكارثة والمدى الذي وصلت إليه ، ولكن الشيء الأكيد ، بقاء بصماتها لسنوات طويلة على مجمل نسيج حياتنا ، لدرجة يصعب معها التخلص من بقايا الخلايا المدمرة التي غزت كياننا وأحالته إلى بنية مفرغة متداعية آيلة للسقوط .. فضلاً عن أنه ينبغي صب كل الجهود من أجل تقليص حجم الخسائر قدر الإمكان واستنفار الحواس حتى نتمكن من مواجهة استحقاق طال أمده كلما زاد أعباء جديدة من الضروري أخذها بعين الاعتبار قبل التخلص مما نحن فيه ..
أعترف إليك يا "لينا " بصدق خالص ، آملاً ألاّ يجرح مشاعرك ؛ فأنت أدرى الناس بي وبوضوحي وصراحتي : إنها مازالت تسكن في قلبي رغم كل ما فعلته بي ، فهي أكبر من مجرد تاريخ حفرته في ذاكرتي ، قادرة الريح على شطبه من رزنامة الأيام كي تعيد نظم الأشياء إلى وضعها السالف . وكلما تذكرت كيف فلتت من بين يدي ، ينتابني ندم لا يقل عن الندم الذي ينتابها الآن بعد أن أدركت حجم الكارثة التي تسببت بها ، بالإضافة إلى اكتشافها خطأ الطريق الذي سارت عليه ، ولكن بعد أن تعذر عليها الرجوع إلى جادة الصواب ..
أنا واثق من أنك ستقولين : دعك منها ! لا تفكر بها ، فهي لا تستحق منك أكثر من إلقاء نظرة من فوق أكتاف المستقبل !
لا ، يا " لينا "، أنا لم أكن يوماً هكذا ، ولن أسمح بالحقد والكراهية يجرفانني نحو المجرى الذي كنت دوماً أحذر الآخرين منه ..
- إذن ، فأنت مصر على أن تعذب نفسك وربما تعذبني معك لذنب لم أقترفه !
- إذا كان في العذاب ما يقوَّم التجربة فلا بأس منه ..
- وهل في العمر متسع لتكرارها ؟ ثم إن في هذا الأمر إصراراً واضحاً على ذبحي .
- لا تقولي هذا . لا تفهمي الأمور على عكس ما هي عليه . ففي هذا السلوك تمسك غير محدود بك ، لأنه يزيدني اشتعالاً ويجعلني أكثر التصاقاً بعيونك ما بقى لي من أيام .
- كيف ؟ أنت مازلت تعيش معها .. تعيش على ذكرى كانت بينكما . فيما مضى كنت أعتقد أنك زرعت روحك في شرايينها ، أما الآن ، فبت على قناعة بأنها حفرت نفسها في عقلك و لا قدرة لديك على الفكاك من أسر ضحكتها .
- يا إلهي ، كيف تفهمين المسألة ؟ كل ما قصدته إنني مستعد للعذاب إذا كان فيه ما يقوَّم التجربة حتى يستفيد منها "كنعان "عندما يرتبط "بسهام ".. أفي هذا ما يذبحك ؟ !!
- أرجوك ، دعنا من هذا الأمر ولا تحدثني عنه ..
- لا أستطيع أن أعدك بذلك .
وامتصصت آخر شيء كنت أتوقعه بعد أن أخذت نفساً عميقاً ومعه قسطاً من الراحة .. أطبقت شفتي على الكلمات التي كان من الممكن التفوه بها كلما تداعت ذكريات غادة في عقلي، ولم أعد أذكر اسمها أمام "لينا " حتى لا تصاب بحالة من النواح قد تكون سبباً في تأزمها . فإذا كنت فيما مضى لا أقدر على فقدان إحداهما ، بل لست مستعداً عن التخلي عن واحدة منهما ، فقد غدت كل الحوافز تدفعني نحو التمسك " بلينا " بعد أن فقدت غادة ؛ لا لأنها أقل أهمية ، بل لأنني أضحيت معنياً أكثر من أي وقت مضى بالتأكيد على الاستفادة من التجربة بما ينمي خاصية تركيم المعرفة وعدم الوقوع في الأخطاء الكارثية التي من شأنها ضرب بنية الاستقرار النسبي الذي تمتعت به رغم العواصف التي هبت عليّ في مناسبات متفرقة كادت أن تعصف بالبيت والزوجة و الأولاد ..
وهدأت الرياح التي كانت تحمل في دوامتها رائحة الغاز والإطارات المطاطية المشتعلة ، وتشييع الضحايا بين حين وآخر ، وتوقفنا عن زيارة أضرحة الشهداء يومياً واكتفينا بوضع الأكاليل في المناسبات .. وبدأ خطابنا يأخذ لوناً آخر غير ما هو مألوف ، ولكن سرعان ما تم التعاطي معه بعد أن حلت الأيام الباردة بالرموز والأسماء التي لم يسمع عنها أحد من قبل ، وطافت فوق مروج المقاومة غير راكنة للسكون ، فتبوأت المواقع الأمامية وصارت أوامرها غير قابلة للقسمة على اثنين ..
ومع كل يوم ، تصفعنا الأدلة بالبدء بالحكاية من جديد .. نقف في عراء الصحراء وبردها ، حتى نتأمل المآل الأخير .. نمضغ الحسرة ونبكي على أيام خلت كان لطعم السعادة فيها مذاق لا يفسده الوهن أو ملامح ابتسامة شاحبة ركبت الموجة و تسللت إلى شفاهنا ، فصارت من توها كما الإيقاع الحزين الذي يشبه موسيقى جنائزية في موسم توقفت فيه الضحايا عن الذهاب إلى مثواها الأخير جماعياً .. وكانت النهايات قد أوشكت على ترسيم الحدود ، فتداخل الحضور بالغياب ، وغدونا لا نعرف سوى القليل مما يجري خلف الكواليس .. أخذ دورنا يتهمش شيئاً فشيئاً ومعه نفقد التأثير على الأحداث الجارية بغية إنهاء الحالة التي أفرزت مفاهيماً جديدة وجيلاً جديداً كان ومازال مستعداً لحراثة السماء وزراعتها بالغيوم الماطرة التي لها من الخصائص ما يميزها عن السحب الصيفية العابرة التي تملأ الأفق ولكنها سرعان ما تمضى تاركة مساحة الفضاء تتسع لذرات الشمس كي تحتل المكان وتحرق نمو الخلايا لتظهر تحت مسام الجلد البقع الحمراء السرطانية القادرة على تدمير عشق المكان .














#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 12 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 11 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 10 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 8 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 7 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 6 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 5 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 4 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 3 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 2 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ...
- الإنتفاضة العشيقة الزوجة ...رواية
- مازال المسيح مصلوبا فصل :9_10
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 16
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 15
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 14
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 13
- فصل من رواية : صفر خمسة تسعة 12
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 11
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 10
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 9


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 13 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..