أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - مؤسسة الفساد: -كل ناسها بياعين-














المزيد.....

مؤسسة الفساد: -كل ناسها بياعين-


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 2768 - 2009 / 9 / 13 - 21:22
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


أغلب الصحف حاليا تتحدث عن الفساد المستشري في البلاد. وأكثر المقالات تنتقد هذا الفساد كأنه ظاهرة يمكن القضاء عليها من خلال مصطلحات مثل "الشفافية" أو "إصلاح المؤسسات" أو "الديمقراطية". يحتج رموز السلطة الحاكمة في مصر على ذلك أحيانا بزعم أن هذا الفساد محدود وظواهر فردية لا يشكل مؤسسة أو نظاما داخل النظام. بعضهم يعترف بأن الفساد منتشر بصورة مرعبة ولكنه يؤكد أنه ظاهرة عالمية وأن الدولة تتدخل لمحاربة الفساد ولا تتسامح مع الفاسدين.

وحقيقة الأمر أن حجة مسئولي السلطة في مصر بأن الفساد ظاهرة عالمية تبدو قوية وتستند إلى الكثير من الوقائع، فنحن نسمع عن انتشار الفساد في مختلف أقطار العالم، ولا نستطيع أن نجد دولة واحدة لم يتورط كبارها في فضيحة من فضائح الفساد إذا تابعنا ودققنا ولم نعتمد على الفضائح الكبرى أو ما يكشف عنه إعلاميا فقط. لكن حجتهم لا تقوم عندما يزعمون أن الدولة تحارب الفساد ولا تتسامح مع الفاسدين، لأن الدولة تتسامح مع الفاسدين وتتستر على الفساد ليس في مصر وحدها ولكن في أغلب أنحاء المعمورة أيضا. أما قولهم بأن الفساد ظاهرة محدودة أو فردية فلا يمكن التعويل عليه لأن ما يكشف عادة من فضائح الفساد ليس سوى قمة جبل الجليد، وما خفي يكون أعظم.

هذه الحجة مع ذلك تفتقد إلى مقدمة أساسية تكشف عن الخلل الكامن فيها والذي لا تعترف به السلطة، هي أن نظاما سياسيا واقتصاديا معينا في عصرنا الحديث هو الذي يسمح بشيوع الفساد، وهو النظام الرأسمالي الذي يسمح لأقلية من الناس بامتلاك أغلب ثروة المجتمع وقواه الإنتاجية، والذي يحول كل شيء في هذا المجتمع، بما في ذلك أهم الحاجات الإنسانية والعلاقات بين الناس، إلى سلع تباع وتشترى ويسيطر عليها المال، والذي يجعل المال هو القيمة الأساسية والمصدر الأساسي للقوة والأمان في حياة المجتمع.

وعندما يعلق رموز السلطة بطريقة استنكارية على قضية الفساد، فإن تعليقهم هذا يكون منافقا ومخادعا لسببين: الأول أنهم يمثلون النظام الذي يعد الفساد أحد خصائصه الملازمة له – فلا يمكن أن تجد نظاما رأسماليا في العالم خاليا من الفساد، ففي هذا النظام تتمتع الثروة بمكانة مرموقة ومزايا لا حدود لها إلا حدود الثروة نفسها. إنه مجتمع العلاقات السلعية حيث كل شيء من الطعام والشراب والدواء والأجهزة المنزلية والثقافة والضمير والأخلاق وحتى الإنسان مطروح في الأسواق لأعلى سعر وفقا لآلية العرض والطلب. السبب الثاني طبعا هو أن رموز السلطة هم غالبا، ولابد أن يكونوا هم وليس غيرهم، كبار الفاسدين، لأن السلطة نفسها هي السلعة الأساسية في سوق الفساد – فرجل الأعمال لا يرشو موظفا إلا إذا كان الموظف يملك سلطة يستطيع أن يستفيد منها أو قد تعرقل مصالحه، وبهذا المعنى يعد الفساد شكلا من أشكال توزيع الثروة وفقا لمراكز القوة والنفوذ. حتى وإن كان مسئولا أو موظفا كبيرا يرفض الفساد شخصيا، فإنه لا يستطيع أن يوقفه من حوله أو من تحت أنفه.

بالتأكيد تكون النظم الديمقراطية أفضل بكثير من النظم الديكتاتورية في مواجهة الفساد، لكن الديمقراطية في المجتمع الرأسمالي – المجتمع الذي يرعى شروط الفساد وسوقه الواسعة – لا يمكن لها القضاء على الفساد لأنه جزء من تكوينها، فالديمقراطية نفسها لا يمكن أن تفلت من تأثير الفساد فيها. لذلك نجد أغلب أعضاء الكونجرس الأمريكي، ومجلس العموم البريطاني ومجلس الشعب المصري يعيدون إنتاج الفساد من خلال الدفاع عن الشروط التي تسمح بانتعاش وازدهار سوق الفساد. كان ذلك واضحا في مجلس العموم البريطاني أثناء أزمة انتشار "جنون البقر" في التسعنينيات، ومؤخرا أزمة "صفقة اليمامة" التي قدمت فيها شركة بريطانية رشاوى لوزير الدفاع في المملكة العربية السعودية، وفي الكونجرس الأمريكي بمجلسيه الذي يعتمد أعضاؤهما على الشركات ومنظمات الأعمال في تمويل حملاتهم الانتخابية – وهم لا يمولونها طبعا لوجه الله والوطن! ولا نحتاج في مصر لسرد قضايا الفساد وتفاصيلها لأن ذلك يحتاج إلى مجلدات لا زاوية صغيرة في جريدة.

بعض رجال الأعمال طبعا ينتقدون الفساد وانتشاره، ويعتبرونه معوقا للاستثمار، ولكن انتقاداتهم لا تخلو من نفاق، لأنهم ينتقدون الفساد عندما لا يستفيدون منه هم لصالح آخرين، أو الفساد الذي يؤدي إلى تضييق الخناق عليهم لصالح مجموعة أخرى. إنهم يطالبون بالعدل في توزيع فوائد الفساد عليهم، وهذا مستحيل، لأن الفساد له عدالته الخاصة القائمة على الأنصبة المختلفة لمختلف مراكز القوة والنفوذ والثروة.

المشكلة إذن في النظام ومؤسساته وليست في الأخلاق ولا القانون، لأن الأخلاق والقانون أيضا سلع قابلة للبيع والشراء في نظام السوق. ولذلك فالقضاء على الفساد لا يتحقق إلا إذا امتلك ضحاياه والمتضررون منه قوة لا يستطيع أحد شراءها لأنها ترمي إلى إنهاء نظام السوق وإحلاله بنظام آخر حيث لا سلع ولا بائعين ولا مشترين.





#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائفية بين رجال الدين ورجال الأمن
- لا أمان في أرض لم نحررها
- لا نسمع ولا نرى، نضرب ونعذب فقط
- أسئلة الأستاذ أسعد – محاولة للتفكير
- دستور يا دكتور!
- البشر قبل الأرباح
- من أجل العدالة والحرية في إيران
- زيارة أوباما ولي النعم
- عندما ترقص الأفيال
- نكبة 1948 ونكبة أوسلو
- صفقة القمح والجريمة الكاملة
- حكومة رجال الأعمال تكشف أنيابها في زمن الأزمة
- إنها دعوة وأمل أو أمنية
- دفاعا عن -إبداع-
- المشروع والممنوع في دعم المقاومة
- هكذا يفكر دون كيشوت
- الوجه الحقيقي لديمقراطية رأس المال
- سيكولوجية القطيع
- عفة زائفة ودعارة مقدسة
- تحضير أرواح الموتي … هل يصلح ما أفسده الجشع؟


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - مؤسسة الفساد: -كل ناسها بياعين-