أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - العبوس.. عربياً!














المزيد.....

العبوس.. عربياً!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2730 - 2009 / 8 / 6 - 09:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لو كان الابتسام محرَّماً دينياً لقُلْنا إنَّنا في العالم العربي من أكثر، إنْ لم نكن أكثر، الناس تديُّناً، فالعبوس نحن، ونحن العبوس؛ ولكن لماذا؟

لماذا نفتقر إلى إنسانٍ طَلْق الوجه، منبسط المُحيَّا، بشوش الطَّلعة، متهلِّل الغُرَّة، حَسَن البشْر، باسم الثَّغْر، ضاحِك السِّنِّ، مشْرِق الدِّيباجة، فَكِه الأخلاق، رَحِب الصدر مشروحه، تلمع أساريره، وتتألَّق صفحته؟

في بعضٍ من التفسير الخاطئ، قالوا إنَّ الوجه العبوس، المُكشِّر، المُقطَّب، المُجهَّم، هو وجهنا الحقيقي، الأزلي الأبدي؛ وكأنَّه فِطْرة الله التي فَطَرَنا عليها، ولا تبديل لخلق الله.

وفي بعضٍ ثانٍ من التفسير نفسه، قالوا إنَّ السبب جينيٌّ صرف، فالبنية السيكولوجية للإنسان، بأوجهها وجوانبها المختلفة، مُشْتَقَّة متفرِّعة من بنيته الجينية؛ ولسوف نبقى كنهرٍ لا يملك تغييراً لمجراه، نَرْقُب رقوب الراعي طلوع الأخضر أنْ يأتي لنا تطوُّر علم الهندسة الوراثية بحلٍّ جينيٍّ نهائي لمشكلة "العبوس والتجهُّم".

أمَّا إذا سألْتَ عربياً مُفْرِطاً في التشاؤم عن السبب الذي يَحْملنا على الاستمساك بالعبوس، ونَبْذ الابتسام وكأنَّه لنا عدوٌّ مبين، فسوف يجيبكَ على البديهة قائلاً، أي متسائلاً تساؤلاً يقطر دهشة وعجباً واستغراباً من رأسه حتى أخمص قدمه، "ولِمَ لا نعبس، ونظل عابسين، إذا ما كان كل شيء في حياتنا وعيشنا يدعونا إلى العبوس، ويحضُّنا عليه؟!".

ولو كان لهذا أن يعرِّف "الحماقة" لعرَّفها قائلاً إنَّها أنْ تتفاءل وتبتسم وتفرح وتُقْبِل على الحياة.. في واقعٍ (اقتصادي ومعيشي في المقام الأوَّل) يحاصِركَ من كل حدب وصوب بحقائقه، التي تأمركَ بالعبوس والتجهُّم والتشاؤم..، وتنهاكَ عن الابتسام والفرح والتفاؤل..؛ وكأنَّ قصارى قوله هو "المتفاءل أحمق!".

إنَّني منحازٌ إلى هذا التفسير والتعليل؛ ولكن من غير إفراط ومغالاة فيه؛ فنمط عيشنا الاقتصادي هو "البنية التحتية" لعبوسنا وتجهُّمنا..؛ ولا بدَّ لنا أوَّلاً من هدم وتغيير هذه البنية التحتية اللعينة إذا ما أردنا لحربنا على أنفسنا الأمَّارة بالعبوس والتجهُّم أن تؤتي ثمارها، وأنْ ننعم ببنية سيكولوجية جديدة، نَشْعُر بفضلها أنَّ الحياة خير من الموت، وأنَّ الوجود خير من العدم، وأنَّ الآتي لن يأتي على ما بقي فينا من بقايا حُبٍّ للحياة.

قُلْتُ لن أُفْرِط أو أُغالي في انحيازي إلى ذاك التفسير والتعليل، السليم والصحيح من حيث المبدأ والأساس؛ فإنَّ لاعتصامنا بالعبوس والتجهُّم أسباباً تربوية أيضاً.

لقد تلقَّيْنا من التربية السيئة ما مسخ وشوَّه وأفسد في أذهاننا مفهوم "الرجولة" حتى أنَّ كثيراً مِنَّا فهموا، ومارسوا، "الرجولة" على أنَّها الاستمساك بالعبوس ولو اجتمعت فينا وحولنا، وتهيَّأت لنا، كل أسباب ودواعي الفرح، فـ "الرجل" لا تَظْهَر فيه، وتتأكَّد، "معاني الرجولة الحقَّة" إلاَّ إذا أظْهَر كل ما يستطيع إظهاره من عبوس، وكَبَتَ كل ما يستطيع كبته من مشاعر الفرح والسعادة، و"عَسْكَر" كل ما يستطيع "عسكرته" من بنيته السيكولوجية، فكلَّما أمعنتَ في طلاء وجهكَ بالعبوس والتكشير والتقطيب والتجهُّم.. عَرَف الناس فيكَ "الرجولة"، واعترفوا لكَ بها!

حتى في العلاقة بالأبناء نُمْسِك عن التعبير عن عواطفنا ومشاعرنا التي تمور كالبحر في نفوسنا، وكأنَّ في إظهار الحب والحنين والشوق انتقاصاً وإضعافاً لـ "الرجولة"، معنىً ومَظْهَراً وسلوكاً!

إنَّها "الرجولة" إذ مُسِخَت وشُوِّهت وأُفْسِدَت أنْ ترى الزوج مستأسِداً في المنزل، وعلى زوجته، عند عودته من حيث كان مُفرِّطاً في كثيرٍ من معاني الرجولة الحقَّة، وكأنَّه لا يستأسد هناك، أي حيث ينبغي له ألاَّ يستأسِد، إلاَّ رغبةً منه في تعويض خسائره المعنوية هنا، أي حيث يعمل، مُظْهِراً لسيِّده في العمل، وولي نعمته، من الطاعة والخضوع والاستخذاء والتذلُّل كل ما تأباه، وتستكرهه، الرجولة في معانيها الحقَّة، فعلاقة هذا المرؤوس برئيسه هي كأرضٍ أُلْقِيت فيها رواسي من نفاق وكذب وتملُّق وتزلُّف، فالمرؤوس في سعي دائم إلى إقناع رئيسه بأن فيه من العبقرية والموهبة والفضيلة ما يندر وجوده في البشر كافة. كلاهما يحتاج إلى هذا الفساد الأخلاقي في العلاقة على الرغم من أن المرؤوس لا يُصدِّق ما قال، والرئيس لا يُصدِّق ما سمع!

وهؤلاء الرجال المصنوعون من ورقٍ تراهم أيضاً وهُمْ يقودون سيَّاراتهم برعونة وطيش ونزق، فإذا أوقف شرطي المرور أحدهم طلَّقَ ثلاثاً "رجولته"، وشخصية الفارس المغوار التي كان يتقمَّصها، وشرع يَسْتَعْطِف ويتذلَّل توصُّلاً إلى النجاة من عقوبة صغيرة تافهة!

إنَّهم يتلاشون تلاشي فقاعة وخزتها إبرة عندما يتحدَّاهم الواقع أن يكونوا رجالاً؛ ولكنَّهم يستأسدون ويتنمَّرون حيث تنتفي الحاجة إلى الاستئساد والتنمُّر، فَحَقَّ لتلك المرأة التي سُئِلَت عن سبب "استرجالها" أن تجيب قائلةً: "لقلَّة الرجولة في الرجال"!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موت -الخبر-.. في الجريدة اليومية!
- هكذا يُحارَب -التوطين-!
- إذا لم يكن من -التطبيع- بُدٌّ..
- إذا سلَّمْنا ب -نظام القضاء والقدر-.. فهل إرادتنا جزء منه؟!
- أوَّل غيث -التطبيع الجديد-.. -مقالة-!
- ماركس إذ بُعِثَ حيَّاً!
- -الشيخ جرَّاح- هو -رودوس- التي تتحدَّى أوباما!
- لِيُعْقَد في -بيت لحم- ولكن ليس في -بيت العنكبوت-!
- من -أزمة الحل المرفوض- إلى حل -الحل المفروض-!
- الأهمية الحكومية ل -المعارَضة- عندنا!
- ما وراء أكمة -صُلْح- أوباما مع المسلمين!
- اقْضوا على اللاجئين.. تَقْضون على -حق العودة-!
- شتاينماير الذي هزَّ رأسه!
- ما بين -رجل الإعلام- و-رجل الأمن-!
- المخاطر الإسرائيلية.. كيف يمكن أنْ تُواجَه أردنياً؟
- المستوطنات في أسواقنا وبيوتنا!
- تخطِّي الرأسمالية.. أما زال ممكناً؟
- الزمن في حياتنا اليومية!!
- يوم اسْتُعيدت -السيادة العراقية-!
- رِفْقاً بالنواب!


المزيد.....




- تحقيق لـCNN.. قوات الدعم السريع تطلق العنان لحملة إرهاب وترو ...
- ستتم إعادتهم لغزة.. مراسل CNN ينقل معاناة أمهات وأطفالهن الر ...
- أردوغان يريد أن يكمل -ما تبقى من أعمال في سوريا-
- استسلام مجموعة جديدة من جنود كييف للجيش الروسي (فيديو)
- عودوا إلى الواقع! لن نستطيع التخلص من النفط والغاز
- اللقاء بين ترامب وماسك - مجرد وجبة إفطار!
- -غباء مستفحل أو صفاقة-.. مدفيديف يفسر دوافع تصريحات باريس وب ...
- باشينيان ينضم إلى مهنئي بوتين
- صحة غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 31819 قتيلا ...
- هل مات الملك تشارلز الثالث؟ إشاعة كاذبة مصدرها وسائل إعلام ر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - العبوس.. عربياً!