أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمادي بلخشين - طفولة شقيّة ( مآذن خرساء 11/48)















المزيد.....

طفولة شقيّة ( مآذن خرساء 11/48)


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 2702 - 2009 / 7 / 9 - 08:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كانت صورة الشاذّين النرويجيّين ترد على مخيلتي فتضاعف تقززي وتزيد توتري، و تمنعني من السلام و بالتالي من النوم. كآبتي جعلتني أفكر في أب الكآبة و امّ الكأبة و مخزن الكآبة... في صديقي رشيد الجزائري .
رشيد رجل مكتئب بالميلاد، خلق موبوءا بالأفكار السوداء، لا يمكن ان تمرفترة دون أن يسكنه أو يؤرقه تعذيب الضمير.
إجتمع عند رشيد العامل الوراثي، والإستعداد الفسيولوجي وصدمات الحياة ليكون مكتئبا نموذجيا
كنت اعلم ان رشيد يعاني صراعا نفسيا، و احتقارا ذاتيا، و خلافا زوجيا، و بلادا نرويجية لم يتأقلم معها، و سياسة عالمية جائرة، و قروحا سنية و شيعية غير قابلة للبرء.
ممّا ضاعف محنة رشيد و أمثاله أن كل عزاء محظور عليه. لا كأس خمرة ولا صحبة لطيفة خارج اطار الزواج .. كل تسلية ممنوعة بالنسبة له . على رشيد ان يكابد عملية جراحية بلا مخدر، تماما مثل اطفال البوسنة الذين تبتر اطرافهم بسكاكين المطبخ، وهم يطلقون صيحات ألم مروّعة .

ــ حين تمنيت الموت بصاعقة من السّماء، اتهمك بعض المصلين بضعف الإيمان!
ــ كريم حامد دون شك .. اليس كذلك ؟
ـــ نعم هو نفسه
ـــ .....
كان كريم حامد أغبى بكثير من الإقتناع بفقدان الصلة بين الإكتئاب و ضعف إلإيمان، لأجل ذلك قدّرت أن من العبث إعلامه أن "الإكتآب يحصل نتيجة تفاعل عوامل كثيرة منها العامل الوراثي، حيث اثبتت عدة دراسات أن نسبة هذا المرض بين التوائم المتماثلة تصل الى 68% و حوالي 23% في التوائم المتآخية...[ رشيد توأم!!] و منها عوامل البئية، و منها العوامل البيوكيمائية التي يسبّبها التعرض لإضطراب في الجهاز الغدي أو الجهاز العصبي، أو في كيميائية الجسم، بالإضافة الى الخلل العضوي في موصل الإشارة العصبية سيروتين الذي يحدث في الفصّ الوسطي من المخ في الجزء الأيمن من الدماغ ".
ـــ قبل عشرين سنة، قرأت قصة روسية قصيرة عن مريض حسبه الطبيب ميّتا لأجل ذلك دفن حيّا... كان المريض خلال تشخيص الطبيب و تكفينه و تجهيزه واعيا بكل ما كان يدورحوله. غير انه كان عاجزا عن الحركة و الكلام ...تصوّر سامي ... بقيت حوالي عشرين عاما وأنا خائف من ملاقاة نهاية كنهايته.. حتى اني اقترحت على زوجتي وضع هاتف نقال في تابوتي! . و لكن منذ سنتين فقط اصبحت اتمني لو ادفن حيا... فلأتعذب ساعة أو عشر ساعات لنقل ثلاثة أيام. المهم أن اتخلص من هذا الواقع المؤلم باي شكل من الأشكال...
ــ هذا قدرنا يا رشيد, يجب علينا الثبات الي النهاية على أرضية هذه المحرقة السلفية البغيضة

رشيد يعلم ... ككل المسلمين ان من انتحر عذبه الله بالشيء الذي قتل به نفسه، فمن شنق نفسه يكون عقابه الشنق المستمر و من رمى نفسه من عمارة يكون عذابه القاء نفسه من ارتفاع مماثل.
ــــ ليكن عزاؤك ذكر الجنة، و ما أعدّه الله للمتقين .
ــــ لا حاجة لي في الجنة ليرحنى الله من هذا العذاب.... استغفر الله العظيم .هل في امكانك ان تجيبني عن هذا السؤال؟
ــــ ....
ــــ لماذا يموت الرسول في أوج قوته؟ و لماذا يقتل عمر بن عبد العزيز في الأربعين من عمره؟ و يبقى بورقيبة حيا حتى يخرأ على نفسه و على كل الشعب التونسي؟

أسرّت زوجة بورقيبة الي بعض مقربيها أنها شمت رائحة نتنة حين كانت تصحب زوجها الى البيت الأبيض للقاء الرئيس الأمريكي. بعد فحص الحفاظة الرئاسية تبين ان الدكتاتور الخرف فعلها على نفسه!
ـــ هذا تقدير الهي لا يمكننا معه غير التسليم المطلق... ثم لا تنس ان الله قد أمرنا بالتخلص من بورقيبة منذ اللحظة الأولى من اغتصابه السلطة، للبرهنة عن ايماننا .
أردت ان اخفف من توتر رشيد حكيت له نكتة شهيرة راجت في تونس .
رشيد يسكن في الحدود التونسية في مدينة عنابة، كان بامكانه التقاط بث التلفزيون التونسي بسهولة . لأجل ذلك كان مستوعبا لتاريخ الحركة الوطنية. كما كان يحفظ جيد تاريخ المجاهد الأكبر ..وهجرته الشهيرة الي ليبيا على جمل و كيف امتطى المجاهد الأكبر حصانا عربيا اصيلا حينما استقبلته الجماهير في حلق الوادي و هو قادم من فرنسا فور حصول تونس الإستقلال الذاتي
ـــ النكتة تقول ان بورقيبة كان يقف بباب الجنة .
ضحك رشيد ثم قال :
ــــ كيف يقف بباب الجنة من هو أسوأ من ابليس؟

الكهنوت السلفي هو التي صور للشعب التونسي أن دكتاور تونس يؤمن بها أكثر من اي تونسي... ثم كيف يصدق الشعب التونسي ان بورقيبة لا يؤمن بالجنة و هو يرى البقرات السلفية ليلا و نهارا وهي تمجده و توصي بطاعته و تحرم الثورة عليه ؟!. رشيد يعلم ايضا ان بورقيية حينما بلغ السادسة و السبعبن من عمره القى محاضرة في اطارات التعليم العليا و أعلن فيها عدم ايمانه بالغيبيات، كما سخر من عصا موسى ... وادعى ان القرآن متناقض .
ـــ دعنا من هذا هات نكتتك و ليذهب بورقيبة الى الجحيم.
ــــ حين كان بورقيبة يقف بباب الجنة أقبل عليه جمل و طلب الدخول فقال له : ماذا فعلت لتدخل الجنة؟ أجابه الجمل : هل نسيت حين حملتك على ظهري الى ليبيا ... اعتذر الزعيم و سمح للجمل بدخول الجنة ، بعد حين جاء حصان، و لما كان بورقيبة ذكيا بادره قائلا : اظن انك الحصان الذي حملني حين رجوعي من فرنسا قال: انعم فادخله .. بعد ذلك جاء الحمار. طلب الدخول فاعتذر بورقيبة .حين احتج الحمار بدخول الجمل و الحصان أعلمه بورقيبة ان دخول الجمل و الحصان كان بسبب خدمات أسدياها لفخامته " ماذا قدمت انت حتى تدخل الجنة ؟" هكذا ساله الزعيم .. اجاب الحمار:" قدمت الكثير ... فلولا ثمانية ملايين من أمثالي ما حكمت تونس ساعة واحدة !"
ضحك رشيد لكنه سرعان ما عاد الى وجومه .
ــ هذا قدرك ،كل شيء يحول بينك و بين التخلص من حياة لا امل فيها و لا عزاء كل ما
فيها بغيض . تركيبة نفسية متآمرة تجعلك جلاد نفسك , منفى بغيض و زوجة بغيضة و جار بغيض ووضع سياسي كريه ...ذكريات مؤلمة و حاضر مدمر، وغد لا يعد بغير الألم و المعاناة . الماضي طعنة غائرة في القلب، و الحاضر جرح مفتوح، و المستقبل لغم مموه باحكام .

بقدر ما كان رشيد شديد الحساسية الى حدّ كبير، بقدر ما كانت الصدمات التي تلقاها حادة وذات دمار شامل. عشر ما تلقاه رشيد كان يكفي لتشويه نفسية أي شخص في عالم عربي تهيأ افراده بفعل الظلم السياسي و التمييز الطبقي لهضم اهانات يومية ثابتة. كما كان عشر ما تلقاه رشيد يكفي بان يقتل البهجة و يميت الأمل و يجتث كل رغبة في الحياة من نفس أي فرد عادي، فما بالك بإنسان حساس مثله.
كان من الضروري اسلام رشيد الي أبوين خبيرين في فن التعامل مع امثاله من الحالات الإستثنائية لكن اسلام رشيد الي ابوين فظين لم يكن يختلف عن القاء ورقة بيضاء بين قوائم خنازير تعج بهم زريبة موحلة.
عاش رشيد في جو عاصف والد سكّير، و أم قاسية و سليطة اللسان .
ـــ اكتشفت منذ وقت مبكر اني مسكون بقضايا لا يبالي بها من هم اكبر مني سنا . عندما كنت في السادسة كان يصيبني غم شديد عقب كل شجار بين أبي وأمي... كان إخوتي الكبار يهبون للفصل بين والدي وقد تصيبهم احيانا بعض ضرباته الطائشة وعندما يفشلون في تدخلهم الجسدي كانوا يبكون و يتوسلون الى والديّ معا. كانوا يرجون من والدي أن يكف عن الضرب و يناشدون والدتي ان تسكت لوجه الله ووجوه جميع الأولياء و الصالحين ، ولكن والدتي لم تكن تسكت أبدا . كانت كلما تلقت شتيمة ردت عليها باثنين ..
اصرار والدتي على الشتم و اللعن لا يقل عن اصرار والدي على الضرب . كان اخوتي يحزنون لتلك المشاجرات، لكنهم سرعان ما يشرعوا في تبادل الضحكات و التعليقات الساخرة حتى بعد مرورأقل من ساعات قليلة على فض الإشتباك. الشجار تعقبه مقاطعة و جو مشحون بالتوتر و الإنذار بجولة شجار جديدة، عند الإشتباك الجسدي لم اكن اتدخل كانت سني لا تسمح لي بذلك، كنت التصق بالحائط و اشرع في البكاء مع اختي الأصغر مني سنا . بعد فض الإشتباك الذي ينتهي كل مرة باستغاثة أحد اخوتي بالجيران، اظل واجما وصامتا ، كنت أنزوي في ركن من البيت لأشرع في استعراض أوخم العواقب التي قد يسفر عنها ذلك الصراع العائلي .
ــ ما هي أسواء تلك الإحتمالات اطلاقا ؟ .
ــ أسوأ الإحتمالات أن تقتل والدتي وهي تضرب، ويعدم أبي ..فأخسرهما معا. أما الإحتمال الأقل سوء ا فحدوث الطلاق... في بيتنا، كان الطلاق مثل الديمقراطية في اي بلد عربي، نسمع عنها كثيرا ولا نرى آثارها، في كل مرة كان امي تطلب الطلاق، كان ابي يسرع في تحقيق طلبها محفوفا بلعنها ولعن والديها و لعن من عرّفه بها دون ان ينسى لعن المأذون الذي عقد زواجهما. و لكنهما لا يفعلان شيئا أكثر من الكلام و التلاعن. لكن مجرد سماعي كلمة الطلاق كان يصيبني برعب شديد.
ــ ماذا كان يعني الطلاق بالنسبة الي طفل في السابعة ؟.
ـــ لا يعني شيئا لو لم يكن ذلك الطفل هو ذلك الرجل التعيس الذي يمثل امامك .
سكب لي رشيد المزيد من القهوة دون أن يتوقف عن الحديث :
ــ كان الطلاق يعني لدي الكثير.أولا كنت اخشى مصيرا كمصير زميلي حافظ .. كان انفصال والديه سببا في التفريق بينه و بين أخيه الذي كان شديد التعلق به . فقد اعطيت حضانة اخيه الصغير الى امه في حين بقي حافظ مع أبيه. ثانيا كنت اعلم مايسببه الطلاق من الم للزوجين .
ــ يا لهي كيف ادركت ذلك ؟
ـــ كان يؤلمني كثيرا شكوى قريب والدتي من تطليق زوجته له! . كان ذلك القريب يسكن في فرنسا ،و كان يزور الجزائر كل صيف، كان شقيا في زواجه، أناء زيارته للجزائر كان يتردد كثيرا على منزلنا ، في أول كل زيارة كان يعطيني لوحة من الشيكولاطة، بعد ذلك كان يعطيني قطعة نقدية ...كان دائم الحزن . علمت فيما بعد أن زوجته الفرنسية كانت تخونه: ضبطها مع سينيغالي . ذات مرة رايته يبكي امام امي كصبيّ... لقد توفي المسكين منذ أكثر من عشر سنوات ... لأول مرة كنت ارى رجلا يبكي . كنت اظن ان الصبية و النساء فقط هم الذين يبكون . عندما كنت اسأل امي: لماذا يبكي كانت تقول لي " لأنه طلق زوجته" و كنت اسالها " كيف يطلقها ثم يبكي؟ لماذا طلقها اذن ؟ " كانت تنهرني " إغرب عن وجهي ،لا تتدخل في حكايات الكبار ". صرت مقتنعا ان الطلاق شيء فظيع و مؤلم الى حد يجبر الرجال على البكاء .هل سيبكي ابي ايضا فور تطليقه امي ؟ تخيلت ابي وهو يبكي... كما كنت اعلم ايضا ان المراة تتألم كثيرا من الطلاق فقد سمعت والدتي تردد في مناسبات عديدة ما حدث لجدتي من متاعب نفسية و مادية بعد تطليقها . لأجل ذلك كثيرا ما كنت اتساءل: اذا كان الطلاق مؤلما للرجل و للمراة، فكيف يقدمان عليه ؟...ثالثا كنت اخشى من الطلاق لأن أبي سيتزوج حتما من جديد و يتركنا دون دخل... ربما تجبرني الخصاصة على التصريح الى مدير المدرسة انني احتاج الى مساعدة كسائر زملائي
المعدمين !.
ــ كيف كنت تفكر في كل هاته الأشياء و انت بعد في السابعة ؟
ــ ذلك ما حدث بالضبط .
سألت رشيد :
ــ ما قصتك مع مدير المدرسة ؟.
ــ ذات مرة كنا في الفصل فدخل علينا مدير المدرسة صاح المعلم " انتبه" ثم امرنا بالوقوف يبدو ان المدير كان مستعجلا اشار الينا بيده " اجلسوا " بعد ذلك أدخل يده تحت سترته واخرج من جيبه الداخلي كنشا أنيقا كان يتدلى منه قلم رصاص ذهبي المؤخرة ..كان القلم مربوطا بالكنش.. أوحى الي مشهد الكنش و القلم بفكرة ماذا لو ربط كل رجل بزوجته حتى لا يفكر أحدهما بالإنفصال عن الآخر..و بذلك يوفران عل انفسهما الكثير من البكاء، و على اطفالهما الكثير من الألم و المعاناة . لكن كيف تصنع والدتي وقت ذهاب ابي الى العمل هل سيجرّها معه؟ . هل سيصحبها ايضا الى المقهي حيث الرجال الغرباء؟! ، أيقنت بسخافة الفكرة حين وصل تداعي افكاري الي الحمام التركي، حيث النساء نصف عاريات. و حيث صاحبة الحمام الصارمة التي انذرت والدتي بعدم قبولي بعد سن الثامنة... فكيف سيكون شانها مع أبي ؟!.
ــ الي هذا الحد كنت تخشى الطلاق ؟
هز رشيد راسه:
ـــ نعم ... بعد ذلك جلس المدير على الطاولة التي كان يحتـلها المعلم، ثم قال لنا" بدءا منذ الشهر القادم سنشرع في توزيع اكلات مجانية ساخنة في منتصف كل نهار، كما سنوزع لمجة بعد العصر، هذا بالإضافة الي توفير أحذية مطاطية و قميص و سراويل لكل محتاج . فمن كان والده فقيرا أو قليل الدخل فليرفع يده" .
سارع التلامذة الي رفع أيديهم، كما ارتفع ضجيجهم " سيدي، سيدي " لم يبق الا أنا و طفل واحد... كان ابن المدير. لم اكن احتاج الي تفكير فقد حسمت القضية منذ أول امس . كل التلاميذ كانوا على علم بان هناك معونة ستوزع ." أنا لست فقيرا و في غنى عن مساعدة أي أحد "، كنت اسمع والدتي تردد دائما " الحمد لله ، أحنا كيف الناس، وأقل من الناس ، وخير من الناس".. حفظت هذه الجملة الموسيقية لأني وجدتها متجانسه مع" قل اعوذ برب الناس ملك الناس اله الناس" اول ما حفظته من القرآن. بعد أن أعاد الهدوء الى الفصل، شرع المدير في تسجيل أسماء المرشحين للمساعدة... رفض تسجيل اسماء بعض التلامذة، حين اصر احدهم على تسجيل اسمه وبخه المدير :
ـــ إخرس والدك يملك دكان فواكه وخضرأكبر بكثير من هاته القاعة " ثم اضاف وهو ينظر الى المعلم :" دخل ابيه يزيد عن دخلي و دخلك مرتين!" .
طمعا في تعاطف اكبر، ادلى أحد زملائي بمعلومات اضافية... حين سأله المدير عن حالته المادية طأطأ راسه ثم قال في لهجة منكسرة:
ــ "سيدي سيدي أنا بابا أعور و يبيع في البثل( البصل)" ، كان التلميذ الثغا لأجل ذلك أضحك كل الفصل، حتى المدير فارقه وقاره فانساق مع الضاحكين.
لأنني لم اكن اختلف عن بقية التلامذة في رثاثة الهندام تطوع المدير بتسجيلي رفضت ذلك و قلت له:
ــ سيدي... أنا لا احتاج الى مساعدة ،أبي يشتغل في البناء ولا يرتاح حتى يوم الأحد و العطل الرسمية . ضحك المدير ولم يقل شيئا . زميلي شريف نقل الي اسرتي ما قلته للمدير حرفيا . لم ينس احد تلك الجملة، بعد خمسين سنة ما زالت والدتي تذكرني بما قلته للمدير مقرونا بجملة شهيرة صرّح بها ابن خالتي جلال ، زميلي ايضا في الفصل و تولى شريف نقلها ايضا... زميلي شريف لا يملك من معنى اسمه شيئا ... شريف هو الشخص الذي دمّر حياتي ، و حكم علي بالعذاب الأبدي.... كان والد جلال يملك قطع ارض فلاحية شاسعة تضم مئات من اشجار الزيتون و تدر عليه محاصيل وافرة. بالإضافة الي ذلك، كان يشتغل في البلدية. حين سأله المدير جلال عن شغل ابيه أجاب" سيدي بابا ميّت !! " رد عيه المدير " ما تستحيش أبوك حضر الي مكتبي أمس يطلب تسجيلك في قائمة المعدمين , كان مكتنزا كثورهولندي حقيقي . فمتي مات ابوك يا كذّاب ؟" بعد ذلك امره بالصعود الى المصطبة و الإلتفات الي الحائط ثم رفع يديه. فور فراغ المدير من تسجيل بقية الأسماء استعارمسطرة و ضربه بها على اصابعه حتى ادماها .
.حين سمع ابي قول جلال بصق على الأرض ثم قال :
ــ يبدو ان الولد رخيص مثل والده ! .
علمت فيما بعد ان والد جلال كان يتعاون مع قوات الإحتلال الفرنسي و قد نجا مرتين من الإغتيال!

حكاية رشيد ذكرتني بالفقر الذي كنا نكابده ايضا في تونس،ارددت ان اخفف من توتر صديقى الجزائري قصصت عليه ما جرى لأبي مع زوج خالتي ....كان يشتغل مع ابي في وزارة الأشغال العامة... ذات صباح لا حظ ابي توتر زوج خالتي وعصبيته المفرطة .. حدة زوج خالتي دفعته الي التشاجر ثلاث مرات في اقل من ساعتين ... حين سأله ابي عن سبب توتره الزائد اخبره انه قرر إبطال التدخين بداية من ذلك اليوم، بسبب كثرة المصاريف التي فرضها انتقال ابنه صالح الى مرحلة التعليم الثانوي:
ـــ لا بد أن اضحى بمتعي الخاصة في سبيل توفير حاجيات ابني .
بعد قليل اضاف :
ـــ بالأمس سلمته كل ميزانيتي المخصصة للسجائر، حتي يقتني كتابا مدرسيّا.
عند رجوع والدي من العمل قص علينا معاناة زوج خالتي... بعد ذلك ضحك طويلا قبل ان يضيف:
ـــ في طريقي الي البيت شاهدت صالحا... كان برفقة خمسة من زملائه... لم يرني بالطبع... فوجئت كثيرا حين رايته يخرج من جيب سترته علبة سجائر من النوع الفاخر... وزّع خمسة منها على زملائه، قبل أن يدسّ السادسة بين شفتيه...الطريقة التي كان صالح يدخن بها، تحملني على الجزم بأنها أول سجائره !





#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواقف عنصرية (مآذن خرساء 10/48)
- مع الفرنسي بلال ( مآذن خرساء 9/48)
- العمارة اللعينة (مآذن خرساء 8/48)
- مع مبشرة حسناء(مآذن خرساء 7/48)
- دناءة ( مآذن خرساء 6/48)
- لقاء ( رواية مآذن خرساء5/48)
- جولة ليلية (فصل من رواية)
- هروب (فصل من رواية)
- مأساة حارث بتروفيتش فصل من رواية
- مائدة من السّماء !( فصل من رواية)
- إصرار (قصة قصيرة)
- حداد ( قصة قصيرة )
- إستياء ! ( قصة قصيرة جدا)
- مقدمات ( قصة قصيرة جدا)
- لماذا استحق قاضي قضاة فلسطين اللعن (خبر و تعليقان)
- إستهانة القرضاوي بعقول المسلمين
- ضرورة محاكمة القرضاوي وعصابته الإخوانية كمجرمي حرب
- أقبح فتوى في تاريخ الإسلام أصدرها الكاهن الإخواني جوزيف القر ...
- الإقتصاد الإسلامي- قمّة و عن يمينها و يسارها منحدران-
- المقامة البورقيبيّة 2/2


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمادي بلخشين - طفولة شقيّة ( مآذن خرساء 11/48)