أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الحيدر - لا... انها ليست كفي !















المزيد.....

لا... انها ليست كفي !


حيدر الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 2643 - 2009 / 5 / 11 - 05:44
المحور: الادب والفن
    



أجزاء جسمي الحقيقية ُ كلها كانت تعود لي ،
ساعة خرجتُ مبكراً صباح هذا اليوم من اجل التبضع لشهر رمضان .
كان رأسي مثبتاً برقبتي التي تدور ضمن حدودها فوق جذعي
الّذي تحمل ثقله طرفايَّ السفليان ،
أما طرفايَّ العلويان فكانتا تتحركان بمرونة ٍعند إتصالهما بالمنكبين .
وهكذا كانت تعمل بنشاطٍ وإنتظامٍ جميع أجزاء جسمي ...
أما عيناي اللتان تغوران بتفاصيلهما الدقيقة داخل تجاويف رأسي ،
فكانتا تتجولان بعدستيهما الصغيرتين في رحاب ذلك السوق الكبير ،
الّذي قصدته هذا الصباح .
شعرتُ بالارتياح وغمرتني نشوةٌ عارمةٌٌٌ وكأني أرى الفرحة ترتسم ُ من جديد
في ذلك السوق القديم منذ سنين ثقالٍ اتعبتنا عناوينها .
الباعة بمرحهم المعهود وعباراتهم الساخرة إفترشوا الارصفة الضيقة ،
وكلٌ يُروِّج لبضاعته وبطريقته الخاصة ....
العدستان تتحركان بشغفٍ وهما تحاولان إستباق الزمن في التقاط المشاهد
ونقلها لحظةً بلحظة ٍ الى مركز القيادة في الرأس بكم ٍ هائلٍ كثيفٍ من الصور :-
[ تلك طفلة ٌ يطير بها الفرح ُ وهي تُمسك بيد أمها ، لقد ابتاعت لها دمية ً صغيرةً
وعلبة شكولاته ودفاتر مدرسية تُرفرف في سماء اغلفتها فراشات بألوان الاقلام
التي رتبتها داخل حقيبتها المدرسية الجميلة ، ليستقبلها الصف الاول،
بعد ان تهيأت المدارس لفتح ابوابها معلنة عن بداية سنةٍ دراسيةٍ جديدةٍ بكل معانيها ...
تنتقل العدستان لصاحب متجرٍ يعرض بضاعته بأمانٍ ،
يتسلم بعض الأوراق النقدية من احد المتسوقين ،
يتفحص بسخريةٍ صورة المهزوم الهارب مبتسماً بخبثٍ عليها .
ينفثها ببصقةٍ متقززاً من بشاعتها ، ويرميها في درج خزانته
بإنتظار إستبدال العملة الجديدة بها .....
إنتقالة بالعدستين لزاوية أخرى ...
إمرأةٌ عجوز ٌ إتخذت مساحة ً ضيقةً من الرصيف مكاناً لبيع الشاي ..
جلس من حولها عمال بناء كُلفوا بترميم بناية ٍ مجاورةٍ ، دمرت الحرب اجزاءًمنها .
ربما كانت العجوز مضطرة لهذا العمل الّذي لا يناسب شيخوختها ،
ولعلّها فقدت من يعينها من اولاد ٍ في حرب ( البسوس ) ... !
بالقرب من المكان معوَّق حربٍ توكأ على عُكازةٍ شُدت أجزاءها بخرقٍ خضراء اللون
اللون جاء بها من مرقد ( أحد الأولياء الصالحين ) تبركاً ، يتنقل بمشقةٍ بالغةٍ ،
وهو يبيع أعواداً من البخور الهندي ...
تستمر العدستان في تجوالٍ سريع ونشاطٍ غير معهودٍ وهي تلتقط الصور
في تتابع ٍمنتظمٍ ٍوتبثها الى الدماغ الّذي أخذ يفسر الأشياء بسرعةٍ
خشية أن يتخلف عن الكومبيوتر الحديث .
في خضم ذلك الزحام الشديد تنتقل العدستان لتثبا صوب نحيفٍ هزيلٍ أصفر الوجه ،
بلحيةٍ كثةٍ ، تدور عيناهُ الجاحظتان بإرتباك وترقبٍ غامض ،
وهو جالسٌ خلف مقود شاحنةٍ لا أظنها كانت تحمل ُ لعباً للاطفال ]
إنتبه لنظراتي فإرتجفت كفه اليمنى التي كانت تُخفي شيئاً ما .. !

كل شئٍ كان يبعث على الإطمئنان قُبيل ان تضغط اصابعه الشيطانية على ذلك الزر الأسود .
وفي لحظةٍ خارج حدود الزمن الجميل إنفجرت الشاحنة ،
وتحول المكان لهباً مشتعلاً بفعل دوي عاصف ٍ إهتز على إثرها ذلك السوق الكبير .
تطايرت الأشلاء لترتطم بما يُحيط بها ، وإنطلق الدخان لاهثاً مغلقاً أبواب النجاة .
حينها أدركتُ أن رأسي يطوف مُحلقاً في الفضاء يبحثُ عن مكانٍ يستقر فيه .
وبين المسافة الزمنية تنقل ُ واحدةٌ من عينيه بعدسةٍ مشوشةٍ صوراً ،
تختلف عن سابقاتها من الصور :-
[ تتهشم الاباريق في موقد النار ويلتصق جسد العجوز بجدارالحائط القريب منها ،
بينما تلتف عباءتها بأحد أعمدة الكهرباء لتصبح راية حداد فوق أشلاء زبائنها ،
الّذين لم يهنؤا بشرب الشاي .
أطراف الطفلة تُمسك بدميتها الصغيرة ورأسها يعانق صدر أمها الممزق ...
تتناثر دفاترها وأقلامها الملونة حول جسدها الناعم ،وهي تسرح في نومٍ أبدي ٍ
تحلمُ بترديد : دار.. داران .. دور .
التاجر البدين يتوارى داخل متجره المحترق،
وتندمج أنفاسه بنغمات الدخان المتصاعد من دُرج خزانته ،
فما عاد بمقدوره إستبدال العملة .
أما بائع البخور فقد إنشطرت أجزاءه فوق الطريق وعلى كل بقية منها
عود بخور مشتعل يفوح برائحة المقابر في موسم حصاد الأرواح ]
وأخيراً يستقر رأسي عند ناصية الطريق .أشعر بدوارٍ وغثيانٍ ،
تُسدل أجفاني ستائرها بهدوء ٍ وأنا اُغادر ذلك المسرح الرهيب ...
أفتح عينيفي قاعة تفيض بالضياء ، أجد رأسي محمولاً بين كفّي مخلوقٍ غريب ،
موشح بالبياض .
صرخت به : الى اين تريد برأسي ؟
أجابني ببرودٍ : لألحقه ببدنك ...
شعرت بنوع من الرضا بعد أن الصق رأسي برقبتي التي كانت دائمة الاتصال ببدني .
نظرت الى جسدي فوجدته بساقٍ واحدةٍ أما الثانية فلم أظفر برؤيتها ،
شأن ساعدي الأيمن الّذي لا أعلم أين إختفى !
يتقدم مخلوق آخر وهو يحمل ساقاً بقدم غريبة ليلصقها بصابونة رجلي .
صحت به : ويحك ... هذه ليست بساقي .
أجابني مبتسماً : نحن أدرى بك منك بساقك .
ضحكت من قوله ،
وقلت له : ألا ترى إني أحتذي حذاء ً اسود ،وتلك الساق بقدم ٍ تحتذي ( بوتين ) ؟
أغلق فمي بكفه وقال لي هامساً :أس .. نحن لا نتدخل في السياسة .. !
جاء آخرٌ بساعدٍ تدلت منها كف ٌ بأصابع ضاغطةٍ على زرٍ اسود .
وقف بميمنتي وهو يحاول إلصاقها بعضدي الأيمن من المرفق .
تساءلتُ كف من تكون هذه .. ؟
وصحت به صارخاً : أنا لست صاحب هذه الكف ..إنها ليست كفي ..
إخلع هذه الكف وتلك القدم عني .. إرفعهما عن جسدي .
ضحك مني فازداد صراخي حتى إنحبست انفاسي .
تنبهت لنفسي ممدداً فوق سرير ٍ أبيض ، مبتور الساعد وبساقٍ واحدةٍ
وحين حاولو إسناد ظهري لوسادة السرير ،شعرت بثقل في رأسي .
نظرت في المرآة التي أمامي بتلك العدسة المشوشة ،
رأيت وجهاً ممزقاً لا يشبه وجهي ،
تجاوزتُ وجهي المهشم وساقي المبتورة ،
وركزتْ عيني الوحيدة نظراتها الثائرة صوب أعلى اليمين من جسدي ..
وبدأت أصرخ : تلك الكف لم تكن كفي ....
أكاد لا أصدق .. كيف حدث ما جرى ولماذا ؟؟
إن أجزاء جسمي الحقيقة كلها كانت تعود لي ساعة خرجت مبكراً هذا اليوم
وقبل أن تلمح عيني ذلك الإرهابي البغيض وتلك الكف الرعناء بأصابعها الغادرة
.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيدر الحيدر ــ 30 / 9 / 2003
من مجموعتي القصصية ( أصداء تدوي في فضاءات أحلامي )



#حيدر_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما قيل عن فراسة المارشال
- الزائر الغريب ما عاد غريباَ
- العجوز لمْ تمت بعد /قصة قصيرة
- ما زلت بيننا يا عادل كوركيس
- قصص قصيرة جداً
- البحث عن الحقيبة الضائعة
- اسم الوليد القادم ابوذر
- الغراب وبيض العصافير
- رحلة الصعود / قصة قصيرة
- نابو / مسرحية
- الوردة البيضاء تغني / قصة قصيرة
- ماء يتدفق من بئر بترول
- النبع العظيم في الارض الطيبة / مسرحية للأطفال
- هذيان عند أطراف السماء
- الضباب في امريكا / مسرحية
- العجوز الشمطاءعند خط الشروع / قصة قصيرة
- نهاية الثعلب الماكر / مسرحية للاطفال
- أنا.. وأنا
- الصنم الذي هوى وتهشم / قصة قصيرة
- ذلك الرجل كان اسمه صخي / قصة قصيرة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الحيدر - لا... انها ليست كفي !