أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالجليل الكناني - طيب وساذج وما بينهما (5)















المزيد.....

طيب وساذج وما بينهما (5)


عبدالجليل الكناني

الحوار المتمدن-العدد: 2631 - 2009 / 4 / 29 - 09:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما قبل وحين البدء
إذا أردت أن تعرف الناس من حولك فابنِ بيتا . نعم منذ البدء ومذ ان تكون لديك النية ستبدأ الأمور بالتجلي كما لو انك تجلس على شاطئ الفرات إبان فورته الرقراقة في زمن العذرية وقد تلبست روحك ذلك الفلاح الذي لا يقرا ولا يكتب ولا يعرف ، من قنوات البث ، الا ما يستلمه عبر المذياع ذي البطارية النضائدية التي تفوق حجم المذياع ذاته ، موسيقى صباحيات الشابة اللدنة فيروز وتنهدات حضيري وناصر حكيم ، حينها ينظر الشمس التي تنام بين احضانه ، وتصحو ، بين ناظريه ، صحوا خجولا ، غرا ، لتبدا الظلمة بالانجلاء رويدا رويدا فتحتل السماء ، بدءا ، سمرة تتشرب حمرة الفجر التي ما تلبث ان تزيح عنها كحل الشرق فتتجلى شقراء مضيئة ، كذا الحقائق التي نكتشفها في عصرنا المضطرب هذا ، غير ان تلك الرومانسية الساذجة تختفي هنا تحت صور صادمة تكتنفها مرارة وحرارة تتعفن لها الاجساد التي لا تملك من الحياة سوى قسوة هي اقرب لقسوة الصراع المرير مع الموت من اجل الحياة من اجل ان تتنفس عطن الهواء الملوث بالشك والخوف والقلق القاتل المقيت .
نعم ابنِ بيتا ، مذ تعتزم ، وتعمل بالنية ، وتقول وتمضي في خطوتك الاولى حتى تتبدى في الافق البعيد ، القريب ، لا شمس الفلاح ذاك انما شمس الحقيقة المحرقة لهذا العالم الذي لوثه لعاب المستغلين الجشعين والذين لونوا ، لوثوا ، عذرية فيروز وتنهدات حضيري الغرة ، بسخرية الاشقياء الزعران ، الفتوة ، الخوشية ثم المكبسلجية . حيث تجرأوا على الحياة وجاهروا انها لحظة من الزمن ليس الا ، ليسرقوا تلك اللحظة ، غير عابئين ان امتداد اللحظات زمن طويل ليس ملكهم فحسب بل لجميع الاجيال اللاحقة . من يفهم هذا غير الذين أخاطبهم ثلة من المعذبين السعداء ، وبعض السكارى الهاربين من صحوة الحقيقة اللاطمة .
إني لآسف لهذه المقدمة البلهاء الا اني قررت ان لا اشطبها ، فكما انها من حقي ، هي من حق الذين يرون واقع الأحداث المر. واعود ، مع انني اتمنى لو اهرب من ذلك الواقع الا انني لا املك القدرة على الهرب ، ناهيك عن كونه جدار الاسمنت الذي يخبئ خلفه هواء الحقيقة التي لا احيا ، لا نحيا ، بغير استنشاقها .
ولأترك صادق وعماله منشغلين ببناء بعض الطبقة الاولى وصفحة الكراج وتلك الكتيبة من عماله الذين يسمون انفسهم بفرقة المهمات الخاصة ، والذين راحوا ينقلون ما خلَّفه محسن ومن بعده السنافر ، من الاسمنت والحديد ، بعيدا عن قطعة الأرملة وفي مقدمتهم عمار الذي اسر لي ان السنافر حظوا بعضهم على التماهل في نقل المواد ، متفقين على - يلَّه نسخت . كي ارضخ لطلبهم . قال عمار :- لم نجرأ على عرض خدماتنا خشية سوء ظن . فقلت بحرارة - لا ..لِمَ لَمْ تخبروني عن استعدادكم .
لم أكن اعرف ان عمال صادق مستعدين لنقل المواد حتى صرت في ياس من انجاز هذه المهمة فتوجهت اليه قائلا ارجوك ابا علي جد لي من ينقل ما تبقى من المواد فقال : - موجودون. وبعد ساعات اتصل بي - ان العمال يطلبون خمسة وسبعين الفا . فاعلنت له موافقتي وبقناعة تامة جراء ما لقيته من احباط .
وحيث أنني بدأت حديثي عن الشروق العذري ذي الطابع الرومانسي العذب فان مبعث ذلك هو إشراق فكرة البيت الأكثر رومانسية وعذوبة ، لولا ان حمرة الشفق قد تجلت نزيفا للإحساس والكرامة وتعب العمر .
هل كنت أحيا في قمقم ؟
نعم ، قمقم الرومانسية والمبادئ والقناعة الساذجة .
جاري الى خلف اليمين يشاركني بحدود بيت بعشرة أمتار والأخر أمامه الى يميني أيضا بعشرة اخرى وبيتيهما اوطأ من جاري الى اليسار الذي يشاركني بحدود تمتد عشرين مترا على طول البيت. ولإنصافي من جاري الأيسر وإنصافا مني لجاريَّ الى اليمين فكرت ان اجعل بيتي بمستويين يعلو يمينه يساره بمتر تقريبا ، كما انني عملت مناور بما يخدم جاري الى خلف اليمين تاركا له فتحة لنافذة الحمام وممرا لأنابيب الماء ذلك لما استدعاني برجاء ان ادخل الى بيته الصغير فأدركت ان تغيير الأنابيب سيشوه بيته ، كما ان النافذة الوحيدة للحمام ستغلق لو انني لم اترك المنور. شهران أو يزيد وانا اخطط واغير حتى بلغت قناعتي . ذلك المخطط الذي استثار سخرية البعض، فثمة من قال - حيَّة ودرج . ومن انبرى ناصحا - لِمَ تشوه بيتك ارضاءا لغيرك ؟! فصار البيت المرتقب ، بواقعه خمسة طبقات. كراج وغرفتان تعلوانه فوق بعض يلاصق طابقين عاديين الا أن الجزئين لا يلتقيان في المستوى. وذلك التصميم هو شطحة من شطحات خيالي الحالم ، رغم بساطته في الواقع ، الا ان المضي بتنفبذه في بيئة يمرض فيها الخيال امر قد يلاقي ، ليس الاعتراض فحسب انما الاستهجان ايضا .
وعن الاعتراض فهو وارد كما قال بعض الناصحين من ان بلدية المحافظة قد ترفض مخطط البيت . واما الاستهجان فقد غلِّف بعبارات مازحة .
يمكنني التحلي بالشجاعة هذه المرة واصمد في وجه المزح الثقيلة ، ولكن كيف لي التخلص من الرفض ، رفض البلدية الرسمي؟
بإجازة البناء طبعا . فكانت بداية تجلي الإشراق الجديد الصادم . في البدء يجب الحصول على خريطة مصدقة من مكتب مجاز . وهنا تعمدت التمويه خشية ان يكون الاعتراض حقيقة فرسمت طابقين واشرت بدوائر وارقام الى المستويات المختلفة حيث طلبت من مهندس المكتب المجاز ان يشير اليها فقط كما رسمتها انا . ولاختصار النتيجة مرَّ ذلك المخطط دون ان اجرأ بالسؤآل ان كان قد فهم او لا ، والاحتمالان واردان ولكنني فضلت غلق الأبواب لا فتحها .
كان العرضحلجي ، كاتب العرائض ، قد اعطاني قائمة توجب تصديقها من دائرة الكهرباء ، ونقابة العمال ، ودائرة الإحصاء ، والمجلس البلدي ، والماء والمجاري ، ونقابة المهندسين التي صادقت بدورها على المخططات ولم تخلو التصديقات من دفع بعض الرسوم . كما طُلِب مني استحصال وثيقة طابو رقم 25 وتثبيت الحدود من قبل التسجيل العقاري وهذه العملية أحسست صعوبتها فأعطيت احدهم ستون الفا لينجزها لي .
عندما جلبت المخططات المصدقة من المكتب المجاز ، في البيت ، رأيت الاختلاف الكبير بين الواجهة التي رسمها لي مهندس المكتب وبين الواجهة التي سيظهر عليها البيت والتي ربما ستثير اعتراض البلدية وتعد مخالفة مني للمخططات . كانت المخططات المصدقة مرسومة بالقلم الرصاص ، عندها تجرأت ، رغم تلبسي شعور الجريمة ، وطلبت من أطفالي قلم رصاص وممحاة . ورغم ان محو الخطوط لم يظهر بصورة متقنة ، الا اني حرصت على ان يكون التغيير متقنا .
وصلت الى المراحل الأخيرة من معاملة اجازة البناء ، ابان تلك الأيام ، التي كان الناس ، خلالها ، يخرجون ، زرافات ، في صفوف متراصة سيرا على الأقدام للزيارة الأربعينية . وقد تسرب العديد من الموظفين لاداء تلك المراسيم .
وُجِّهت الى احد الموظفين الذي جلس متذمرا لكثرة العمل غير أنه أبدى تعاونا ومودة وقد انتقد تلك الحالة قائلا نحن هنا لخدمة المواطنين وهذا واجب شرعي اما السير الى كربلاء او الزيارة فذلك مستحب لذا فالواجب أولى ، انا أرى بأن واجبنا في خدمة المواطنين اكثر اجرا .
عمليات عدة اجراها الشاب ، وخلالها - روح الى فلان وتعال ، ادفع رسوم وتعال ، كذا وتعال ، استنسخ ، صّور . لم افهم شيئا مما أفعل ولا اعرف متى ستكون النهاية الا انني رحت انفذ ما يقال لي تحت مبدأ - ذبها براس عالم واطلع منها سالم . ومن ثم توجب ان يخرج معي مساح من البلدية لتثبيت الحدود ، ربما ، أو المعاينة .
فقلت بصبر نافذ :- هل ثمة ضرورة لذلك لدي تثبيت الحدود – لا .. ذلك من قبل التسجيل العقاري ، الأمر يختلف بالنسبة الى البلدية .
نعم .. من هنا ظهر لي ان الكثير من الامور وان بدت متشابهة تختلف ، كما حصل مع عمال نقل الاسمنت ، ومع الحديد الذي اتى به حيدر والكثير فيما بعد . واخذت المساح الى موقع قطعة الأرض معتذرا منه عن سوء سيارتي وهناك تذكرت ما تناهى الى سمعي من أن جاريَّ الى اليمين من الممكن ان يشكواني الى البلدية لعلو بيتي فاستشرت المساح الذي اراحني بالقول يمكنك ان تعلو الشارع بثلاثين سنتمترا . وكيف نعرف ارتفاع الشارع طالما ان ليس ثمة شارع معبد ؟ فاشار الى الشارع العام الذي يرتفع عن الأرض كثيرا .
وحين أنجز عملية المشاهدة طلبت ، من المساح ، ان يأتي معي للغداء فاعتذر بوجوب العودة لانجاز عمله ، عندها وجدتني رغم ترددي إخرج ورقة فئة عشرة آلاف وأعطيها له بدلا من الغداء ، سيما وان الامور قد تختلف حين نصل. وفي دائرة البلدية ( دائرة او مديرية لا أعرف كما لا اعرف الفرق بينها وبين البلدية الأخرى ، في البناية الكبيرة ، التى راجعت فيها دائرة الماء والمجاري ) اتخذ المساح احد المكاتب وراح يدون مطولا ما بدت لي مقالة ادبية او بحث علمي اكثر منه مطالعة وزج بها الى الشاب الذي افادني بالمعلومة القيمة حول المستحب والواجب والذي راح يجري سلسلة من العمليات المعقدة تضمنت قراءة مطالعة المساح وتقليب سجلات وكتابات وتوقيعات وبدا ان الإجراءات التي يتخذها لانهاية لها عندها سألته هل سأحصل اليوم على إجازة البناء ؟ فقال باسما - بعد الغداء . فشغلت عقلي ودورت كلماته التي بدت ذات معنى الا انها اصطدمت في ذهني مع الواجب والمستحب ولا اعرف كيف تجرأت ، مرة أخرى ، وأخرجت ورقة فئة عشرة آلاف ورحت أداريها واصفها قرب حزامي وادفع بها بمستوى منخفض نحو الشاب الذي لم يقل شيئا سوى ان ترك الورقة فوق المكتب أمام أعين الآخرين وواصل الكتابة ومن ثم تأمل بعمق المخططات حتى بدا لي انه وجد فيها ما كنت أخشاه وانا انظر الى العشرة آلاف التي لم تمتد لها يد غير انها أمام مرأى الآخرين شهادة على تقديمي الرشوة الى الرجل الذي يؤمن بالواجب وخدمة المواطنين ، شهادة على فسادي وإفسادي ودليلا دامغا على تزويري في وثائق رسمية مصدقة ، فاحتبس دمي في أحشائي وتعززت خشيتي حين أخرج مسطرة حديدية مدرَّجة وراح يقرأ الأبعاد ومن ثم يضربها بمقياس الرسم فشعرت أنني أمام محقق بارع وأنني سأتهم ربما بالتزوير والتضليل المتعمد لولا ان اخرج ختما وراح يضرب به المخططات برشاقة وحزم ومع كل ضربة يتدفق الدم إلى وجهي من جديد و بعفوية بالغة وسلاسة زج النقود في جيبه . فشعرت بالارتياح وعرفت أن الواجب هو أكثر ثوابا من المستحب .



#عبدالجليل_الكناني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طيب وساذج وما بينهما ( 4 )
- طيب وساذج وما بينهما (3)
- طيب وساذج وما بينهما ( 2)
- طيب وساذج وما بينهما
- طيب وساذج ومابينهما
- عبدالجبار حفيد المبروك
- الهدوء الذي يلي العاصفة
- وهم الموت والحياة ، إنكم خالدون من بعدي .
- شيخوخة بحناء الدم
- فلسفة الحاج سالم
- حسد أم حقد
- حسد أم حقد
- اسقاطات
- هل حقا أهل مكة أدرى بشعابها؟؟
- قصيدة الليل
- الأنا الحاضرة
- الأنا .. كل ما ينتمي الينا وننتمي اليه
- صناعة الخرافة ... خرافة العلم ، وخرافة الجهل
- الامريكا يحتفل ....... أحداث في ذاكرة طفلة ، في الرابعة من ع ...
- راعية السلام والحرية


المزيد.....




- القضاء المغربي يصدر أحكاما في قضية الخليجيين المتورطين في وف ...
- خبير بريطاني: زيلينسكي استدعى هيئة الأركان الأوكرانية بشكل ع ...
- نائب مصري يوضح تصريحاته بخصوص علاقة -اتحاد قبائل سيناء- بالق ...
- فضيحة مدوية تحرج برلين.. خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات سر ...
- تظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب مطالبين نتنياهو بقبول اتف ...
- -فايننشال تايمز-: ولاية ترامب الثانية ستنهي الهيمنة الغربية ...
- مصر.. مستشار السيسي يعلق على موضوع تأجير المستشفيات الحكومية ...
- طالب جزائري يخطف الأضواء في برنامج للمواهب بروسيا (فيديو)
- مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين في إطلاق نار بحفل في مدينة نيويو ...
- احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيغا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالجليل الكناني - طيب وساذج وما بينهما (5)