أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - عبدالجبار حفيد المبروك














المزيد.....

عبدالجبار حفيد المبروك


عبدالجليل الكناني

الحوار المتمدن-العدد: 2487 - 2008 / 12 / 6 - 03:54
المحور: الادب والفن
    


لم يكن عبدالجبار مؤمنا وان أراد له جده المرحوم ذلك ولكن سعدية تؤمن وبكل ثقة أن دعاء عبدالجبار مستجاب وقد جربت ذلك عدة مرات كما تقول . وعبدالجبار لا يفند ادعاءها مثلما هو يظل صامتا حين يذكر احدهم أن أبواب الضريح المغلقة مساءا فتحت تلقائيا لدن توجه موكب تشييع جده صوبها.
واليوم سعدية أحوج ما تكون للدعاء ليس لأجلها إنما لأجل ابنتها التي تعسرت ولادتها والمهددة ، عند إجراء العملية القيصرية بالنزف ، أو حتى الموت بسبب تكسر كريات الدم الوراثي ، مع أنه ليس من النوع ألمنجلي الخطير ولكن الأطباء قد حذروهم من أن النزف حالة واقعة .
مازالت كما هي يراها تلك الطفلة التي تهرع إليه عند قدومه من الدائرة التي يعمل فيها تاركة لعبتها بين قطع القماش التي تعدها لتكون ثيابا لها وبنفس الحس الطفولي قامت بتهيأة الثياب واللوازم ، وغير اللوازم ، مما يبعث في نفسها البهجة والمرح لطفلها القادم والذي رسمت له صورة بهية في مخيلتها .
وكان عبدالجبار يرقبها بذات الفرح الذي يشرق في وجهها ويتمنى لها السلامة فيزداد قلقه ليلوذ إلى ذكرياته القديمة إلى حيث الأمن والدعة التي كان يشعر بهما عندما يكون إلى جوار جده ذلك الأمان الممزوج بالدفء والإطراء الجميل حين يصحبه إلى الجامع ، وعند زيارة الأولياء الصالحين فتعلم منه الصلاة والإحساس بالخشوع والدعة والسلام وهو يؤديها بذات القداسة إلى جواره وكان قد خلَّف على مضض ولكن بقناعة تامة لعبة الكرة بالطوبة أم الدرهم ... أو الغميضة ... أو الشنطرة والبلبل ... أو العكيرب حاس .... أو الشطيط .... أو الدعبل ( نكيرة و طَنَّب ، و أورطة ) .... أو الجعاب ..... أو الجلكة .... أو التوكي .... تلك الألعاب وغيرها التي يذكرها بشغف ومتعة كبيرين لا تجاريها متعة التلفزيون الملون وقنوات الستلايت المتعددة والألعاب الالكترونية ... إذ يشعر بالحياة الدافقة في ألعابهم النشطة المحمومة والتي غالبا ما تبدأ بعد العودة من المدرسة لتنتهي في الليل بلعبة عظيم الضايع والتي يرمي فيها احد الأولاد بعظم في الظلام ويبدأ الآخرون بالبحث عنه ، وما أجمل ذلك الظلام المليء بالخيال والسحر . كان يترك أيا من ألعابه المحببة وان كان في ذروة تألقه وانتصاره ويهرع قانعا إلى جده المرحوم ذلك التقي الورع الزاهد الذي فقد بصره والذي فتحت له أبواب ضريح الإمام علي عند مراسم الدفن وفق رواية باتت مؤكدة وصحيحة للآخرين حتى إن عبدا لجبار لا يجرأ على الشك بها خشية الإساءة إلى جده الطيب أو هكذا يجب أن يكون الأمر لو ...
بعد إجراء مزيد من التحاليل ومعاينة الجنين بجهاز السونار قررت الطبيبة إجراء العملية في الحال في المستشفى الأهلي وليس مبعث الرعب الذي أصاب سعدية وزوجها هو المبلغ الكبير الذي قارب المليوني دينار والذي تم جمعه بالاستعانة بالأصدقاء كما ليس هو اخذ الفتاة من بين أيديهم وإدخالها صالة العمليات تاركين الرجل وزوجته في دوامة من القلق إنما تأخر ابنتهما في غرفة الإفاقة من المخدر ( البنج ) والاضطراب البادي في إجابة الطبيبة المساعدة حين يسألانها عن حالة بنتهما....
وحين توفي المرحوم كان عبدالجبار ، ما يزال ، طالبا في الثالث المتوسط وعندما يعود بذاكرته إلى ما بعد ذلك التأريخ لا يذكر انه قد ذهب إلى الجامع أو أنه صلى في البيت. لقد ورث عبدالجبار كل شيء عن جده إلا التعبد والأيمان الذين ضعفا بعد وفاة الأخير فهو مثله زاهد ، مسامح ، كريم ، يساعد الفقراء ، حلو اللسان والمعشر ، يحترم الجميع ، وله قلب دافئ وروح سامية مسالمة حتى مع أعدائه ، كما أنه ورث بعضا من هيأته وملامحه . وقد قال ، عن عبدالجبار ، أحد أصدقائه انه ربما يدخل الجنة . كما أن عبدالجبار ، ذاته ، لديه الثقة من أن النار لن تمسه والا فان ثمة خطأ في كل شيء حتى في قوانين الرياضيات والفيزياء وأن التقوى والورع غير ذات جدوى .
سُلِّم الوليد إلى جدته التي احتضنته وراحت تبكي بينما ظل عبد الجبار يدور في المكان تسحقه اللحظات الطويلة المتعاقبة لترس الزمن الجبار الذي يمر بتثاقل وبلادة غير مبالية فوق صدره فيحبس أنفاسه بين زفير ثقيل وشهيق متعثر يزيده اضطرابا قلق محموم بويل العاقبة المنذر بالشر وهو يرى تحت غيبوبة وشيكة صورة بنته المسجاة بلا حراك على طاولة بيضاء كذلك رسمت مخيلته وأوغلت في الأسوأ وهو أن يعود هو وزوجته بطفل يتيم وبجثة طفلتهما التي مازالت كما عهداها صغيرة لما لم تكد ترتفع عن الشارع بما يكفي ليتنبه إلى وجودها ذلك الجندي الذي جاء مسرعا وحين صرخ به أبوها نظر الجندي إلى مابين ساقيه وصاح - سترك ربي ما هذا !! .
تلك الطفلة الصغيرة لم تأت إلى الحياة امرأة إنما ، ومازالت ، كهذا الجنين الذي ظل يغفو بين ذراعي جدته إغفاءة عميقة بتأثير المخدر. كيف مرت تلك السنوات بهذه السرعة المخادعة التي تفوقها بجميعها هذه اللحظات الصلبة المتصلة . وحين نظر إلى سعدية وقد هرب الدم من وجهها وارتعشت شفتاها الصفراوان ومالت مآقي عينيها إلى الذبول أحس أن الوقت قد مر بأكثر مما ينبغي لتكون من بعده الأمور على ما يرام أو بما يعزز الرجاء في رؤية ابنته الحبيبة ثانية بضحكتها الخجولة الطفولية فسحقت إرادته وتداعى صبره ليصرخ هذه المرة كما لم يصرخ من قبل حتى خيل له أن صدى صرخته قد عبرت حدود المستشفى والأرض والفضاء مع أنها ورغم شدة هولها ظلت حبيسة صدره وقد ارتدت دون أن تبلغ أسنانه المطبقة إلى غور عميق مثل بركان حبيس ......

... احفظ لي ابنتي .... لا احتمل عواقب فقدي لها ... لا أحتمل ....

عندها فتح الباب وأخرجت ابنته زينه فوق نقالة وقد دثرت ببطانية .
وراحت امرأتين بزي عاملات نظافة يدفعن النقالة ذات العجلات وخلفهن امرأة تقول : الحمد لله على سلامتها .
قالت سعدية بفرح غامر :- رايتك تدعو قال : لا . قالت بابتسامة عريضة تغسلها دموع غزيرة : بل رأيتك ... وستنجو زينة



#عبدالجليل_الكناني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهدوء الذي يلي العاصفة
- وهم الموت والحياة ، إنكم خالدون من بعدي .
- شيخوخة بحناء الدم
- فلسفة الحاج سالم
- حسد أم حقد
- حسد أم حقد
- اسقاطات
- هل حقا أهل مكة أدرى بشعابها؟؟
- قصيدة الليل
- الأنا الحاضرة
- الأنا .. كل ما ينتمي الينا وننتمي اليه
- صناعة الخرافة ... خرافة العلم ، وخرافة الجهل
- الامريكا يحتفل ....... أحداث في ذاكرة طفلة ، في الرابعة من ع ...
- راعية السلام والحرية
- مقدمة لسمفونية الحياة
- إنّا رجال الوطن الآتون من النار
- الغرباء
- الخيانة ... خيانة الذات
- القصيدة تتشظى في فضاء الروح
- بين دواب القاع وبين مروج السطح


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - عبدالجبار حفيد المبروك