أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - راعية السلام والحرية















المزيد.....

راعية السلام والحرية


عبدالجليل الكناني

الحوار المتمدن-العدد: 2109 - 2007 / 11 / 24 - 08:18
المحور: الادب والفن
    


لمّا يزل الدكتور عارف عبدالمجيد يواجه اللحظات الساخنة وهو يحدّق بدهشة في وجه مريم سليمان التي وقفت قبالته بابتسامة قاسية وجريئة وهي تقول :
- لقد حسبت كل شيء بدقة وكانت هذه النتيجة .....

لم تكن ، بدءا ، حسابات مريم سليمان ، إنما حسابات الدكتور عارف الذي كان قد رأى مريم ، أول الأمر ، في عيادته ، صبية باهرة الجمال تعاني من اضطرابات نفسية مبعثها الخجل الشديد والقلق المفرط والخوف . انه رهاب مركب لم يألفه من قبل , حريٌّ بأن يفتك بها
إلاّ أن الدكتور العبقري ، وبدفع من عبقريته الفذّة ، بالإضافة إلى دافع آخر استفزه بقوة ، ألا وهو التدله ، قرر أن يتوج أبحاثه بالتجربة الجريئة
- لِمَ الخوف؟ . انه الوهم .. وهم نخلقه نحن ، قيود نصنعها ونؤمن بها ..
- ... أرجوك يا دكتور . ليس بخطابات الشجعان تفك إساري ومعصميَّ ينوءان تحت وطأته
- إنها الأوهام يا مريم ..
- بل هي القيود الصلبة القاسية ..
- القيود الأكثر وطأة إنما هي القيود التي تنشأ في دواخلنا . فلو جمعت قيود الأعراف لكل الأمم لسجنت في قمقم . ولو أخذت مجمل عوامل الحرية في كل منها لما وجدت قيدا ، ولعدت كما ولدت حرّة .
- أنا لن أكون حرّة إلاّ بقدر ما تكون الأسيرة حرّة حين يداعبها السجان

كان الدكتور عارف ، وبفعل خلفية فكرية تحولت من كل إلى أساس بنى فوقه أفكاره اللاحقة ، يرى أن الإنسان حرية مطلقة ، فكانت طرق العلاج التي يتبعها تنبع من هذه الأفكار ، من حرية القرار وتنوع الخيارات ، ليحرر مرضاه ، بكل الوسائل المتاحة ، من قيودهم ويمنحهم طاقة ودفعا يكونون بهما سعداء
لولاّ انه في الحقيقة كان ينقلهم من حالة مرضية إلى أخرى ، من حالة تبعث على الاكتئاب والتعاسة إلى أخرى من البهجة والانتشاء ، وبكل وسائل الحرية المتاحة ، كما أسلفنا ، بما في ذلك العقاقير . حتى أنه قد دفع البعض على تناول الكحول فأحس بالنجاح حين لم يعد أي منهم لمراجعته بعد ذلك ، إلاّ أنه أدرك متأخرا أن غالب هؤلاء قد تحول إلى مدمن للكحول أو العقاقير المهدئة . مما جعله يراجع حساباته ويعيد دراستها فخلص إلى نتائج بعثت به لابتكار طرق مركبة للعلاج . لم تؤاته الفرصة المناسبة لتطبيقها إلاّ بعدما رأى مريم وأحس برغبة عارمة لامتلاكها . لأن يتمتع معها بالحرية المطلقة ، وأن يطبعها بأفكاره ويصوغها من جديد .
ومريم التي سئمت مخاوفها ، سئمت وحشة الليل وأشباحه والوحوش المتربصة فيه ، سئمت أخطاءها وسخرية الآخرين ، مكر الماكرات وغدر الحاسدين والنيّات المبيتة والكراهية والعداوات المقيتة . ألقت بنفسها كليا بين يدي الدكتور عارف ليقرر لها زيارات مكثفة . وإذ تسأله عن الحقن يجيبها إجابة غامضة حول تنظيم الهرمونات . فكان يحقنها أولا ومن ثم يسمعها قصصا بصوته الحالم الشجي ، لكأنما يتلو عليها تراتيل طقوسية في معبد أسطوري .
كانت تخرج من عيادته طرية مترعة بالنشوة والرضا . وقد سألها ذات مرّة متأملا عينيها الزرقاوين :
- هل تصدقين أن العيون الزرق حسودة؟ . أجابته :
- وهل العيون تبعث أم تستقبل
- العيون كلها مستقبلات
- إذن ، إن صح واقع الحسد ، فيجب أن تُحسد لا تحسد

باتت مريم تسترجع أحاديث عارف وقصصه التي غالبا ما تنقلها إلى عوالم ساحرة حرة . عن الإنسان الذي لم تكبله الحضارة ذلك الذي سكن الكهوف وطاف في الغابات وتسلق القمم وألقى بنفسه عاريا في المياه النقية التي لم تلوثها فضلات المعامل والبشر . عن فارس يختطف أميرته من قصرها المنيع كالسجن بعدما يخادع حراسه ويسخر منهم ويقاوم بفروسيته الفذة تصديهم له ويخرج إلى الغابة منطلقا بحصانه كالسهم فتطلق ذراعيها كطير ينعم بالحرية .
السكينة والقناعة والرضا جعلت تدبُّ في أوصالها وأنحسر الخوف حتى تجلى الوهم هشا . لقد غُسلت أعماقها بفيض من ضياء ساحر بدد مخاوفها ، تساقطت كأوراق الخريف ليأتي بعده ربيع مؤتلق وضاء ينغرس في أديم الأرض . فسخرت من أوهام الذين سخروا منها ، وتعالت على من أذلها . فالكل أغبياء واهمون ، ليست سوى ذاتها خالصة ، لا حقيقة لغير ما يقره عقلها ، ولا دافع غير ما تحسه بحواسها ، فجسدها ملك لها ، وغرائزها ملكها ، وإنها إن لبت دعوته ، إنما تلبي نداءات روحها ، لتستقر بين يديه في سكون الهمس
- لم أدرك يوما أن سأحقق هذا النجاح . كذلك قال لها فبادرت بالقول :
- بغيري لم تكن لتحققه ، فأنا لدنة طيعة وأكثر ذكاء مما تتخيل . كل ما فعلته أنك أوصلتني إلى السطح بعيدا عن قيد الآخرين لقد حررتني إلاّ أنك لم تصنعني .
وليكشف الدكتور عارف ما آلت إليه نتيجة العلاج راح يسألها
- ما رأيك إذن بعلم النفس ؟
- علم يحتاج إلى علاج نفسي .
- بنظرية آينشتين ؟
- أظنني لو أمعنت النظر بها لسخرت منها
- الباراسيكولوجي ؟
- خرافة العصر . أستطيع به أن أجعل المثقفين يؤمنون بالطنطل والجان والأشباح . أجعلهم عجائز هذا العصر
- لقد صرت حرّة .
قال لها ذلك وراح يتأمل وجهها الذي فارق طفولته فقالت:
- بت أرى سطح الواقع بوضوح ، أرى كل ما لا يراه الآخرون ، أراهم عراة لا من ثيابهم ، إنما من جلودهم وأوهامهم .
- تقصدين كما أراهم أنا
- لا ليس كما تراهم . فان تعطي منظارا لأحد لا يعني أن تبصر ما يبصر . لقد أخرجتني إلى أرض الواقع وبقيت تحت السطح .
قال ذاهلا :- كيف ؟!
قالت :- هل تستطيع أن تخرج الى الشارع عاريا ؟
- طبعا لا
- وما السبب ؟
- انه فعل مخجل ومهين .
- ولكنني أستطيع ، ولن أشعر بالخجل أو المهانة ، بل يمكنني الآن أمامك دون أن أعطيك الفرصة للإساءة إلي ، و لا يصدني وازع من أن أفعلها في الشارع .
- والناس؟!
- الناس أغبياء ينسون أنهم ولدوا عراة وقد ضربوا على مؤخراتهم . وما علينا نحن العقلاء سوى أن نظهر أمامهم كما يريدون ، ولكن لو أردنا لا بد أن نفعل ما نريد ونسخر منهم ونستغل غبائهم .
قال الدكتور بهمس مسموع كأنما يحادث نفسه :- يبدو أنني قد صعدت بك أعلى مما يجب
- أنت أردتني حرّة لتمارس معي حريتك
- أنا أردتك حرّة لأنني أحببتك .
- وأنا أحبك أيضا ، كل الحب ، ولكني لا أريد أن أبقى ، كما تضن ، امرأة صنعتها ولا أريد لك أن تصنع واحدة غيري ، فأنا الوحيدة التي تمتلك الخصائص الفذة المميزة والحرية المطلقة لأن أكون .
لم يكن الدكتور عارف مصدقا لما يحدث ، ولن يعي أنه حدث ، فقد مرَّ مرورا سريعا ، أسرع من نصل السكين الذي انغرز في قلبه بقوة وثبات فتناهى إلى سمعه آخر ما استطاع أن يميزه من كلماتها ، وهو يحدق بقوة في وجهها الذي ارتسمت عليه ابتسامة قاسية جريئة وهي تقول :
- لقد حسبت كل شيء بدقة فكانت هذه النتيجة ....

بعد عام من مقتل الدكتور عارف أنهت مريم دراستها الإعدادية . وبعد عامين تركت مريم الدراسة الجامعية وهربت إلى أحد الدول المجاورة . وبعد ثلاثة أعوام تزوجت مريم من سفير دولة استعماريا العظمى ارنست جورج .
وبعد ثلاثين عام أصبحت (ماريا جورج ) وزيرة لخارجية استعماريا وراعية للسلام والحرية في الشرق الأوسط



#عبدالجليل_الكناني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدمة لسمفونية الحياة
- إنّا رجال الوطن الآتون من النار
- الغرباء
- الخيانة ... خيانة الذات
- القصيدة تتشظى في فضاء الروح
- بين دواب القاع وبين مروج السطح
- سلام يا وطن
- الملاذ الأخير
- العودة الى الحياة
- قصة من الواقع - من قتل الجايجي ؟؟
- قصة من الواقع
- رائحة القتل زكية
- عاد ومازال الابن ضالا
- قصة قصيرة
- ستة أيام خارج الزمن
- الديمودكتاتورية - الدكتاتورية الشعبية


المزيد.....




- في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - راعية السلام والحرية