أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - الملاذ الأخير














المزيد.....

الملاذ الأخير


عبدالجليل الكناني

الحوار المتمدن-العدد: 2013 - 2007 / 8 / 20 - 07:02
المحور: الادب والفن
    


كنا في ذات المكان وفي ذات الساعة والدقيقة من اليوم ذاته , نشغل حيزا واحدا من الفراغ . ربما ذات الحيز , نملؤه بالكامل . ولكنا لم نلتق أبداً . .. ولا نعرف بعضنا البعض .. قد أعرفه , أعرف اسمه , تأريخه بعض ملامحه , وبالذات حين أتطلع في المرآة لأنني أشبهه إلاّ أنه لم يعرفني قط ..
قلت ذات المكان , لأن المكان لم يتبدل كإحداثيات , وذات إحداثيات الساعة واليوم , إلاّ أن الشيء الوحيد الذي فرق بيننا هو إحداثيات السنين , سنين تواجدنا , لو أننا في ذات العام أيضا لكنا ذات الرجل .. كذلك يرى والدي جدّه , لفرط التشابه بيننا , يذكره جيدا بسبب الزواجات المبكرة , في زمنهم , الجدّ , غالبا , اكبر من أكبر أحفادة بأقل من أربعين عاما . وحين يعي الحفيد جدَّه ما يزال الأخير قويا يجاري الشباب همة ونشاطا .. ولِمَ لا ؟ وهو يعيش في بيئة نقية نظرة , ينهل من هوائها الصافي وينعم ببالٍ صافٍ .. وينام ليلته الطويلة هانئا حتى إذا صدحت الديكة تُناغِمُ بعضها سُمِعَت خلفها سقسقة العصافير وحفيف سعف النخيل المتشابك لتوقض الشمس المتثاقلة باستحياء , وذلك ما تنبؤ عنه حمرتها وهي ترفع رأسها ببطء لتطل من خلف ضفة النهر البعيدة , الذي تتشرب مويجاته الصغيرة المتعاقبة بحمرتها الحيية وتتكسر برقة وأناة على الضفة الأخرى . فترمي الشمس بخجلها إلى النهر وتغتسل بمائه . وجدّ والدي هو الآخر , يتمطّى فوق فراشه , يشدد من عضلاته وعزمه ليوم جديد , في حين تنهض زوجته التي أنعشها طول الليل وفحولة جدّي لتمدها بالدهن الحر والدبس وأقراص الخبز الحارة . فتكون رياضته الصباحية العبث بالأرض , يشقها ويقلبها ويعزقها وينثرها , ثم يمسك بـ (الفروَّد ) ليمارس رياضة التسلق , فهو امّا يسعِّف النخيل ( يشذبها ) أو يلقِّحها بفحل يتطاول في البستان أو يجني ثمارها من التمور بأجود أنواعه , ومن ذكرياتي أن قالت لي جدَّتي ( ابنته ), ذات مرَّة , ضاحكة :- هذا تمر زهدي !! أرمه . أنتم أهل بغداد تأكلونه ونحن نطعم به الأبقار وحمار الناعور..
وفي ذات المكان لكنَّما في هذا العام , خليفة الأعوام القاتلة التي سبقته , أقف في ذات الحيز من الفراغ , أتأمل البستان وقد غزا أرضة السبخ ونحلت معظم أشجاره , غير تلك المطلة على النهر الذي أمسى كسولا متبلدا تفوح منه رائحة عطنه , يقول أطفالي - إنها رائحة سمك النهر .
قلت آسفا :- تلك الغابة الحنونة شاخت والأرض تكاد تصير بورا .
قال أخي الأصغر :- يمكن إحياؤها .
لم يعد البستان ملكا لجدي أو لأي من أحفاده فلقد بيع أيام الحصار, بثمن بخس , أيام كنّا لا نعرف طعم الخبز , غير ذلك الملوث بالرمل وعلف الحيوان , وقُتِل أيام القتل , حيث أصبحنا مهددين من أشباح الموت ,، لنهرب إلى هنا إلى الناصرية , وهنا بدأ الجحيم يتصعَّد أواره , فكان مفزعنا الأخير بستان الأجداد , الذي لم نرثه بعد موتهم .
- نبيع بيتنا في بغداد ونشتريه .
قبل أربعة أعوام كان من الممكن شراء بيت في الناصرية وبستان أجدادي بثمنه
- ما ثمن البستان؟؟
أفصح مالكه عن الثمن , بثقة وقوة .. جعلاني أنظر إلى البستان نظرة أخيرة .
التفت إلى أخي ولم أنتظر إجابته...
كنّا نسير مخذولين وأطفالنا خلفنا .. والبستان صار خلفنا



#عبدالجليل_الكناني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العودة الى الحياة
- قصة من الواقع - من قتل الجايجي ؟؟
- قصة من الواقع
- رائحة القتل زكية
- عاد ومازال الابن ضالا
- قصة قصيرة
- ستة أيام خارج الزمن
- الديمودكتاتورية - الدكتاتورية الشعبية


المزيد.....




- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - الملاذ الأخير