بسام البغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 2538 - 2009 / 1 / 26 - 01:16
المحور:
الطب , والعلوم
سأتناول في الموضوع ادناه أهم ما يمكن ان يحيل نظرية التطور الطبيعي لتشارلز دارون الى ركام و ما هي الشعرة التي ستقصم ظهر هذه النظرية فيما لو تم اكتشافها او ظهورها.
التطور الطبيعي للأحياء يمكن تعريفه بأنه تلك العملية التي من خلالها تتطور الكائنات الحية من شكل الى شكل آخر. تعتبر نظرية التطور الطبيعي للعالم تشارلز دارون وهي النظرية العلمية الوحيدة اليوم التي تشرح بوضوح وبصورة علمية عملية التطور الجارية في الطبيعة. نظرية التطور الطبيعي تنص على أن الكائن الحي الاكثر ملائمة للظروف البيئية المحيطة يملك الفرصة الاكبر للحياة و نقل صفاته الوراثية للأجيال القادمة بعده و أن هذا هو السبب الرئيسي للتطور و التنوع الموجود في الطبيعة.
بصورة مبسطة نستطيع ان نقول أن نظرية التطور تقول أن الكائنات الحية الموجودة اليوم ما هي الا نتاج سلسلة طويلة و معقدة من التغييرات البسيطة على مدى عصور طويلة لكائنات لم تعد موجودة اليوم. حيث التغييرات المناخية او أختلافات بيئية معينة أدت الى أنقراض هذه الأنواع التي لم تستطع التأقلم مع الشروط الحياتية الجديدة و أستمرار الانواع التي تأقلمت و أستطاعت توريث صفاتها الجينية الجديدة المناسبة للحياة مع الضروف الجديدة.
هذه التغييرات البسيطة التي تطرأ على الكائنات الحية سببها الجينات الوراثية والتي تمر بين حين و آخر ولأسباب مختلفة بتغيرات عشوائية سببها أعادة تناسق جينية أو طفرات وراثية. هذه الطفرات الوراثية تتألف غالباً من تغيرات بسيطة جداً في شكل هذه الجينات ينتج عنها تغيرات سطحية قد تخدم هذا الفرد وتؤدي الى تفوقه على أقرانه من لا يملكون مثل هذا المتغير أو قد تؤدي الى هلاكه. و بمرور الزمن و أنتشار شكل هذا الجين الجديد تصبح هذه الصفة صفة ملازمة و مميزة للمجموعة التي تحمل هذا الجين. مثال على ذلك هو لو الشعر او البشرة او العيون وغيرها من الصفات. و في حال أستمرار تطور هذه الجينات بعيداً عن الجينات الاخرى لأسباب مختلفة مثل أنفصال القارات , كما حدث لقارة أستراليا, نجد أن أشكال الحياة هنا قد تطورت بدورها الى أشكال مختلفة أخرى. قد نحصل بعد مرور فترة زمنية طويلة على أنواع جديدة لها صفات و مميزات جديدة تختلف عن ألأسلاف الاصليين لكلا النوعين لكن هذه الصفات المكتسبة لها نظائر مشابهة لها وظيفياً في الانواع الحية الاخرى الموجودة, على سبيل المثال تطور الرئة, و الاجهزة التناسلية و غيرها.
التطور الطبيعي هو ليس مجموعة من الصدف المتراكمة بمرور الزمن فقط. بما أنه كل فرد وكائن حي في الطبيعة لا يشكل نسخة كاملة مطابقة لأسلافه او أقرانه, و معلوم أيضاً بأن اعداد الكائنات الحية في تزايد مستمر و ان مصادر الطبيعة محدودة. هذا بدوره يؤدي للصراع على هذه المصادر الطبيعية, و المؤهل طبيعياً للفوز بهذا الصراع هو الكائن القادر على نقل صفاته الوراثية الى الجيل القادم. الجيل القادم بدوره ايضاً يتكون من أفراد يملكون صفات مختلفة لها قدرات معينة تساعدها على البقاء في صراع البقاء هذا. الامر الذي سيرشح عنه افراد اكثر تأقلماً وقدرة على البقاء من اسلافهم وقدرة اكبر على نقل صفاتهم الوراثية الى الاجيال القادمة. ببساطة نستطيع ان نقول بأن التطورهو النتيجة البديهية للصراع بين الاحياء في بيئة محدودة المصادر.
وكي لا نقع في مطبات لغوية بخصوص هذه النظرية يجب علينا معرفة الفرق بين معنى مصطلح النظرية العلمية وبين مصطلح نظرية فقط كما نستخدمه في اللغة العامية. المقصود بالنظرية العلمية هو تفسير منطقي ثابت و متكامل وواضح للظواهر و الدلائل و المعطيات الموجودة على أرض الواقع. بينما مصطلح نظرية باللغة العامية المقصود به هو توقعات او تخمينات أو أستنتاجات لا أساس لها في ارض الواقع سوى الشك. لهذا يجب الحذر من الوقوع في خطأ الخلط المقصود بين هذه المصطلحين بمعناه الاكاديمي و العامي من قبل بعض الجهات الدينية بشكل خاص من خلال الاشارة الى ان النظرية الفلانية ما هي الا نظرية. حيث ان نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي ليس تخمينات او توقع لمسيرة التطور عبر ملايين السنين بل هي تفسير علمي واضح و بوجود دلائل علمية ثابتة و موثقة حول حصول هذه العملية في الطبيعة وبشكل دائم و متواصل. مثال على نظريات علمية أخرى هي مثلا نظرية الجاذبية لأسحاق نيوتن, النظرية النسبية لأينشتاين و نظرية ارخميدس للاجسام الطافية و الغاطسة, وغيرهم الكثير.
من ناحية أخرى فأن النظرية العلمية يجب ان يتوفر فيها شرط مهم جداً وهو ان تكون قابلة للنقض و الاختبار و الا فلا قيمة علمية لها وتصبح ليس سوى جزء من تكهنات تضرب في الخيال. وهذا تماماً ما يدعيه ذوي النظريات الدينية للخلق و الذين يتصورون ان نظرياتهم تنافس بشكل من الاشكال نظرية التطور الطبيعي لدارون. و أنهم في حال أنكارهم لنظرية دارون بناء على حقائق غيبية او لأسباب شخصية فأن هذا سيعطي نظرياتهم مصداقية اكبر. وهذا بالطبع مفهوم خاطئ لا أساس له من الصحة لان كل نظرية علمية قائمة على الحقائق و المعطيات المتوفرة لها وليس على أنقاض نظريات أخرى. فمثلا أذا نقضنا كون الارض بيضوية فهذا لا يعني بشكل من الاشكال انها مسطحة بل هناك عدد لا نهائي من الاحتمالات التي يمكن أختبارها و التأكد من صحتها اولا حتى نصل للشكل الذي يطابق الدلائل المتوفرة.
هل بالامكان اذن اختبار و نقض نظرية التطور الطبيعي؟ نعم.. بكل تأكيد. أذن ماهي الاشياء التي ممكن وبشكل علمي ان تنقض نظرية الانتخاب الطبيعي؟ معظمها قد تنبه لها دارون وقد ذكرها في كتابه اصل الانواع, أهمها.
اولا: نظرية التطور و الانتخاب الطبيعي ستنهار كلياً في حال أكتشاف كائن حي واحد او عضو واحد في كائن حي يملك من التعقيد و الاختلاف في التكوين الى درجة لا يمكن وجودها في كائن حي ثاني. مثلا أن الكائن الحي هذا لا يملك خلايا او بلازما خلوية او صبغات وراثية و الى آخره من الاشياء الموجودة بشكل طبيعي في كل الكائنات الحية. وهذا دليل على عدم مرور هذا الكائن او على الاقل هذا العضو المعقد بأي شكل من اشكال التطور, بل خلق هكذا.
ثانيا: نظرية التطور ستنهار كلياً في حالة اكتشاف حالة عضوية واحدة او متحجرة تثبت ان الكائن الحي المكتشف لم يتغير أبداً. مثلا أكتشاف متحجر لكائن ما (الانسان مثلا) يعود لبضعة ملايين من السنين ولا يظهر اي تغير يذكر في البنية عما عليه الانسان الان مثلا.
ثالثا: نظرية التطور ستنهار اذا أستطعنا ايجاد كائنين لأجناس مختلفة بعيدة عن بعضها حسب شجرة التطور الطبيعي يمتلكان اعضاء تحمل صفات متشابهة. مثال, كِلا العنكبوت و الانسان يملكان عيوناً, حسب نظرية التطور فأن الجد المشترك للانسان و العنكبوت لم يملك اي عيون. المشكلة تكمن فيما لو طور كل من الانسان و العنكبوت عيون متشابهة؟
رابعاً: نظرية التطور ستنهار فيما لو استطعنا أيجاد مانع طبيعي غير مكتشف يمنع الطفرات الوراثية او التناسق الجيني الحر بشكل متكرر بعد عدد معين من الاجيال. هذا المانع المفترض قام بالتنظير له مؤسسي حركة التصميم الذكي (Intelligent design) في الولايات المتحدة الامريكية, ورغم محاولات تزوير و تلفيق كبيرة الا ان احد لم يصل الى ماهو هذا الحاجز الطبيعي.
خامساً و أخيراً فأن الشعرة التي ستقصم ظهر نظرية التطور هو أكتشاف قوة أكبر من الطبيعة تقوم بعملية الخلق للكائنات الحية.
وهكذا نرى ما هي الاسباب التي تجعل من نظرية التطور الطبيعي للأحياء بطريقة الانتخاب لمؤسسها تشارلز داروين هي النظرية العلمية الوحيدة المقبولة اليوم بدون اي منافس. بل و دخول هذه النظرية كنظرية منافسة و رائدة في مجالات غير حياتية حتى مثلا...
1. الداروينية السياسية, وهي النظرية السياسية التي تصف تفوق و استمرار القوى و التوجهات السياسية الاكثر ملائمة للضروف السياسية الداخلية و الدولية.
2. الداروينية الاقتصادية, وهي النظرية التي نقضت كل اشكال التمسك الاعمى بالافكار الاقتصادية المؤدلجة مثل الرأسمالية او الاشتراكية وسمحت بالتنافس لجميع الافكار سوية و تطبيق الصالح منها لوقتها.
3. الداروينية الاجتماعية, وهي النظرية التي تقول بأن الثقافات المختلفة في صراع دائم بين الاوساط المختلفة و الاستمرارية تكون دائماً للثقافة القادرة على التكيف للمعطيات الجديدة.
وهكذا الى آخره من الداروينيات التي تغزو كل يوم وسط جديد و مجال جديد كدليل واضح و صريح لصلاحية الفكرة الاساسية و نبلها. الا يستحق هذا الرجل العظيم الذي أكتشف هذا السر الطبيعي العجيب في ذكرى مرور مائتين عام على ولادته كل هذا التكريم و التقدير و الذي لولاه ربما ما كان سيكون شكل العالم كما نراه اليوم؟
#بسام_البغدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
