أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - ما بعد المعاهدة-2: عندما تريد شيئاً يمتلكه شخص آخر: هل صداقة أميركا ممكنة؟















المزيد.....

ما بعد المعاهدة-2: عندما تريد شيئاً يمتلكه شخص آخر: هل صداقة أميركا ممكنة؟


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2489 - 2008 / 12 / 8 - 08:20
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


هناك طريقان للحصول على شيء يمتلكه شخص آخر: أن تكون لطيفاً معه فيعطيك مما لديه، أو ان تخيفه وتأخذ ما تريده بالقوة.

إنها مسألة خيار يقرر بالطبع بشكل مختلف لكل حالة على حدة، لكن مكيافيلي قال للأمير: الخوف أكثر ضماناً لطاعة الناس من حبهم. لأن من يحبك يمكن أن يختار ان يطيعك أو لا، بينما من يخافك ليس له خيار.

هذا صحيح بشكل عام، والخيار يعتمد على كل حالة وظروفها. فمثلاً إن كنت تأمل بأخذ كمية كبيرة مما لدى الآخر فلا يمكنك أن تعتمد على الصداقة. فالصديق ربما يعطيك 10% من ما يملك، لكن ليس 50 او 40% منه. فهل ان طموحات أميركا من العراق متواضعة قد تكفيها الصداقة"، أم تهدف إلى أكثر بكثير؟

لن يقول لنا احد ذلك، فعلينا أن نستنتج بأنفسنا. يحدثنا جومسكي في إحدى محاضراته عن رئيس أمريكي في النصف الأول من القرن الماضي، طلب من أجهزته ضمان الحصول على نفط الشرق الأوسط، وحين سأله هؤلاء كم يريد منه؟ قال لهم: "كله!". لقد تغيرت الظروف خلال نصف قرن بعض الشيء، لكن الفكرة مازالت كما كانت، فلم يحدث في التاريخ أن اكتفت دولة تستعمر أخرى بحصة صغيرة من ثروات المستعمرة، وإلا لكان الإستعمار خير على البلاد التي يذهب إليها، ولما قال نهرو أن هناك علاقة واضحة بين مستوى تخلف مناطق الهند، وأسبقية أحتلالها من قبل بريطانيا.
ربما ذهب الزمن الذي تأخذ فيه شركات النفط 50% من الإنتاج لنفسها مباشرة، لكنها تحصل اليوم ما قد يكون أكثر من ذلك بشكل غير مباشر من خلال الضغوط السياسية والإقتصادية، لتتحول الأرباح في النهاية إلى شركاتها. يمكنك مثلاً أن تفكر بالتزام المملكة السعودية بتمويل حرب أفغانستان بدلاً من أميركا، والتزام اوبك بالتعامل بالدولار في النفط, وربط دول الخليج لعملاتها بالدولار وغيرها من الطرق.

وعدا السؤال عن تصور الساسة الأمريكان (أو الشركات الأمريكية إن شئت الدقة) لما يطمحون إليه من ثروة البلاد فهناك سؤال آخر ربما يكون أكثر أهمية من الأول: هل أن العراق، لو تثبتت فيه الديمقراطية و ترك لشعبها حرية الإختيار، سيجد مصلحته في خط سياسي اقتصادي يناسب المصالح الأمريكية في البلاد والمنطقة أم بالعكس؟

للشعوب تجارب متنوعة مع الإحتلال، أو الصداقة، الأمريكية، وبالتأكيد لم تكن كلها مخربة، خاصة حينما لاتكون لأميركا حرية استلاب الثروة بشكل كبير. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أدركت أميركا خطر المد الشيوعي في أوروبا عليها، حيث كان الشيوعيون عصب المقاومة المنظمة للنازية في كل بلدان أوروبا، ومن الطبيعي أن يشعر المواطنون بالفخر بهم والإمتنان لهم، وأن يتم انتخابهم للسلطة في بلدانهم، بل أنهم كانوا قد استلموا السلطة في أجزاء من بلادهم في بعض المناطق مثل إيطاليا قبل وصول قوات الحلفاء اليها.
لذا فأن أميركا، وبعد سنتين من دراسة الموقف (انتهت الحرب عام 1945 وبدأ مشروع مارشال عام 1947) قررت أن الطريق الوحيد الممكن لسيطرتها على أوروبا مستقبلاً هو بتقديم معونة كبيرة لإنتشال أوروبا وبعيداً عن الشيوعية، بالإستفادة من الفقر والجوع الذي كانت تعيش فيه هذه القارة بعد الحرب المدمرة، فاختارت أن تقدم لهم نوعاً من "الصداقة" المشروطة: أن نقدم لكم العون لتنهضوا، بشرط منع الشيوعيين واليسار من الحكم مهما كانت شعبيتهم! وبالطبع كان لهذه السياسة أن تستعين دائماً بالعنف والفاشستية السابقة حينما لا يكفي الإغراء بالطعام لتوجيه أصوات الناخبين، كما حدث بشكل كبير في فرنسا والمانيا وبشكل خاص في إيطاليا واليونان واسبانيا وفي كتب جومسكي العديدة ومحاضراته الكثيرة ثروة من المعلومات عن هذا التاريخ لمن يشاء.
"الصداقة المشروطة" بالتخلي عن حرية الإنتخاب كانت هي الصداقة الوحيدة التي عرضتها أميركا على "أصدقائها" ولكن حتى هذه "الصداقة" اقتصرت بشكل عام على أوروبا (الغربية في حينها) أما بالنسبة للدول النامية الفقيرة في آسيا وأميركا الجنوبية وأحياناً أفريقيا، فلجأت أميركا إلى البحث عن حثالات المجتمع وسلمتهم السلطة أو دعمت سلطتهم كما حدث مع صدام حسين والشاه وسوهارتو وبينوشيت وسوموزا وجنرالات البرازيل وغيرهم لتحقيق ما تريد في تلك البلدان، حتى أنك من الصعب أن تجد حاكماً قميئاً في القرن العشرين في بلدان العالم الثالث لم تدعمه الولايات المتحدة إن لم تخلقه بنفسها، بل أنها لجأت إلى إنشاء مدرسة لتدريب المجرمين حين لم تجد مجرمين جاهزين لتسلمهم حكم بلدانهم(1).

إذن هكذا كانت "الصداقة" وبشكل خاص "المشروطة" بتنازل الشعب عن حريته في الإرادة السياسية، هي الخيار المناسب في حالة أوروبا واليابان ايضاً، وبالفعل نجد بعد نصف قرن أن هذه الدول قد انتعشت اقتصادياً وقضت على أو حجمت التوجهات الشيوعية واليسارية التي كان غالبية سكانها يعتنقها في البداية. ومن الجدير بالإشارة هنا أن الولايات المتحدة لم تسمح لفرنسا باختيار بطلها القومي ديغول للرئاسة، إلا بعد أن أيقنت أن ديغول وحده يمكن أن ينافس الشيوعيين في شعبيته في فرنسا، وهي نفس القصة التي تكررت فيما بعد بين بريطانيا وعبد الكريم قاسم، كما يذكر حنا بطاطو في كتابه: "العراق"، وحالات اخرى عديدة، وجميعها تبين أن أميركا يمكن أن تسمح بحكم وطني فقط في حالة تقديرها أن البديل الوحيد الممكن له حكم شيوعي، وهذا ليس وضع العراق بلا شك.

أما بالنسبة لدول الخليج النفطية فلعل الحظ قد ساعدها على البقاء مترفة بعد تواجد التأثير الامريكي فيها لعدة أسباب أولها هول الثروة التي تنعم بها البلاد وثانيها قلة عدد سكانها نسبة إلى تلك الثروة ولكن أيضاً لأن أميركا قد حلت فيها محل بريطانيا وكان على الجديد أن يقدم عروضاً معقولة ليغري أهل البلاد بالتعاون معه لإبعاد شركات الإستعمار القديم. ويمكننا أن نلاحظ حتى في هذه الحالة أن الأمريكان يعملون منذ ذلك الحين بشكل مستمر على تقليص ما يعود لسكان هذه البلاد من ثروتهم وزيادة تسلطهم على مقدراتها، وما مؤامرتهم مع صدام حسين على الكويت والتي انتهت باستقرار الجيوش الأمريكية وبكلفة هائلة في الخليج إلا مثال واضح على ذلك. (2)

بشكل عام، لقد اعتبرت الإدارات الأمريكية المختلفة أي حكومة تهدف إلى العمل على استغلال ثروات البلاد لمصلحة شعبها "حكومات قومية متطرفة" أو شيوعية وهو ما ينبه إليه جومسكي في كتاباته المختلفة، وبالتالي تعمل على إسقاطها حتى إن كانت منتخبة، والأمثلة كثيرة خاصة في أميركا الوسطى والجنوبية، وخيرها مثال "كوبا".

فبعد أن أسقط نظام باتيتسا ذهب كاسترو مباشرة إلى أميركا يطلب صداقتها ومعاونته على بناء بلاده لكن الرئيس الأمريكي استشاط من طلباته، وحين أخبره مساعدوه أنه ليس شيوعياً وأن الشيوعيين يقبعون في السجون في كوبا أجاب: "لايهمني إن كان شيوعياً أو غير شيوعي، إنه يتكلم كالشيوعيين". وكان الرئيس يقصد أن كاسترو كان يتحدث عن مشاريع تهدف إلى خير الشعب الكوبي وليس إلى أثراء أثريائه وإثراء الشركات الأمريكية فأثارت حنق الرئيس وغضبه. ولم تأت زيارة طلب "الصداقة" هذه لكاسترو بشيء بل حصل على حصار أمريكي - غربي قاس ومؤامرات بلا عدد يشيب الشعر لها ولمدة نصف قرن.
لذلك ولأمثلة كثيرة أخرى أرى أن الهدف الأمريكي هو منع الشعب العراقي من الحصول على حكومة تهدف إلى تحقيق مصالحه, وأن أميركا ستوجه كل إمكانياتها وكل فرصها لكي يتاح لها أن تقف بين الشعب العراقي وبين الحصول على مثل هذه الحكومة، وأن تقيد البلاد بمواثيق تؤمن عجز مثل هذه الحكومة إن هي وصلت إلى السلطة بالرغم من جهود أميركا لمنعها، وستكون المعاهدة بلا شك أهم تلك المواثيق, وستكون السنوات الثلاثة التي تتيحها لها في العراق أهم الفرص لتثبيت متآمريها على البلاد في مواقع السلطة السرية والعلنية. كما عملت دائماً في كل مكان احتلته او "حررته" في الماضي، فإن أميركا تسعى إلى إعادة الفاشست الى السلطة فيه (3). وقد فعلت ذلك في العراق منذ دخول البلاد، ولعل خير دليل على ذلك استماتة رجلها المفضل في عودة "البعثيين الذين لم يثبت عليهم جرم" إلى مواقع الأمن والجيش، وهي دائماً ألأهداف الأولى للأمريكان في مثل هذه الحالات.

اللعبة مع أميركا هي لعبة الضغط وأي حديث عن "الصداقة" ليس سوى خدعة قد تصلح لمداعبة آمال من تعب من الصراع, ويمكننا أن نلاحظ آثار "صداقة الضغط" هذه في مناطق أخرى، مثل عروض "الصداقة" التي عرضت على كوريا الشمالية نتيجة إصرارها الصامد على صنع القنبلة الذرية، وما يعرض على إيران حالياً من فوائد لقاء تخليها عن نفس المشروع وهو بالضبط نفس الأثر الذي تمكن العراق بفضل الرافضين من أبنائه في دفع أميركا وزيباري لتقديم تنازلات في شروط المعاهدة الأمنية معه. في جميع هذه الحالات نلاحظ أن المستفيد من هذه "الصداقة" قد تحمل الكثير قبل أن يحصل على هذه الأفضلية وتعرض الى تهديدات خطيرة تستهدف وجوده أحياناً لكنه يصبح فجأة "صديقاً" يمكن التعامل معه عندما يقرر أن عروض الصداقة قد وصلت حداً يستطيع قبوله. أما بالنسبة للعراق فقد جبن الغالبية في حكومته وبرلمانه بشكل مبكر جداً، ولم يستطيعوا الصمود لحين إجبار أميركا على الخروج من العراق أولاً ثم عقد معاهدات معقولة معها لا تهدد سيادته، فلم يتمكن صمود الصدريين سوى من تحقيق بعض التحسن في نصوص معاهدة مليئة بالثغرات وليس لها أي ضامن للتنفيذ.

"الصداقة" في السياسة تتطلب أولاً أن تثبت بأنك تستحق "الصداقة"، من خلال صمودك وتحمل كل الضغط والإرهاب المسلط عليك، وليس باللطف والتودد كما يحدث بين الأفراد من البشر. وفي الوقت الذي يعتبر "التنازل" بين الأفراد علامة طيبة ومودة تحث المقابل على تقديم تنازلات في المقابل، فأن التنازل غير الإضطراري في السياسة علامة سذاجة وضعف ولا تحث في المقابل سوى الرغبة بالمزيد من الإبتزاز والمكاسب.

هذه قواعد عامة, وهناك أسباب أخرى خاصة تجعل "الصداقة" بين أميركا والعراق أكثر استحالة. فالعراق بأغلبيته العربية والمسلمة تجعل أية علاقة صداقة مع من يدعم إسرائيل التي تثير اشمئزاز وتقزز سكان هذه البلاد لإعتدائيتها وعنصريتها القبيحة أمر مستحيل، ولم تحصل أي "صداقة" من هذا النوع إلا بعد وضع إسرائيل حكامها المناسبين على تلك البلدان. من يفترض أن ذلك ممكن عليه أن يتخيل نفسه صديقاً لشخص يقدم السلاح والدعم بشكل لا اخلاقي ولا انساني إلى شخص ثالث يتسبب لك بأكثر الآلام الجسدية والنفسية ولا يكف عن اهانتك في كل مناسبة.

كل هذه العوامل تضع عراقيل كثيرة وكبيرة أمام مثل هذه الصداقة تجعل من تحقيقها ضرباً من "تفكير التمني". إنها إن لم تكن مستحيلة ففي أحسن الأحوال عديمة الإستقرار، وبالتالي لايمكن الإعتماد عليها من قبل أمريكا لتحقيق مصالحها في البلاد، لذا فهي بالنسبة لها ليست خياراً مناسباً مثل الخيار الثاني: العنف.

هل هناك طريق ثالث بين الصداقة والعنف؟ ذلك صعب جداً. فكل من الستراتيجيتين تعمل بالعكس من الثانية وتدمر كل منهما الأخرى. فكل إجراء عنف او تخويف يدمر أية مشاعر صداقة كنت قد بنيتها ربما بالكثير من التضحيات، وكذلك فأن أي حركة صداقة تقلل من الخوف الذي ربما تكون قد بنيته بالكثير من الجهد. وهذا صحيح على المستوى النفسي حيث يصعب عليك ان تخاف ممن تعتقد أنه "صديق" وأن ردود أفعاله عليك ستكون ردود أفعال صديق بأي درجة. وأيضاً على المستوى المادي، فعلاقة الخوف تتطلب إضعاف المقابل إلى أقصى درجة ممكنة بينما لا نستطيع أن نتخيل علاقة صداقة لا تسهم بزيادة قوة الصديق ودعم مصالحه في اللحظة التي يحتاج فيها إلى الدعم.

ألا تتبع الولايات المتحدة مثل هذا الطريق الثالث الذي نقول عنه أنه مستحيل؟ لا...ما تتبعه الولايات المتحدة هو طريق الخوف بكل ما يحتاج من مواقف عدائية وإضعاف للمقابل والتأكد من افتقاده للسلطة على قراراته، أما "الصداقة" فيمكنها أن تملأ الفراغات التي لا تضعف الشعور بالخوف لدى "أصدقاءها" (أو "ضحاياها" كتعبير أدق هنا)، أو على الأقل لا تضعف الخوف إلى الدرجة التي تؤثر على القرارات في مفترقات الطرق. الخوف يجب أن يكون دائماً الثيمة المسيطرة الجاهزة تحت الجلد، يشعر به كل من شعب الدولة "الصديقة" وحكومتها ويقود حركاتها، بينما تلعب "مظاهر الصداقة" دورها في تهدئة مشاعر الإهانة والإحراج التي يتسبب فيها هذا الخوف، وما قد ينتج عنها من مفاجآت مزعجة للقوة المسيطرة.
إضافة إلى ذلك فأن هذا الغلاف من "الصداقة" مهما كان واهياً وشفافاً، فهو ضروري لكسب أية معركة إعلامية، فلا بد من وجود شيء ما، مهما كان وتافهاً، ليستطيع عملاء الدولة المتسلطة تكبيرة وتضخيمه وادعاءه وإثارة الحديث حوله وكأنه شيء حقيقي له قيمة تحتسب. أن الإعلام الدقيق الموجه والهائل هو المسؤول عن تشويش الصورة على العقل بين "الصداقة" و"الخوف" بحيث يلعب الخوف الدور الأساسي في القرار، بينما تأخذ "الصداقة" شكل "الأمل" البعيد المحتمل. لاحظ أن "الأمل بالصداقة" يدفعك دائماً للمزيد من محاولة إرضاء المقابل أكثر من "الصداقة" نفسها، وبنفس الوقت فأنه لا يقوم بإتلاف الشعور بالخوف بينما يتلفه الإحساس بـ "الصداقة".
هكذا يتعاون هذا "الخوف" من المتسلط و"الأمل" بصداقته على مقاومة إرادة العقل وحساباته المنطقية ودفعه باتجاه إرضاء المتسلط.

يجب أن لا يتصور العراقيون أنه يمكنهم كسب ود أميركا من خلال تقديم التنازلات والتصرف بودية معها وتطمينها بعدم الإنحياز إلى أعدائها، ويجب أن يعلموا جيداً أنهم ليسوا أول من حاول ذلك ليدرك بعد أن دفع ثمناً كبيراً، استحالة الأمر. لقد حاول قبلنا الكثيرين: عبد الناصر كان يؤمل بالأمريكان كثيراً (وبالفعل دعموه في مرحلة ما حين كان ذلك يناسب صراعهم مع بريطانيا في النفوذ في المنطقة) لكنهم عادوا ليدعموا أعداءه الذين دمروه ودمروا بلاده تماماً فيما بعد وبشكل غيرمحدود. لقد ذهب عبد الناصر إلى أميركا والبنك الدولي يطلب المعونة في بناء السد العالي قبل أن يتوجه إلى الإتحاد السوفيتي.

وكما قلنا قبل قليل، لقد حاول كاسترو أن يكون "صديقاً" لأميركا، لكن أميركا رأت أن مصالحها في كوبا تتحقق بالعنف والإجبار والتآمر كما رأينا، وقد بدأت ذلك منذ نصف قرن ولم تيأس حتى اليوم.

وربما لا تعلمون أن القائد الفيتنامي الأسطوري "هوشي منه" كان هو الآخر ولمدة طويلة كثير الأمل بصداقة أميركا. فقد كتب التماساً إلى وزير الخارجية الأمريكية روبرت لانسنج عام 1919، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، يطلب مساعدته في الحصول على الحريات المدنية الأساسية وتحسين ظروف المستعمرات في الهند الصينية، لكن أميركا لم تجب.
وبعد ربع قرن عاد ليكتب ما لايقل عن ثمان رسائل إلى الرئيس الأمريكي ترومان بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة طالباً مساعدة أميركا لفيتنام من أجل تحررها من الإستعمار الفرنسي. لكن أميركا ردت بالتعاون مع فرنسا في تحطيم بلاده، بل ومنعتهم من التفاوض من الفيتناميين، بالرغم من أن هوشي منه وأتباعه كانوا قد تعاونوا مع الـ (OSS)، وهي المؤسسة السابقة للـ(CIA)، بينما تآمر الفرنسيين مع اليابانيين ضد الأمريكان. وحسب ما يقول "وليام بلوم" الذي أخذت هذه المعلومات الأخيرة من كتابه (Killing Hope)، فأن هوشي منه كان يثق بأميركا أكثر من ثقته بالإتحاد السوفيتي وكان يحتفظ بصورة لـ "جورج واشنطن" ونسخة من بيان الإستقلال الأمريكي على مكتبه. لكن كل ذلك الحب والرغبة بـ "الصداقة" لم يلق أي تجاوب من الجانب الآخر.

لقد وجدت أميركا مصلحتها تتحقق بالإجبار والعنف فلم تتردد وأدخلت المنطقة في واحدة من أبشع حملات التدمير التي رأتها البشرية في تأريخها.

القول الأخير هو أن المرء يجب أن يحلل الوضع السياسي لبلاده وانسجام مصالحها مع المصالح الأمريكية، فإن وجد شكاً بتطابق هذه المصالح فعليه أن يعلم أن الأمركيان لن يهتموا لـ "صداقته" مهما عرض ذلك عليهم ومهما قدم من تنازلات ومهما ادعوا انفسهم بالرغبة بمثل تلك الصداقة. عليه أن يعلم أنهم يعون جيداً أن البديل الوحيد لديهم هو الإجبار، وأنهم لن يترددوا في اتخاذه طريقاً لهم، وأن كل ما سيحصل عليه الأمريكان من مواقع في بلاده بفضل حماسه للصداقة أو بفضل سيطرتهم المسبقة عليها، سوف يستخدم مستقبلاً لتحقيق مصالحهم في بلاده بتلك الطريقة الوحيدة الممكنة الأخرى: الضغط والعنف والإجبار، بما في ذلك من وسائل معروفة من تآمر ودسائس وتجسس وانقلابات وسيطرة على أجهزة الجيش والأمن السري، ولا أرى إلا أن المعاهدة التي وقعت تواً ستتيح لهم الكثير من هذه الفرص لتثبيت ما زرعوه من عملاء في البلاد في مواقع القوة وإضعاف أية حكومة عراقية قد تحاول مستقبلاً أن تبحث عن مصلحة البلاد والشعب، سواء كانت الحكومة الحالية أو أية حكومة قادمة، ولا يفسر إصرارهم الشديد على توقيعها خير من هذا السيناريو المقلق للأسف.


(1) مدرسة الأمريكتين – قصة معمل لتفريخ الدكتاتوريات والسفاحين
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=142168

(2) أبريل غلاسبي كذابة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=129363

(3) الجزء 1 - قصة مدينتين مع -الحرس القومي-: سوابق امريكية في إعادة الجلادين الى السلطة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=108052

الجزء الثاني - قصة مدينتين و-الحرس القومي-: سوابق امريكية في إعادة الجلادين الى السلطة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=108161



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بعد المعاهدة 1- إنتصار أعرج وتبييض أموال
- إذن فقد هزمنا.....
- .....والبعض مااجتمعوا.. إلا ليضيع دمه بين القبائل
- البديل الثالث للإتفاقية - لا سحب قوات مع أميركا ولاتمديد مع ...
- البديل الثالث للإتفاقية (2) - لا سحب قوات مع أميركا ولاتمديد ...
- قراءة غير مستعجلة لخطاب المالكي حول -إتفاقية سحب القوات-
- الشعب يستطيع الكلام حتى عندما يحرم الإستفتاء
- أما حان الوقت لننظر بشجاعة إلى الإرهاب في عينيه؟
- إحفظوا هذا النص ليحفظكم، دافعوا عن الدستور ليدافع عنكم
- بعد انهيار سعر النفط، ندعو لإعادة تسعير السفراء العرب
- السؤال هو من أي خطر إيراني بالضبط أحتاج لحماية الجيش الأمريك ...
- أين دستورية فتوى المحكمة الدستورية ؟
- لوكانت الأسماء بفلوس، ماذا كان سيكون أسم المعاهدة؟
- رد معسكر -لا- على معسكر -الصمت- للأعسم
- الخوف من إيران – 1- ضرورة تحديد حجمه وشكله
- زيباري وكروكر ونتائج الإنتخابات – ترقبوا الفضائح وأعدوا بطون ...
- مسعود البارزاني يعيد الحيوية لمناقشات المعاهدة الأمريكية
- حتى أنت يا حمزة الجواهري؟
- سيناريو التراجع الإنهياري المحتمل لمعارضي المعاهدة
- مقابلة الغزالة السمراء مع ال بي بي سي


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - ما بعد المعاهدة-2: عندما تريد شيئاً يمتلكه شخص آخر: هل صداقة أميركا ممكنة؟