أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صادق إطيمش - أحادية التفسير لتعدد الزوجات في الإسلام















المزيد.....


أحادية التفسير لتعدد الزوجات في الإسلام


صادق إطيمش

الحوار المتمدن-العدد: 2431 - 2008 / 10 / 11 - 09:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد أصبح عقد الزواج حسب القوانين المدنية يشكل ظاهرة تكاد تكون عامة وأساسية بالنسبة لكثير من الزيجات في المجتمعات الحديثة , ومع ذلك ظل عقد الزواج الديني يشكل أساس قاعدة ألإلتزام الشرعي الذي لابد أن يتحقق لإعطاء الزواج صفته الدينية . وتكاد تكون هذه الظاهرة مشتركة في مجتمعات معظم ألأديان ، خاصة السماوية منها ،وفي الوقت الحاضر أيضآ , بالرغم من إختلاف تقييم عقدي الزواج المدني والديني في كل مجتمع من هذه المجتمعات. ففي الوقت الذي نجد فيه نوعآ من التراجع عن الزواج الديني في المجتمعات المسيحية , أي انه لم يعد شرطآ للإعتراف الرسمي بالزواج وأصبح يمثل تحقيق رغبة خاصة تتعلق بمدى علاقة الزوجين كلاهما أو أحدهما بالدين , حيث أن الزواج المدني الرسمي هو المعول عليه في أغلب هذه المجتمعات ، نجد أن ألأغلبية في المجتمعات ألإسلامية واليهودية تجعل من عقد الزواج الديني كشرط أساسي لتحقيق الزواج المدني . أما في المجتمعات القديمة فقد كان ألأمر يقتصر على الزواج الديني فقط لدى المجتمعات أليهودية والمسيحية التي سبقت ألإسلام , باعتبار ان ألزواج يشكل رباط عقد بين إثنين يتم بمباركة الرب . وعلى هذا ألأساس واستنادآ إلى الموقع ألإجتماعي والإقتصادي الذي كان يتمتع به الرجل قديمآ , كان لابد من ضمان حقوق الزوجة في حالة فشل الزواج وعدم إمكانية إستمراره . وعلى هذا ألأساس يتضمن عقد الزواج على فقرة تحدد المهر في ألإسلام , والموهر في اليهودية , والذي يعني ضمن ما يعني أيضآ توفير الضمانة ألإقتصادية لحياة المرأة في حالة عدم إمكانية إستمرار الزواج . يجري تفسير هذا النوع من الضمانة ألإقتصادية للمرأة من قبل بعض مَن ليس لديهم دراية كافية حول هذا الموضوع على إعتبار المهر أو ألموهر سعرآ للمرأة , فيصورون المرأة على هذا ألأساس وكأنها سلعة تُباع وتُشترى . ربما قد يجري بعض هذا التصرف الخاطئ بحق المرأة من قبل أحد افراد عائلتها , إلا ان ذلك لا يجب أن يقود إلى تفسير المهر على أساس هذا التصرف المخالف للتعاليم الدينية التي جاءت به . ومن المنظور الديني أيضآ ينبغي أن يتم الزواج برضى وموافقة ألزوجين الطوعية , ويقود إلى تحقيق الثقة المتبادلة والإلفة بين الزوجين . حيث أن تعاليم الدين ألإسلامي نصت على ذلك حسب منطوق الآية " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " (سورة الروم 30 ، الآية 20 ). إستناداً إلى ذلك فإن المفروض في الزواج ان يكون إتفاقاً طوعياً أساسه المودة والرحمة . فهل تجري الزيجات في المجتمعات ألإسلامية حسب النصوص التي جاء بها القرآن الكريم ؟ وخاصة فيما يتعلق بتعدد الزوجات الذي أباحه البعض لنفسه كتوجه شرعي او أباحه بعض الفقهاء للغير ، وفي الحالتين دون أن يتم التطرق إلى الضوابط التي تحيط بهذا الأمر .
لابد من التطرق أولاً إلى ظاهرة تعدد الزوجات في مجتمعات الشرق القديم وعلاقة هذه الظاهرة بالأديان التي وُجدت في هذه المجتمعات بعدئذ . فمن خلال الدراسات المتوفرة عن مجتمعات الشرق القديمة يتضح لنا أن ظاهرة تعدد الزوجات كانت ظاهرة طبيعية آنذاك , وزيجات النبي إبراهيم وكل من يعقوب وداوود وغيرهم أمثلة واضحة على ذلك ,كما تشير إلى ذلك كثير من المواقع في الكتب المقدسة, مثلآ التكوين 4/23 و 29/25ـ29 و صموئيل الثاني 5/13 و تثنية 21/ 15ـ17 وغيرها . في الوقت الحاضر جرى التعامل مع هذه الظاهرة بطرق مختلفة , إذ حددتها أو منعتها بعض المجتمعات , في حين إستمرت بعض المجتمعات ألأخرى على ممارستها , وخاصة في بعض المجتمعات ألإسلامية التي تمارسها خلافآ حتى للتعاليم الدينية التي يفسرها بعض مفسرو هذه المجتمعات لشرعنة التعدد دينيآ , بالرغم من الخلاف القائم حول ذلك . وينصب الخلاف هنا حول تفسير وتطبيق ألآية 3 من سورة النساء والتي تنص على ما يلي : " وإن خِفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاثآ ورباعآ فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تَعُولوا" . لقد إختلف المفسرون في تفسير هذه الآية ، حيث يقول المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره الموسوم " من وحي القرآن " حيث جاء في الجزء السابع ص 44 ما يلي : " وقد ذكر المفسرون في ذلك وجوهاً ، في ما رووه عن بعض الصحابة وغيرهم مما لا تقوم به حجة ثابتة ، لأنه مرتكز على اساس الرأي الشخصي ، الذي لا يغلق الباب على آراء اخرى مختلفة عنه ما دامت القضية في جميع وجوهها خاضعة للإجتهاد القائم على الإستظهار من الآية ومناسباتها ، وقد جمعها ابن جرير الطبري في تفسيره فقال :"
لا نريد هنا التطرق إلى كل ما قاله الطبري في هذا الامر ، حيث يمكن أن تُراجع في المصدر اعلاه ، إلا أن ما نود ذكره هو أن ما جاء به الطبري يتعلق باليتامى من الأناث فقط . وعلى هذا الأساس فإن تفسير الطبري وتفسير الآخرين إنطلق من اليتامى الأناث اللواتي يحق للولي عليهن ان يتزوج منهن ، دون ان يجري التطرق هنا إلى عمرهن ، كي يعاملهن بالعدل بعد أن يصبحن زوجات لهذا الولي . ونلاحظ هنا أنه لا ذ كر لليتامى من الذكور ، وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أحادية التفسير لهذه الآية القرآنية ، حيث يذهب البعض إلى إعتبار الجمع " يتامى " جمعاً للمؤنث يتيمة ، وهذا جمع صحيح لا شك فيه ، إلا ان هذا الجمع " يتامى " يشمل جمع الذ كور والأناث ايضاً ، حيث جاء في القاموس " المنجد " أُيتمت المرأة : صار اولادها يتامى ، والمقصود بالأولاد هنا الذ كور والأناث ، حيث جاء النص على الأولاد للجنسين في الآية الكريمة " يوصيكم الله باولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " ( النساء 11 ). ثم أن الآية 2 من سورة النساء التي جاءت قبل آية تعدد الزوجات تشير إلى اليتامى باستعمال ضمير التملك للجمع المذ كر، وهذا يعني ان المعني هنا هو جمع اليتامى من الذكور والأناث ، حيث تقول " وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً ". وبعكسه فإننا نجد إستعمال ضمير التملك لجمع المؤنث حينما يتعلق الأمر بهذا الجمع ، كما جاء في الآية الكريمة 4 من سورة النساء والتي تقول " وآتوا النساء صدقاتهن .....) ثم يستمر التأكيد في الآيات التالية من نفس السورة على ان المقصود باليتامى هم الذكور والأناث وذلك بتكرار إستعمال ضمير التملك لجمع المذ كرولمرات متتالية ، كما في ألآية 6 من سورة النساء .
وعلى هذا الأساس فإننا إذا تركنا التفسير الوحيد الجانب ولجأنا إلى التفسير العلمي الأكثر شمولاً للآية 3 من سورة النساء ، فيجب علينا مراعاة ما يلي :
1. إن مَن يُبرر من المسلمين , وخاصة ألأثرياء منهم , تعميم ألزواج بأربعة نساء واعتبار ذلك من صلب الشريعة ألإسلامية يحاول تجريد هذا النص من محتواه الكلي والإستشهاد بالمحتوى الجزئي الذي ينص على : " وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاثآ ورباعآ " وبذلك يجري تناسي او التغافل عن عاملين هامين جعلهما النص كشرطين لازمين لتحقيق هذا النوع من الزواج . العامل أو الشرط ألأول هو الخوف من عدم العدل بحق اليتامى . والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا حالآ هو : ما دخل اليتامى في أمر كهذا ؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب علينا التطرق إلى نص ألآية التي سبقت هذه الآية أي ألآية 2 من سورة النساء والتي تنص على ما يلي : " وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبآ كبيرآ "
يتطرق هذا النص إلى حالة وجود يتامى لم يحدد جنسهم ، لذلك فالمفروض ان يكونوا من الجنسين وليس من الأناث فقط ، كما يحاول المفسرون الرجال ان يصفوا ذلك ، يتطلب ألأمر رعايتهم ومعاملتهم بعدل . وحسب ألقواميس العربية المختلفة فإن اليتيم إستنادآ إلى ذلك هو فاقد ألأب والذي يعيش تحت رعاية ألأم . وحينما يجري ربط هذه الآية بالآية التي تليها أي 4/3 بواسطة حرف العطف و ألذي تبدأ به لتتناول موضوع اليتامى الذي سبق ذكره في الآية 4/2 " وإن خفتم إلا تقسطوا في اليتامى......." يتضح أمامنا الموقف التالي: هناك يتامى يعيشون في كنف أمهم , وهناك رجل يريد ألإهتمام بهؤلاء اليتامى ورعايتهم , إذ أن وجود ألأب أو من يحل محله كان من ضروريات إستمرار وجود العائلة في ذلك الوقت , وبما أن هذا الرجل متزوج وله أطفال ويستطيع أن يعيل عائلة أخرى , لذلك فإنه قد يعامِل ألأطفال اليتامى معاملة غير عادلة فيما إذا لم يرتبطوا به مباشرة. في هذه الحالة سمح له الدين بالزواج من أم اليتامى كزوجة ثانية وبذلك يكون قد ضم هؤلاء اليتامى إلى عائلته واعتبارهم كأطفاله , وأجاز ألإسلام تكرار هذه الحالة لثلاث مرات بالنسبة للرجل المتزوج الذي يستطيع في مثل هذه الحالات ألإحتفاظ بأربعة زوجات في آن واحد . وهنا يجب أن يجري التأكيد على العامل أللغوي بعطف الآية الثالثة على الآية الثانية كي يُصار إلى فهم النص كاملآ في الآية الثالثة من سورة النساء وعدم تقطيعه إستنادآ إلى رغبة هذا أو تفسير ذاك . وبعكسه يجب تكرار السؤال الذي طرحناه أعلاه وهو : ما علاقة وجود اليتامي في هذه ألآية وذ كره مباشرة وبدون أي فاصلة بموضوع تعدد الزوجات ، ودون أن يذكر هذا النص ماهية هؤلاء اليتامى من ناحية الجنس او العمر .
أما العامل او الشرط الثاني فهو العدل بين الزوجات " فإن خفتم ألا تعد لوا فواحدة " . وهنا لا يتطرق ألنص القرآني إلى تعريف هذا العدل الذي نص عليه . واستنادآ إلى ذلك يصبح مفهوم العدل هنا المفهوم العام الذي يشمل كل شيئ بدءً بالحب , كما تنص على ذلك الآية 20 من سورة الروم ، مرورآ با لمعا ملة الحسنة والمساواة في الإنفاق وانتهاءً بتنظيم العلاقات الجنسية بشكل عادل بين الرجل وزوجاته . أما أن يُفسِر المفسرون هذا العدل على أنه العدل في النفقة فقط , فذلك أمر لم ينص عليه القرآن الذي ترك فهم العدل ضمن المفهوم العام وليس الخاص لهذا المصطلح . ولو أراد القرآن تخصيص هذا العدل لذكره نصاً والقرآن يقول ".... وما فرطنا في الكتاب من شيئ ...." ألأنعام 38 . إضافة إلى ذلك فإن تفسير العدل على أنه عدلآ ماديآ فقط , فإنه بالرغم من تعارضه مع النص القرآني المتعلق با لمودة والرحمة , فإنه يفسح المجال أمام ألأثرياء فقط لتلبية رغباتهم في مثل هذه الزيجات وهي رغبات جنسية قبل أي شيئ آخر, وهذا ليس من الدين بشيئ . وفي الواقع المُعاش الآن نلاحظ شيوع هذه الظاهرة بين أوساط أمراء البترول أو مَن على شاكلتهم ممن جعلوا تحقيق الرغبات المادية أساسآ لحياتهم ، فلا حديث هنا عن يتامى أو غيرهم ، بل وجود الأموال الكافية لشراء النساء والفتاوى التي تحلل مثل هذه الزيجات .
وحينما نعود إلى موضوع العدل فسنجد أن القرآن ينص في ألآية 129 من سورة النساء على ما يلي : " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن ألله كان غفورآ رحيمآ " . وهنا يؤكد النص القرآني مرة أخرى على عمومية العدل الذي لا يستطيع الرجال تحقيقه بين النساء حتى وإن أرادوا ذلك فعلآ . وهذا دليل آخر على عدم إقتصار العدل على النفقة ، بل العدل بكل أوجهه ، حيث أن الأغنياء فقط هم الذين يستطيعون العدل بالنفقة حتماً ، ولا اعتقد بأن القرآن قد أعطى هذه الأفضلية للأغنياء .
حين التعامل مع هذه النصوص بتريث وحكمة سنجد أن تصرفات بعض المسلمين في مجال تعدد الزوجات وتوظيف إمكانياتهم المادية لإنتزاع الفتاوى التي تجيز لهم مثل هذه التصرفات لا يمكن أن تنسجم والنصوص القرآنية التي يدعي هؤلاء إحترامهم لها والعمل بموجبها .
2. يحاول الكثير من المسلمين ألذين يلجأون إلى تبرير تعدد الزوجات في الوقت الحاضر بما قام به نبي الإسلام محمد (ص) نفسه , حيث كان النبي محمد قد إرتبط بعدد من الزيجات في حياته . ولمناقشة هذا ألأمر لابد لنا من ملاحظة ما يلي :
أولآ : بصورة عامة ينبغي ألإقرار بأن مسألة تعدد الزوجات بالنسبة لكثير من المسلمين في الوقت الحاضرلم تعد ترتبط بالتعليمات الدينية أكثر من إرتباطها بالرغبات الشخصية للرجل الذي يسعى غالباً لتحقيق رغباته الجنسية قبل كل شيئ . ولا غرابة في ألأمر إذا ما وجدنا أن معظم الذين يتوجهون هذا التوجه هم من ذوي القابليات المادية التي يستطيعون من خلالها تحقيق ما أفتى به فقهاؤهم حول تحقيق العدالة بين الزوجات بضمان الحاجة المادية غير آبهين با لعلاقات الزوجية الأخرى التي ينص عليها القرآن والمتعلقة بالمودة والرحمة والمحبة بين الزوجين .
ثانيآ : إن النبي محمد (ص) إنطلق في زيجاته من مبدأ الحرص على الدين والمحافظة على إستمرار وجوده وذلك بخلق علاقات عائلية من خلال الزواج , بحيث تلعب هذه العلاقات , كما كان معمولآ به زمن إنطلاق الرسالة في شبه الجزيرة العربية , دورآ مهمآ في المحافظة على حياة ألنبي وتقديم الدعم والعون له على نشر الرسالة السماوية التي أتى بها , إضافة إلى العوامل ألأخرى . وبما أن تصرفات النبي كانت محكومة بالإرادة ألإلهية , لا ينطق عن الهوى ,إن هو إلا وحي يوحى ,لذلك يمكن إعتبار زيجات النبي حالة خاصة إنفرد بها صاحب الرسالة , كا نفراده بتبليغ الرسالة من خلال الوحي والذي لا يمكن لأي مسلم , مهما إرتفع شأنه , أن يضع نفسه في هذا الموقع ألذي إنفرد به النبي . وهذا ما يقودنا إلى تفسير هذه الزيجات التي لم تتم مع اليتامى كما جاء به النص القرآني ، بل تمت إستناداً إلى معايير اخرى لم تتوفر إلا للنبي . لذلك فإن تبرير تعدد الزوجات بزيجات النبي يتطلب أن يكون طا لب الزواج بتلك المكانة وذاك الموقع الذي كان يحتله النبي ,ولا أعتقد أن هناك أي مسلم يسمح لنفسه بذلك .
وعلى هذا ألأساس ينبغي النظر إلى موضوع تعدد الزوجات في الوقت الحاضر على أنه تقليعة يمارسها الأغنياء خاصة ، يشرعنها لهم فقهاء السلاطين الذين ذهبوا إلى أبعد من العدد المنصوص عليه في القرآن فجعلوا من مُلك اليمين ، أي النساء الجواري المملوكات كأية بضاعة تباع وتشترى ، حقاً يمكن لصاحبه أن يتصرف به كيفما يشاء ، وهم يعلمون جيداً ، إلا أنهم يتعامون عن ذلك غالباً ، بأن حالة ألإسترقاق كانت حالة منبوذة منذ ألأيام الأولى لإنتشار الدين ألإسلامي ، إلا أن ألإسلام لم يعمل على منعها في ذلك الوقت نظراً لكونها كانت تشكل حالة إقتصادية عامة حاول التخلص منها تدريجياً بوضع المكافئات لمن لا يمارسها أو يعمل على إنهاءها . إلا أن فقهاء السلاطين أجازوا لسلاطينهم هذا النوع من الرق الحديث ، ثم يدّعون بأنهم متمسكين بمقولة " لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى " ، متغافلين عن نوع الحياة الإجتماعية في الوقت الحاضر واختلافها عن حياة المجتمع قبل اكثر من 1400 سنة .
هذا إذا ما عالجنا تعدد الزوجات في الإسلام من ناحية دينية فقهية ، أما إذا اردنا التطرق إلى هذا الموضوع إجتماعياً وما معمول به على الواقع العملي في المجتمعات ألإسلامية اليوم ، فإننا سنرى وضعاً يدعو إلى المأساة حقاً وحقيقة . إن سبب هذه المأساة يتمثل بتجاوز كل النصوص الدينية التي سمحت بتعدد الزوجات وممارسة هذا التعدد إنطلاقاً من الرغبات الشخصية الرامية إلى تحقيق الرغبات الجنسية لدى الرجا ل . ومع ذلك فإن هناك الكثير من الفقهاء الذين يجيزون هذه الزيجات ، لا بل ويباركونها لسلاطينهم خاصة ، بالرغم من عدم توفر الشرط الديني فيها وهو وجود اليتامى . فأي من الأمراء والسلاطين والأثرياء تزوج بزوجته الثانية او الرابعة او العا شرة لأنها كانت يتيمة ...؟
إن هذه الحالة ، اي حالة التيتم ، اصبحت اليوم تُنظم بقوانين لم تكن موجودة في حياة البداوة التي جاء الإسلام ليغيرها ويضعها ضمن مسارات لم يكن يعرفها المجتمع آنذاك ، وبالتالي فإن تحجيم مثل هذه التصرفات ، كالتلاعب بأموال اليتامى كان أمراً ضرورياً إستدعته ضرورات المجتمع وطبيعة حياته البدوية في ذلك الوقت ، فكان السماح بتعدد الزوجات ضمن ضوابط معينة واحداً من هذه الحلول أو القوانين الجديدة التي جاء بها ألإسلام . أما اليوم وفي ظل المجتمع الذي تسوده القوانين التي تنظم حياته العامة والخاصة ، بما في ذلك الحياة الدينية أيضاً ووفق المعايير الدينية ، فقد أصبح تعدد الزوجات غير مُبَرَر ، إذا إنطلق من هذا المنطلق فقط . ففي كثير من مجتمعاتنا الإسلامية لم تتغير طبيعة المجتمع والأسس التي يقوم عليها وعلاقته بالمجتمعات الأخرى وما يجري من تطور على الساحة العا لمية فقط ، بل وإن طبيعة العلاقات داخل الأسرة ذاتها وبين أفراد المجتمع ذاته. لقد أصبح مجال نشاط وعمل المرأة إلى جانب الرجل في كثير من المجتمعات الإسلامية أمراً تستدعيه ضرورة الحياة الجديدة ومتطلباتها ، لذلك فإننا سوف لا نتنكر للدين إذا ما أعتبرنا أن مبررات تعدد الزوجات من هذه الناحية لم تعد قائمة اليوم في مجتمع القرن الحادي والعشرين . أما إذا جعل بعض الفقهاء والمفسرين تعدد الزوجات كعامل من عوامل إشباع الرغبة الجنسية للرجل التي هي أقوى بكثير مما عند المرأة ، كما يزعمون ، ويجعلون هذا الحل سبباً من أسباب إنقاذ المجتمع من الفساد الذي يعتبرونه مستشرياُ في المجتمعات ألأخرى التي لا تطبق مبدا تعدد الزوجات ، فهذا أمر يستحق التأمل فعلاً والسؤال فيما إذا كان الرجل الذي تقوده شهواته نحو إرتكاب المفاسد دون أن يستطيع السيطرة على هذه الشهوات ...إن كان هذا الرجل من صنف البشر حقاً...؟
لا أدري لماذا تغفل المنظمات النسائية عن هذا الموضوع الحيوي والهام في حياة المرأة التي جعلها بعض فقهاء السلاطين سلعة للمتعة الدائمة أو المؤقتة ؟ . لقد آن الأوان لأن تخرج هذه المنظمات من شرنقة السكوت عن هذا ألأمر او الرضى به أو التغاضي عنه والعمل لتثقيف المرأة بماهية وجودها في المجتمع والضغط على المؤسسات الدينية والمدنية الرسمية وغير الرسمية برفض واستهجان وإلغاء كل ما من شأنه معاملة المرأة حسب قوانين الرق والعبودية والتملك . كما آن الأوان لأن يخرج الفقهاء المتنورون من سباتهم ليضعوا الصورة الحقيقية للإسلام أمام العالم الذي بدأ لا ينظر إلى هذا الدين إلا من خلال القتل والتفجيرات والإرهاب والجريمة والحريم أيضاً .
الدكتور صادق إطيمش



#صادق_إطيمش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنهيار التجربة وصعود النظرية
- صورة الإسلام في ألمانيا
- البلاء في فتاوى الفقهاء
- يهود العراق الجُدد
- عشرة أسئلة حول ندوة نادي الرافدين في برلين
- أما آن الأوان لتجارالمحاصصات أن يعلنوا إفلاسهم....؟
- دعوات غير مسؤولة لإخلاء العراق من مواطنيه ألأصليين
- وماذا بعد السبع العجاف.....؟
- صحافة السجون.....مرة أخرى
- باب التجيك منه الريح.....سده واستريح
- الشباب والإرهاب
- دور المثقف العراقي في مواجهة الطائفية
- مهرجان نادي الرافدين الثقافي في برلين
- اهازيج الشارع العراقي اليوم
- يا اهل العراق....هل انتم مؤمنون حقاً...؟ فالمؤمن لا يُلدغ من ...
- دروس تموز
- مدينة الثورة ....الإنجاز المسروق
- القضية الكوردية وإشكالات المسيرة 2/2
- القضية الكوردية وإشكالات المسيرة 1/2
- أصحوة أم كبوة....؟


المزيد.....




- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صادق إطيمش - أحادية التفسير لتعدد الزوجات في الإسلام