أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - عيون














المزيد.....

عيون


عدنان الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 2417 - 2008 / 9 / 27 - 08:26
المحور: الادب والفن
    


نلت السبق وحزت أول استثناء خرقت به تقليدا مقدسا يحرم السفر, كنت مزهوا وفخورا إلا أني اعترف في قرارة نفسي أن هذا الاستثناء قد لا يتكرر إلا بعد زمن طويل أو تحل بنا نازلة مهولة أشد من كارثة الجفاف التي أجبرت كبراء البلدة على إيفادي إلى بلد المياه العذبة, أقبلت الجموع زرافات لتوديعي إذ لم يتخلف أحد عن الاشتراك في الطقس الفريد.
حضرت بعد اختيارهم لي عدة اجتماعات لمجلس البلدة أفهمت خلالها كيف أسافر وماذا افعل ومع من سأتصل وقد كرر أهل الاختصاص على مسامعي توصياتهم حتى حفظتها عن ظهر قلب.
كانت لحظة الوداع مرعبة إذ بدأت المراسيم بشهقات النساء الناحبات المولولات ثم ارتجت الأرجاء بأهازيج حماسية وزعيق حاد أطاح بسكون الليل, استنزف العناق والمصافحة قواي ولما أسافر بعد, وأخيرا انطلقت لا ألوي على شيء فأمامي مراحل كثيرة يجب أن اطويها في توقيت محدد.
استقبلني فجر بلد المياه بنسائم منعشة, تسكعت قليلا ثم دلفت إلى فندق تفوح منه الروائح الزكية, أغرتني وفرة المياه إلى أطالة مكوثي في الحمام إذ غمرت بدني بالماء مطلقا العنان لآمالي تسرح حيث تشاء حتى سمعت طرقات على باب غرفتي وقبل ارتداء ملابسي تنشقت أبخرة معطرة لطعام شهي.
منحت نفسي عدة ساعات من الراحة لاسترجاع قواي قبل لقاء ممثل السلطة, كان الرجل مضيافا لطيفا وقد أبدى استعداده التام لتقديم ما يلزمني من خدمات إلا انه أثار تعجبي بإشاراته المتكررة التي أراد بها لفت انتباه الجُلوس إليَّ ساهيا عن ملاحظتي لما يفعل, استغرق ترتيب لقائي مع إدارة المياه بعض الوقت.
كانت الطرافة والغرابة تحيطني منذ دخولي لهذه البلدة, فما هممت بعبور شارع حتى يصرخ احدهم بوجهي طالبا الإمساك بيدي ليقودني إلى ضفة الشارع الأخرى, إن أحاديثهم الزاعقة لا تخلوا مطلقا من مفردات مثل شاهدت و رأيت ونظرت, قد ثبت لي أنهم يعانون ضعفا شديدا في حاستي الشم والتذوق إضافة إلى الصمم الجزئي.
حدث في احد أيام مباحثاتي مع إدارة المياه أن سمعت احدهم يهمس بصوت عال إلى زميله ويحدثه عني قائلا لولا تشوه وجه زائرنا المسكين لكان جديرا بهذه المهمة المعقدة, ثم أدار رأسه باتجاهي وتساءل ترى هل ولد أعمى أم ذهبت عيناه من جراء حادث ما؟ أجابه زميله أن الرجل ليس أعمى تماما فهو يرى بعض الشيء, ألا تلاحظ تصرفاته الواثقة؟ ثم ختما همسهما الزاعق بشكر الله والثناء عليه على نعمة الصحة وتمام الخلقة, تكرر الأمر في الفندق والشارع وفي بنايات الإدارات المختلفة التي زرتها خلال مباحثاتي, لكن لن أنسى ما حييت همسات شرطي الأمن الذي وصفني بالمسخ.
أوقعوني في حيرة مدمرة, ترى ما الذي جعلهم يتوهمون أن في وجهي تشوها ما, أيعقل أن يغفل عنه الحاسدون من أبناء بلدتي؟؟ مستحيل فهؤلاء بحثوا بجهدهم عن إي شائبة ليعيقوا تكليفي بهذه السفارة دون جدوى, جعلوني أشك بوسامتي وقدرة حواسي الفائقة إلا أن ثقتي بنفسي سرعان ما عادت حين تذكرت هيام الفتيات بوسامتي وقدرتي على الإبصار ببصيرة يحسدني عليها الجميع.
يا لصفاقة الناس هنا أيصفونني بالمسخ وأنا أكثر الرجال وسامة في بلدتي, آه كم سئمت عشقهم للعيون المترهلة, ليت لي عينين(وما تمنيت ذلك من قبل) تريني سحنهم القبيحة لأًعرفهم من هو المسخ, كم أثاروا تعجبي فهم يلصقون عيوبا بالآخرين ويغفلون عن مثالبهم.
ما عدت أعير همسهم أي اهتمام, فانا عاهدت أبناء بلدتي أن لا أعود إلا وبيدي ما يروي ظمأهم لذا انشغلت بالتفاصيل الدقيقة للمعاهدة المزمع توقيعها, سارت المباحثات في أول الأمر سيرا طيبا لكن خبيرا متشائما توقع أمطارا شحيحة صلب موقفهم وأعاد المباحثات إلى نقطة انطلاقتها الأولى, كانت المفارقة أنهم يقدسون وسائلهم البالية التي يعتمدونها في رسم توقعاتهم مع اعتداد في النفس يدفعهم دائما إلى رفض سماع ما يخالف قناعاتهم.
تدحرجت المباحثات إلى هاوية الفشل لكن بارقة الأمل بدأت تلوح في أفقي إذ تنشقت رائحة المطر صباح هذا اليوم.

د.عدنان الدراجي
[email protected]



#عدنان_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بشارة سبتمبر
- انزوى صامتا
- احذروا التجهم
- الملجأ
- قيلولة النصر
- هوية
- جسد مجنون
- قصة صولة العواء
- قصة اغتصاب ظل
- صعلكة
- سياحة
- الوطن البكر
- نزوة شجرة
- قصة أنفاس الفجر
- قصة رائحة بلدي
- نبتة الخلود


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - عيون