مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2371 - 2008 / 8 / 12 - 11:04
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
إيريكو مالاتيستا
أيار مايو 1926
تعني "الديمقراطية" نظريا حكومة الشعب , حكومة الجميع لصالح كل فرد من خلال جهود الجميع . في الديمقراطية يجب أن يكون الشعب قادرا على أن يقول ما يريد , و أن يختاروا منفذي رغباتهم , و أن يراقبوا أداءهم و أن يستبدلوهم عندما يرون ذلك .
يفترض هذا بشكل طبيعي أن كل الأفراد الذين يشكلون الشعب قادرون على أن يشكلوا رأيا و أن يعبروا عنه فيما يتعلق بكل المواضيع التي تهمهم . إنه يعني أن كل شخص مستقل سياسيا و اقتصاديا و بالتالي لا يوجد أي كان , حي , سوف يكره على أن يخضع لإرادة الآخرين .
إذا كانت الطبقات و الأفراد الموجودين محرومين من وسائل الإنتاج و بالتالي فهم معتمدون على الآخرين الذين يحتكرون هذه الوسائل , فإن ما يسمى بالنظام الديمقراطي ليس إلا كذبة , نظام يفيد في خداع جماهير الشعب و يبقيهم مطيعين مع مظهر خارجي من السيادة , بينما في الحقيقة يتم إنقاذ حكم الطبقة ذات الامتيازات و المسيطرة و تكريسه . هكذا هي الديمقراطية و هكذا كانت على الدوام في بنية رأسمالية , مهما كان الشكل الذي أخذته , من الملكية الدستورية إلى ما يسمى بالحكم المباشر .
لا يمكن أن يوجد شيء كهذه الديمقراطية , حكومة الشعب , إلا في نظام اشتراكي , عندما تصبح وسائل الإنتاج و الحياة جماعية و عندما يؤسس حق كل فرد في التدخل في إدارة الشؤون العامة على و يضمن بواسطة الاستقلال الاقتصادي لكل شخص . في هذه الحالة سيبدو أن النظام الديمقراطي هو النظام الأفضل ليضمن العدالة و ليؤدي إلى انسجام الاستقلالية الفردية مع ضرورات الحياة في مجتمع . و قد بدا كذلك , بشكل واضح على نحو ما , لأولئك الذين حاربوا , في مرحلة الملكيات المطلقة , و عانوا و ماتوا من أجل الحرية .
لكن عند النظر إلى حقيقة أن حكومة كل الشعب , ناظرين إلى الأشياء كما هي في الواقع , قد اتضح أنها استحالة , نتيجة واقع أن الأفراد الذين يشكلون الشعب لديهم آراء و رغبات مختلفة و لم يحدث أبدا , أو إلى درجة كبيرة , أن أجمع الكل فيما يخص قضية أو مشكلة واحدة حتى . لذلك فإن "حكومة كل الشعب" , إذا كان علينا أن نملك واحدة , يمكنها أن تكون في أفضل الأحوال حكومة الأكثرية فقط . و سيوافقنا الديمقراطيين , سواء أكانوا اشتراكيين أم لا . إنهم يضيفون , أنه صحيح أنه يجب على المرء أن يحترم حقوق الأقليات , لكن بما أن الأكثرية هي التي تقرر ما هي هذه الحقوق , فبالنتيجة لدى الأقليات الحق فقط أن تفعل ما تريده الأكثرية و تسمح به . سيكون القيد الوحيد على إرادة الأكثرية هي المقاومة التي تعرفها الأقليات و يمكنها أن تبديها . هذا يعني أنه سيكون هناك دائما صراع اجتماعي , يتمتع فيه قسم من الأعضاء , و لو أنهم يشكلون الأكثرية , بحق فرض إرادتهم الخاصة على الآخرين , مسخرين جهود الجميع في سبيل أغراضهم الخاصة .
و هنا سأخرج عن الموضوع بعض الشيء لأظهر كيف , استنادا إلى المنطق الذي يدعمه الدليل الأحداث الماضية و الراهنة , أنه حتى غير صحيح حيثما توجد حكومة , أو سلطة بكلمة أخرى , فإن هذه السلطة توجد بأيدي الأكثرية و كيف أن كل "ديمقراطية" في الحقيقة لم تكن و لن تكون أي شيء إلا "أوليغاركية" – حكومة الأقلية , أي ديكتاتورية . لكن لغرض هذا المقال , فإنني أفضل أن آخذ جانب الديمقراطيين و أن أفترض أنه من الممكن فعلا أن توجد حكومة أغلبية حقيقية و صادقة .
تعني الحكومة الحق في وضع القوانين و فرضها على كل شخص بالقوة : من دون قوة الشرطة لا وجود لأي حكومة .
الآن , هل يمكن للمجتمع أن يعيش و يتطور بسلام نحو خير أكبر للجميع , هل يمكنه أن يتكيف تدريجيا مع الظروف دائمة التغير إذا كان للأكثرية الحق و الوسائل لفرض إرادتها بالقوة على الأقليات الناشزة ؟
إن الأكثرية , بالتعريف , متأخرة , محافظة , عدوة الجديد , بليدة في الفكر و الفعل و في نفس الوقت تلقائية , جامحة , سهلة التأثر بالإيحاء , و سهلة في تعصبها و مخاوفها اللا عقلانية . تصدر كل فكرة جديدة عن شخص أو قلة من الأشخاص , و تقبل , إذا كانت قابلة للحياة , من قبل أقلية كبيرة نسبيا ثم تفوز بالأغلبية , إن فعلت , فقط بعد أن تكون أن أطلت أو نسخت من قبل أفكار و حاجات جديدة و أصبحت باطلة بالفعل و بالأحرى عقبة , أكثر منها حافزا للتقدم .
لكن هل نريد , إذا , حكومة أقلية ؟
لا بالتأكيد . إذا كان من الظلم و الضار للأكثرية أن تقمع الأقليات و تعرقل التقدم , فإنه سيكون ظلما أكبر و أشد ضررا أن تقوم الأقلية بقمع كامل السكان أو فرض أفكارها الخاصة بالقوة هذه الأفكار التي حتى لو كانت جيدة سوف تستفز الكره و المعارضة بسبب نفس حقيقة كونها مفروضة .
و عندها يجب ألا ينسى المرء أن هناك كل الأنواع من الأقليات المختلفة . هناك أقليات من الأنانيين و الأوغاد كما هناك تلك من المتعصبين الذين يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة و , بإيمان جيد بالكامل , يسعون إلى أن يفرضوا على الآخرين ما يعتبرونه الطريق الوحيد إلى الخلاص , حتى لو كانت مجرد سخافة . هناك أقليات من الرجعيين الذين يسعون إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء و ينقسمون فيما يتعلق بطرق و حدود الرجعية . و هناك أقليات ثورية , المنقسمة أيضا فيما يتعلق بوسائل و أهداف الثورة و الاتجاه الذي يجب على التقدم الاجتماعي أن يتخذه .
أية أقلية يجب أن تسيطر ؟
إنها قضية القوة الوحشية و الخداع , و أن تؤول أفضلية النجاح إلى الأكثر إخلاصا و الأكثر تفانيا للصالح العام شيء مستبعد . ليستولي أحد ما على السلطة فإنه يحتاج إلى ميزات ليست هي بالضبط تلك التي يحتاجها لضمان أن العدالة و الخير العام ستنتصر في هذا العالم .
لكنني سأمضي هنا في إعطاء الآخرين ميزة الشك و أفترض أن الأقلية التي ستصل إلى السلطة التي , من بين كل أولئك الطامحين إلى السلطة , سأعتبرها الأفضل بسبب أفكارها و اقتراحاتها . أريد أن أفترض أن الاشتراكيين الذين وصلوا إلى السلطة و سأضيف , الأناركيين أيضا , إذا لم يمنعني دون ذلك تناقض في التعابير .
هل سيكون هذا أسوأ ما يمكن ؟
نعم , فللفوز بالسلطة , سواء بشكل شرعي أو غير شرعي , يحتاج المرء إلى أن ينحني جانبا جزء كبير من نظرياته الإيديولوجية و أن يتخلص من كل تردداته الأخلاقية . و عندها , عندما يكون في السلطة , تصبح المشكلة الكبرى كيف يبقى هناك . يحتاج المرء إلى أن يخلق اهتماما مشتركا في الحالة الجديدة من الشؤون العامة و أن يربط بأولئك الذين في الحكومة طبقة جديدة صاحبة امتيازات , و أن يقمع أي شكل للمعارضة بكل الوسائل الممكنة . ربما للصالح الوطني , لكن دوما مع نتائج مدمرة للحرية .
إن أية حكومة قائمة , مؤسسة على الإجماع السلبي للأكثرية القوية بعددها , سواء بالتقليد أو بالإحساس – المخلص أحيانا – من كونها من اليمين , يمكنها أن تترك بعض المجال للحرية , على الأقل طالما كانت الطبقات صاحبة الامتيازات لا تشعر أنها مهددة . أما حكومة جديدة , تعول في دعمها على أقلية محدودة غالبا , فهي ملزمة من خلال الضرورة أن تكون مستبدة .
يحتاج المرء فقط ليفكر في ما فعله الاشتراكيون و الشيوعيون عندما وصلوا إلى السلطة , إما خيانة مبادئهم و رفاقهم أو استبدال ألوانهم باسم الاشتراكية و الشيوعية .
لذلك فإننا لا نقف لا مع حكومة أكثرية أو أقلية , لا مع الديمقراطية أو الديكتاتورية .
إننا نقف مع إلغاء الحراس . إننا نقف مع حرية الجميع و مع الاتفاق الحر , الذي سيتوفر للجميع عندما لن يكون لدى أي كان الوسائل ليكره الآخرين , و يكون الجميع منخرطين في الإدارة الجيدة للمجتمع . إننا نقف مع الأناركية .
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن http://www.prole.info
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟