أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم ناصر - الصورة المبتكرة استعادة لولادة المعاني















المزيد.....

الصورة المبتكرة استعادة لولادة المعاني


كريم ناصر
(Karim Nasser)


الحوار المتمدن-العدد: 2358 - 2008 / 7 / 30 - 06:46
المحور: الادب والفن
    


العلاقة الحضوريّة بين الماضي والحاضر:
ليس من باب المصادفة أن استُثمرت شذَرَات من الميثولوجيا لتقوية الثيمة بوصفها معياراً، وهي مقاربة يستهلُّ بها الشاعر هادي الحسيني ديوانه الموسوم "رجال من قصب" مثل أيّ عمل شعري يبحث عن أقل الطرق تعبيراً عن الدلالة، لا عن نظرية تأمّلات مرتبطة بأشكال خطابية لا تجعل من الشعر عملاً مهماً..
والحق فلا يمكن من منظور شعري اعتبار فكرة تقنين الصوَر مسألة جمالية بحتة، إذا ما نظرنا إلى سياقاتها البنيوية التي ظلّت في الأغلب الأعمّ محتفظة بجوهرها الدلالي، ليس هنا فقط بل في أغلب أجزاء الديوان، رغم عدم التجانس في البناء المعماري اللغوي، ما تسببت الأخطاء البلاغية في تقويض بعض الأبنية، وهذه ليست مثلبة، لأنها لا تغيّر من قيمة العمل الأدبي شيئاً. (1) وعليه فإنَّ الصورة هي المعيار يستطيع القارئ استنباطها من الإنزياحات التي تصنعها ميكانزمات اللغة، في كونها الأداة الوسيطة بين التراجيديا والميثولوجيا لتحقيق وحدة كاملة تحيل على دلالة. فالصور هي ما يمكن أن نسمّيها دراما إنسانية تصوّر الواقع لبشر مشمولين بلعنة إنليل التي ورثوها عن الماضي، أو لبشر تسحقهم الحروب، فما بين الماضي والحاضر علاقة حضورية تظلّ دائماً حافلة بتأويلات عديدة:
"المحاربونَ القدماء عُلّقوا بخيوطِ الشمس
تجمّعوا باقةً من دم،
تعبر تحته حوافرُ خيلٍ تجرُّ عرباتِ الماضي،
الرجال انتصبوا دمعة تدور في فلك العين"
(رجال من قصب) ص5/7
والحقيقة لم تتغيّر رؤية الشاعر بصفة مطلقة حتى بعد انتقاله إلى "النرويج" ومردّ ذلك ارتباطه بالمكان الأول. إنَّ هشاشة الماضي لم تترك له حيّزاً للفرح، وأنه لأمر يكاد يصعب تأويله أن ننعم بالراحة، بينما يتساقط الأموات في الشوارع ولو افتراضاً:
"لم يكن في شارعِ "كارل يوهان"
غير السيدّةِ العجوز التي بادرت بسؤالي
في بلادكم يتساقطُ الثلجُ بهذهِ الكثافة؟
نظرتُ لها قائلاً: الأموات فقط يتساقطونَ عندنا
كما يتساقطُ الثلجُ عندكم"
(الزمن المشلول) ص16

وما يسمّى انزياحاً إنّما يعيد الشعر إلى معياريته، وبهذا تصبح اللغة تجسيداً، بينما الانزياح يتحقّق على المستوى السياقي، فكلّ جملة شعرية تُعتبر تجلّياً لظاهرة تراجيدية تدلّ على استحالة الأمان، إذا ما نظرنا إلى المعنى، ففي ذلك صور دلالية عن الواقع. (2)
"القبورُ على هذه الأرض محروثةٌ بالترابِ والحزن"
(الجنوب) ص54

قوة الدلالة مقياس الثبات:

رغم السلاسة في التعبير، لكن يبقى المستوى العام للصورة كما نرى محتفظاً بتميّزه الدلالي، وهذا ينطبق بصفة شاملة على مجمل الوحدات الشعرية. إنَّ القصيدة الدلالية لا تحفل دوماً بتفاصيل وصفية مملّة ولا تفرض نمطاً معيناً ممّا ليس شعراً:
"تشتعلُ الوردةُ حبّاً،
كلّما يقدح البحرُ لآلئه التي أغرقها الزمنُ الغابر"
(الطريق سالكة) ص11
وممّا لا شك فيه أنَّ الأشكال الشعرية الحقيقية لا تُعرف من كثافتها اللغوية فقط، فغالباً ما تنمو النماذج بفعل قوّة الدلالة دون اعتبار لذاتية مطلقة، مع أنه لا وجود فيها لذاتيةٍ تعارض المتن، لتفرض سماتها الشعرية من منطلق التقليد الشعري، والصيغ النمطية الجاهزة:
"ترحلُ السماءُ بعيداً، لكنَّ الرياحَ ابتسمت"
(قصائد للذي يأتي) ص23
سيكون التأويل مستحيلاً إذا اعتبرنا الشعر بديهية نظمية، انطلاقاً مما ليس أدباً. فإنَّ هذه النظرية دحضتها الشعرية الحديثة، والحقيقة أنَّ الشعر لا يفرض تأويلاً دائماً، إنّما يضع الرؤى الأدبية في صلب موضوعه من منظور أدبي وليس من الفن وحده (3):
"قبل أن يكمّلوا أسئلتهم
ينقضُّ عليهم شبحُ الموت كالنسرِ الحامي،
محذّراً الولوجَ في عالمة"
(شبح الموت) ص28
وقد يجرّنا موضوع التأويل إلى ضرورة مراجعة النص الذي يمكن أن يتجاوز حدود الإهداء، ليصف الحالة التراجيدية خارج سياق التقليد الشعري، من أجل إنتاج نمط من الشعر من داخل صيرورته الأدبية، وذلك بغية تكثيفه، كما هو الحال مع السيّاب (4) والبياتي على سبيل المثال، أو علي عبد الأمير أو النصار أو السوداني ص33/37//43
فلنتأمل بعد ذلك الجملة المعيارية لحالة سركون بولص:
"يا حاملَ الفانوس في ليلِ الذئاب
رفقا بنا تريّث،
كلّ أرواحنا تتجّهُ إلى سان فرانسيسكو"
(سركون بولس) ص31
وفي حالة سعدي يوسف نختار هذا المستوى السياقي:
"في حديقتهِ الجوراسية تراقبهُ عيونُ القطط"
(سعدي يوسف) ص34
وهكذا مع حسب الشيخ جعفر نأخذ أبياتاً من متعلّقاته الأدبية:
"أيّة نخلةٍ أعلى قامة من نخلةِ الله
أيّ طائرٍ يحلّقُ في فضاءِ الشعر مثل الطائرِ الخشبي؟"
(حسب الشيخ جعفر) ص35
وفي صلب الموضوع نفسه نستدلّ بهذه الجملة الأثيرة لحالة نصيف الناصري:
"ارتبك الحلم في روعه، كأنَّ طيوراً هاجرت"
(نصيف الناصري) ص38
ثم نختتم الفقرة بإتيان نموذج لحالة جان دمو:
"لكنّ هذيانه الذي لا ينتهي من شدّةِ السكر، جعله يحلم أن يكونَ ملكاً،
وعندما أصبحَ ملكاً،
لم يرَ على رقعةِ الشطرنجِ غيرَ حطامه"
(جان دمو) ص36
يمكن أن نلاحظ أنَّ تنوع الدلالة يستدعي بنية رمزية لا تناقض شعرية النص، وهو معيارٌ لولادة المعاني، وغالباً ما يكون الرمز تجسيداً للواقع انطلاقاً من رؤية سوداوية، ما يجعل الأرض برمّتها أنقاضاً ومقابرَ وسجوناً ومنافي من حيث هي ظواهر تراجيدية، وليست مجرّد أحداث دراماتيكية متخيّلة من خارج سماتها بمعنى من المعاني (5):
"مقابرُ بيض ساكنوها ناموا من دون أكفان،
لكنّها أكثر سوداويةً من سابقاتها"
(مقابر) ص39/40

هوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يمتنع الاسم عن التنوين في حالة الصفات على وزن (أفعل) وفي الجموع على وزن (مفاعل). فالصواب هنا نستعمل بدل الصفة أحمقاً (أحمقَ) وبدل الجمع معاقلاً نستعمل (معاقل). لكنَّ الجموع: جحورهم، نواياك، مقابر حمراء، الليالي البيضاء لم تسلم هي أيضاً من نقص، وفي أسلوب كتابة الهمزة يسهو الشاعر في ترتيبها ولا سيما في المفردات: أشلائه، أهوائهم، أبنائه، دماءاً. أمّا (ما) الزائدة فتُكتب موصولة، والصواب أن نقول (أينما) بدلاً من أين ما.
(2) أنظر إلى هذه الجُمل أيضاً:
ـ "أفكلّما أرزم حقائب النسيان على عجل تخرج التقاويم كي تعيد الذاكرة" ص30
ـ "لكنها سرعان ما تبكي حين تتذكّر أن الحرب أكلتهم، فهل ثمة أحزان جديدة تعصف بأحلامنا ما دامت ثمة قبور تنتظرنا" ص12
ـ "خبّأنا ضحايانا بجوف الأرض متفاخرين بالذود عنها" ص18
(3) "يا لهذا السرب الذي أظلّ طريقه في المتاهة واختفى، كان الليل الأحمق يمرّ على ثكنات العشاق، ويسمعهم أصواتاً ترعب حتى الموتى" (فوبيا) ص52
(4) في هذا المتن ما يطابق الفقرة المتعلقة بالسيّاب:
"لكن الصفاء الذي في قلب التمثال أبى أن يحذو حذوهم وظلَّ يشهر بهم" (تمثال السيّاب) ص45
(5) تطبق الجُمل أدناه بنفس المعنى:
ـ "كان انقلاب الليل غدراً، والحالمون بغايا طوقوا البحر والنهر بمجنزرات وسجون، كانوا يلوحون بها" (الزعيم) ص47
ـ "الرعب ينفلق مصطحباً زلزالاً يتحدّى النجوم، وبقع الدم الكبيرة أنبتت زهوراً ذابلة" ص53 (الجنوب)



#كريم_ناصر (هاشتاغ)       Karim_Nasser#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمالية الصورة الشعرية في سياق النص
- الضلع: رواية التأويل وأصل المتغيّرات والمتضادّات
- -الضلع- رواية التأويل وأصل المتغيّرات والمتضادّات
- شعرية المعنى شعرية الصورة: ولد كالقهوة لخضر حسن خلف
- الجواهري شاعر عبقري
- اِيتراوالي ضوه اعيونك اهلالين
- العراق هنا: مرآة للفن والمعرفة
- الأغنية العراقية: نجاحها وإخفاقاتها
- كتاب الشمس
- إغتراب الكاتب لا اغتراب النص
- قصائد لا تعارض صيرورة الشعر ولا تقف خارج سياقاته: -الفادن غن ...
- قمر الفرسان
- رحيل جماعي إلى كمال سبتي
- إشكالية النص الشعري الدلالية: عندما تُلغى الشعرية من الخطاب ...
- المخرج العراقي هه فال أمين: البلاغة الصورية هي سرّ الفن السي ...
- إستنطاق الموجودات بلغة فوق واقعية: الأسد خلق الغزالة خلقها ل ...
- أزهار
- القمر البريّ
- أطلق قمرك لأتنفّس
- غياب الشفرة التأويلية في نص الشاعر شعلان شريف : شتاء أعزل نم ...


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم ناصر - الصورة المبتكرة استعادة لولادة المعاني