أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - سبعة ( رجال )















المزيد.....

سبعة ( رجال )


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 2337 - 2008 / 7 / 9 - 06:17
المحور: الادب والفن
    



سبعة ( رجال ) هن.
آهات من طفولات راقدة على الرصيف ترحل بين الأمسيات، وتتدحرج على أقفال العودة..أطلال كسيحة، وهوادة لا رجعة فيها تتسلق هذا الحائط المنهار..الرحلة هكذا تبدأ وتنتهي: الغزو على القدم والساق، القتل الجميل، والليل الطويل، وفرحة هاربة تفرغ شحنتها على الصدور ولا تكون.. السكون المتفاقم لا يضاهي النهر، وثمة سحابة ظمأى تزحف ببطء، تملأ الأفق ارتعاشا، وجنون طليق يتواطأ مع المنافذ والأغصان، ويطرق الباب العتيق، وغرفة من اللهو تتشكل بانتظام. الزمن الشائك يزايل الأفق ويحترق، ينز متأرجحا، وتصدأ منه الأحيان بظلال الوحشة، واغتراب البعض في البعض، والسفينة المفترض أنها تزحف نحو الصباح، تتدحرج منذ أعوام بين مناكب الضياع، والأجساد مثقلة بالمسافات، تتآكل في صورة اللون، وتنضج في احتمال المشانق وعبوات الرقص تأكل فسحة الأرجاء: صمت جميل أنت ، يا هذا اللون المتربع منصة الأصداء...

ها ( هي ) الآن، ترحل... تنتفض، وتذرع الساحة على أطراف أصابع القدمين، كأنما فرشت بجبال من زجاج: قامة عابرة، ووجه زيتوني يطرز ظلالا خافتة على الأرض التي تترنح على متعة مقلوبة، والعيون السوقية تتجرجر نحوها، تمتد فيها حتى مرمى الشبهات، بينما هي تتهادى، تعبر الخط الرخامي السائل، وردفاها يرتفعان وقد يجتمعان، فتستلقي على الساحل الآخر باردة، عاصبة صدغيها بخيط من رماد، تتلألأ على تضاريسها الليلية حمى جاذبة: يداها على دورة البطن حمامتان، وخاتمتها المتراكمة ماثلة كقفة من القش، وهي تتواطأ مع انحدار النوبة، وقارورة الليل الحمراء تعكس بريق إغراءاتها بلطف هاديء... والضحك المتناثر، المتهالك، عادة يتصاعد أجوف في مجرى المسافات فتصطك الجدران المائلة، الماثلة، ويتقد شغبه في بادية العثور...
( هي )لا تضحك، ينغرس في جبينها تاريخ طريف، وتلبس ابتسامة سائبة، تسقط على ملامحها البرية، وتتدلى كالرعشة في سمائها، ويورق ماء الغناء.

تقول الواحدة: المقت من ذهب.

والكأس ـ الكوكب الدائر يتهالك على الاستسقاء، وقامة القارورة تنسحب رويدا، رويدا، ويدخلها الفراغ على سنة الله، من جسد لجسد يتدفق هذا الحصن يتمادى ويستطيل في اللذة والانتشار...

تقول الثالثة: كاد السكر أن يكون رجلا.

مجرد عشاء من الثواب، يسير، ثم تستيقظ النافذة، بينما ( هو ) يتلوى، مثقوب كمنامة صبي، يتوعده شريط آخر من ذكريات يلقي بعضها فوق بعضها، ويتوسد هموما صغيرة في داخله، ويرشق المشهد بحنين مهادن، تتردى فيه أباريق وديعة، ويكتشف سر الصابئة المتوحدة فيه. جالس على ناقة الغيب. دخان قارس يتصاعد من غفوته، وستائر شبه بيضاء تغلف مدامعه الدانية، وعيناه الضبابيتان كانتا ترسوان على صدر الكأس المهاجر، كأنما يفكر في بداوة قادمة..
في المهلة العابرة بينهما، تتفسح ( هي ) على مراثي غريبة، غلالتها ـ الصحراء الوارفة، تفتك بقرى الصمت الذي يراودها، ساقاها الصفصفاوان المشوبان بكبرياء النعومة، يباركان قيدها الواحد على الواحد، وتحت الغلالة غابات ليس بها سر مخبوء: منابت الشعر، مهاوي الرغبة، آبار الشدة... سلالات جرداء، تتنهد، وتستدير نحو وقوف ثقيل، تتكيء بساعديها على الرف العنيد، ثم تطمو في برج الحضرة، ويكتمل الدوار، وأتون الغناء يفور:
قاتل، كاليباب..
أنا من هواك اكتويت،
أمشي على قيد من مداك،
فأرني وشك البوح فيك...

تقول السابعة: يا أيهذا السبع متى لقانا..

تمر نسخة من هواء بارد، تمسح حذاء الضباب المسافر في الأعماق، وتنعش دورة النوم الصاعد، ولكن لا أحد استطاع أن يفيق على تلك البرودة الجاهزة. ( هو )كان يتحامل على جدواه، ويتجه نحو الركن الغارق في طاقية سوداء، يعبر زيزفون الأجساد، وتكاد العثرة تسأله، لكنه يتمالك، يأخذ بجذع الجدارحتى شجرة الركن حيث يجلس المرحاض النبيل: أنبوب الذكريات المعهودة. يرخي خلفه الحاضر، ويفتح كناش معداته الغائبة.. على أرباضه ثمة رائحة تقترب من الدم الخاثر، ومناديل مرقشة تلفحها قشرة من رغوة صابون معلوم، الرائحة الشهيدة اقتلعت كعباته، وأظلمت فيه أشياء الأمعاء، فانهار انقباضه، وتقيأ سفر البطولات، وحجر البهو المشتعل يناوئه:
( برادي، برادي..
برادي د المعدن،
والمحبة بالخاطر
ماشي في يد المخزن )
يتوكأ على الجدار، ويتنفس قرآن الصعداء، وحين يموت ( هو ) في الزاوية المحاذية، يخرج الضحك الأصفر من بطن الحوت، فيسافر فيه لغو حاقد...

تقول السادسة: أنا المسدس الخائن الطلقات.

.. وأزرارها ( هي ) تنفلت على الغرة، وتكتب صمتها على حجاب الكلام، يسري حفيف حركات في جحيم الساحة ويرتطم الحلم بالحلم، اليد باليد، القاع بالقاع... والدولاب ـ الكأس الدائر يتعرى فتكسوه أصفاد النبيذ. المغارة تزداد انقلابا، يتدثر البعض بالبعض، وخيط بهيم من الدخان يشاكس الكأس الدائر، ويملأ محطاته، والأشياء تهرب إلى الوراء، ودموع متعبة تغلق شاطئها ترحل في البياض، وتتوغل في ساقية المكان..

تقول الخامسة: يا أيها الكلأ تول أمري.

ها ( هو ) الآن يشتغل، ينزف حقولا من الغمام، وألف ألف سماء من الحزن المديد، تتجدول في داخله واحات مهترئة تتشكل برزخا ميتا يتنفس في مجراه رسالة صماء وصلته ذلك الصباح، ويسبح في غرف من عين الرحى تداهمه، ويغمره دبيب رعشة تحفر فيه نخوة الشراب حتى الهاوية، ويتقلب على لذة انتظار بلا لغة: مجرد أمسيات ذابلة، وبنادق ظمأى، وطقس حاف يلملم الهتاف نحو جيد المحو...

تقول الرابعة: أيها المربع تربع دمي.

ها ( هي ) الآن تستريح. ينفض ربيع الرقص في وطأتها وتتهاوى على القارعة سنبلة هاربة من الجذع، تشرب دورتها، وتعانق الكأس بارتطام فتهبط القطرات الحمراء في جوفها كما تغوص الحصاة في جلد الماء، تأخذها حمى فرح غامض، ويعود الكأس منها فارغا، وتغرق في صلاة جارفة ، يلفحها خشوع هزيل يتنهد على مشاربها، وتمر كتيبة من الصمت تمسح المكان، وتتبدى الأجساد مهروقة نحو حبل الموت، تنحل الحركة، ويستشري هجوم خفيف على الأطباق الطائرة في الصدور، ومع ذلك ظل الكأس يستنفر الأحداق ويخرج رقاب الموتى من بالوعة الانهيار.

تقول الثانية: سراحا، سراحا لهذا السجين...

..وظل الأفق على الرغم متوردا، يفجر الضياء ويدخل يثرب الصلوات، وحصاد المواقيت، ويعلو في مداه النداء:
السابعة: جلس القبر...
السادسة: جاء القهر..
الخامسة: هرب النهر...
الرابعة: بكى البر...
الثالثة: خرج الفقر...
الثانية: طلع البدر...
الواحدة: أذن الفجر...

* * * * * *
سبعة رجال ( هن ). والكلب ( الثامن ) ظل وحده جالسا على تابوت من وفاء. ماذا لو ـ على الأقل ـ كنا كلابا.

1984.



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاد
- باب انقلاب الحال
- باب-عبس وتولى-
- باب التلقيح
- ساعة ألم مضافة للزمن المغربي
- ديموقراطية في سبيل الله
- مثل الدجاجتين
- باب الفتنة
- باب القران
- باب العداوة
- ذكر ما جاء في باب التفويت
- باب التدشين
- لماذا تأسيس نقابة بالتعليم العالي
- بصدد الجدل الدائر حول الإطار النقابي للتعليم العالي: -إصابة ...
- في أن تحويل إطار نقابة التعليم العالي إلى -جمعية- أمر مقصود ...
- في حضرة الإمام مولانا الغلاء
- في الحاجة إلى تأسيس نقابة للأساتذة الباحثين بالتعليم العالي
- رسالة مفتوحة إلى الوزير الأول
- ما تحت جلباب الإصلاح الجامعي ( 1 )-المراقبة- و-المعاقبة-المس ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - سبعة ( رجال )