أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - ساعة ألم مضافة للزمن المغربي















المزيد.....

ساعة ألم مضافة للزمن المغربي


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 2311 - 2008 / 6 / 13 - 06:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


للزمن وقعه الخاص في الذاكرة الجمعية المغربية،وتتباين تجلياته في عمق تموج العلاقات والممارسات الاجتماعية،مثلما تختلف أدواره وأوضاعه تبعا لانعكاساتها أو تأثيراتها المحتملة،أحيانا يقترب من صيغة تتلبس بالتقدير والتبجيل وبمنطق الحرص على استثماره أو التعامل معه بصورة فعالة تجعله أجدى وذا طابع منتج، وأحيانا يتراءى وكأنه بدون قيمة أو سند وفاقد لكامل معناه، وأخرى يبدو وكأنه الينبوع الأبدي للشر ومصدر كل الرزايا والنكبات، والعدو الذي لا يقهر وصانع معاناة الفرد وانكساراته المرعبة.
وفي صلب هذه التصنيفات يمكن الوقوف على سيل من التمثلات الدالة التي توظف في مجرى تقدير الزمن والتحريض على استغلاله بطريقة أفضل باعتباره سيد "الوضع" والقابض على جمر الدلالة العليا أو حاويا للحقيقة وحاضنا لها، ويأخذ المشهد هنا مظهرا للصراع مع الزمن أو مواجهته بهدف تشغيل فاعليته في حدود معينة بمقدورها أن تحيط بوسعه أو توقف قوته المدمرة، فهو "كالسيف إن لم تقطعه قطعك" ولا ينبغي أن تتاح له فرصة الإفلات من إرادة الإنسان والسيطرة والتحكم في إيقاعاته التي لا تتوقف ولا تتراجع، على هذا المستوى تشغل مقولة "البكور" أي الدخول بمعنى ما في رحلة استباق مع الزمن وضرورة أخذ زمام المبادرة لصناعة تاريخ الفعل داخل صيرورته، فالحرث باكرا ،مثلا، هو فعل لا يضاهى ولا يقدر بثمن، وزمن الغراس قرين أوان معلوم، وإذا انصرم دار الزمن دورته، فالفعل رهين الزمن وأسير ميقات خاص لا يمكن تجاوزه، وإلا كان له دوره التخريبي حين نلقي بالفعل خارج مداراته، ويتضمن هذا البعد حرصا على المبادرة الاستباقية وعلى إخضاع إيقاع الزمن للإرادة والسلطة المباشرة.
وخلف هذه التمثلات وما يوازيها تكمن الرغبة في السيطرة القبلية على الزمن، وتلافي لحظة العدم أو خواء الانكسار، غير أن الترويج لهذه الممارسات الاستباقية إنما يخفي في الواقع شعورا بالعجز أمام وطأة الزمن وعدم الاكتراث بقيمته أو إيقاعاته الحياتية، فالخوف من العجز لأداء أو إنجاز فعل في زمن مفترض هو العامل المباشر الكامن وراء هذا التحريض والمبادرة لمنازلته ومصارعته.
وفي أحوال أخرى قد لا يعتد بالزمن وقيمته ولا ينظر إليه إلا باعتباره غلافا مفتوحا، ممتدا ومتواصلا، قابلا لأن يرعى إنجاز الفعل في أي نقطة من دوراته وتحولاته، فالساعي لغايات الربح، مثلا، عليه ألا يضع عامل الزمن في الاعتبار فالعام أطول مما يتوقع، وأمامه دائما متسع من الوقت ليحقق سموه وأهدافه الخاصة.
وعلى هذا المستوى يتراءى الوجه الآخر لخلفيات التعامل مع الزمن في العادات المغربية وخطوط الحياة اليومية، حيث تتراكم وقائع عديدة تبرز خاصية عدم الاكتراث أو موت الإحساس بقيمة الزمن ودوره الحاسم في الحياة وصناعة أشيائها، هكذا فإن اللجوء إلى إدارة حكومية أو غير حكومية يفرض مسلسلا من الإجراءات التي تتجاهل الزمن وقوته الأولية، فالدخول في متاهة الانتظار في صفوف لا تنتهي امتداداتها:في قاعة انتظار أو مستشفى، أو محطة عبور حافلة، أو من أجل الحصول على وثيقة، أو أداء واجب ما، يعكس منظور الاستهتار وعدم اعتبار الزمن أو وضع قيمته في الحسبان، وتردد المواطن على إدارة، أو موقع ما، للحصول على وثيقة تافهة لأيام معدودات، يعمق هذا المنظور ويضع الزمن المغربي خارج إيقاعات الزمن الفعلي والطبيعي. قد يتضمن هذا الوضع حمولة "سياسية" أو"أيديولوجية" تنهض فيه السلطة السائدة بتعميق الشعور بدونية المواطن وردعه ليحس بلا جدواه أمام هيبة ورهبة السلطة، وبلا جدوى وجوده التاريخي بعيدا عن لحظات حضور هذه الرهبة بأي شكل من الأشكال، ومن ثمة فإن الزمن هنا يكتسب قيمته في علاقته المباشرة مع زمن السلطة السائدة الفعلي والأيديولوجي، وليس في علاقته مع فعل الفرد وواقعه التاريخي .
ويؤكد هذا المنحى وجه استثمار الزمن على المستوى السياسي ، فما راكمه الزمن السياسي المغربي لا يحيل إلا للحظات انكسار تدعم الفراغ والخواء وسيادة البعد السلطوي لقيمة الزمن وقوته، فزمن الانتخابات، مثلا، مفروض فيه أن يكون زمن صناعة الفعل التاريخي الإيجابي، وهذا أفق توقعه أساسا، غير أن الممارسة علمتنا أنه لا يسير إلا في اتجاه تأكيد لا قيمة ولا معنى الزمن، ولا يؤسس إلا لتاريخ النكوص وخلق تاريخ جديد لآثام وشرور جديدة تناهض حقيقته، وترسم صورة لزمن يخضع فيه كل شيء للتبديد: القيم السياسية والاجتماعية والمال الناطق والصامت والحقوق والواجبات... ليحيلنا الوضع إلى منظور آخر متولد أكثر انحطاطا ونكوصية، يرى الزمن وسيطا، أو جسرا للوصول واختراق المسافات وحرق المراحل بشكل جنوني، لتحقيق امتيازات مفتوحة على آفاق العماء والارتزاق، وتجاهل حاد لأبعاد الزمن ومتطلباته الراهنة والمستقبلية.
وبسبب هذه المؤثرات والانعكاسات السلبية لمستويات التعامل مع الزمن بالمغرب ساد تفكك متعدد المظاهر في اعتبار النسيج الزمني، حتى غدا من المألوف والمعتاد الحديث عن زمن مغربي بالمعنى التاريخي، إذ تضرب موعدا مع صديق أو حبيب أو مع قريب أو بعيد، ويتخلف عن الموعد بشكل طبيعي وبوعي زائد، ووقت أكبر من المتوقع وإيقاع يعضد هذا التفكك والاستهتار بقيمة الزمن وقوته،والمبررات المقدمة في مثل هذه الحالات تصب في مجرى الزعم بأن الأمر، بكل بساطة، يتعلق بعادات الزمن المغربي.
ولهذا يمكن أن نقرر،بدون تحفظ، أن الزمن لا يحظى بأي اعتبار أو تقدير إيجابي على صعيد الواقع المغربي، وطرائق استثماره ذات منحى سلبي لا تكرس غير زمن الفراغ وفقدان الثقة والأمان،حتى الوجهة التي سارت فيها الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة تضع الزمن في منطقة اللاجدوى، وهو ما قد يظهر للمتأمل في كثير من الملامح والمسارات التي اقترنت مع زمن هذه الاختيارات، فغالبا ما يتم تحديد أفق زمني لإنجاز بعض المشاريع ذات الأولوية الكبرى لكن سرعان ما يتم القفز على هذا التحديد والذهاب بعيدا في تعميق لاجدوى الزمن أو الاحتكام إليه، وسنرى أن ارتباط بعض الإنجازات بمواقيت معينة لم يتم الالتزام بمقتضياته، ففي العقود الأخيرة من القرن الماضي مثلا كانت سنة ألفين ( 2000) في القاموس السياسي المغربي محطة مشحونة بإمكانات هائلة وغير متناهية، جعلت منها نقطة تحول في اتجاه زمن أسطوري تكون فيه الصحة للجميع والتعليم للجميع والسكن للجميع... ولكن القرن الواحد والعشرين يكاد يطوي عقده الأول ولا نكاد نلامس بأصابعنا غير الجراح والألم المتزايد، والبؤس للجميع ، وسوء تقدير قيمة الزمن وجسامة الأخطاء التي تقذف بنا خارج راهنيته الفعالة.
وإذ بادرت الحكومة المغربية، بكل اختلالاتها، إلى إضافة ساعة فراغ إلى زمن الوجود المغربي، فهي بذلك تتمم سلسلة تجاربها في نسيج الزمن التي توجتها قبل سنوات باعتماد ما سمي ب"التوقيت المستمر"، وهو توقيت يضرب بجذوره في عمق الثقافة الفقيرة التي نصارع بها الزمن، إذ أن هذا التوقيت أفقد الزمن المغربي على الصعيد العملي استمراريته وأهميته ووضعنا في زمن الوهم المشبع بمظاهر اللامبالاة والعادات الخاطئة، واستثمار الزمن بشكل مقلوب، وقد تكون الساعة المضافة تشريعا آخر يطوق المواطن ويضاعف قهره، وتقنيات معاقبته ورقابته في واضحة يوم لا تغيب عنه الشمس.
إن المبررات التي استند إليها منطق وقرار الإضافة، على ما يبدو، لا علاقة لها بإكراهات الواقع أو الزمن المغربي، فوجهة الاقتصاد في الطاقة، أسطوانة هشة ورديئة لأن هذا "الاقتصاد" ينبغي أن يخضع لآليات متعددة،ويتقوى بإنجازات موازية تجعل الطاقة فعلا في صلب اهتمامات المواطن المغربي،واعتبارها إحدى أولوياته الملحة، إذ ليس مستساغا أن يتم "الاقتصاد" من منظور فرض "نهار اصطناعي" وأطول على الإنسان المغربي، وهو الفاشل في نهاره العادي أن يرسم طريقه للحصول على لقمة عيش هنيئة، وهو ما يعني أن الإضافة هي، بالملموس، إضافة غير طبيعية إلى الزمن النفسي والطبيعي تحركها إرادة خلق زمن مشوش يربك توازنات الفرد ويضغط على نظام حياته المثخن بمقومات البؤس والانتظارات القاتمة.
والبحث عن السمو عن طريق التماهي مع البلدان المتقدمة، في هذا المجال وحده، لا يقود إلا إلى عامل اللامبالاة التي تتعامل الحكومة المغربية بها مع زمنها وزمن المغاربة، وإلى محاولة استكشاف إيقاع ينهض بمهمة حجب النواقص والثغرات التي تحاصر الزمن المعاش، وإلا فإن إرادة الالتحاق بركب تلك البلدان يستدعي خيارات أخرى أعظم وأقوى فعالية وأثرا في الزمن بامتداداته المتباينة والممكنة.
إن إرغام المواطن المغربي على أن يحيا ثلث أيام السنة، أي أربعة شهور، على إيقاع زمن قطبي لا علاقة له بوتائر سياقاته النفسية والاجتماعية والثقافية، وحمله على اليقظة الاصطناعية بشكل كثيف، يعني اختيارا سياسيا لتفكيك تماسك وتوازن هذا المواطن، وتدمير توافقاته مع محيطه، ووضعه في مأزق الوقوع تحت تأثير ضغوطات نفسية واجتماعية قاتلة ستؤثر، بكل تأكيد، في شخصية وذهنية وثقافة الأجيال الصاعدة التي تستهدف الحكومة تعقيد وضعها وتفتيت زمنها، وتهديد استقرارها الوجودي والنفسي، ولذلك فإن إضافة ساعة إلى زمنها، إنما هي إضافة ساعة من المعاناة والألم المضاعف لفئات عريضة من المواطنين الذين ليسوا ضحايا أو زبناء بورصة باريس أو طوكيو أو لندن، ولا يضبطون ميزانياتهم المنعدمة أو جيوبهم الفارغة على إيقاعات زمن صعود الدولار وهبوطه، والذين لا يحتاجون إلى أي احتياط من الطاقة غير طاقة أن يكدحوا من أجل مصارعة الزمن الحكومي ووباءاته القاتلة التي تدمر حقيقتهم ووجودهم، وتسحق قدراتهم وطاقتهم الشرائية المحتملة.



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديموقراطية في سبيل الله
- مثل الدجاجتين
- باب الفتنة
- باب القران
- باب العداوة
- ذكر ما جاء في باب التفويت
- باب التدشين
- لماذا تأسيس نقابة بالتعليم العالي
- بصدد الجدل الدائر حول الإطار النقابي للتعليم العالي: -إصابة ...
- في أن تحويل إطار نقابة التعليم العالي إلى -جمعية- أمر مقصود ...
- في حضرة الإمام مولانا الغلاء
- في الحاجة إلى تأسيس نقابة للأساتذة الباحثين بالتعليم العالي
- رسالة مفتوحة إلى الوزير الأول
- ما تحت جلباب الإصلاح الجامعي ( 1 )-المراقبة- و-المعاقبة-المس ...


المزيد.....




- هل العودة لياسمين عبد العزيز ممكنة بعد الانفصال؟ أحمد العوضي ...
- شاهد ما يراه الطيارون أثناء مشاركة طائراتهم في العرض العسكري ...
- نتنياهو منتقدا بايدن: سنقف لوحدنا ونقاتل بأظافرنا إن اضطررنا ...
- البيت الأبيض: نساعد إسرائيل على ملاحقة يحيى السنوار
- أبرز ردود الفعل الإسرائيلية على تصريحات بايدن حول تعليق شحنا ...
- الخارجية الروسية تعلق على اعتراف رئيس الوزراء البولندي بوجود ...
- زيلينسكي: جيشنا يواجه -موقفا صعبا حقا- في المناطق الشرقية
- -حزب الله- يعرض مشاهد من عمليات عدة نفذها ضد الجيش الإسرائيل ...
- هل من داع للقلق في الدول العربية بعد سحب لقاح أسترازينيكا؟
- بنوك مودي في الهند تنفق 400 مليار دولار ليفوز بدورة ثالثة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - ساعة ألم مضافة للزمن المغربي