أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - طلال الشريف - فساد المال ... والسياسة في فلسطين















المزيد.....



فساد المال ... والسياسة في فلسطين


طلال الشريف

الحوار المتمدن-العدد: 2317 - 2008 / 6 / 19 - 06:48
المحور: القضية الفلسطينية
    


"تذكروا معي":
المال بشكل عام يفسد اجتماعياًً، والمال الموجه من الخارج يمزق وطنياً !!
وسأبدأ ذكرياتي من تاريخ ممارستي العمل السياسي بعد تخرجي من كلية الطب، وعودتي للعمل مباشرة إلي غزة في العام 1984م، وما سنتحدث به، لن يختلف عن التاريخ السابق للثورة الفلسطينية خاصة، ومجمل الحركة النضالية الفلسطينية بشكل عام، وهو تكرار للنموذج ذاته مع اختلاف بعض المساوئ والإساءات، ولكن أبدأ من هنا، من نقطة محورية في العمل النضالي الفلسطيني، وهي نمو التيار الديني بقوة علي الساحة النضالية، وبداية نشوء "الازدواجية الاحلالية" للهوية النضالية، والمستمرة في تفاعلها إلي وقتنا الراهن، ووقوع غزة في قبضة حماس، وما دامت كل المحاولات والتجمعات، أحزاباً، وحركات، وجماعات أو أفراد، لم تنقل شعبنا الفلسطيني خطوة إلي الأمام، ولن أتطرق إلي ما قد يدافع عنه الكثيرين بأنه انجاز لهذه الثورة، أو لهذا الحزب، أو الحركة، لأنني قتلت فحصاً كل ما قرره ورسخه إخواننا المناضلون والمجاهدون من بعدهم، بأنه انجاز هنا، أو انتصار هناك، لأجده في النهاية، تطبيل وتزمير مع كل الاحترام والتقدير، والانحناء أمام تضحيات الشهداء والجرحى والأسرى، الذين مضوا علي طريق قناعاتهم التي هي قناعة كل فلسطيني حر يقدم الغالي والرخيص من أجل فلسطين، ولكن لكي لا نظل نحن الذين ما زلنا أحياء نحاول علي درب الخلاص والتحرر، حبيسي الفشل "المنتصر" كما يشاع بعد كل مرحلة ومنها يؤسس لهزائم وفشل أكبر من السابق علي خلفية إدارة الصراع البائسة من أولئك القادة الذين لا يتورعون في ادعائهم بالنصر أو المحافظة علي ما هو موجود، ولولا، حنكتهم لكان حالنا أكثر بؤساً، وهو حقاً أكثر بؤساً بهم ، ولكي تصبح لدينا إمكانية للنهوض وصيانة أكبر وأقدس قضية علي مر التاريخ.
ولذلك، وبعد قرن من الزمن، وجب علي كل ذي عقل سليم، أن يقول ما يفهمه، وما هي قراءته لاستخلاص العبر، والدفاع عما تبقى من حقوقنا، وإلا ماذا نسمي كل هذه الإخفاقات علي مدى قرن ونيف من الزمان؟ وبدون تبرير لجهل، أو خطأ، أو تضخيم لقوة الخصم، أو تحالفاته، وهذه التبريرات الزائفة، التي أدت بنا في كل مرة إلى التأسيس لهزيمة أكبر، حيث نلسع في كل حقبة بشعارات كاذبة، ومضللة، تتغني بأننا صمدنا وانتصرنا، فنحن مازلنا نعيش في المسافة ما بين أول كذبة صامد، وطني، منتصر، بدأ مع بداية المشروع الصهيوني، وتواصلت إلى يومنا هذا، وحتى آخر دروشة، لمجاهد قد رأي الملائكة تحارب معنا في معركة الأيام الستة في جباليا، وعلي ذلك، سنبدأ الذكريات كلما كان لها فلاش باك علي الذاكرة أو مدلول أو كما أحسها، أنا الفلسطيني الكاظم الغيظ بعد أن بلغ السيل الزبي، والذي شاهد مقاطع التاريخ حدثاً ورواية، أو توثيقاً، واستنبط منها دجل الماضي، ودروشة الحاضر، والتحسب مما هو قادم، إذا ما استمر حالنا يتكرر بهذه الطريقة البائسة من إدارة الأزمات، والصراع العربي الإسرائيلي.

أكثر من مئة وثلاثة عشر عام تقريباً ،مرت علي بداية المشروع الصهيوني، وقرار العمل على إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين في المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا في 27-29/8/1897م وإنشاء المنظمة الصهيونية العالمية بقيادة تيودور هرتسل.
نقول لم ينقل العالم والعرب والمسلمون/ والفلسطينيون/ الشعب العربي الفلسطيني خطوة إلى الأمام، ومسلسل التراجع، والهزائم، وضياع الحقوق، والانقسامات مازال مستمراً حتى اللحظة.
وهنا ،ورغم أهمية تحليل ذلك، وتأثيرات الواقع الدولي، والإقليمي، والعربي والإسلامي. فإن المقام يحتاج لمكتبة كاملة، مما كتب في ذلك، وكلهم يجمعون، على أنه كان بالإمكان أفضل مما كان، ولكن لم يحدث هذا الأفضل؟
ومن هنا، فإنه لتحقيق الأفضل، رغم التغيرات الهائلة علي مجمل القضية، من خسائر بشرية، ومادية، وتراجع الأهداف، والبرامج أو تقلصها علي المستوى الفلسطيني، وكذلك التحولات الدولية والعربية خلال الحقبة الماضية .
نقول مازال هناك إمكانية لإعمال العقل الفلسطيني في مراجعة حيثيات ما جري علي امتداد قرن ونيف من الزمان.
ومن ثم احترام هذا العقل، وتوصياته، دون، تدخل المصالح الشخصية، والعربية، والإقليمية، والدولية، فيما تتوصل إليه هذه المراجعة، علي قاعدة، نفض العبث، والأنانية، والجهوية، والفئوية، والفصائلية، الذي في مجموعه، قد أحرق الأخضر، واليابس، وأوصلنا إلي ما نحن فيه، ضاحكين فيه مرة علي العالم ، أو ضحك علينا العالم، لا فرق، وضحكنا علي الإقليم أو العرب مرة ثانية، ومن ثم بعد أن فرغنا من ملهاة الفهلوة، والتخاطب اللساني، حيث توجهنا في النهاية، للضحك علي عقول شعبنا، بعد أن زيفنا وعينا، أو ضحكنا علي عقولنا، ولم نترك احتراماً لقيمة، أو فضيلة، إلا مغطناها ، أو معطناها علي أحجامنا الخاصة، فدمرناها، وبذلك نجحنا في اختبار السقوط، أو في فخ الصهيونية المنصوب، دون وعي، أو احترام لما ندعيه شفاهة من حقوق، ولم نحترم أبسط قواعد التفكير الإنساني نحوها، والأمثلة علي ذلك كثيرة، ومتعددة، ولكي، لا أطيل عليكم، سأذكر بداية وبشكل فج، ومباشر، واحدة من الازدواجيات في التفكير، الذي تربينا عليه، دون إدراك لنتائجه، من غالبية قادتنا، وأوساطنا، سمها ما شئت.
ولعل المثل الذي سأضربه هنا، هو ما يشكل في عمقه، لب، وجوهر القضية الفلسطينية، المتمثل في حق العودة، حيث جميعنا ومنذ زمن النكبة، يتنافخ تهديدا، إن أقدم أحد علي مجرد الاقتراب من هذا الحق، وقد رسخ في أذهاننا جميعاً، بأن تحقيق هذا الحق هو مستحيل بدون إزالة دولة إسرائيل، أو حل الدولة الواحدة ثنائية القومية، وهذا صحيح مائة بالمائة، أو هكذا يقول العقل والمنطق. ولكن وفي نفس الوقت الذي نتنافخ فيه تهديدا، وتمسكاً بهذا الحق ، فإننا بايعنا، ونبايع جميعنا الآن " لا أحد مستثني"، فالكل وافق علي حدود 1967 ، وإقامة الدولة الفلسطينية ، إن كان للبعض قناعات بهذا، أو للبعض الآخر حجة لاستمرار رفع الشعار إلي الأبد، والضحك علي النفس وعلي الناس من جديد.
وهنا أتحدث عن ازدواجية التفكير، والسلوك، أو انفصام التفكير عن السلوك، ودون تقدير للخطر، بغض النظر عن الموقف من هذه، أو تلك، ولكن لإبراز ما نحن فيه من ضياع، وتشتت، وهذا ما يطرحه أخي عمار في التساؤلات اللاحقة ماذا نريد؟ ومن ثم ما العمل؟ أي إذا قررنا تحقيق العودة فكيف نحققها ؟
نحن جميعا قررنا، أن نحقق العودة، وفي نفس الوقت، قررنا كلنا الموافقة علي حدود سبعة وستين، والعودة بهذا لن تتحقق فما هذا الذي نفعله إذن؟ ومن الذي يقرر؟ ومن الذي يقود؟
إذن، فلنتفق علي ما نريد حقيقة، وليس شعارات، ندفع من أجلها الدماء، وتحل ينا الكوارث المتلاحقة، نتيجة، لعدم فهم ذاتنا، وغياب الانسجام مع أطروحاتنا، والأهداف التي خططنا لتحقيقها، وما نفعله حقيقة.
وأعتقد بأن كل فلسطيني، يريد الدفاع عن حقوقه الوطنية، والمدنية، والسعي لتحقيقها، ولكن يجب أن تكون علي قاعدة الطوعية، والعطاء، وليس، علي قاعدة المصالح الذاتية، والفئوية، وعلي قاعدة، أن الحقوق الفلسطينية، ونواتها الصلبة هو حقنا في فلسطين، والذي يكبر كثيراً عن كل مصلحة حزب، أو حركة، أو فصيل، أو مؤسسة، أو تمويل، وعلي قاعدة، الخلاص الجماعي، والخروج من حالة الذاتية، التي تكرست في الحياة الفلسطينية، إلي الحالة الجماعية، لصيانة الحقوق، والدفاع عنها، وحمايتها، وتكريس دور الجماهير في الدفاع عن المصالح العامة، علي كل الصعد.

ومن عناصر الخطر المحدقة بشعبنا نجد غياب ثقافة حقيقية للحوار بين الفلسطينيين، لأنه، ببساطة، منذ أن نشأت الفصائل، ومن ثم منظمة التحرير، وعندما لحق بهم الإسلاميون، كانت الثقافة كلها تبني علي الو لاءات والدكتاتورية، والإقصاء، والاستئصال، والتعبئة العمياء، للقائد، والفصيل، والخارج، بكل مكوناته، فكيف ستنشأ ثقافة الحوار الفلسطيني الحقيقية؟
ولو كانت فلسطين هي القضية الحقيقية، لهؤلاء، لنشأ، ومبكرا، ثقافة حوار فلسطيني، لما كنا وصلنا أبدا لهذا الحال. أكثر من مائة عام، لم نتعلم الحوار الفلسطيني المطلوب، لأن القضية كما أسلفنا شعارا، هي فلسطين، ومضموناً هي شيء آخر، جميعنا غض الطرف عنه، أو تماهي معه بعلم أو بدون علم.

وأقول كوجهة نظر بأنه لم يحن وقت النقاش مع إسرائيل، لأن الأولويات المطلوبة ومنذ زمن لم تستكمل، ولم تتحقق، بل ازدادت تشرخاً، وتشرذماً، وارتباكاً.
هناك أولويات، يجب، أن يقوم بها الحريصون على حقوق شعبهم لأن هناك خطوات، ومسافات، يجب أن تقطع، قبل المباشرة مع إسرائيل؟ ولتذكير بهذه الأولويات التي قتلت طرحا، ونقاشا، وسنعيدها كما أعادها الكثيرون وهي:
1- وحدة الشعب الفلسطيني
2- وحدة الهدف الفلسطيني
3- وحدة البرنامج العام الفلسطيني
4- وحدة القرار الفلسطيني
5- استقلالية القرار الفلسطيني
وأسأل هنا، متى كانت هذه الأولويات فعلاً متوفرة، طيلة فترات النضال الفلسطيني؟
نعم، كنا متوحدين ظاهريا، لكن، كل منا، يمثل أجندة نظام عربي، أو صندوق مال عربي، ومن ثم، تحولنا إلي تمثيل أجندة أنظمة إقليمية، أو صناديق مال إقليمي، وتطورنا أكثر فأكثر، وأصبحنا نمثل أجندات أنظمة دولية أو صناديق مال دولي.
ولم نكن أيضاً في لحظة، نمثل، فكرا، أو، ايدولوجيا، ممتدة، من هذا النظام، أو، ذاك، بل، كان الامتداد شخصي، ومادي، ومصالح تأمين الجاه، والسلطان، والإقامة، والجنسية، والتسهيلات، لكل قائد فلسطيني، ومن يلف لفه، طوال الفترة الطويلة السابقة، حتى، وصل الحال بالبعض، إلي أن يكون مرجعه النظام الإسرائيلي، أو صندوق المال الإسرائيلي. نحن متفقون جميعاً، علي أن المشكلة المالية، أو المادية، وتلك الأعراض، والمضاعفات، المصاحبة لها،،،،، هي في الإدارة السيئة، بما فيها الأغراض، والأطماع الشخصية، لمن تولى زمام أمور الشعب الفلسطيني على مدار قرن كامل. ولكن كان للدافعين (الممولين) القدر الأكبر من الأموال عرباً أم عجماً، أجندات خاصة، دائماً، وهنا مكمن الخطر الأكبر. وهنا لا يعني أننا لا نريد المال، لأننا لا نعرف قيمة المال، ولزومه، ولكن مشكلتنا في إدارة هذا المال وتلك الأرضية الخصبة للفساد في الشخصية الفلسطينية حيث ثبت بكل الدلائل، بأننا، لا نتمتع بجدر حماية كاملة، تمنع الانحراف، وسوء الإدارة. وهذا ليس عيبا علميا، أو نقص في الخبرات، ولكن، يبدو أن الثقافة التي تكرست، بفعل الواقع، قد فرضت نفسها علي الشخصية الفلسطينية، فأفرغتها من جدار الحماية الصامد أمام المكاسب الذاتية، فأصبحت المصالح الذاتية، صفة لصيقة للكثيرين، وخاصة القادة منهم.

إن العنصر المالي، قد تسبب في أكبر المعوقات لمسيرة الحركة النضالية الفلسطينية، وتجنباً، وعلي نفس المنهج، الذي أدعو إليه، من عدم الرضوخ للمكاسب المالية، والوظيفية، التي أضرت بالعمل الفلسطيني، بداية، من المركزية الشديدة بالمؤسسات الحكومية، والأحزاب، ومؤسسات المجتمع المدني، حول قوة المال، ومن يتحكم فيه، أو يستجلبه، وغياب الشفافية، والمحاسبة، وصولا لغياب ديمقراطية حقيقية، داخل الأحزاب، أو المؤسسات، أو، حتى في المؤسسة التمثيلية. حيث يلعب جالب الأموال، دورا ديكتاتورياً بها جميعاً، رغم أنه محكوماً بأجندة المزود العربي، أو الأجنبي بالمال. وهي تلعب دوراً خطيراً في شراء الو لاءات، وترسيخ روح الفصائلية، والتي، أدت إلى ما نحن عليه الآن ، إذ أصبح ولاء الفرد إلى مصالحه، حتى، قبل الفصيل الذي يتبعه، لأن المنتمي الحقيقي لفكرة الحزب، أو الفصيل، يكون، بالتالي، منتمياً لقضية هذا الحزب، التي يقولون كلهم أنها قضية فلسطين، وليس إلى القضية كشعار، يتركه مع أول صفقة، وظيفة، أو دولار.
إننا شعب واحد، وقضية واحدة، ولا يملك أحدنا، حقا أكبر من الآخر، وغير مسموح علي الإطلاق، احتكار أي شخص فلسطيني، أو جماعة، لمصيرنا، أو مسيرتنا، دون تفويض حقيقي، وديمقراطي شفاف، ويجب أن يكون دور الشتات، ليس أقل، من دور الداخل، إن لم يكن أكبر، وهنا، لا تمييز لمواطن عن الآخر، سواء شتات، أو لجوء، أو الداخل، لكي لا نقسم المقسم، ونضيف تصنيفات أخري، فوق ما نحن نعانيه من تقسيمات، فالقضية قضية كل فلسطيني ينتمي إلي فلسطين فقط.



إن قضيتنا الفلسطينية، معقدة، ومحورية في المنطقة، والعالم، ولهذا تحتاج إلي تضافر كل الجهود المخلصة، وبطريقة متقدمة عما سبق، وفشل حتى الآن، ولهذا فإن الأمر، يحتاج إلي روية، واقتدار، وإبداع خلاق، وقبل كل ذلك، يحتاج إلي إنكار الذات، بعد المشوار الطويل، مع الذات المزدوجة، أو، المنفصمة، وكلنا أمل، في أن تكون، حتى ذاتنا، وعقولنا، قد غيرت تفكيرها، وأسلوب إدارتها، وإخلاصها، وصلابة انتمائها الحقيقي والخالص لقضيتنا الفلسطينية،


ونحن نعتبر أنفسنا مواطنين فلسطينيين، مثل أي موطن آخر، نبحث عن الخلاص، ونؤمن بالخلاص الجماعي، وليس الفردي،
وبغض النظر، عما شاءت به الأقدار من علم، أو تكنولوجيا، أو الهامش الممنوح لثقافة الديمقراطية في بلادنا ولابد من الخروج إلي الفضاء الأكثر رحابة، والمشاركة في دمقرطة المجتمع الفلسطيني، بعد أن فشلت كل المحاولات السابقة، للكولسة، والشللية، التي صاحبت إنشاء حركة، أو حزب، أو مؤسسة، يستولي عليها مؤسسوها ومن والاهم إلي الأبد، متربعين علي قيادتها، ومكاتبها السياسية، ولجانها المركزية، حتى، قتلوا روح المشاركة الحقيقية،وتتابع الأجيال، وأصبحت أحزابنا، قطاعاً خاصاً لبعض الزعماء، والشخصيات، مما ساهم بقوة في إضعاف تلك الأحزاب والحركات نفسها، وأدي ذلك في كثير من الأحيان، لانشقاقات، واهتزازات، أعاقت تطور النظام السياسي الفلسطيني المطلوب، والمناسب لثقل القضية الوطنية الفلسطينية.
وبعد التجربة المريرة لشعبنا، أصبح لدينا قناعات، بأن المال، قد أفسد كل شيء في تاريخ الحركة النضالية الفلسطينية، إن لم يكن في الهيئات القيادية، فهو قد نخر في عظم غالبية شعبنا، وأصبح منظومة أفكار، وسلوكيات ، من أصغر جريح، كان يصل إلي وحدة الطوارئ بالمستشفي، إبان الانتفاضة الكبرى، وقبل أن يغادر الطوارئ، وهو يصر، علي أخذ تقرير بإصابته، ليضمن حقه المالي بدل الإصابة، من الجهات العليا، وبأسرع وقت ممكن، هذا علي سبيل المثال، مروراً بالمنافع، والمخصصات المالية، والعينية، التي جرت، مجري النار في الهشيم، في سلوكيات من استطاع ذلك، ولو أن الجميع استطاع، لما وفر ذلك من الظفر بأموال، ووظائف، وأراضي، وبيوت، وشقق، علي خلفيات مختلفة، من الانتماء الحزبي، وهنا أيضا، كانت لا تتساوي المستحقات، أو الهبشات، وتخضع لمدي القرب، أو، البعد، عن المقرر في الصرف، حتى، بدأت الخلافات، والأحقاد تتفشى، لأن الجميع، يريد كل شيء، ومروراً، أيضا، بالمؤسسات، والأحزاب الأخرى، ومدي علاقة كل فرد، أو شلة، في داخلها، مما، ولد مجتمع متطفل دون مؤهلات، سوي الفهلوة، والضحك علي الذقون، وفي أحيان، كان التنافس بين القيادات علي من يصل أولاً، إلي المصدر المالي المتضخم الممكن ابتزازه، أو الظفر منه، بما يجود، أو علي خلفية المقاسمة، وانتم تعرفون قصص المشاريع والاستثمارات، والتبرعات، والهبات، وحتى، الكوبونات، الممتد إلي يومنا هذا، وقد أكون مخطئاً، أخي أبو الرائد، إن قلت، إن من مجموعات الحاسدين، كما كانوا يسمونهم، لأقرانهم، وهم جزء كبير، ممن لم يستطع الظفر بموقع، أو مال، أو جاه، كانوا من الداعين، أو المشجعين، علي انتفاضة الأقصي، كنوع من التعبير عن عدم رضاهم، مما حصل لهم، وليس، عدم رضاهم عن الإدارة البائسة للبلد، وكذلك، (وبعدها) التحول إلي حماس، أو الناخبين لها نكاية في فتح، ولم يقتصر الوضع علي فتح، ولكنها كانت الصورة هي الأكثر فقاعة، فعند الآخرين نفس الحالة، وان كانت، بصورة أقل وضوحاً، لضآلة أعداد التنظيم فقط، وليس لنقص الإمكانيات، لأن الفساد الإداري، والمالي، قد ضرب كل أطناب المجتمع الفلسطيني في العمق، وأصبحت الفهلوة، والنصب، والتدليس، بمثابة مهن أو وظائف حقيقية، وكان علي رأسها، تلك الرتب والمواقع التي منحت هباء، أو أعطيت، أو اقتنصت، بلا كفاءة، أو، مؤهل، أو تأهيل، وسيادتكم، لو تذكرون عدد النجوم التي وضعت علي الأكتاف، لجيوش جرارة، لم يكن منها 1%، خريجا لكلية حربية، أو، كلية شرطة، وقس علي ذلك الوظائف العليا في الدولة (السلطة والأحزاب والمؤسسات الأهلية).
وجاء بعدها الإسلاميين والاستيلاء علي المقدرات، من المساجد، ولجان دعوية، والمؤسسات الدينية، والجامعات، والمشاريع الاقتصادية، المبنية علي المال، للاستقطاب الحزبي، المال، الذي من المفترض، هو مال عام، وبدون، رقابة، أو، شفافية حقيقية، والكثير الكثير، الذي لا يسمح المقام لذكره، وآخر ما وصلنا إليه من انقسام، لو لم يكن للأموال فعلها وخاصة الخارجي منها لما حدث ما حدث والذي ارتقي بعده شعبنا من الفهلوة والفساد إلي مجتمع الكراهية الراهن فأصبحنا كشعب ذاهب إلي الجحيم دون إمكانية العودة عن ذلك.

يقول قائل إن ما أنجزته الحركة الوطنية والإسلامية، هو تحويل قضيتنا من قضية لاجئين إلي قضية وطنية، وقضية شعب يريد الانعتاق من الاحتلال واسترجاع حقوقه المسلوبة، نعم، ولكن هل إذا أنجزنا جزءا يسيراً أو كبيراً، أن يغطي هذا شمس الإهمال الساطعة، والأخطاء المهولة، التي مزقت نسيجنا الاجتماعي، بهذا الشكل، الذي، ترونه، ونقول، إن الحركة الوطنية أنجزت التحويل من قضية لاجئين إلي قضية وطنية، وشعب لن يتنازل عن حقه، رغم، جوهرية ذلك، وهذا لا يبرر علي الإطلاق، لما كان، من إمكانية، لانجاز أكثر من ذلك بكثير.
وهذا ما يدعو كل فلسطيني، وفلسطينية، للمراجعة، والنقد، والإبداع في محاولة إصلاح الأخطاء، والخطايا، ولماذا تصلنا هذه الحالة نحن والأجيال الحالية، والقادمة، بهذا الضعف، والانقسام، والتمزق، والفساد،وأخيراً نتحول إلي مجتمع الكراهية؟.
هذا هو السؤال الأهم، هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟
نقولها بالفم الملآن، نعم، لولا، إدارتنا كفلسطينيين للصراع، بهذه الطريقة البائسة، والتخريب الذاتي لإخلاصنا لقضيتنا الحقيقية، وانشغالنا في قضايانا الحياتية، رغم أهميته، ولكن، ليس بالمنحي الذي حصل. لا ننكر، ونعرف جيدا أن الجائعين لا يحررون وطن، ولكننا ذهبنا بعيدا عن قصة الجوع، فأراد كل منا، أن يكون نجما في هوليود، ومليونيرا، يمتلك الشركات، والمشاريع، وعلاقات حميمة مع كل أنواع، وأجهزة المخابرات في العالم، وللأسف، ليس علي خلفية دعم القضية الفلسطينية، ولكن علي خلفية المصالح الذاتية.
فمازلنا نعين من يرسب في الانتخابات في مواقع أعلي ،من تلك، التي رسب فيها، أو نرضيه بمحافظة، أو سفارة، كسفير فوق العادة، أو مستشارا للرئيس،
أليس هو هذا الحال أم لا؟ وقصص كثيرة، لا تتسع صفحات ألف ليلة وليلة لها، وتعرفون، أنتم في الشتات الكثير، من قصص الإدارة، والفساد، ما دمنا أردنا الصراحة، هل نواصل الضحك علي أنفسنا وقضيتنا؟ ونقول بعد كل هزيمة أننا أخطأنا، ونبدأ صفحة جديدة، بخطأ أكبر.
في اعتقادي، أن ما حصل حتى الآن، يعد لطمه كبري، يجب أن يعود الفلسطينيين بعدها إلي عقلهم، بدل الدعوات المفخخة، لانتخابات جديدة، تعيد ترتيب عناصر الأزمة، التي مازالت، ترقد فوق أنفاس شعبنا، وتطيح بدمه، كل صباح دون، رمشه عين، بل انتظارا، فيما سوف يدفع من أموال من جديد.

لازالت العقول مغلقة، ومخدرة، لدي جموع شعبنا، وتحتاج لقيادات مخلصة، تهتم بالواقع، والمستقبل، وتنفصل كلية عن هذا العبث، الذي وصلنا إليه، وصدقوني، لو أن شعبنا نوى علي الهجرة والنزوح، من جديد، لتجدن، من يعمل الآن في العمل الوطني، اللا منتمي حقيقة، لفكرة، أو، قيمة يحترمها، وهم غالبية الخبراء بالسياسة، والعمل الأهلي، لتجدهم قد خططوا سريعاً، لكيفية الاستفادة المادية، من النزوح، أو، اللجوء الجديد، حتى لو كانوا بين النازحين.
وأتساءل هنا، ما الفرق بين السياسي، والاجتماعي في النهاية؟ إذا كنا في زمن ما، نعول علي العمل الأهلي، أو المدني، فما جري للعمل المدني ومؤسساته، وكل مؤسسات المجتمع الفلسطيني من فساد، وإفساد، والارتباط بالأجندات المفروضة، حسب الداعمين، ورضاهم، وجميعنا علي اطلاع لمسيرة هؤلاء جميعا، ولا فرق بينهم، وبين الفساد في السلطة، والأحزاب، وكل ذلك، يحدث علي خلفيات مادية، ومالية، ووظائف، ومواقع أيضاً.
إخواني الحالة عامة، وناخرة في العظم، ولهذا، رسخت لدينا، قناعة بأن الأموال، هي فيروس الفساد والإفساد، لشعبنا، وقياداتنا، ومؤسساتنا، ولذلك، قلنا، بأن الحركة للعمل الوطني، لا تحتاج إلي أموال، ومن يريد تحرير الوطن، وانجاز الحقوق، لا يلزمه المال، ومن يريد المال، والجاه، فليذهب لتلك التجارة الرابحة، التي تمارسها، الحركات، والأحزاب، والمؤسسات، في بلادنا، والتي لم، ولن، تحقق للقضية انجاز واحد حتى الآن.
نعم نعرف، أن ذلك صعب، وقد يبدو، مستحيلا، ولكن صدقوني، هذا طريق صلب، وقوي، إذا استطعنا البناء عليه، سيكون خيراً لشعبنا، وقضيتنا.

وما نريده، من الجميع، هو، الإبداع في كيفية فعل المستحيل، وعلي رأي طبيب نفسي زميل لي، عند ما تحاورنا في موضوع الأموال وما جلبته لنا من مصائب، بأن العمل الوطني يجب أن يكون بدون ميزانيات وممنوع المكاسب المالية والوظيفية من خلاله، قال لي هذا الطبيب ، هذا جنون، أو دين جديد، فالناس في بلادنا، وغالبية شعبنا، منخرطة حتى النخاع، في كيفية استنباط طرق الكسب، من كل ما تستطيع في بلادنا، وأنت يا دكتور، تدعوهم للنقيض، لن تجد أحد معك، هذا دين جديد، فرددت عليه نعم، هو يبدو مستحيل، ونحنن نطلب من أحد شيئا، أنا أعتقد بصحة وجوهرية هذه الفكرة، وللناس الخيار، ففي مجتمعنا الآن ثلاث خيارات، لا رابع لهن، هنا خيار الجنة مفتوح، وهناك خيار المال ومازال مفتوح، والخيار الثالث هو لمن أراد حقوقه بدون مكاسب مالية وشخصية فليفكر معي في هذه الفكرة.
هذا هو نتاج الفساد في المجتمعات العربية، والذي أفسد شعبنا، وقيادتنا، وأحزابنا، هو المال والإنسان، الذي، لا يعرف حقوقه، وواجباته، ويفضل العيش، متطفلاً، إذا أمكنه ذلك، أو، الاستيلاء علي مقدرات، وانجازات الآخرين، بالتآمر، أو، السرقة، في وضح النهار، وان عرف حقه العام في لحظة، فهو يحيد عنه إلي مصالحه الشخصية، ويترك المصلحة العامة، التي فيها خلاص للجميع


وهنا، أود الإشارة إلي نقطة هامة، بأننا كشعب فلسطيني بحاجة لتقديم بديلا، ليس للحركتين الكبيرتين فقط، بل بديلا للماضي الأليم، الذي لم ينجز شيئا سوي الانقسام، والضعف، ويجب علينا، ألا نواصل التبرير، كما كل العهود، فقد وضح، بما لا يدع مجالاً للشك، بأن الأفق مسدود في وجه هاتين الحركتين، فتح التي نخرها أصحابها بالسوس حتى العظم، والتي لم تستطع الدفاع عن منجزاتها، إذا احتسبنا، اتفاق أوسلو انجازا، وتركت غزة في قبضة حماس، وهي بالمناسبة، فتح لم تكن قليلة العدد، والعدة، والإمكانيات، ولكن، ما هزم فتح، هو انفضاض الناس من حولها، بعد أن قدمت نموذجا سيئا لإدارة البلاد، ففقدت عمقها الشعبي، هذا السور الصلب لحماية أية سلطة، أو، حزب، أو، فصيل، ولم تهزم، بقوة حماس، أو، شجاعة عناصرها ونحن نعرف الواقع جيدا.
وحماس أيضا، التي جذبت الجمهور العربي، والإسلامي، وقبلهم الجمهور الفلسطيني، هي التي في فترة عام فقط، قد غيرت، أحد مقوماتها، ووافقت، علي إقامة دولة في حدود سبعة وستين، والتي كانت قد خونت منظمة التحرير وتيارها المركزي فتح، التي غيرت ميثاقها، بعد نصف قرن.

هذا هو واقعنا الأليم، الذي نرزح تحته، وحماس وفتح، ليس قدرنا، وكذلك الأحزاب الأخرى المراوحة في مكانها. والحياة في تجدد مستمر، ولو قالت فتح بخيار الموجود، لما وجدت أصلاً، ولو قالت حماس أيضا، بخيار الموجود عند نشأتها، لما وجدت أصلاً. فالحياة كل يوم تحتاج للجميع، والتغيير هو ثابت أصيل في الحياة، وفي حركة المجتمعات والشعوب،

نعم، نحتاج كل أدوات النضال المتوفرة، فليعمل هؤلاء المتقنون لأدواتهم، والمقتنعون بها، ونحن سنعمل فيما نعتقد أننا أقدر علي إتقانه، وما يتناغم مع مفهومنا لتحرير فلسطين، والذي ثبت بأن المقاومة مطلوبة، لزمن معين، تزحف بعده الجيوش إلي فلسطين، أما، وقد ترك العرب القضية، ولم يتقدم المسلمون بجيوشهم، لحسم الأمر، طوال قرن ونيف، فهذا يحتاج إلي إعادة تفكير فيما هو مطلوب منا، نحن الواقعون تحت الاحتلال، وما لم نستطيع تفسيره حتى الآن، هو تجميد العمل العسكري الفلسطيني علي كل بقاع الأرض، ودول الجوار. فالمسألة ليست قواعد محفوظة تربينا عليها، ونزق نهرب إليه للخلاص الفردي أو التعبئة العمياء في اتجاه ما لم يعد يشكل نواة للبناء عليه لطرد الاحتلال، بالعمليات الفدائية، أو ما نسميه مقاومة، هذه قضية، لا تحتاج انتحارا عسكريا في ظل اختلال موازين قوى بشكل مريع، بين الفصائل وإسرائيل، وإذا كان الحل العسكري العربي في خبر كان، بكل إمكانياته، فما هو نتيجة العمل المقاوم الفلسطيني في الداخل ؟ إذا ما اقتنعنا بأن فلسطين قضية مركبة، لا تتحرر إلا بالقوة العسكرية للجيوش العربية أو الإسلامية إذا ما أراد المسلمون، ولا أدري لماذا لا يريدون حتى الآن؟، أما المقاومة في بيئة مثل بيئتنا الفلسطينية المعتمدة في رغيف خبزها علي إسرائيل والمعونات الأوروبية والتي لو توقفت فعلا سنتضور جوعاً، المقاوم منا، والمهادن، والصورة البسيطة لحالنا توضح ذلك وإلا فهذا انتحار.
انه ما ترونه تماما من اختلال حياة الفلسطينيين في شتي مناحيها وإعاقات لأجيال وضياع لإمكانيات وتحضير لهزائم أكبر وتشتيت أفظع وابتزاز أكثر هذه هي الصراحة إذا أردنا كما طلبتم الصراحة نحن في وضع ممزق شر تمزيق في كل مكونات المجتمع الفلسطيني من سلطة وأحزاب ومؤسسات أهلية وجامعات وعائلات ومناطق وفئوية بغيضة تحتاج إلي وقفة جادة قبل فوات الأوان للحفاظ علي حقوقنا التي تتآكل بفعل ما قلناه من فساد عام أصاب حتى الغالبية العظمى من شعبنا. نحتاج إلي إبداع لاسترجاع روح العطاء الطوعي التي تتمسك بحقوقها فعلا عند المنعطفات لأن أيديها نظيفة وستدافع عن حقوقها بقوة مخلصة غير مغمسة بالرشاوى والأموال وأيديها ليست في جيوب الخارج، فمن يعتاش علي عظمه ولحمه، بكل تأكيد سيكون مستميتا في الدفاع عنه، ولن يهرب إلي ما اختزنه في البنوك والمشاريع الخاصة لمواصلة الرفاهية والوجاهة والحفاظ علي المكانة.
ومن قال إننا يجب أن ننتظر حتى استكمال كل عناصر النهوض للخروج من الأزمة، هذا يمكن أن يحدث في مجتمع متواصل الجغرافيا والديموغرافيا، وبه نظام سياسي مستقر، وحتى أن يكون فيه أو له نظام اقتصادي ذو ملامح، فأين نحن من هذا؟
وهذه الحالة البائسة التي نعيشها لا تتحمل الانتظار إذا أراد شعب فلسطين أن ينهض لابد من وقفة مع النفس هذه اللحظات ونفض العبث الذي مارسه هو وقادته طوال القرن الماضي ولينظر كل منا، والكلام لشعبنا كله ما هي إمكانياته وممتلكاته والجهد الذي بذله ليكتشف كل منا بأننا كنا عابثين، ومن ظهر فقط عليه التضخم الواضح نشير إليه بالبنان، ونترك أنفسنا، ولا ننظر لما أخذنا جميعنا من، وعلي حساب هذه القضية، دون إعطاء المطلوب، وسأضرب لك مثالا علينا هنا في غزة الفقيرة كما هو راسخ في الأذهان:
لو أحصينا الممتلكات ( capital & assets ) لكل مواطن فستجدها تزيد كثيرا عما هو حاله ومؤهلاته وخبرته ومدة عمله مقارنة بدول الجوار علي الأقل، فمن أين أتت هذه الممتلكات؟ هناك خلل أكيد، ونحن فهلويون فقط. ولا أريد تعداد الكثير من عدد ونوعية العربات وأثمانها، وسنكتشف أننا في الغالب تاجرنا، فهلوة أو بدون قصد في قضيتنا بعلم أو بدون علم، حتى التعليم والصحة لا تخلو من أمثلة قديمة وحديثة، وهنا لا أقصد الصفقات الفاقعة، أو هذا القطاع منن غيره ولكنها الأكثر حساسية لحياة البشر، بل أقصد تحول الإنسان الفلسطيني إلي إنسان آخر، يبرر كسبه، بشتى الطرق، دون تمحيص في نتائج ما يفعل علي مستقبلنا، نعم نحن في محنة الإنسان الفلسطيني الذي تغير نحو الخاص عن قضيته الأصل.

مؤسسات المجتمع المدني أو الأهلي لم ننتج إلا صورة مشابهة للأحزاب والسلطة إن لم تكن أكثر فسادا، فالمتحدث إليكم من رواد العمل الأهلي سابقا وقد عاصرت البدايات لزعماء لم يجد الواحد منهم بدلة للتخرج من الجامعة فاستعان من زميله بدلته، وهو يتحكم الآن هو وآلاف من أمثاله في مقدرات جزء كبير من شعبنا ويعممون الفساد أكثر وبحماية دولية تحت مسمي العمل الأهلي . فالإنسان الفلسطيني تغير كما أسلفت وذهب للخاص وترك العام .

أتذكر عندما كنت أتحدث أثناء الحملة الانتخابية السابقة بشكل مقصود في الندوات لإقناع الناس بشيء مما أقول لكم عن الإنسان والمال، بأن ميزانيات الحملات الانتخابية وكل ما يحدث أمامكم من أكبر صورة لياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين رحمهما الله إلي صورتي ويافطتي ومرورا بالمواصلات والميكروفونات والرشوة والكوبونات وحتى الصمغ أو الطحين الذي تعلق به الصور والوجبات التي نتناولها أثناء الحملة ليس من المال الفلسطيني، فهي أموال من الخارج ولها أجنداتها، فكيف تريدون من شعب وقيادة، تنتخب لإدارة صراعها مع إسرائيل بنقود الآخرين وأجنداتهم. الكلام النظري عن الشفافية والنزاهة جميل ولكن

عند التجربة العملية في العمل السياسي، فإنه يختلف وهنا يحدث الخراب لأن النفوس غير صالحة لحماية العام، فالخاص هو ديدن الغالبية العظمي من شعبنا، ولذلك لابد من وقف المال عن هكذا عبث وإلا ستستمر الحالة إلي ما هو أسوأ من ذلك، ناهيك عن تحكم وديكتاتورية الخبراء في استجلاب الأموال وتحكمهم في تطور العمل السياسي والديمقراطي في مجتمعنا وهلم جرا.


وهنا لا يهم من لديه الاستعداد لخدمة الوطن ولكن المطلوب حماية من لديه الاستعداد للخدمة العامة من الفساد وهذا لن يتأتي في وجود الأموال كما ثبت بالتجربة والشمولية التي تحدثنا عنها. إن أكبر جدار حامي لحالنا (Barrier ) هو العمل الطوعي الخالص والمنتمي لقضية وليس للمصلحة من هذه القضية لأن المصالح الآنية المتفشية قد عصفت بالمصالح المستقبلية لشعبنا بعلم أو بدون علم والأخير هو الأخطر.
والآن يتعرض شعبنا الفلسطيني ومشروعه الوطني وحقوقه المشروعة والتي كفلتها له قرارات الأمم المتحدة الشرعية الدولية لأخطر مرحلة منذ النكبة الفلسطينية وحتى الآن، حيث تحاول إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأمريكية فرض أجندتهما علي العالم عامة، وتحاولان إملاء سياساتهما علي الشعب الفلسطيني خاصة، وتفريغ انجازاته الوطنية من محتواها وتصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والتي حفظتها قرارات الشرعية الدولية ومؤسساتها التمثيلية عبر قراراتها وتوصياتها ومؤتمراتها المتلاحقة منذ النكبة وحتى اليوم.
ولازالت هذه القوى المعادية لحقوقنا الأصيلة تفرض الحصار تلو الحصار والظلم تلو الظلم علي شعبنا الفلسطيني حتى طالت مختلف مناحي الحياة وعطلت إمكانيات التطور الاقتصادي والسياسي،مما ساهم في مراكمة بنية اقتصادية هشة ملحقة وتعتمد علي الهبات والتبرعات الدولية المشروطة وصولا إلي تحويل القضية الفلسطينية من موضوع وطني تحرري من الاحتلال الإسرائيلي إلي موضوع إنساني عنوانه الرواتب والظروف المعيشية للشعب الفلسطيني لإخضاعه للأجندة الإسرائيلية.

نعم ونعم هناك إدارة سيئة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا تستند إلى رؤية سياسية واحدة، وتعتمد أدوات، وخيارات متعاكسة، لا تقود إلى تحقيق الهدف الوطني ، وتستند إلى أجندة حزبية، وفئوية ضيقة، أدت في النهاية إلى تقسيم الوطن، سياسياً، وجغرافياً، حيث، بات من الواضح، أن الخاسر الأكبر من حالة الانقسام، والاقتتال، هي، القضية الوطنية لشعبنا، وحيث لم تستطع، أياً، من القوى السياسة، والمتنفذة، راهناً، وسابقاً التصدي لملف الجدار العنصري، أو الاستيطان، أو منع تهويد القدس، أو إزالة الحواجز، أو إنهاء حصار غزة، أو جلب السلام وقيام الدولة بطريقة كريمة حتى الآن. وفي ظل استمرار تعدد الخطاب السياسي، ومحاولات المزاوجة، غير المنطقية، لبرامج الأحزاب السياسية، للخروج بموقف، يفسره أي حزب لصالحه، ويصعب علي المواطن الفلسطيني فهمه، وبالتالي يصعب تسويقه علي المستوي العالمي، حتى، في ظل برنامج موحد، حسب ما ادعته القوي المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية السابقة، أو حكومة الأزمة الفلسطينية هنا وهناك.

وعلي المستوي الداخلي، يشهد الشارع الفلسطيني، احتقان غير مسبوق، نتيجة التحريض المباشر، والعلني، بين، قوتين كبيرتين، هما حماس وفتح، أدي إلي حدوث مآسي داخل الشارع الفلسطيني، راح ضحيتها عشرات الأبرياء من المواطنين الفلسطينيين، وخلق حالة من الصراع الخطير علي سلطة وهمية، وخلق أزمة تحتاج إلي جهد كبير، وصادق للخروج منها، إضافة إلي ضياع الكثير من الحقوق السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية. وفي ظل هذه الأزمة إلي جانب تعطيل المؤسسات القضائية، وتغييب للقانون، مما أدي إلي حالة من الإرباك، والضبابية، والقلق، علي مصير كل الحقوق الفلسطينية، وهذا أدي إلي مزاج شعبي عام محتقن، أو، لا مبالي، من قبل المواطن الفلسطيني، بالتوازي مع تكرار، الهجمة الصهيونية الشرسة، والقتل، والتدمير، والاجتياح المتلاحق، وعلي خلفية الصراع الداخلي، والحصار المهين للكرامة الإنسانية.
إن شعبنا الفلسطيني يواجه تحديات كبيرة وحقيقية،وتتعرض ""حقوقه الوطنية والاقتصادية والاجتماعية"" إلي خطر الضياع، نتيجة، لما وصلت إليه الحركة الوطنية، والإسلامية الفلسطينية من طريق مسدود، مع بعضها أو مع إسرائيل. وكما ذكرنا، لم تتمكن كل القوي والفصائل الفلسطينية إلي الآن من القدرة علي انجاز الحقوق الوطنية، ونقل المجتمع الفلسطيني إلي حالة أفضل، لمواجهة مؤامرات تصفية قضيته العادلة.بل ودخت حيز الصراع الإقليمي، والعربي والفئوي الفلسطيني البغيض، والذي يبعدنا عن إمكانية تحقيق أهدافنا الوطنية، وعلي رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس، وتحقيق عودة شعبنا إلي أرضه السليبة منذ العام 1948م، والتي تشكل أساس القضية الفلسطينية.
إن الخروج من هذه الحالة الخطيرة يتطلب: ""وحدة جهود كل المخلصين من أبناء الشعب الفلسطيني في إطار يدافع عن الحقوق، بمختلف أنواعها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والوطنية، وتكوين، حراك شعبي ضاغط، يدفع باتجاه تصويب الأوضاع الفلسطينية، علي المستويين الداخلي والخارجي. ومنعا للكوارث التي قد تلحق بالشعب الفلسطيني، نتيجة هذا الأداء المتردي، الذي قد يخّلف المزيد من البؤس، والشقاء، للشعب الفلسطيني، ويساهم في استمرار الاحتلال، وضياع المشروع الوطني
د. طلال الشريف
غزة
18/6/2008م



#طلال_الشريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قدر غريب !!!
- حوار فلسطيني عبر الشبكة الاليكترونية
- للزمن سيدان .. حبك وموتي !!
- نودا تزهر عشقاً !!
- في أعماقك تكمن أمنية جندرية !!
- تزوير .. تآمر .. تزوير .. استمروا ؟!!
- رواية قصيرة من الشعر المرسل : لن يوارى الثرى
- لا تتصافقوا فوق الجثث
- مناطق داكنة ونتوءات صوفية !!
- حلمي ينام في قصيدة
- خاطرتي: لن يوارى الثرى
- صوتك موسيقي تراقص قلبي
- حكام آخر زمن ؟ !!
- منفوسة يا بنت الناس
- دعونا نكمل الملهاة !!!
- طائرات اف اف فلسطينية !!
- أواه ... قد أسكرت خمرك !!
- ألو ليلي ***
- أنا اسمي درويش وشهرتي مفاصص !!
- ملصقات لانتخابات 2010م


المزيد.....




- بايدن: لا سلاح لإسرائيل في حال دخول رفح
- شاهد: سفير روسيا في ألمانيا يشارك في تكريم أرواح ضحايا الحرب ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن العثور على أنفاق شرق رفح ويشير إلى معا ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مبان تضم جنودا إسرائيليين.. ...
- هل إدارة بايدن جادة بتعليق تسليم الذخائر الثقيلة لإسرائيل؟
- المقاومة العراقية تعلن استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية شمال ط ...
- سمير جعجع: من أخذ قرار الحرب في جنوب لبنان عليه أن يعيد ترمي ...
- مصر.. تأييد حبس مدير الحملة الانتخابية لأحمد الطنطاوي سنة مع ...
- وفد حماس يغادر القاهرة دون نتائج
- الخارجية الأمريكية تعلن عن شحنات أسلحة جديدة إلى كييف


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - طلال الشريف - فساد المال ... والسياسة في فلسطين