أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - الإعلام وخطابات حميد مجيد والدباغ والمالكي















المزيد.....

الإعلام وخطابات حميد مجيد والدباغ والمالكي


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2242 - 2008 / 4 / 5 - 12:22
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


شاهدت قبل يومين اعادة للمقابلة التي اجرتها الفيحاء مع السيد حميد مجيد موسى، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، وشاهدت ايضاً في نفس الفترة مؤتمراً صحفياً لعلي الدباغ. لم يأت الرجلان بأية مفاجأة في محتوى ما قالاه، لكن المقارنة بين اسلوبهما جديرة بالملاحظة، فتلك المقارنة، خاصة ونحن في غمرة ازمة البصرة التي تعطي الخطاب الإعلامي سخونة غير اعتيادية، مؤشرات هامة للخط الذي ستسير عليه الميديا، او الإعلام، في العراق.

ليس لدي الكثير مما اريد قوله عن خطاب السيد حميد مجيد سوى نقطتين: من ناحية المحتوى فانك بعد انتهائه لا تدري بوضوح عم تحدث، وتحتاج ان تجهد ذاكرتك بعض الشيء لتجمع فكرة من التفاصيل المتناثرة هنا وهناك. ومن ناحية الأسلوب هناك جزءان، الأول ان سكرتير الحزب الشيوعي يجيب دائماً وكأنه في حالة دفاع عن النفس، ولا شك ان لهذه الظاهرة اسبابها التي ربما تعود الى كثرة ما تعرض له الحزب الشيوعي من هجمات وتهجمات وانتقادات على مدى تأريخه، لكن تفسير الظاهرة لا يكفي لتبريرها ان كانت تقف بالضد من ايصال الرسالة المناسبة. والملاحظة الثانية في موضوع الأسلوب هي ان السيد السكرتير حينما يتحدث يذكرني بالطريقة التي كان الناس ينادون بعضهم بها في عبر نهر الفرات – صوت عال وعروق منتفخة في الرقبة. السيد السكرتير يوحي وكأنه لم يسمع بعد باختراع الميكروفون.

في الجانب المقابل يمكن ملاحظة العكس تماماً. راقبوا بطل الأضواء بامتياز، طارق الهاشمي لتعرفوا كيف يتصرف رجل يضع كل تفكيره وجهده في كيفية ظهور صورته وكلمته اكثر مما في ماهية تلك الكلمة. بالنسبة لي تعتبر نقاط ضعف حميد مجيد امور شكلية، بينما تثير اساليب طارق الهاشمي احساساً بانك امام مخادع، لكن هذا موقف صحفي متابع، وليس موقف كل من يشاهد التلفزيون بنصف انتباه وحسب الصدف, وهي الأغلبية الساحقة من الناس في كل بلد في العالم، وهي بالتالي الجمهور الذي يجب التوجه اليه.
من ناحية ثانية، من المهم ان يعرف المواطن وسائل الميديا (الإعلام) ليعرف كيف يستخلص الحقيقة ويفلت من الفخاخ النفسية المنصوبة له، ليس فقط ليسهل عليه تقبل ما هو غير معقول، بل ايضاً الموجهة بشكل يسهل عليه ان يبقي في ذاكرته ما يريد اصحاب الميديا ان يبقى, ويزول منه ما يريدون ان يزول. فالميديا تدرس الناس للإيقاع بهم، وجدير بالناس ان تدرس الميديا لتفادي السقوط في فخاخها. وهنا من المهم ان ننبه الى ان خبرة العراقيين كمواطنين في وسائل الميديا ضعيفة، لأن معارك الميديا معارك ديمقراطية بطبيعتها، وخدعها خدع الديمقراطية، وقد يكون العراقيون اقل شعوب العالم حضاً في تلك الخبرات.

من يعيش في بلد ديمقراطي بدرجة او بأخرى ويتابع ما يحدث يجد نفسه يومياً امام سيل من المعارك الجدلية السياسية تستخدم فيها كل الحيل. ولقد لاحظت ملاحظة عامة تنطبق هنا في هولندا ولكن بشكل اكبر كثيراً على العراق، ان السياسيين القريبين من الشركات والسياسة الأمريكية، اقرب بشكل عام على تقديم شكل اعلام نظامي قوي، حتى ان كان محتوى ما يقولون فارغاً. هذا لايعني ان اليسار يتحدث بشكل رجل طيب بسيط كما تحدث ابو داوود، فالجميع هنا ادرك اللعبة منذ زمن طويل، وليس هناك من يجرؤ على الإدعاء بان فمكا هالزما رئيسة الخضر اقل من افضل المجادلين السياسيين في العالم، لكن الفارق بشكل عام يبقى محسوساً لصالح الجانب الأمريكي.

هذا ليس غريباً لأسباب عديدة، اولها القدرة المالية الكبيرة ثم هناك الدعم السياسي الأمريكي بالتدريب والمعلومات المسبقة، ثم، وهذا رأيي الشخصي، الحاجة المستمرة للجانب المؤازر للسياسة الأمريكية الى الدفاع عن مواقف صعبة يرفضها الشعب بشكل عام وكثرة اضطراره الى الجوء الى الكذب ثم الدفاع عن الكذب وهذه كلها تحتاج جهوداً اكبر كثيراً ممن يدافع عن الحقيقة. لدي شعور ليس لي دليل عليه ان الجماعات القريبة من اميركا، تحصل على دورات تدريب اعلامية بشكل اكثف ونلاحظ ولدي ملاحظات محددة في هولندا عن تطور بعض الشخصيات السياسية المناهظة للإسلام والأجانب (ومعظمها على علاقة ممتازة بإسرائيل واميركا) لكني لاحظت ذلك ايضاً على شخصيات سياسية عراقية، وخاصة من لم يكن كبير السن مثل علاوي.

ولتوضيح ما اقصد بخطاب الميديا الأمريكي او الغربي، خير مثال ان اعود الى الناطق باسم الحكومة العراقية السيد علي الدباغ. من يريد ان يعرف شكل الإعلامي الغربي ما عليه إلا ان يراقب الدباغ في كلامه وحركته. السياسيين هنا لايتفوقون عليه إلا في نقطة واحدة وهي سرعتهم في الكلام، ولكن هذا ربما كان خياراً مقصوداً للدباغ. راقبوا الهدوء والعبارات السلسة...الخطاب الذي تم تشذيبه وصقله بالتمرين المستمر لخبراء الميديا (Media Training) حتى لم يعد فيه اثر للشك او التردد او انقطاع عن الكلام للحظة للتفكير! انك تشعر انك امام ماكنة للكلام مبرمجة مسبقاً لتقول الشيء المناسب وبثقة مطلقة توحي دائماً بالصدق والأمانة وان الكلام صحيح حتى حين لايكون فيه اي محتوى. ومن اوليات الإعلام ان يدور الخطاب حول رسالة بسيطة يتم تكرارها بشكل متنوع قدر الإمكان وتوكيدها في كل فرصة.
من الناحية المقابلة يجب الإجابة عن السؤال المناسب فقط وتحويل الأسئلة غير المناسبة الى اسئلة مناسبة ثم الجواب عنها، دون ان يحس المقابل بالتهرب من السؤال ان امكن، وان لم يمكن فليكن.

مؤتمر صحفي عقده الدباغ اثناء حملة البصرة كان تعبيراً رائعاً عن كل هذا. فهو اولاً مؤتمر لم يحضره إلا صحفيون "لطافاء" تمكنوا من إعفاء الحكومة من جميع الأسئلة المزعجة. الأسئلة الوحيدة ذات المعنى كانت من مراسلة اجنبية، وتم تجنبها والإجابة عن اسئلة لم يسألها احد، اسئلة تناسب الرسالة الإعلامية الأساسية: "الهجوم كان ضد الخارجين عن القانون وليس ضد اي جهة سياسية". انه والحق يقال هدف شاق ان تقنع الناس بهذا الإدعاء الذي تهرب منه العديد من السياسيين في الحكومة من جانب المالكي نفسه وفضلوا في اسوأ الاحوال اللجوء الى خطاب محايد.

الصجفيون الذين حضروا المؤتمر يذكرونا بهتافي صدام حسين. احدهم اشتكى ان القوات العراقية ضربت صحفيي قناته رغم ان قناته معروفة بتأييدها لموقف الحكومة!! اي انه لم يكن يجد مشكلة لو ان هذا الإعتداء تم على قناة مضادة لرأي الحكومة! هذا الموقف سبب الإحراج للدباغ الذي سارع باتخاذ موقف مبدئي من جميع القنوات، فما كان من الصحفي إلا ان اعترض بشدة على ذلك قائلاً انها قنوات "صفراء" وتستحق كذا..وكذا....هل تذكرون "الرياح الصفراء" التي كان صدام يتحدث بها؟ هذا مستوى الصحفيين الذين دعاهم الدباغ لمؤتمره.
لم يطرح احد من الصحفيين (في الجزء الذي شاهدته على الأقل فقد فاتتني بداية المؤتمر) اي من الأسئلة المحرجة التي تدور في اذهان الناس ويفتش الصحفيون عادة عن فرصة لطرحها وهي كثيرة:

لماذا لم يتم اطلاق سراح الصدريين غير المحكومين في حملة العفو، خاصة وانهم قدموا قائمة بأسمائهم وتحدثت احدى البرلمانيات منهم عن بعضهم في وسائل الإعلام؟
ما صحة شكوى الصدريين في انهم حتى عندما يبرؤون يتم اعتقالهم من قبل القوات الأمريكية؟
إن لم يكن الصدريون هم المقصودين في الحملة فلماذا لاتتوقف الحملة لتتمكن من التنسيق مع الصدريين لكي تتمكن من توجيه رصاصها الى اهدافها الحقيقية كما تدعيها؟
لماذا لم يوجه اي رصاص الى بقية الميليشيات وكلها تمتلك "خارجون عن القانون" ولصوص نفط مما اعطى الإنطباع لدى الصدريين انها موجهة ضدهم؟
ما هي الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة مستقبلاً لكي لاتختلط الأمور ويساء فهمها ثانية؟
ماذا عن حيتان النفط الأخرى الأكثر شهرة من الصدريين؟
لماذا لم تنفذ الحكومة اوامر القاء القبض التي اصدرتها السلطة القضائية على عناصر متهمة بارتكاب جرائم وحشية ضد عناصر التيار الصدري؟ ألا يفترض بالحكومة ان تنفذ جميع تلك الأوامر بلا تمييز؟ الا يفترض ايضاً ان يكون لتنفيذ تلك الأوامر بالذات اهمية إضافية خاصة للحكومة لإسكات الإتهامات الموجهة اليها من استقصاد التيار الصدري؟ هل تعترف الحكومة انها هي ايضاً مقصرّة في اعطاء الفكرة الصحيحة عنها للتيار؟
لماذا لم تعلن الحكومة نتائج التحقيقات في احداث كربلاء، ولماذا لم تقم بتلك التحقيقات إلا بعد تهديدات التيار الصدري؟
تقولون انه قراركم المستقل ولم تتم استشارة القوات المتعددة الجنسية، هل هذا معقول من الناحية العسكرية والإستخباراتية وتلك القوات هي التي تملك المعلومات الأوفر عن كل المسلحين في العراق والتنسيق معها وموافقتها على التوقيت ضرورية للتأكد اولاً من عدم تضاربها مع خططها, ولتمكينها من مساندتكم ان احتجتم اليها كما حدث في الواقع؟ اي انه، ان صح ما قيل عن عدم التنسيق مع تلك القوات، فما هي الحكمة من ذلك؟

هناك الاف الأسئلة الصحفية الحقيقية لمن يريد ان يبذل اي جهد صحفي بسيط، لكن الأسئلة التي طرحت كانت تدل على ان الجهد كان موجهاً لتجنب الأسئلة التي لاتحب الحكومة الحديث عنها. تلك تركت للصحف "الصفراء"، لذا من الطبيعي ان يبحث الناس عن تلك الصحف وتلك الفضائيات. لقد كان المؤتمر نقياً من "المشاغبين" مثلما كانت فضائية العراقية، ولا يسهل تصفية "المشاغبين" دون جهد وارادة.

الفضائيات كانت متحيزة بشكل مرعب اعاد للأذهان ايام إعلام نظام صدام حسين حيث يسيطر الأسود والأبيض ولامكان لأي ظلال، وهذا ما أتخذته كل من الشرقية و العراقية في تغطيتهما للأحداث، كل من جانب. الشرقية صورت الجميع مؤيداً للميليشيات، بينما كانت العراقية أشبه ما تكون بتلفزيون صدام حسين لايكاد يميزها عنه شيء! حتى ان خطابات المالكي كانت تقرأ من قبل مذيع بصوت "حربي" مع صورة كبيرة للمالكي على الشاشة، وهو ما يذكر بمذيعي صدام في قراءة بيانات الحرب ضد ايران.
لحسن حظ المواطن ان تقف القناتان في مواقف متعاكسه مما اعطاه الفرصة ليرى الظلال المختفية بين الأخبار، وليجد الصحفيون "المشاغبون" في اي من الجانبين فرصة لهم، لكن ارادة قمع الشغب الصحفي واضحة تماماً.
لقد بدت علامات هذه الإرادة قبل حملة البصرة بفترة قصيرة واتوقع لها ان تنموا بسرعة وان تزداد اوجه الشبه بين محطاتنا ومحطات عراق صدام, وان يزداد تشابه شكل ونبرة مذيعيه مع زملائهم الصداميين، فتختفي صورة التواضع والبساطة وبعض القلق الإنساني لتحل محلها صورة القوي الواثق من نفسه المتحدث بتعال مع مشاهديه. انها تربية الخوف القادم الضروري لتمرير ما يعاديه الناس. الدعوة إذن للصحفيين ان يتحدوا بوجه ما يخطط لهم.

ولكي يسود خطاب الحرب، على خطاب السلم فلا بد ان تقمع بحزم، ليس فقط الصحافة المشككة، وانما ايضاً اية اصوات سياسية او إجتماعية تدعو للهدوء والتفاهم، انها قاعدة عامة شاهدناها بشكل خاص ايام 11 سبتمبر. رئيس الحكومة الهولندية اصدر حينها على الفور خطاباً استنكر فيه الضربة الإرهابية, لكنه دعى أميركا الى ضبط النفس، ليعود خلال اقل من 24 ساعة ليلقي خطاباً معاكساً تماماً يقول فيه "اننا في حالة حرب"!! لقد وصلته اوامر اله الحرب, وافهمه ان لاتساهل في الأمر: من لم يكن معنا فهو ضدنا، فأذعن بطريقة مهينة.
وفي موضوع البصرة، ما ان أتخذ المالكي موقف السلام حتى انبرى له العسكري موبخاً، واتهمه بمحاولة الكسب السياسي! الإتهام بحد ذاته يعني بشكل مباشر ان الناس مع موقف التهدئة والسلام، وان هذا الموقف كاسب سياسياً، ورغم ذلك فالعسكري ومن خلفه يريد ان يفرض الحل العسكري وعلى الآخرين ان يفهموا ان لاتساهل في ذلك: من ليس معنا فهو ضدنا! يجب ان تكون رسالة الحرب واضحة جداً وبأسرع وقت ممكن لكي يمكن ارهاب من يرى ضرورة الدعوة الى السلام ليسكتوا فلا يكتشفوا انهم اكثرية فيتشجعوا على الوقوف بوجه التيار الحربي.

لكن المالكي ليس قادراً على ارهاب السياسيين العراقين بقدر قدرة بوش على ارهاب العالم ولذا مازال الأمر بالنسبة له في كف عفريت، ان فشلت حملة ارهاب دعاة السلام والتهدئة الغير مصدقّة لرواية هدف محاربة "الخارجين عن القانون". آخر من تحدث بهذا الإتجاه كان النائب عن التحالف الكردستاني الدكتور محمود عثمان الذي اكد ان المعارك الأخيرة في بعض محافظات العراق إلى عدم حل الخلافات الناشئة بين الأطراف السياسية!

موقف المالكي الدبلوماسي من خطاب الصدر يذكرهو الآخر بالصورة الأمريكية حين قال انه (الخطاب): "خطوة بالإتجاه الصحيح." انه يظهر نفسه ايجابياً يبحث عن الحل "الصحيح"، دون ان يحرم نفسه من فرصة المطالبة بالمزيد، او يقطع الطريق على نفسه بالإستمرار بالتصرف بشكل عنيف، وهو ما فعله على مايبدو وتشير الأمور الى انه سوف يستمر في ذلك. إن كان الأمريكان قد قرروا تصفية التيار الصدري فلن يتوقفوا عن المحاولة حتى يبلغوا غايتهم. احد السياسيين الهولنديين كان يتحدث في فلم وثائقي عن الأسلوب الأمريكي في العمل والمفاوضات فقال إنهم لايعرفون "لا" كجواب. ان رفضت مقترحهم فهذا لايعني بالنسبة لهم إلا أنها كانت جولة فاشلة، وسيبقى الأمريكي يعود اليك بالإقتراح مكرراً بنفس شكله او بتحوير بسيط، وسيعود اليك من مختلف الطرق غير المباشرة ولن يتوقف حتى يصل الى مراده، مادام هناك طريق للوصول اليك او حتى يحسوا انها ستكلفهم اكثر مما تكسبهم، وهو المانع الوحيد الذي يأخذه الأمريكان بعين الإعتبار.

الخطاب الإعلامي الجديد قوي التأثير نفسياً لكنه اقل قوة منطقياً. يمكنك ان ترى التناقض بسهولة في اتجاهات هذا الخطاب لكن مراهنة القائمين به ان الغالبية الساحقة من الناس لن تفكر في الأسئلة الصعبة، خاصة ان امكن استبعاد الصحفيين "المشاغبين". مثلاً إدعاء المالكي بأنه انما كان يقصد مجاميع خارجة عن القانون، يتناقض مع قوله بأن "بيننا للأسف من هم اسوأ من القاعدة". فـ "بيننا" لايفترض ان يكون المقصود بها معنى طائفي اي بين الشيعة، فالمالكي (الذي برهن تواً لبوش عدم طائفيته بمحاربته الشيعة (!!) كما كتبت في مقالتي السابقة) يتحدث كرئيس وزراء عراقي يخاطب العراقيين، فعندما يقول "بيننا" فلا شك انه يقصد المشاركين في العملية السياسية والمحسوبين عليها، وهذا التفسير يؤيد تعبيره عن الأسف لذلك. اي انه يحارب تياراً سياسياً يجده اسوأ من القاعدة!!
إن الحقيقة التي في داخله – حقيقة أن حملته موجهة لتصفية الصدريين – تظهر من بين ثقوب الثياب عند بعض الحركات، خاصة العصبية منها. هذه المقارنة "الفالتة" بين جيش المهدي والقاعدة، هي الأخرى مؤشر بأن الرجل ملقن من الإحتلال فيما يقول، فهي قريبة جداً من خطاب الجيش الأمريكي الذي كان خلال السنة الماضية يفهم العراقين حيناً ان الخطر الأكبر هو القاعدة، ليعود ويقول ان جيش المهدي تصدر الأخطار في العراق، في سلسلة لانهاية لها من تبادل المراكز الأولى، لتثبيت ارتباط التيار بشكل اوثق بالجريمة في اذهان الناس.

لماذا كان صوت المالكي منخفضاً خجولاً حتى لحظة "فرسان البصرة" وكيف صار عالياً اليوم؟ بالتأكيد ان المالكي لم يتحول من حمامة الى صقر في يوم واحد، وإنما لأن المالكي كان يجرب نفسه في السابق امام الخصم الأمريكي الأقوى, اما اليوم فصار يواجه فئة من ناسه وشعبه فبدا قوياً...كان يعترض على جرائم بلاك ووتر ثم يسكت. كان يقول انه يجب اخراج العراق من الفصل السابع، فلا يجد مجيباً فيسكت. كان يقول لبترايوس: لن استطيع التعامل معك بعد الآن، ثم يطلب منه بوش ان يهدأ، فلا يجد غير ان يدمدم قليلاً ثم يسكت.
لايعود تغير صوت المالكي إلى زيادة في حزم اسلوبه في مواجهة خصومه، بل لأنه غير خصومه الى خصوم اضعف، فارتفع صوته. لكن فشله العسكري حتى امام هذا الخصم الأضعف جعله في وضع حرج وقد كان يصرخ كقائد عسكري كبير، فإذا به يعجز رغم الدعم الأمريكي، عن دحر "مجموعة من الخارجين عن القانون" حسب تعبيره!
هذا الحرج تتم اليوم معالجته بجهد اعلامي تمكن حتى الآن من تغطيته بشكل مشوش، وهو خير من عدم تغطيته. لكنه من الناحية الأخرى اضطر الى تغطية الأكاذيب التي لجأ اليها باكاذيب اضافية واضافية، تجعله يزداد بعداً عن المزيد من الناس وعن دوره كرئيس حكومة منتخبة، ويزداد مصيره التصاقاً بالأمريكان وبأجهزة إعلام تزداد تحيزاً و تنخفض مصداقبتها باستمرار. هكذا يجد المالكي نفسه، وقد عبر خط العودة، مضطراً ان يستمر بالهدير كالأسد حتى عندما يشعر انه ليس اكثر من ارنب، واضعاً نفسه في فقاعة اعلامية تزداد حجماً دون ان يزداد محتواها من الصدق، فيزداد احتمال انفجارها في اية لحظة.




#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المالكي يحقق اقدم وعوده الإنتخابية ويخرس متهميه بالطائفية
- حرب عصابات وعصابات وليست حرباً بين حكومة وعصابات
- الرصاص الذي يقتلكم ليس موجهاً اليكم فلا تنزعجوا
- ذبح الصدريين تهيئة لإنتخابات تفتيت العراق وبيعه
- ابريل غلاسبي كذابة
- صفر الدين القبانجي وخطبته العصماء
- متى يعترض عادل عبد المهدي ومتى يقبل؟
- هنري برغسون: وفاء سلطان وأمثالها مختلي الأخلاق
- دور علاوي في فقدان سيادة العراق على العمليات العسكرية ووجوده ...
- حلبجة...السادة أمنوا منازلهم جيداً
- قضايا تختفي واعدامات بالمئات من اجل التستر؟
- الحزب الشيوعي العراقي والمعاهدة - (2 من 2) المطالبة بإجماع و ...
- الحزب الشيوعي العراقي والمعاهدة - مفاهيم مشوشة (1 من 2)
- على الإنترنيت كتاب يكتبون بدمهم وقراء اصابهم التعب والإحباط
- كيف يمكن لمفاوضينا صياغة معاهدة تستعيد السيادة الكاملة؟
- الفرق بين الدفاع عن المرأة واستخدامها كهراوة لضرب الإسلام
- جمال يساعد امه – فكرة لمناسبة عيد المرأة
- كيف دافع المؤيدين الخجولين عن معاهدة مخجلة؟
- فرصة الفلسطينيين للسلام الكريم تبدأ بحسم امرهم مع الفساد
- إبداعات مسرحية للرئاسة العراقية


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية تعلن انضمام دولة عربية لدعوى جنوب إفريقي ...
- حل البرلمان وتعليق مواد دستورية.. تفاصيل قرار أمير الكويت
- -حزب الله- يعلن استهداف شمال إسرائيل مرتين بـ-صواريخ الكاتيو ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق بعض مواد الدستور 4 سنوات
- روسيا تبدأ هجوما في خاركيف وزيلينسكي يتحدث عن معارك على طول ...
- 10 قتلى على الأقل بينهم أطفال إثر قصف إسرائيلي لوسط قطاع غزة ...
- إسرائيل تعلن تسليم 200 ألف لتر من الوقود إلى قطاع غزة
- -جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد ...
- زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
- نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - الإعلام وخطابات حميد مجيد والدباغ والمالكي