أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - نوري المرادي - فدرالية كردستان – حكم بالموت على الأكراد!















المزيد.....


فدرالية كردستان – حكم بالموت على الأكراد!


نوري المرادي

الحوار المتمدن-العدد: 696 - 2003 / 12 / 28 - 04:00
المحور: القضية الكردية
    


(( لا تلدغ القيادة الكردية من جحر واحد مرتين،، فقط ))
قبل يومين جرت مظاهرة في كركوك تنادي بضمها إلى كردستان وجعلها عاصمة.  والمظاهرة وإن كانت محدودة المشاركة، إلا إنها، كما أراها، مؤشر على حالة مشروع الاحتلال من جهة، وبداية لحرب مثلثة: طلبان ضد برزان من جهة، والكرد ضد العرب من جهة ثانية، والكرد ضد الترك من جهة ثالثة.
وفي المظاهرة، كما وصفها أحدهم ** رفعت أعلام محميتي أربيل والسلميانية والعلم الأمريكي وغاب علم العراق، وكان الشعار الأكثر بروزا في المظاهرة هو: (( كركوك ستبقى عاصمة كردستان )) وجاءت بعد مقال للسيد مسعود برزاني، تظلم فيه أن حلفاءه الأنجلوأمريكان الذين ساعدهم بميليشياته وكل إمكانياته في احتلال العراق، هؤلاء الحلفاء أداروا ظهرهم له ولحقوق الشعب الكردي،، وهم الآن بنية إعطاء الكرد حقوق أقل بكثير مما أعطته اتفاقية 11 آذار 1970. لذا، والقول لبرزاني، فلابد من فدرالية إقليمية، لرد الحيف عن الشعب الكردي الذي ألحق ألحق جزء من وطنه بالعراق ظلما.
وقبل أيام، كتبت: (( ما يجمع أعضاء مجلس الإمعات ثلاثة أمور: خوفهم من صدام، تسابقهم على حضوة بريمر، وانتفاعهم بالرشاو والسرقات والمحسوبية. والأمر الأول انتهى، والثاني سينتهي أو بدأت نهايته بالأسر، والثالث هو أصلا مدعاة للتنازع والاحتراب. ومن هنا فسرعانما تبدأ المؤامرات والكولسات فيما بينهم لتنتهي بالاغتيالات))*** وهذه الملاحظة أسجلها مجددا، لكونها تشتمل على الصراع القادم ما بين برزاني وطلباني، وهما في الطريق إلى الفدرالية، التي لن ينالوها أبدا. والصراع القادم ما بين أميري الحرب هذين، سيكون قاسيا ضروسا تتراجع أمامه كل قساوات الحروب السابقة، إن بينهما أو بينهما معا ضد الحكومات العراقية. وأهم عوامل قساوته:
- أن الجانبين، يعتمدان مستشارين من الموساد، الذي حتما لا مصلحة له سوى بإطالة أمد الحرب ليجني أكثر ما يمكن.
- أن الجانبين يتمتعان بتوازن الحضوة عند بريمر، الأمر الذي سوف لن يحسم الصراع لصالح أحدهما، خلال ولاية بريمر أو خليفته، إن تسنى له البقاء في العراق.
- لم يعد أي من الجانبين يتمتع بدعم الجوار، لا إيران وتركيا ولا الدول العربية وقد ذهب بعبعها الجيش العراقي.
- ليس لأحدهما تفوق عسكري على الآخر، وكل منهما أيضا سيتظلم إلى الناس قائلا: (( وظلم ذوي القربى أشد مضاضة )) لذا سيكون أشد قسوة معه مما مع الغريب!!
والدول على أية حال لا تحكم برأسين، ما بالك من قبيل رأسي مسعود وجلال.
وكردستان على أية حال جزء لا يتجزأ من التراب الوطني العراقي، والكرد جزء لا يجزأ من الشعب العراقي، وبالتالي، فمصير الإتحاد أو الإنفصال لا يقرره طرف واحد. وهو سيعجز حتما عن تحمل عبء استحقاقات القرار اللاحقة. والشعب العراقي عموما لا ولن يقبل بانفصال كردستان وتحت أي ظرف. أما أن يكون الآن مهيض الجناح، فتلك أيام يبدلها الله كيف يشاء. وحل القضية الكردية ليس بالفدرالية ولا أي شكل من أشكال الانفصال. وحين تأخذ السلطة المركزية للعراق المستقل على عاتقها حماية الديمقراطية وتكفلها للجميع، عند ذاك تنتفي الحاجة لأية حركات انفصالية.
ومعلوم أن المحتل، وحين افترض أن العراق صار ملكه، أعلن معارضته الصريحة لأي شكل من أشكال الانفصال أو الفدرلة. وتأكيدا لهذا جمع أسلحة الحزبين الكرديين وأتلفها ثم جمع الدنانير السويسرية وألغى الكثير من المراسيم السارية هناك. مقابل ذلك أشرك الحزبين الكرديين بمجلس الإمعات. فقبلوا وكان طلباني رئيسا لدورة شهرية لهذا المجلس وسيكون برزاني رئيسا أيضا، وهوش صار وزيرا لخارجية بول بوش،، وهكذا.
فما الذي استجد ليصرح مسعود فتطفو القضية الكردية إلى السطح مجددا؟!
قبل الإجابة، لابد من ملاحظات عامة عن القضية الكردية في العراق ودول الجوار.
إن كردستان (بلاد الكرد) اسم حديث نسبيا وأطلقه والي سنجار السلجوقي لؤلؤ في القرن الثالث عشر الميلادي على أحد سناجق ولايته وجعل عاصمته مدينة باها. والإسم العربي القديم للمنطقة هو باقردي، والذي تطور من بوكاردون (الباء المثلثة) الأكدي والذي يعني أبناء الجبال. ولم يكن للأكراد دولة مستقلة في التاريخ على الإطلاق. وأتحدى مسعود البرزاني أن يذكر لي دولة واحدة كانت للكرد ومنذ بدء الخليقة حتى يوم أمس. وتصريحه المتظلم عن إلحاق جزء من وطن الكرد بالعراق، أما للاستهلاك أو جهالة.
ومعلوم أننا كلما توغلنا في التاريخ كلمات قلت المتطلبات اللازمة لإنشاء دولة مستقلة. أي إن الشروط الموضوعية لإقامة دولة كردية كانت متوفرة على مر التاريخ، مثلها مثل توفر الظروف الذاتية كالوعي العالي للشعب الكري. وحين تكون متطلبات الاستقلال وتكوين دولة جاهزة في كل الظروف تقريبا، ومع ذلك لا يحدث هذا الاستقلال ولا تتكون هذه الدولة فهذا لا يعني سوى حقيقة واحدة وهي انتفاء الحاجة إلى الاستقلال. أو بصورة أخرى، يدل على حقيقة التمازج التام بين أبناء المنطقة بحيث يجعل الاستقلال لا أكثر من انفصال عن النفس. خصوصا إذا ما تكلمنا عن الرقعة الجغرافية التي تمثل العراق الحالي، والتي شبهها أحد الإخوة الكرد بقوله المختصر: (( كاكة حمة + عبدالزهرة = عبد الزهرة + كاكة حمه)). فإن نشأت ظروف لتكوين دولة مستقلة أو نهوض حضارة فلكل أبناء هذا العراق. وأدق مثال على هذا، المرات الست التي كان فيها العراق مركز أقوى وأكبر الأمبراطوريات في العالم (سومرية،  أكدية، بابلية، آشورية، وأيام الإسكندر الذي اتخذ بابل عاصمة له، وأخيرها الإمبراطورية العباسية) في هذه المرات لم يقل أحد أن الفضل في ذلك لهذه الأثنية العراقية أو تلك. وكدليل آخر، وحين نضجت الظروف لتكوين أول دولة عربية إسلامية في مكة، كان الأكراد من أوائل الملبين، لقيام هذه الدولة وفلسفتها. بل ومن منطقة العراق الجغرافية الحالية، ربما كان الصحابي الجليل كابان، هو الشخص الثاني بعد الصحابي الجليل سلمان الفارسي، الذي لبى دعوة الرسول محمد (ص) والتحق به.
فإذا سمحت الظروف السياسية، وأراد الأكراد بناء دولة، فمقومات هذه الدولة حسب العرف الحديث متوفرة في تركيا فقط. فما يتواجد من الجسد الكردي في العراق أو سوريا أو إيران (ولبنان وجورجيا) هي قبائل غير متجانسة اللغة، سواءً داخل الدولة الواحدة أو ما بين هذه الدول. مما يجعل تفاهمها البيني دون اللغة العربية أو الفارسية متعذرا. وأذكر إنني كنت رئيسا لرابطة الطلبة الأكراد في طاشقند عام 1977، وكنا عشرة أعضاء في الهيئة الإدارية لم نستطيع التفاهم فيما بيننا إلا باللغة الروسية، خصوصا وأنا أصلا لا أتحدث إلا بضع كلمات فيلية وحسب. وهذه القبائل وفي كثير من الحالات غير متجانسة مذهبيا ودينيا مما ينتج عنه اختلاف بالأعراف والتقاليد بعض الشيء. بينما وبالمقابل فالجسد الكردي الأكبر يقع في تركيا ويتميز بلغة واحدة ومذهب واحد تقريبا وعادات وتقاليد فائقة التماثل، مثلما لكردستان تركيا مخرج على بحيرة وان وأطرافه قريبة جدا من مضيق البسفور.
وكردستان العراق محدود الموارد طبيعية، ومحصور بين أعداء ولا منفذ له على بحر. وكما نعلم من تجربة بوليفيا أن سبب افتقار هذا البلد هو حرب في القرن التاسع عشر فقدت بموجبها بوليفيا منفذها البحري. الموضوع الذي أثر بها لدرجة أنها أصدرت طابعا تذكاريا لما اعتبر عيدا وطنيا حين وقعت اتفاقية مع البيرو سمحت لها بممر إلى البحر دون مكوس.
ولكردستان العراق مكانة فائقة الخطورة بالنسبة لسهل الرافدين. فهو الحصن الشمالي لهذا السهل، وبدونه ومهما تطورت الأسلحة ومهما تغير مفهوم السوق العسكري، لا يمكن الحديث عن ضمانة أمن هذا السهل بأي حال. فإن سقط كردستان سقط سهل الرافدين حتما. بدليل الغزو الأخير حيث دخلت القوات الأمريكية كردستان وبنت قواعدها ومراصدها ومنذ 1992 مثلما كان الموساد قد بنى مراكزه وأوكاره وقواعده هناك أيضا وقبل هذا بكثير. كما تمر عبر كردستان روافد دجلة، وتحت تربته عوائد الرشح والماء الأرضي المزودة لحوضه. والمعلوم إن جزءً كبيرا من فلسفة الحروب القادمة سيبنى على استحواذ مصادر المياه أولا. وهو ما سيكون مبعث الحرب المؤجلة مؤقتا بين تركيا وسوريا. ما نعنيه أن كردستان العراق وحسب الواقع الدولي الحالي والقادم، فائق الأهمية لسهل الرافدين. وبالتالي فليس غريبا أن تظهر حكومات العراق المتعاقبة هذا الاهتمام البالغ بالقضية الكردية. ولن يتساهل أي إستراتيجي عسكري مع انسلاخ المنطقة الكردية عن سهل الرافدين، لأنها فيها موته.
وتصريحات مسعود برزاني الأخيرة هذه، ليست فريدة في مغزاها. وتجربة الحركة الكردية العراقية تحفل بحقائق، أما إنها لم تراجع بعد أو هي شديدة الإحكام فلا يمكن للقيادات التقليدية الكردية العراقية الإفلات منها. ففي نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، كما هو معلوم، ومن ضمن الأحداث التي شهدتها المنطقة كان الصراع بين السلطان عبدالحميد وجمعية تركيا الفتاة. وقد التزم الأكراد جانب السلطان وسموه باف كردان (أبو الأكراد) مناكدة لجمعية تركيا الفتاة التي منحت مصطفى كمال اسم أتاتورك (أبو الأتراك ). وكانت أقوى كتائب السلطان عبدالحميد (الحميدية) تتشكل من الأكراد كليا. والسلطان عبد الحميد كان من أشد معارضي وعد بلفور. وقال علنا: إن إقامة وطن قومي لليهود في أراضي الدولة العثمانية لن يتم إلا على جثمانه. وكسر شوكة عبدالحميد لن يتم إلا بسحب تأييد الأكراد له. لذا بدأت الدوائر الاستعمارية الغربية والبريطانية بالأخص،  بالترويج لفكرة وطن قومي للأكراد في المنطقة المحصورة ما بين بحيرة وان وشمال الموصل، شريطة أن يسحب الأكراد تأييدهم للسلطان. فرحبت بعض القيادات الكردية بالوعد وسموه (وعد بلفور الكردي). وكان أكبر دعاة هذا الترويج وأكثر المبشرين به، هو الضابط الإنجليزي (ميجرسون) معاصر الحاج عبدالله فلبي وخريج مدرسته، والذي بدوره ذرع كردستان شبرا شبرا ونزل من قلوب العامة والخاصة منزلة الأسطورة في الطيبة والإيثار والانتصار للكرد. وبدأ الفراق بين عبد الحميد وكتائبة الكردية، وخلع وإنتهى بالتزامن مع إعلان وعد بلفور تقريبا. وإثر تساؤلات عن مصير الوعد الكردي، أعلن أن نصا في معاهدة سيفرس 1920 يتضمن خطوطا عمومية للدولة الكردية. لكن سرعانما تبين أن معاهدة سيفرس ليست غير النص الدبلوماسي لمعاهدة دقيقة التحديد وهي معاهدة سايكس بيكو، التي فضحتها السلطة السوفييتية. وسايكس بيكو تخلو تماما من أي ذكر للدولة الكردية لا من قريب ولا بالتلميح. أي إن وعد بلفور الكردي لم يكن إلا بالونا يشبه تماما البالونات الحالية التي يطلقها بوش بين الحين والحين للقضيتين الكردية والفلسطينية معا.
وحين تبخر وعد قيام الدولة الكردية، بقيت الإلتزمات المفترضة التي قدمتها القيادات الكردية آنذاك. ومجرى الأحداث على مدى الثمانية عقود الأخيرة (منذ الوعد) يوضح بعض الخطوط المشتركة لهذه الإلتزامات؛ وأهمها:
1 - انقلاب اللحظة الأخيرة: فغالبا إن ليس دائما، وفي اللحظة الحرجة من النضال الوطني الكردي، تبتدع القيادة الكردية أمرا غير متوقع وتنقلب على نفسها كليا. على سبيل المثال: في معركة مهاباد، وبدون مقدمات انسحب وزير دفاع جمهورية مهاباد الراحل الملا مصطفى البرزاني مع 400 من أعلى مراتبه وضباطه ولجأ إلى باكو، وترك الجمهورية عرضة لقوات الشاه التي أبادتها بعد يومين فقط من انسحاب الملا. وعدد الأربعمئة هو عمليا كل القيادات والمراتب العسكرية والمتخصصة العليا لهذه الجمهورية الفتية. ثم، ودعما لتوجهات شركات النفط في محاربتها لحكم الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم، ورغم اعتراف دستور الثورة المؤقت بحقوق الأكراد، ورغم استقبال الزعيم المرحوم عبدالكريم قاسم للسيد مصطفى البرزاني استقبال الأبطال، رغم هذا وبلا مقدمات أو بمقدمات مفتعلة أعلن البرزاني الحرب على الزعيم، ثم وضع قواته تحت تصرف قوات السنتو التي بدأت الإنزال في الأردن ولبنان تمهيدا للهجوم على الجمهورية العراقية الفتية. ثم كما هو معلوم تحالف مع إنقلابيي شباط الأسود في اغتيال الجمهورية. الأمر الذي تباهى به الملا رحمه الله قائلا: ( لن يتمكن البعثيون من قتل الذئب لولا إننا أثخناه بالجراح). ومثل هذه التقلبات المفاجئة والمثيرة حدثت أيضا عام 1964 حيث فاجأ البرزاني القوات الكردية التي كانت على وشك الإنتصار في معركة (زوزك) وأعلن الهدنة مع عارف وطلب اللجوء إلى إيران. ثم، وحين أعلن استقلال كردستان وعلى صوريته، كان أول فعل قامت به القيادات الكردية هو بيع معامل ومنشئات كردستان بالمزاد، ثم وأخيرا وفي كل لحظة استقرار تبدو، ينبري طرفا الصراع لحرب ضروس تحرق الأخضر واليابس.
2 - الإنقياد اللامبرر لجهات خارجية: حيث وضعت القيادة الكردية مقدرات الثورة الكردية وبلا مبررات منطقية بيد ضابط من الموساد (لبكوب) فجعلت قرار الحركات العسكرية أسيرا بيد موظف بسيط في وزارة الدفاع الإسرائيلية. ومفارقة العلاقة مع إسرائيل توضحها أيضا قضية مأساة حلبجة. فقد تبنت إسرائيل الدفاع عن الضحايا وأخذت على عاتقها متابعة المسألة عالميا. وعقد لأجلها مؤتمر في باريس بإشراف اليهودية الصهيونية السيدة ميتران. ورغم إن المؤتمر عقد تحت شعار مكافحة استخدام الغازات السامة، ورغم إنه عقد إثر المأساة، ورغم الطابع الرثائي التوراتي الذي أسبغته الدعاية الإسرائيلية والغربية على الفاجعة، نجد أن السيدة ميتران التي نظمت المؤتمر، منعت الأكراد من التظاهر أو رفع اللاّفتات المعادية لإستخدام الغاز السام، ثم خلت وثائق المؤتمر وتوصياته من أي ذكر لضحايا حلبجة وأي إدانة ولو بالإيحاء لحكومة بغداد. وبالمقابل حفل الإعلان بجمل مكافحة الإرهاب وزعزعة الإستقرار،،،الخ. أي خرج الكرد من هذا المؤتمر بمكرمة سماح الصهيونية لهم بالإشتراك في الدفاع عن شعب الرب المختار.
3 – الكشمرة: والكرد يعلمون والعالم أيضا صار يعلم، أن القضية الكردية هي حقا كشمير الشرق الأوسط وتثار كلما احتاج المعنيون إلى مبرر للتدخل في المنطقة. وحيث كان مشروع غزو العراق يعد على نار هادئة، جاء دور كشمير الكردية فحرِّكت، واشترك قادة الأكراد في التحضير للغزو وتحت اللعبة – الخدعة ذاتها – دولة للكرد تمنح لهم بعد النصر!! والقادة الكرد نسوا كم من مرة لدغوا من جحر الوعد بالدولة الكردية، فأبدعوا بوضع أنفسهم وإمكانياتهم في خدمته والعمالة له، فأرضاهم بفرض حمايته عليهم، مبتدعا لهم مؤسسات صورية، لم تحض باعتراف أية دولة.
وبالمناسبة، فما قدمته تجربة المحميتين لتاريخ الشعب الكردي، هام وعظيم، من حيث أنهما أثبتتا استحالة وخطورة الانفصال عن الوطن الأم – العراق.
فالمحمية ككل محاطة بطوق من دول عدوة، إيران منها وتركيا أشد عداء للكرد من أي قومي شوفيني عربي. وهذا الطوق كفيل بموت بطيء محقق، حتى دون حروب. وما أن ذهب بريق الفرق بالكيان الناشئ بعد 1992 فتحت القيادات الكردية العراقية عينها على هذه الحقيقة المخيفة، فارتجت تصريحاتها ما بين الالتحاق بتركيا أو إيران ومرة بسوريا. ولم ينفع الحال، حيث سرعانما احترب طرفا السياسة الكردية ونشأت عنهما محميتان، ثم محمية ثالثة كادت أن تظهر لولا غزو العراق.
والمحميتان الطلبانية والبرزانية، نشأتا حتما على خلفية والفرز الطبقي الشديد ضمن الشعب الكردي الذي دخل ومنذ السبعينات مرحلة اللاعودة في التناحر. فصار للبرجوازية الكردية حزب قوي وعلاقات خارجية (الطلباني) وللإقطاع العشائري حزب قوي وله علاقاته واتصالاته الخارجية (البرزاني). وهو صراع حدث ما بين المحميتين حيث تناحرتا وبشكل لم يسبق له أن حدث بين أشد الدول عداوة.
إضافة، فقد ظهر عامل اللغة ليدلي بدلوه في صراع القطيعة هذا. فهناك ثلاث لغات أساسية: البادنانية والكرمنجية والسورانية، اختلافاتها البينية تماما كالاختلاف بين الفارسية والعربية. والتفاهم فيما بينها عسير جدا. ولكل لغة قبائل ومناصرين، ولا أحد مستعد للتنازل وقبول أن تكون لغة خصمه هي لغة الرسمية للدولة. مع ملاحظة أن متكلمي كل واحدة من هذه اللغات أقل عددا من التركمان أو الأرمن المتواجدين في عموم كردستان العراق.
وفي كلا المحميتين عانت الأقليات والأثنيات غير الكردية، بل وغير البرزانية في محمية السلميانية وغير الطلبانية في محمية كركوك. والمجموع السكاني للأثنيات في كردستان أعلى من مجموع الكرد. وهو أمر اتضح للعيان خلال الفترة الماضية وتمثل بمماحكات أنتهت بعضها بقتلى وجرحى. وحقيقة ومن باب المنطق أن يطالب التركمان بحقوقهم القومية من الكرد ونسبتهم إلى الكرد كنسبة الكرد إلى العرب في عموم العراق. ومثلهم الأرمن واليزديون والآشوريون والعرب ،،الخ كل يطالب باستقلاله أو بحقوقه القومية، لتبلقن كردستان الصغيرة هذه، ولكن على شكل دويلات قبائل، هذه المرة.
هذا ما برهنته المحميتان، وقالته التجربة. بقي أمر هام أيضا وهو موقف دول الجوار.
فهذه الدول ومنذ 1980 وحتى اللحظة تعيش حالة ترقب لا يسمح باتضاح موقفها الحقيقي. فهي ما إن بدأت تحصي آثار الحرب العراقية الإيرانية، بوغتت بالعدوان الثلاثيني، ثم بالاعتداءات المتكررة على العراق وفلسطين ثم احتلال أفغانستان، ثم احتلال العراق، ثم التهديد والوعيد الذي أعلنه المحتل ضد سوريا وإيران وغيرها. أي إن دول الجوار في حالة تأهب مشحون، منذ 1980 ،، لكنه سيستقر يوما، على أحد أمرين:
- أن تقع إيران والعراق وسوريا وتركيا تحت السيطرة الأمريكية، وسيكون الضحية الأولى لهذه السيطرة الشعب الكردي ومحميتاه. فلن تضحي أمريكا بدول وبترول وجغرافيا لأجل دولة قزمة، ومعاهدة سايكس بيكو شاهدة.
- أن تنتصر المقاومة الوطنية العراقية ومقاومة دول الجوار، وهو الأمر المرجح، وأكاد أجزم أن هذا هو الذي سيحدث ولن تقوم لأمريكا قائمة إثره. وأول يوم تنسحب فيه أمريكا من المنطقة ستكون محميتا الكرد أول الضحايا.
- وثالثا وأخيرا، فالواقع العصري يفرض التكتل وليس الإنفصال. ومن هذا الواقع بدأت الدول الأوربية وحتى تلك المنافقة عن وطن الأكراد، بالتقارب فيما بينها لحد فقدان الاستقلال الوطني رغم اختلافاتها الجوهرية الأثنية والعرقية.
والدول، كما قلنا أعلاه لا تحكم برأسين. ولو تواجدت هكذا إمكانية، لرأيناها خلال العشر سنين الأخيرة. وعلى العكس ما شاهدناه كان حروبا بين المحميتين الإصطفافات فيها والتحالفات كجلد الحرباء. واصطفافات وتحالفات كجلد حرباء، لا ولن تبني دولة، ولا تنهي حروبا قبلية. وعلى أية حال ومن يشك، بالحروب القبلية القادمة بين الإقطاعيتين، فليزر المقابر الجماعية التي ذبح فيها مسعود وجلال أسراهم ذبح الخراف، فقتل من خيرة الشباب الكردي 600 أسير برزاني، و750 أسيرا طلبانيا.
وقد عاشت القيادة الكردية هذا الواقع عينا وكادت تخنقها الحروب البينية ودول الجوار العدائي. ولولا أن مشروع الاحتلال غذى المحميتين ومدهما بالمال وهدأ من غلواء الجوار لجرت للشعب الكردي مذابح تلو المذابح حتى يعود يتوسل أن تقبله أي من دول الجوار مقابل التناول عن كل ما اكتسبه. هذا لو اكتسب شيئا غير اتفاقية 11 آذار 1970.
المهم أن البرنامج الموضوع للقضية الكردية، كان وحتى قبل أيام، هو أن تكون مبعثا للتدخل بالمنطقة.
لكن التدخل حدث، بل وأحتل قلب الشرق الأوسط – العراق. أي إن القضية الكردية أدت الدور المناط بها وأدخلت الأمريكان مباشرة إلى المنطقة. وكان يجب أن توضع على الرف حتى حين. وحقيقة وضعت، وشاهدنا إلى م انتهى الاستقبال الحاشد الذي عملته المحميتان لغي غارنر. وكيف انتهى إلى هباء، بل وجمع السلاح الكردي وسحبت الأرصدة وحرمت القيادات الكردية من السمسرة والبيوع، وحرمت أيضا من معينها الأساس وهو معبر الخليل. ومقابل هذا منح الكرد ستة مقاعد بمجلس الإمعات وصار هوش زيباري وزير خارجية بريمر، وصار واضحا وكأن الموضوع اتفق عليه،، حتى ظهرت مسرحية اعتكاف السيد مسعود برزاني ومن ثم تصريحه الذي تلته المظاهرة.
فهل من جديد؟!
ظاهريا، لا! سوى أنها تستعمل الآن مقلوبة.
فسابقا كانت كردستان الكشميرية تحرك وتثار كلما احتاج فيها صاحب القرار إلى أزمة، يدخل من خلالها المنطقة. أما الآن، فسيثيرها لأجل أن تنقذ جلده من ورطة.
فكما يعلم الجميع فقد تطور عمل المقاومة العراقية إلى درجة عالية الدقة والتنظيم، وكانت الضربات الموجعة تنال من جنود الاحتلال يوميا وبخسائر عالية، حتى جاءت لحظة واستطاع العدو فيها أسر صدام حسين. فعكس الحال للعالم وكأنه حصل على نهاية المبتغى، وأنه سحق المقاومة العراقية وخلت البلاد له. خصوصا بعد أن تعامل بشكل قاس جدا مع الفضائيات العالمية، وفرض عليها أن تستق معلوماتها فقط من ناطقه العسكري. لكن كل هذه الإجراءات انتهت إلى فشل ذريع، بل انتقلت المقاومة إلى الحروب الجبهوية التي تشهدها بغداد وغيرها من المدن ليليا. أما خسائره في النهار، فمن كثرتها لم يعد بإمكانه حجبها على الإعلام العالمي. أي مختصرا، فقد انتهت العاصفة الإعلامية التي تلت الأسر، وعاد القتال مع المقاومة إلى أشد مما كان عليه، وعاد بوش إلى كآبته واختفى رامسفيلد من الكامرات، ونست حتى صحافة البنتاجون حادثة الأسر كليا. ولم يعد يذكرها سوى حفنة من كتبة جلاوزة منبوذين فقط.
ومن جانب آخر فالحرب الطائفية، تتعثر(!!) ولم يستطع حكيم صهيون إشعالها، وهو كلما يشعلها تخبو نتيجة وعي الشعب العراقي العظيم. ويبدو أن المحتل جرب طريقا آخر اكتشف أنه مسدود وأي سد. وهذا الطريق هو إيجاد تفاهم ما مع المقاومة!!
نعم! أكاد أشم محاولة من هذا القبيل! بدليل تصريح هوش اليوم أنه لا ولن يتفق مع المقاومة العراقية. وهوش عبد لسيده بريمر وإنما يصرح باسمه. وتصاريح من هذا القبيل عادة أما أن تذاع كطعم، أو من على شاكلة ما قالته فتاة لصديقتها: (( أتمنى أن يتقدم ذلك الشاب إلى خطوبتي ،،،، لأرفضه )) ولا المقاومة مستعدة للمساومة ولا هي بوارد الحديث بغير لغة الرصاص والأحذية مع المحتل. ربما لم يحاول المحتل، وهوش إنما صرح عن نفسه، ليكون شاهدا آخر على أزمة المحتل.
المهم إن المحتل، وحيث تأكد له أن دخول العراق ليس كالبقاء فيه، فهو الآن بحاجة إلى أزمة تنقذ جلده،، فعاد، إلى لعبته المفضلة – كشمير كردستان. ووافق القادة الكرد أن يلعب الأمريكان بهم لهذه المرة أيضا.
أما أن يكون بعض القادة الكرد على استعداد أبدي لخدمة سيدهم الأنجلوصهيوني، حتى وإن على حساب دماء الشعب الكردي، فالله المستعان، وإليه المشتكى.
بقي أن يعرف المحتل، أن القتال المرتجى من لعبة كشمير هذه، سيكون بين الجهات التي لا تشارك بالمقاومة. أي إنها كشمير فاشلة هذه المرة ولن تنقذ جلده.

-------
* جوهر الموضوع اعتمد على مقال لنا سابق على (الحوار المتمدن)
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=3476
** http://www.iraqoftomorrow.org/viewart.php?pg=index&id=7892&c=y
*** http://www.albasrah.net/maqalat_mukhtara/muradi_15122003.htm



#نوري_المرادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع الأحداث 17
- عيد ( الحوار المتمدن ) الثاني!
- ميليشيا حكيم ،، لمن!!
- معركة سامراء!
- زيارة بوش!
- إنه ذِكرٌ للذين آمنوا بمجلس الإمعات!
- مع الأحداث 16
- كان يا ماكان يا فتيان شنعار الشجعان!
- موت يا حمار لما يجيك الصيف!
- مع الأحداث 15
- مؤتمر دمشق والحالة العراقية!
- بلغوا الحضيض!!
- يا سادة الحوزتين، تعالوا نتباهل!!
- مع الأحداث 14
- بيانهم الذي كان!!
- نفط! لا فليسات! لا وجعة هلي ولا شربت! لا نفط! كالوا قواعدكم ...
- مع الأحداث 13!
- عمّ يتباحثــون؟!
- أربعينة فاجعة الصحن، أين الجناة؟!
- أسلحتهم البيولوجية لإبادة الشعب العراقي!


المزيد.....




- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - نوري المرادي - فدرالية كردستان – حكم بالموت على الأكراد!