أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - احتفالات لها طعم خاص















المزيد.....

احتفالات لها طعم خاص


تقي الوزان

الحوار المتمدن-العدد: 2236 - 2008 / 3 / 30 - 04:00
المحور: سيرة ذاتية
    


سألني محيي : عندما ذهب رزاق الى سلمان وطلب منه ان يجد له صلة بالحزب . الامن ارسله ام انه بادر الى ذلك ؟ اجبته , وكنت منهكاً : مضى على خروجه من الامن اكثر من سنة , وذهب اليه في الاثنين وثمانين , وسلمان يتهرب من مواجهته . شعر محيي بضيقي وعدم رغبتي في مواصلة الكلام . فسأل وكأنه يتحدث مع نفسه : بعد سنة , معنى هذا اتجاوز ضغوطات الامن , لكن قذارته هي اللي دفعته . انت شنو رأيك ؟ اجبته ولم اتمكن من كظم غيظي : ما اعرف , انت قدرهه , هسه وكتهه , خل نشرب الشاي براحتنه . اجابني : اذا انت ماتعرف , منو اللي راح يعرف ؟!

تصلني الخفارة في الخدمة الرفاقية – وهي عمل وجبات الطعام – كل ثلاثة اسابيع . وصادف ان يكون اليوم مثل الخفارة السابقة بوجود لحم في الغداء , واللحم كل اسبوعين او ثلاثة , وبعض الاحيان اكثر من شهر . وما دام اللحم عزيز لهذه الدرجة , فلا يوجد أي مجال للأستخفاف بطبخه , او اذا حدث خطأ وشاط لاسامح الله. ورغم ان الرفيقات يشرفن على الطبخ في ذلك اليوم , لان لايوجد لديهن ثقة بأحسن الطباخين من الرجال , يبقى القلق الى ان يوزع الغذاء وتسمع كلمات الرضا من الرفاق . كنا نتناول الشاي بعد هذا الغذاء الجيد , وكالعادة يومياً في مساعدة الخفر, بادر اثنان من الرفاق لغسل الصحون والقدور على مجرى الماء الذي كنا نجلس بجانبه وسمعا ما دار بيني وبين محيي . وعلق احدهم : يا ابو سيف – ويقصد محيي – شكو مستعجل ؟ بالليل نعرف السالفة .

كنا في قاعدة " زيوة " للحزب الشيوعي العراقي , وزيوة كانت قرية هجرّها النظام الصدامي , وتقع يمين الزاب , على اراضي متدرجة الارتفاع باتجاه اعلى الجبل الذي تنبع منه عين الماء التي تسقي المنطقة . وبجانب العين حضيرة الدوشكا ( مقاومة الطائرات ) التابعة لفصيل الاسناد , وهو احد الفصائل التي تشكل سرية مقر قاطع بهدنان للحزب , والقاطع يغطي بنشاطه مناطق دهوك والموصل . وقصفت القاعدة مرتين بالاسلحة الكيمياوية , وراح ضحيتها شهداء وجرحى زاد عددهم على المائة وخمسين بين رجال ونساء واطفال وشيوخ .

كنا في شهر آذار , ونتهيأ لتقديم مسرحية بمناسبة عيد الحزب الذي يصادف في 31 منه . ومحيي احد الممثلين في المسرحية . في البيشمركة لايوجد ممثل جاهز يمتلك الصوت المتدرج الذي يستطيع من خلاله توضيح وتحديد درجة الانفعال لكل حالة انسانية , ولا مرونة الجسد التي تعطي بحركتها صورة ذلك الانفعال , ولا قدرة التخيل للاحاطة بمحيط الحياة التي تتحرك داخلها الشخصية المجسدة , ولا الامكانية على مراقبة الذات وهي تتحرك داخل هذا المحيط . فهو ليس ممثل , الا ان حبه للثقافة والفن التي غرزها فكرالحزب الشيوعي في نفوس كل رفاقه هو الذي يدفعه للتمثيل , واحياء ذكرى تأسيس الحزب بفعالية متميزة تناسب الحدث , وبعض الاحيان لاتستطيع ان تقنع الرفيق او الرفيقة بالتمثيل الا ان تحرجه بهذا السبب . كانت هناك صعوبات جدية , وقد تعرض لهذه الصعوبات الرفيق لطيف حسن في احدى حلقات كتاباته عن المسرح العراقي , و كانت مخصصة لمسرح الانصار , والتي وضح فيها تضارب متطلبات الحياة الصعبة للنصير , من واجبات ومفارز وعدم استقرار , وبين الهدوء والاستقرار الذي يتطلبه العمل المسرحي .

كان الاختيار يجري بتشخيص المواصفات الواقعية للرفيق التي تقارب مواصفات الشخصية التي سيجسدها , او يمكن ان توحي بمظهرها الخارجي وطريقة حركتها بالمطلوب . وبالاضافة لكل الصعوبات التي ترافق العمل الفني , هناك مشكلة متعلقة بتكوين النصير , وهي ناشئة من طبيعة الحياة في الانصار . فالنصير ترك كل شئ,
ورفع السلاح ضد نظام صدام المعروف بدمويته , والضرورة تفرض عليه ان يتناسى اهله ومدينته واصدقائه وحتى اسمه الصريح حفاظاً على اهله وكل شئ عزيز تركه هناك . ولانزال بعد اكثر من عشرين عاماً لانعرف بعضنا الا بأسمائنا الحركية , النصير حالة من الوجود لايشبهها اي شئ آخر , التوحد مع الهدف والحرمان القاسي لسنوات خلق مواصفات جافة لايستسيغها في كثير من الاحيان الا الانصار انفسهم , ولايزال البعض منا لايستوعبون متطلبات الحياة الاجتماعية ويسمون مثلا : المرونة انتهازية , مما خلقت الكثير من الصعوبات لبعضهم .

بهذه الوضعية اراد محيي ان يعرف تفاصيل شخصية رزاق التي يمثلها في مسرحية " واحد على مية " التي سنقدمها في عيد تأسيس الحزب عام 1986 . كانت الصعوبة معه في البداية هو في كيفية اقناعه ان يمثل دور شيوعي اصبح وكيل امن بعد توقيفه في الامن العامة , ويسعى للايقاع برفاقه القدماء بعد ان فلتوا من قبضة الامن , ورغم ذكائه يفشل في مهمته . بعثنا نص المسرحية قبل البدء بالعمل الى موقع آخر يبعد عنا ستة ايام من المشي ويمر داخل الحدود التركية لمسافة قصيرة , بعثناها للانصار الفنانيين علي رفيق ولطيف حسن وصباح المندلاوي وجاسم خلف طلال للاستفادة من ملاحظاتهم كونهم ذوي اختصاص , وفي القاعدة كان ايضاً ابو اروى هادي الخزاعي .

قاعة المسرح في " زيوة " اكبر قاعة في القاعدة , وبدون اعمدة وسطية , والمسرح في نهاية القاعة يرتفع ثلاثين سنتمتراً عن الارضية . كانت الانارة تعتمد على الشموع والمصابيح اليدوية , ولاتوجد عندنا موسيقى تصويرية ومؤثرات صوتية , وعوضناها براوية يعلق ويغني , ويتبنى رغبة الجمهور في بعض الاحيان . كانت الحاجة اليه ليست لمساعدة البناء الدرامي بقدر ما هو تلافي للحظات الرخوة في العرض , وقبل العرض بيومين فقط , ولتلافي احدى الفجوات في الاداء اضفنا له مقطع بدايته تقول : ياجماعة الحذر واجب او ثمين .... الشك اساس المعرفة واصل اليقين . وغناها بطريقة المربع ومن داخل الجمهور الذي اصبح جوقته ويردد خلفه اللازمة . الراوية مثله الفنان التشكيلي عباس العباس , كان يمتلك صوتاً قويا ومؤثراً , وسبق له العمل في فرقة المسرح الشعبي , واخبرني انه اكتسب هذه الخبرة الشجية في الاداء من خلال ملازمته في طفولته لاحدى قريباته الملايات , وتشبع بزخم المشاعر وطرق اداء اطوار القصائد الحسينية .

قبل العرض بثلاثة ايام طلبت من رفيقين الحضور الى التمرين كمشاهدين , واتفقت معهم ان لايشجعواي ممثل حتى لو كان يستحق الاعجاب . اثناء التمرين قاطعت الممثلين كثيراً , ولم اترك لهم مجال لاكمال أي مشهد , وانا اعكس عدم رضائي على ادائهم , وعند انفرادي بهم بعد خروج الرفيقين اخبرتهم بيأسي منهم , وارتباكهم امام رفيقين فكيف سيعرضون في قاعة ستزدحم بمئة مشاهد ؟! ويا خسارة الايام التي قضيناها في التمرين , ولولا فشلي امام الرفاق لألغينا العرض . سودتها عليهم بالكامل , وكانت مجازفة حتى اديم قلقهم وتفكيرهم بادوارهم لغاية ساعة العرض .

تفتح الستارة في المسرحية على مشهد في سوق اللنكَة , ورزاق ( ابو سيف ) يعلن عن بضاعته , وكانت بين يديه قمصلة . احد الموجودين يأخذها بين يديه ( المشتري مثله عمودي " سلام هادي بحر العلوم " وكان شعر رأسه مجعد ولم يحلقه منذ فترة طويلة ) . ابو سيف : امريكية بيه ابطانتين , هي ماشاءالله فيت عليك , والله مفصليه عليك تفصال . عمودي : لك هو آني لبستهه حتى فيت علي ؟! ( يقذفها بوجهه ) لو بس تردون تبيعون ؟! كان هذا دوره فقط وينزل الى القاعة . ابو سيف : ( وهذا لم يكن في النص ) لك هو اللي يشوف هيج راس يبيعله شي ؟! تفاجئ عمودي , واخذ الشرر يتطاير من عينيه : شكلت لك ؟ وسلسلة من الكلمات الغاضبة لاتفهم منها شئ واندفاعه بعصبية الى ابوسيف على المسرح , مسكناه , ووقف آخرون لمنعه واسكاته , ابو سيف رد عليه , الممثلون خرجوا من خلف الكواليس واختلطوا بالهرجة , وبين اللغط : ياجماعة عيب , خل انقدم المسرحية , هسه وكتهه , انتبه عمودي وابو سيف والمشكلة لم تكن اكثر من دقيقتين . وعاد استمرار المسرحية , وجلس عمودي بين الجمهور هادئاً .

عند انتهاء العرض اندهش الجمهور , وصفق طويلاً للممثلين الذين اكتشفوا ادائهم الجيد , وعاشوا جمال اللحظة التي كافئهم فيها الجمهور بأعجابه , سحبت عمودي وابو سيف ليتعانقا وسط موجات الفرح التي لفت الممثلين والجمهور . وقد فهم البعض ان المشكلة في بداية المسرحية من ضمن العرض , وعبر احد الرفاق الذي يدعي الشيخوخة في كل شئ يتحدث به : إيغال في الواقعية بشكل لايصدق .



#تقي_الوزان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات لها رائحة الورد
- تهويمات تحققت بعد عشرين عاماً
- المرجعية الوحيدة القادرة على إنقاذ العراق
- العراق بين غياب المشروع الوطني وصراع الآخرين
- الأستحقاقات المبيتة للفشل
- خطوة جيدة في كل الأحوال
- الدوران في الفشل
- إستمرار الصلاة في محراب المحاصصة نهايتها جهنم
- ألصكوك بلا رصيد
- بين المأزق والمشاريع السياسية
- زوبعة علاوي ومكامن الخطر على وحدة العراق
- الرباعية العراقية وأمل الخروج من المأزق
- تآكل المشروع الوطني وضع العراقيين بين النارين
- وأخيراً سقطت الأقنعة
- التخبط لايفي بالغرض
- موضوع بحاجة الى عنوان
- لا تزال الديوك فوق مزابلها
- من الذي يقرر مصلحة العراق ؟!
- الكفيل الهزيل ومشاريع لمنع الأنفجار
- المالكي وخراب البوصلة


المزيد.....




- الدفاع الروسية تعلن حصيلة خسائر القوات الأوكرانية خلال 24 سا ...
- طبيبة تبدد الأوهام الأساسية الشائعة عن التطعيم
- نتنياهو يعيد نشر كلمة له ردا على بايدن (فيديو)
- ترامب: انحياز بايدن إلى حماس يقود العالم مباشرة إلى حرب عالم ...
- إكسير الحياة وطارد الأمراض.. هذا ما تفعله ملعقة واحدة من زيت ...
- المبادرة المصرية تدين الحكم بحبس المحامي محمد أبو الديار مدي ...
- مقابل إلغاء سياسات بيئية.. ترامب يطلب تمويلا من الشركات النف ...
- مسؤول إسرائيلي يكشف آثار تعليق شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إ ...
- -حماس- تعلن مغادرة وفدها القاهرة إلى الدوحة
- الملوثات الكيميائية.. القاتل الصامت في سوريا والعراق


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - احتفالات لها طعم خاص