أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - أين الولاء للعراق وشعبه في بيان هيئة العلماء وتصريحات الحكيم ؟! حين تعتبرُ جرائمُ صدام مجرد أخطاء ، و يَهِبُ -الحكيم- ما لا يملك















المزيد.....


أين الولاء للعراق وشعبه في بيان هيئة العلماء وتصريحات الحكيم ؟! حين تعتبرُ جرائمُ صدام مجرد أخطاء ، و يَهِبُ -الحكيم- ما لا يملك


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 691 - 2003 / 12 / 23 - 04:48
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تشكلت هيئة العلماء المسلمين بعد احتلال  "بغداد" وهروب وانهيار النظام الشمولي وهي تضم عددا من علماء الدين المسلمين  من العراقيين  العرب السنة . وقد حرصت الهيئة منذ تأسيسها على أن تنأى بنفسها عن الاحتلال ومؤسساته واختطت لنفسها نهجا وطنيا عاما مصحوبا أحيانا ببعض الاجتهادات لبعض الشيوخ المؤسسين الذين حاول أحدهم  أن يبرر التعامل مع الاحتلال تحت غطاء أن (التعامل ليس كالتعاون فالأول حلال وجائز الثاني حرام  ) . ولكن هذا الاجتهاد خفت وتلاشى فيما بعد ، حين أصبح التعامل مجرد بوابة للتعاون  لا أكثر ولا أقل .  ومما يسجل أيضا لهذه الهيئة ، أو للدقة لبعض الأسماء الكبيرة فيها مقاومة المشاعر والشعارات الطائفية المتفاقمة  في مجتمع ما بعد الاحتلال وسقوط النظام الشمولي والتأكيد على الوحدة الوطنية والانتماء والولاء للعراق وشعبه خصوصا في أمور ذات صلة في الشأن العام بلغ درجة الترحيب والتأييد لأحد أعضاء الهيئة  وهو الشيخ حارث الضاري   بفكرة السيد مقتدى الصدر لإعلان حكومة بديلة للحكومة التي شكلها الاحتلال ، إضافة إلى إصرار عدد آخر من علماء الهيئة على أداء  صلاة الجمعة  المشتركة بين المؤمنين من أبناء الطائفتين الكبيرتين في الكاظمية وغيرها .
  أما المبادرة الأهم والمفعمة بالآمال التي وافقت عليها وشاركت في الدعوة إليها الهيئة فهي تلك التي تشكلت بمؤداها لجان طوارئ مشتركة لمعالجة الإشكالات والأحداث الطارئة والعاجلة  من علماء الدين من الطائفتين ونأمل أن تتسع تلك اللجان لجميع ممثلي الطوائف الدينية  العراقية .
  ومع كل ما تقدم من أمور تثلج قلوب الوطنيين والاستقلاليين ،وتحد كثيرا من تأثيرات العناصر الطائفية اللاعبة بالنيران خدمة للاحتلال الإنكلوسكسوني  فقد برزت أصوات واجتهادات أخرى ، يبدو أن أصحابها فشلوا  في التخفف من وطأة العوامل العاطفية والتاريخية الموروثة من عهود الاحتراب  والتشنجات ذات البعد الطائفي ، وهذا أمر لا يخلوا منه مجتمع أو فئة من أي مجتمع بل هو - إن شئنا الإنصاف -  موجود في الجانب المقابل أيضا ، وربما بدرجة أشد لأسباب تتعلق بكون جمهور هذا الجانب - الشيعي - هو الطرف الذي كان ضحية لتمييز طائفي بغيض على الرغم  من كون النظام الشمولي وخصوصا في عهد صدام حسين لم يكن نظاما طائفيا نظريا ودستوريا بل هو نظام ذو نزوع طائفي فاشي أكيد .
   لقد أثبت النسيج المجتمعي العراقي المتكئ إلى شعور راسخ بالولاء للوطن العراقي وهويته العربية الإسلامية وروح التآخي التي تربط الأغلبية العراقية العربية الساحقة مع أبناء الأقليات القومية العراقية ، لقد أثبت متانته وقدرته المذهلة على امتصاص التشنجات والضربات اللئيمة التي وجهها غلمان الطائفية السياسية السنية والشيعية وهم أقلية كما كانوا وكما سينتهون .
    غير أن من المهم التأكيد على أن قدرة النسيج المجتمعي العراقي هذه، لها سقف محدود ، وإنها لن تستمر في مقاومة ضغوط المؤامرات الأمريكية والتي تشارك في تسعيرها دول الجوار العراقي والمنظمات السرية من بقايا النظام الشمولي إلى الأبد ، ولهذا السبب بالضبط ، ينبغي على الوطنيين والاستقلاليين الرافضين للاحتلال  دعم وإسناد المقاومة العفوية القادمة والمتحركة بموجب  آليات الوطنية العراقية وروح التآخي والتسامح  الموروثة بنشاطات وفعاليات مشتركة مخطط لها يجمعها قاسم رفض الاحتلال والمطالبة باستعادة السيادة العراقية كاملة وغير منقوصة ، وعزل ونبذ القوى السياسية التي التحقت بسلطات الاحتلال . كما ينبغي التأشير وإظهار الطابع المضر لبعض التصرفات والتصريحات التي تصدر عن حسن أو سوء نية خلال الأحداث اليومية في العراق المحتل .
 ومن تلك التصريحات والتصرفات وددنا التوقف اليوم عند حالتين نعتقد بوجوب نقدهما وتسليط الضوء الفاحص على جوهرهما البعيد عن أساسيات الولاء للعراق وشعبه ، وأولهما البيان الذي أصدرته هيئة العلماء المسلمين عقب اعتقال الطاغية صدام حسين  ، وثانيهما التصريحات التي أدلى بها عبد العزيز الحكيم رئيس الدورة الشهرية لمجلس الحكم المعين والتي أيد فيها حق إيران في المطالبة بتعويضات مالية من العراق تبلغ مائة مليار دولار .
  وقبل أن نتوقف مناقشين بيان هيئة العلماء المسلمين ،نرى أن من المفيد العودة إلى الماضي العظيم لعلاقات التضامن والتآخي بين المسلمين العراقيين من الشيعة والسنة  لدرجة قد تجعل المعاصرين غير قادرين على هضم واستيعاب الدرس العراقي  في التسامح وإعلاء قيمة الولاء للعراق وشعبه . ومن هذا الماضي العظيم، والذي يؤسس فعلا ،وسواء فكر به المعاصرون وأدركوه وتذكروه ، أم إنهم تصرفوا في هديه دون تفكير أو تذكر ، تتألق مشاركة  علماء الدين المسلمين  السنة ومشايخ قبائلهم في مؤتمر كربلاء سنة 1922ففي   الذي دعت إليه المرجعية في مدينة النجف ودعمته القبائل والعشائر العراقية  بقيادة عبد الواحد الحاج سكر وعلوان الياسري  وقاطع العوادي ( بهدف الدفاع عن العراق تجاه هجمات الأخوان / ص140 لمحات اجتماعية من تاريخ العراق العراق المعاصر / د. علي الوردي  ) وقد دعي  المرجع الديني الكبير في الكاظمية سماحة الشيخ مهدي الخالصي أحد قادة حرب التصدي للغزو البريطاني سنة 1914 وحتى الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 إلى المشاركة في ذلك المؤتمر ، فبادر الخالصي إلى تشكيل أربعة لجان اختصاص لإدارة المؤتمر وسافر إلى كربلاء . أما على جهة الطائفة السنية العراقية فقد بادر علماؤها الأجلاء  إلى التحرك التضامني والمشاركة الفعلية  كما يخبرنا علي الوردي في كتابه الموسوم " لمحات اجتماعية من تاريخ العراق المعاصر " فيقول :  ( وجه الشيخ عبد الوهاب النائب الدعوة إلى عدد من علماء السنة البارزين ببغداد لحضور اجتماع في تكية "الخالدية" للتداول في أمر " الأخوان " وهل يجوز حربهم . وفي صباح 5 نيسان 1922 تم عقد الاجتماع وحضره أكثر المدعوين ...افتتح عبد الوهاب النائب الاجتماع وأخذ يذكر الفظائع التي اقترفها الوهابيون في المسلمين العراقيين ثم تساءل قائلا " ما تقولون في هذه الطائفة المسماة بالإخوان ، هل ترون وجوب قتالهم وردعهم عن أمثال هذه التجاوزات نظرا لكونهم هتكوا حرمات المسلمين واستباحوا دماءهم وأموالهم بغير ذنب ؟ .. ثم قرأ أحد الحاضرين فقرة من كتاب مفادها أن من يستبيح دماء المسلمين كافر تجب مقاتلته فوافق الحاضرون على ذلك وأجمعوا رأيهم على وجوب الدفاع العام ، ثم نهض أحمد الشيخ داود فتكلم بما يؤيد ذلك وحصلت محاورة فقهية بين النائب وداود إذ سأل النائب " ماذا نسمي هؤلاء أ بغاة أم خوارج ؟" فقال أحمد " إنهم الخوارج بعينهم "  .. وعند ذلك قال النائب " إن إخواننا الجعفرية قد صمموا على الاجتماع وإعطاء القرار بهذا الخصوص ولما لم يكن بيننا وبينهم خلاف في أي شيء فكلمتنا واحدة " فقال الحاضرون " لا شك في ذلك " . واستقر رأي الحاضرين على انتخاب وفد منهم لحضور مؤتمر كربلاء فاختير عبد الوهاب النائب رئيسا للوفد واختير الشيخ داود وإبراهيم الراوي وعبد الجليل الجميل أعضاء في الوفد وباشروا بكتابة الفتوى ، وهذا نصها ( ما قول علماء المسلمين الأعلام فيمن يدعي الإسلام ويحكم بشرك من خالف معتقدهم من جماعات المسلمين مستحلين قتالهم ودماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم بغير سبب وقد هجموا على بلاد المسلمين عداءا وبداءا فهل يجب قتالهم ودفاعهم أم لا ؟ أفتونا مأجورين ! الجواب والله سبحانه وتعالى أعلم : نعم يجب قتالهم والحالة هذه ) وقد وقع على هذه الفتوى عبد الوهاب النائب وعبد الملك الشواف وإبراهيم الراوي ونعمان الأعظمي وعلي القرداغي وأمجد الزهاوي ومحمد رشيد الشيخ داود وخليل حسن النقي وبهاء الدين النقشبندي واحمد الراوي ومحمد رؤوف . ص145. م.س ) وسافر الوفد يوم العاشر من نيسان إلى كربلاء وبعد أن اجتمع بسماحة الإمام الخالصي في دار الشيرازي  توجه إلى دار قاسم الرشدي فنزلوا عليه ضيوفا . وفي مساء اليوم نفسه وصل إلى كربلاء وفد من الموصل مؤلف من مولود مخلص وسعيد الحاج ثابت  وأيوب عبد الواحد  وعبد الله النعمة وثابت عبد النور وعبد الله آل رئيس العلماء وعجيل الياور رئيس قبيلة شمر  ومحمد أغا رئيس "الكركرية" ونزلوا في دار عمر العلوان . ووصلت إلى الخالصي برقية من أهل تكريت وشرقاط يذكرون فيها إنهم انتدبوا مولود مخلص ليمثلهم في المؤتمر وإنهم مستعدون لتنفيذ أي قرار يصدر منه بأموالهم وأنفسهم . أما الملك فيصل الأول فقد اعتذر عن حضور المؤتمر تحت ضغط من الحاكم البريطاني الفعلي للعراق  السير برسي كوكس ! وهذا مثال من تاريخ العراق يؤكد بالملموس أن بذرة الطائفية السياسية في العراق جاءت مع النظام الملكي الهاشمي  العميل للاستعمار البريطاني ، وأن هذا النظام هو المؤسس الفعلي والأول لمبدأ الاحتكار الطائفي لرئاسة الدولة العراقية من قبل لون طائفي معين وهو الذي بادر إلى استغلال عواطف ومشاعر العراقيين السنة لتحقيق هذا الغرض وعلى هذا  فإن النظام الملكي البائد  يتحمل مسئولية جسيمة عما يحصل اليوم وما حصل بالأمس القريب . ونعود إلى مؤتمر كربلاء ،فقد أكد علماء الدين وشيوخ القبائل من السنة عبر مشاركتهم الفعالة فيه إنهم عراقيون أولا ، ولهذا فقد هبوا إلى التضامن مع إخوانهم  العراقيين الشيعة ووقفوا هذه الوقفة المشرفة والتي تمثل واحدة من انصع صفحات التاريخ العراقي ، واليوم، والعراق يعبر بحر الدماء الذي تسبب فيه نظام صدام  الوحشي والاحتلال الأمريكي الذي لا يقل وحشيا وعنفا ، والعراق يعبر هذا البحر المأساوي ينبغي على الجميع أن يتذكروا هذه الصفحات البيضاء الشريفة من تاريخنا القريب .
وبالعودة إلى  نص الخبر الذي تضمن بيان هيئة العلماء المسلمين   كما ورد في وسائل الإعلام  نقرأ فيه : (  أعلنت اليوم هيئة علماء المسلمين في العراق أن ما قام به الرئيس العراقي المعتقل صدام حسين على مر تاريخه ضد الشعب العراقي شيء صعب وغير محتمل إلا أن الطريقة التي تم اعتقاله بها و عرضه على العالم بهذه الصورة المزرية يعد إهانة للمسلمين كافة . و أضافت الهيئة في بيان لها أنه مهما كانت أعمال صدام فلا يجب أن يشمت أحد فيه لأنه رئيس دولة شقيقة ومسلم و عربي و إن أي إهانة له تعد إهانة للعرب و المسلمين جميعا
وصفت هيئة العلماء المسلمين وهي أعلى هيئة سنية الطريقة التي تم بها إلقاء القبض على الرئيس العراقي المخلوع بأنها لا تخلوا من إهانة للعراق وشعبه وبأنها مقصودة أميركياً. وقالت الهيئة في بيان إن حقيقة إن صدام حسين ارتكب أخطاء كثيرة بحق الشعب العراقي لا يختلف عليها لكنها طالبت بأن تكون محاكمته على أيدي قضاة عراقيين من أهل الكفاءة والنزاهة وان تتم بعد خروج قوات الاحتلال من العراق ) نعتقد أن بيان الهيئة جانب الصواب ،وانحاز كثيرا ضد ضحايا النظام الدموي وهم ليسوا من الشيعة فقط ، بل ومن السنة عربا وكردا أيضا أي من جميع فئات وطوائف وقوميات المجتمع العراقي ، جانبت الهيئة في بيانها  الصواب وانحاز ضد ضحايا النظام  في الأمور التالية :
-اعتبارها جرائم النظام الفظيعة مجرد ( شيء صعب وغير محتمل ) وأنها ( أخطاء بالغة الخطورة ) أما اعتقال صدام حسين من قبل حلفائه السابقين أي الأمريكان  فيعتبره البيان (إهانة  للعراق وشعبه ..) .
-اعتبارها ابتهاج ضحايا النظام وذوي الضحايا باعتقال الطاغية المجرم مجرد شماتة لا تجوز .
-  أما دعوة الهيئة إلى تأجيل محاكمة صدام إلى ما بعد رحيل قوات الاحتلال فهو أمر يثير تحفظات جدية لدى البعض وقد يتفق معه البعض الآخر .ونعتقد أن موضوع محاكمة الطاغية  لا ينبغي أن يطرح بهذه الصيغة ولا أن تعطى الأولوية له على حساب المطالبة الأهم والأخطر والمتعلقة باستعادة السيادة والاستقلال وتفادي الحرب الأهلية التي يدفع الاحتلال الشعب باتجاهها . فاعتقال صدام حدثٌ واحدٌ ضمن مشهد الاحتلال الواسع ، المعقد ، المتشابك التكوينات ، أما  المطلب الرئيسي فينبغي أن يتركز على المطالبة بانسحاب قوات الاحتلال واستبدالها بقوات محايدة من الأمم المتحدة ،تحل محلها مؤقتا ،وتشرف على انتخابات تشريعية ورئاسية خلال عام واحد تنبثق عنها السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وتتولى السلطة القضائية محاكمة صدام حسين ورجال نظامه المتورطين في أعمال القمع والإبادة . إذن ،الاعتراض  لا ينصب على المطالبة بمحاكمة صدام من قبل سلطات عراقية منتخبة وغير عميلة للاحتلال ، بل على إبرازه وكأنه هو الهدف من المطالبة بانسحاب الاحتلال وفي هذا المعنى هدية لصدام ومجموعته لا يستحقونها أبدا .
  ثم إن محاكمة صدام من قبل عملاء مباشرين للاحتلال ،من قبيل المحكمة التي أصدر قانونها الأساسي مجلس الحكم المعين من قبل الحاكم الأمريكي ، أو من قبل نظام غير منتخب يزعم السيادة والاستقلال ، إن هذه المحاكمة ستكون هدية أخرى لصدام تظهره بمظهر "المقاوم " في مواجهة الاحتلال أو عملائه وهي هدية مماثلة لا يستحقها ولنا عودة لهذا الموضوع في قادم الأيام القريبة !
   أما اعتبارُ البيانِ جرائمَ صدام مجرد " أشياء صعبة لا تحتمل" أو إنها " أخطاء بالغة الخطورة " فهو تقييم مؤسف وخاطئ وغير متوقع الصدور من هيئة علمائية دينية حصيفة . ولتبيان خطأ هذا التقييم لما ارتكبه صدام يمكن توجيه سؤال واحد بسيط إلى أصحاب السماحة أعضاء الهيئة : ترى هل يمكن اعتبار إقدام صدام على توقيع أوامر بإعدام واغتيال زملائكم الثلاثة محمد باقر الصدر وعبد العزيز البدري ومحمد صادق الصدر ( ترتيب الأسماء حسب تاريخ الاستشهاد ) مجرد أشياء صعبة أو أخطاء بالغة الخطورة ؟ وماذا بشأن مئات الآلاف من الأبرياء الذين سحقتهم ماكنة النظام القمعية بإصرار و أوامر مباشرة من هذا الطاغية ؟ إنه سؤال بسيط وواضح نتركه أمام ضمائركم  .
 أما اعتبارُ البيانِ  ابتهاجَ المظلومين من الضحايا و ذويهم باعتقال الطاغية مجرد شماتة لا تجوز ، فهو اعتبار  يسكت أولا عن المظاهرات العنيفة والصاخبة التي حدثت في بعض مناطق العراق الشمالية الغربية تأييدا للطاغية والتي كان من الواجب رفضها و تعرية القائمين عليها وخصوصا أولئك الذين كانوا – كما نقلت وسائل الإعلام من مصادر قريبة منكم - يحرفون الشعار الذي اقترحته هيئتكم  لتلك المظاهرات والقائل ( بالروح ،بالدم ، نفديك  يا إسلام ) إلى شعار يمجد الطاغية الملطخ بدماء العراقيين ويقول ( بالروح ،بالدم ، نفديك يا صدام ) .وهو ثانيا  يترصد بروح شمولية وقمعية مشاعر الناس المعبر عنها علنا بسقوط الطاغية ويحاول بقصد أو بدونه أن يخلط مشاعر ملايين العراقيين الذين عبروا عن مشاعرهم بصدق وعفوية بمظاهرات عملاء الاحتلال المبرمجة والمدفوعة الأجر سلفا وإن هذا الترصد للمشاعر الشعبية ومحاولة تكميم أفوه وقلوب الناس أمر لا يجب أن يكون له مكان في عراق المستقبل .  لقد كان من الواجب على محرري البيان المنقود هنا   التركيز على الدعوة إلى التضامن والوحدة الوطنية والتهدئة الشاملة وعدم الانزلاق إلى شجب ممارسات هذا الطرف النابعة عن مشاعر إنسانية لمظلومين نزفوا طويلا وعانوا الأمرين من نظام متخلف همجي دون أن يدافع عنهم أحد من العرب والعجم  ، وعدم السكوت على ممارسات الطرف الآخر التي لا تخلو من أسباب فقدان الامتيازات و الاحتكار سياسي من النوع الطائفي لرئاسة الدولة العراقية .
إن  بيان هيئة العلماء المسلمين موضوع الحديث ،هو مثال واضح على الانحياز في الحكم والتقييم نأمل أن تتم معالجة آثاره الضارة سريعا بهدف عدم تكراره والاستفادة من تجربة صدوره بهذا المضامين التي لا تخدم قضية تمتين النسيج المجتمعي و ترسيخ الوحدة الوطنية العراقية وتشكل خللا واضحا في قراءة جوهر الولاء للعراق وشعبه ، كل شعبه وبغض النظر عن انتمائهم الطائفي أو القومي  .
الأمر الثاني والذي لا يقل خطورة عن سابقة والذي وددنا التوقف عنده مناقشين هو التصريحات الاستفزازية وغير المسؤولة للسيد عبد العزيز الحكيم رئيس الدورة الشهرية لمجلس الحكم المعين من قبل الحاكم الأمريكي حول أحقية إيران بطلب تعويضات من العراق ،قدرها الحكيم بمائة مليار دولار . وقد أدلى الحكيم بهذه التصريحات خلال زيارته للعاصمة البريطانية وبعد خطوة عملية كبيرة أقدم عليها المجلس خلال رئاسة هذا الشخص نفسه  أيضا وهي طرد  مسلحي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية و هي هدية لا تقدر بثمن لصالح النظام الإيراني .
   بكل ثقة ،وبعيدا عن رد الفعل الانفعالي ،يمكن وصف تصريحات الحكيم بأنها انتحار سياسي مجاني له ولحزبه ، ينضاف إلى حركات انتحار  سياسية ومخابراتية أخرى لعل أقبحها سفر عبد العزيز الحكيم إلى أمريكا قبل الحرب الأخيرة وتسليمه لملف سري يتعلق بأسرار العراق العسكرية إلى المخابرات المركزية الأمريكية ،ومنها سلم مباشرة إلى الموساد الصهيوني كما يرجح الكثيرون .
  وقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل صاخبة ورافضة حتى من قبل كتاب ومعلقين عرفوا بولائهم للاحتلال ولإيران ولخيار الحرب . ثم إن الحكيم كشف القناع نهائيا عن مشروعة السياسي ،وعن كون حزبه ليس أكثر من امتداد إيراني مخابراتي ، تدل تصريحات زعيمه حول موضوع التعويضات لإيران على  طبيعة  "ولاء " هذا الزعيم وحزبه لأرض العراق و لشعبه فهي تصريحات  لا تحترم حتى تضحيات الشيعة العراقيين ومنهم أسرة الحكيم نفسها التي قدمت عشرات الضحايا .
  لقد سبقني العديدون من الزملاء الكتاب ، وخصوصا في الموقع الوطني الاستقلالي إلى تبيان تهافت هذه المطالبة الإيرانية على لسان الحكيم ، وكيف إنها تعتبر لا أخلاقية ولا قانونية ، دع عنك أن  عبد العزيز  الحكيم ليس طرفا مخولا شعبيا أو مستقلا سياسيا بل هو معين بقوة السلاح الأمريكي شأنه في ذلك شأن ممثلي الطوائف الآخرين على الورق ومنهم سنة وشيعة وأكراد .. الخ ، ولذلك فلن أطيل الوقفة عند تفنيد الأساس السياسي والقانوني لهذه المطالبة القائمة على أساس ( وهب الحكيم ما لا يملك لمن لا يستحق قانونا ) . واللافت والدال ، أن النظام الإيراني سارع فورا إلى تلقف  تصريح  عبد العزيز الحكيم واعتبره اعترافا عراقيا رسميا فكشف – هذا النظام - عن روح العداء التي يكنها للعراق وشعبه وعن أطماعه الشوفينية الفارسية  العتيقة في أرض العراق وخيراته رغم كل الأغاني العاطفية  الإسلامية التي يترنم بها إعلامه   .
  إن من حق الشيعة العراقيين العرب أن يعتبروا أنفسهم قد طعنوا في الظهر بخنجر عبد العزيز الحكيم ، ومن حقهم أن يسألوه : من هو الأحق بهذه المليارات المائة ،هل هم أبناء العراق الذين يعانون الجوع والمرض في الجنوب والفرات والشمال أم ملالي إيران الذي آووه  لعدة سنوات عاشها كأمير هو وحاشيته  ؟ ثم لماذا يعطي الحكيم الأولوية لتنفيذ الملفات المخابراتية والمالية الإيرانية كالقضاء على أعدائها في منظمة "مجاهدي خلق" التي يستحق قادتها التقديم إلى محاكم عراقية فعلا عن دورهم الدموي في قمع انتفاضة ربيع 1991 ، والموافقة على تقديم تعويضات وغنائم حرب لإيران التي يتحمل نظامها مسئولية مباشرة لا تقل خطورة عن مسئولية الطاغية صدام في حرب الثماني سنوات ، والإصرار على استمرارها لمدة سنوات بعد صدور قرار خاص من الأمم المتحدة يطالب الطرفين بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب ؟ لماذا لا يهتم الحكيم وأقرانه في مجلس الحكم المعين بملف عشرة آلاف أسير ما زالوا في معسكرات الاعتقال الإيرانية أو بملف الطائرات المدنية والعسكرية العراقية  التي استولت عليها إيران بعد أن لجأت إليها بموافقتها ؟ لماذا لا يهتم الحكيم بملف إعادة وتوطين المهجرين والمهاجرين العراقيين الذين يعانون الأمرين في إيران ويرصد لهم ربع هذا المبلغ الذي تبرع به كغنائم باردة في حرب مع إيران  لا يتحمل مسئوليتها الشعب العراقي المظلوم والمغلوب على أمره من قبل مستبد متخلف دموي ؟  من هو الأحق بتحقيق مطالبه  ومتطلباته  ، هلا هو النظام الإيراني أم ملايين الشيعة وغير الشيعة من إخوانهم في الوطن الهوية من العراقيين الذين يعيشون ظروف مجاعة حقيقية اليوم في "عراق أمريكا الجديد " ؟ 
باختصار شديد : لمن كان ولاء عبد العزيز الحكيم خلال فترة رئاسته لمجلس الحكم ؟ هل كان للعراق وشعبه أم لإيران و النظام "الطائفي دستوريا" فيها ؟
 وإذا كان الحكيم برمكيا وحاتميا مع إيران إلى هذه الدرجة قبل أن يصل إلى السلطة رسميا ، فماذا سيترك للعراقيين من العراق بعد أن يتم إيصاله  إلى العرش الذي أطيح بالطاغية صدام منه قبل قليل ؟



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بريطانيا لا تريد إعدام صدام والربيعي يقدم له شهادة طبية منقذ ...
- إلقاء القبض على صدام : نصر إعلامي أمريكي صغير ، وانطلاقة كبر ...
- كلاو* جديد اسمه المؤتمرات الإقليمية أو الانتخابات الجزئية !
- حول البعث والسطل وقضايا أخرى !
- الدرس السابع والعشرون : الفعل المضارع غير المتصل ولا المسبوق
- الحكيم والسيستاني وعملية الفرملة السياسية الأخيرة !
- دروس في النحو والإملاء الدرس السادس والعشرون : نائب الفاعل
- راهن ومستقبل حزب البعث العراقي في ضوء حرب الاغتيالات المتباد ...
- على هامش زيارة اللص بوش السرية إلى أرض الرافدين : والآن ماذا ...
- حين يصوغ العجم دستور العراق !
- دروس في النحو والإملاء :الدرس الخامس والعشرون :الفاعل
- الإبداع الفني والأدبي وظروف العنف
- دروس في النحو والإملاء الدرس الرابع والعشرون :الخبر
- خبير نفطي يؤكد تهافت تطمينات حمزة الجواهري بالأدلة والخرائط ...
- دروس في النحو والإملاء الدرس الثالث والعشرون:المبتدأ
- توضيح لغوي حول لفظ الجلالة في العلم العراقي
- دروس في النحو والإملاء الدرس الثاني والعشرون : علامات الإعرا ...
- عملاء لمخابرات صدام بالأمس و عبيد للأمريكان اليوم ! فضيحة ان ...
- دروس في النحو والإملاء الدرس الحادي والعشرون : المعرب والمبن ...
- دروس في النحو والإملاء الدرس العشرون : خلاصات ومسموحات حول ا ...


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - أين الولاء للعراق وشعبه في بيان هيئة العلماء وتصريحات الحكيم ؟! حين تعتبرُ جرائمُ صدام مجرد أخطاء ، و يَهِبُ -الحكيم- ما لا يملك