سنة خامسة إصلاح .. وماذا بعد ؟(2)

سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2219 - 2008 / 3 / 13 - 10:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

انعقد المؤتمر الخامس للاصلاح العربى – كما قلنا فى المقال السابق – فى ظل ظروف محلية وإقليمية ملتهبة. وكان المؤتمر مخصصاً هذا العام لـ "الاعلام والديموقراطية والمسئولية المجتمعية". من خلال خمسة محاور أساسية هى:
• الإعلام بين الحرية والمسئولية.
• الإعلام العربى بين الاحتراف والتوجهات السياسية.
• دور الاعلام والمجتمع المدنى فى تحقيق الممارسات الديموقراطية.
• الاعلام من أجل المواطنة وحقوق المجتمع.
• الاعلام الالكترونى والفضائيات والسموات المفتوحة.
وشارك فى مناقشتها عدد كبير من المفكرين والأكاديميين والخبراء والاعلاميين والصحفيين المصريين والعرب.
ولا يقل أهمية عن هذه المحاور أن المؤتمر شهد هذا العام الاصدار الأول لتقرير مرصد الاصلاح العربى والذى جاء تلبية لتوصيات مؤتمر الاصلاح الأول الذى عقد بمكتبة الاسكندرية فى مارس 2004.
وهذه مسألة بالغة الأهمية، لأنها تعنى باختصار أن إحدى المزايا الرئيسية لمؤتمرات الاصلاح التى تعقد فى رحاب مكتبة الاسكندرية هى أنها لا تعقد وتنفض مكتفية باصدار بعض الأوراق، وإنما هى تتابع ما تمت مناقشته. وكان إنشاء هذا المرصد خطوة جادة بهذا الصدد، لأن وظيفته هى أن يقوم بشكل دورى بقياس حالة الاصلاح فى العالم العربى من مختلف الجوانب بقدر عال من الموضوعية والشفافية.
أى أن الحديث عن الاصلاح لن يكون "أى كلام"، ولن يكون حديثا انطباعياً، وإنما هو كلام محسوب استناداً إلى عدد من المؤشرات القياسية الدقيقة والتى تساعد على متابعة وتقييم الجهود الاصلاحية وفقا لقياسات معيارية تسمح بمقارنة مستوى الاصلاح عبر الدول المختلفة وتسمح بمتابعة وتيرة الاصلاح من خلال المقارنات الزمنية على حد تعبير الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية فى تقديمه لتقرير المرصد، علماً بان هذا المرصد يضم خبراء ممثلين من مختلف الكيانات المشاركة فى عملية الاصلاح فى العالم العربى، ويضم سياسيين ورجال أعمال وممثلى مجتمع مدنى وأكاديميين وباحثين.
وقد خرج هذا الفريق رفيع المستوى بنتائج مدهشة يكفى أن نشير إلى بعضها.
فعلى سبيل المثال وفيما يتعلق بإدراك النخبة العربية للاصلاح السياسى تبين أن النسبة الأكبر تعرف أن هناك برنامجا للاصلاح فى مختلف المجالات، ولكنها لا تستطيع أن تحدد معالم هذا البرنامج على وجه الدقة. وهذه النتيجة تناسب وضعية الاستمرارية فى الحالة العربية، إذ أن برامج الاصلاح لا تأتى فى إطار خطط انتقالية شاملة للتغيير الاجتماعى والسياسى، وإنما تتضمن تغييرات فى إطار الوضعية القائمة.
كما تكشف الاجابات ايضا عن أن أكثر برامج الاصلاح غموضاً لدى النخبة العربية هو برنامج الاصلاح السياسى.
وعن عدم تأييد المجتمع لهذه البرامج عبرت النسبة الأكبر عن أن الأسباب تعود إلى أن "الناس لم تشعر بنتائج ايجابية لتطبيق هذه البرامج"، بما يؤكد أن العائد الاقتصادى والاجتماعى والثقافى للاصلاح هو الأهم من بين كل الأمور، وأن الناس لا تنتقد برامج الاصلاح أو ترفضها لأسباب فنية تتعلق بعدم وضوحها وإنما لعدم فاعليتها أو مردوداتها الايجابية. فالناس مستعدة للافساح للحكومات كى تختار أى طريق للاصلاح تشاء حتى لو تضمن بعض جوانب الغموض، على ان يشعروا بنتائجه الايجابية فى أشكال مادية ملموسة.
وفيما يتعلق بآلية الاصلاح السياسى فى الدول العربية لم تستطع النخبة تحديد جداول زمنية محددة لأى مجال من مجالات الاصلاح وذلك يفيد بأن الآجال الزمنية للاصلاحات العربية تدور فى مساحات من المجهول والغيب. وهو ما يعنى أن المستقبل العربى محاط بالغموض إلى حد كبير.
أما أعجب شئ فى نتائج تقرير المرصد فهو مراتب الدول العربية من حيث درجة الاصلاح السياسى. حيث جاءت النتيجة أن دول الخليج هى الأعلى فى متوسط درجات تقديرات النخبة العربية فى مؤشرات الاصلاح السياسى، لا يتخللها سوى ثلاثة دول فقط ألا وهى الأردن وموريتانيا والمغرب. فالأردن يتفوق على ثلاث دول خليجية هى البحرين وعمان والسعودية بينما تتفوق المغرب على السعودية فقط من بين كل دول الخليج. وفيما يتعلق بالتفاصيل يتضح أن العراق والصومال وفلسطين هى الكيانات العربية الأخيرة فى متوسط تقديرات الاصلاح السياسى وفقا لرأى عينة النخبة العربية، مما يؤكد رفضاً لوضعية احتلال فلسطين والعراق، وأن الاحتلال دائماً ما يرتبط فى أذهان النخبة بأوضاع من السوء وليس بالاصلاح.
وبعبارة أخرى فان النخبة لم تعتبر من قبيل الاصلاح كل ما يجرى فى فلسطين المحتلة من انتخابات وغيره، وبالمثل لم تعتبر ما يجرى فى العراق إصلاحاً بعكس الدعاية الأمريكية الصاخبة.
ووفقاً لآراء عينة النخبة يمكن تقسيم البلاد العربية بحسب درجات مؤشرات الاصلاح السياسى بها إلى خمس فئات:
1- الفئة الأولى: فئة الدول التى تزيد درجاتها وفقاً لتقديرات عينة النخبة عن "خمسة"، وتشمل أربع دول هى الكويت (5.6) وموريتانيا (5.2) والإمارات (5.4) وقطر (5.1).
ومن المثير فعلاً أن تلتقى أكثر الدول العربية غنى (الأمارات والكويت) مع أكثرها فقراً (موريتانيا)، مما يشير إلى أن الاصلاح السياسى وفقاً لتقديرات النخبة لا علاقة له بالفقر أو الغنى.
2- الفئة الثانية هى الدول التى تتراوح تقديرات درجاتها فى الاصلاح السياسى بين 4و5. وتشمل كلاً من الأردن (5) والبحرين (5) والمغرب (4.9) والجزائر (4.9) ومصر (4.7) وعمان (4.6) وتونس (4.3) واليمن (4.2) والسعودية (4.1).
3- الفئة الثالثة هى الدول التى تتراوح تقديرات درجاتها بين 3 و 4، وتشمل لبنان (3.7) وسوريا (3.4) والسودان (3.4) وليبيا (3.3) و جزر القمر (3.1).
4- الفئة الرابعة هى التى تتراوح تقديرات درجاتها بين 2 و 3. وتشمل جيبوتى (2.9) وفلسطين (2.4).
5- الفئة الخامسة والأخيرة فئة الدول التى تتراوح تقديرات النخبة فى الاصلاح السياسى بين 1 و 2 وتتمثل فى دولتين هما العراق والصومال.
وبشكل عام يتضح من إجابات عينة النخبة نزوعاً للربط بين الاصلاح السياسى والوضع السياسي بشكل عام. فقد حصلت كل من العراق وفلسطين ولبنان على درجات متواضعة جداً فى الاصلاح السياسى، وهذه البلدان الثلاثة تشهد أوضاعاً سياسية سيئة تهدد بفقدان أو تفكك الدولة (العراق ولبنان) أو الكيان (الضفة وغزة) على الرغم من أنها تشهد تفاعلات سياسية جديدة يعتبرها البعض إرهاصات لتحولات أكبر. وبالقدر نفسه يمكن التعرف إلى نزوع من قبل عينة النخبة للربط بين الحالة الاقتصادية والاصلاح السياسى، الأمر الذى يلاحظ بوجه خاص من ارتفاع درجات تقديرات العينة للاصلاح السياسى فى دول الخليج حسب نص التقرير الأول لمرصد الاصلاح العربى.

#سعد_هجرس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات