أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاصم بدرالدين - لا أريد أن أموت















المزيد.....

لا أريد أن أموت


عاصم بدرالدين

الحوار المتمدن-العدد: 2206 - 2008 / 2 / 29 - 10:28
المحور: الادب والفن
    


تموز 2006 كانت حربي الأولى، رغم أن تاريخ ميلادي، يشير إلى أنني كنت موجوداً في العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1996، لكن التاريخ الزمني، لا يعنيني، فأنا لم أشعر قط بأنني موجود، لأن وعيي، حينها لم يكن يحتمل معنى الحرب.
وحتى ذاكرتي، لا تذكر إلا صوراً قليلة ضعيفة متهالكة، صور أنفر منها دائماً لأني لا أحبها.. لا أهواها، لا تثير فيّ إلا الحزن والسأم، وتلفني بها رائحة الموت.. أنا أكره الموت، ومن منا يحبه؟
أذكر يوم هروبي، ويوم عودتي، أذكر البداية والنهاية فقط.. أذكر الملجأ الذي كنا نسرع إليه مع كل ضربة، وكان بابه أسود، وداخله مظلم، والجراذين تساكنه.
أذكر أن أبي كان يتركنا ويذهب إلى عمله، أذكر أنه كان ينقل الأخبار ويصورها للعالم كله.. ولا أذكر إني خفت يوماً أن أبي قد يصبح خبراً.. أن يضعوا له صورة في إحدى صفحات الجريدة.. لكنني كنت أراه ذاهباً، وأراه عائداً!
أنا لا أرى إلا البداية والنهاية.
أذكر الموت، فأنا رأيته إلى جانب جدتي.. حين لجأنا إلى بيت عمتي في تلك القرية، هرباً، هلعاً.. رغم أن منزلها لا يبعد كثيراً عن بيتنا، ولكن الموت جماعياً أسهل منه فردياً.
رأيت الموت يمر على جدتي، كنا في غرفة واحدة ننام لأول مرة منذ ولدت، أنام معها في غرفة واحدة، ومعنا أمي وأبي وشقيقي وشقيقتي. وسمعتها تصرخ، وتحدث رجل الموت.. خلتها تتأهب للرحيل، وتسأل عن حاجاتها هناك.. تصرخ وتستفسر، ولا أحد يجيب، أعتقدت أنه الموت..
لكنها لم تمت، وأنتظرت ست سنوات أخرى لتفارقنا.. في يومٍ ماطر!
أرى نفسي سائحاً في بيتي، مسترجعاً كل شيء، متفقداً كل الأشياء، حتى التي كنت أكرهها، أبصر الجدار الأبيض المعتق، المفروش بالثقوب والخطوط المحفورة بدقة وإحترافية.. وسطر الماء الذي لا ينضب مجتاحاً البيت من السطح. وغرفتي الخشيبة الديقة، المخصصة للنوم والنوم فقط، لا لشيء آخر.. هناك فيها حفرت طفولتي، وأيامي صغيراً، وطبعت رغباتي وأشيائي على خشبها.. حكماً لا يزال المكان يذكرني حتى بعد رحيلي إلى منزلٍ آخر!
صور بعيدة، أذكرها الآن عن حربٍ سجلت في سجلي ولكنني لم أعشها، لم أعلم أننا في حرب.. إلا في الحرب القادمة.
منذ عامين، عدنا، إلى بيت عمتي نفسه.. أعتقد أنه لم يكن أكثر أمناً أيضاً، بل لأن الموت الجماعي أجمل، أرحم، افضل من الموت الفردي.
رأيت الحرب، عشتها، قضت على شهر زمني من عمري، وعلى نفسي سنوات كثيرة، عرفت الموت حقاً، عرفته في جسد تلك الطفلة التي تهاوت في قانا، والدوير والعباسية وبنت جبيل والغسانية، سقطت من يد أمها وراحت تسبح في ركام منزلها.. عرفت الموت في الدمار الهائل، في أصوات الطائرات وقذائفها.. في التصاريح المتلفزة، عرفته في الرعب والذعر..
حتى في رحيل أبي.. كانت المرة الأولى التي أفكر فيها بالعيش من دون أب، أن أكون يتيماً لمرة واحدة..
فأبي عاد ليرحل، وأنا كنت أرى البداية حين يرحل، والنهاية حين يعود.. وما بينهما أتخيل كل شيء، كافة المشاهد الممكنة، إنفجار، دمار، أموات، أتخيل أبي والموت، الموت وأبي، أتخيل نفسي بلا أب، أو بنصف أب، أتخيل جسداً ممزقاً وكأنه أبي.. فصرت أرى البداية والنهاية وما بينهما.
أعرف حين أموت لن أشعر بالموت، لأنني متت.. لكنني أخاف الموت حين أفكر به.. فهو مزعج، أسود اللون، ذو قرنين كبيرين، يرتوي بدمائنا، ويأكل أجسادنا بنهم.. وأنا لا أريد أن أموت.

- أتفهم.. لا أريد أن أموت، أنا أكره الموت، أكره الأموات الأحياء منهم والأموت!
- ستصير شهيداً فداءً للأرض والوطن والأخرين.
- إسمع يا هذا، لست مؤمناً بالشهادة، ولا بالوطن ولا بالارض ولا بالاخرين، الشهادة لا تعنيني والجنة لا تهمني، والوطن يبيعني في كل لحظة خرساء.. إرحل وحدك، فأنا لا أريد أن أموت..

أنا لا أريد الموت..
في الحرب الماضية، سقطت قذائف بجوار منزلنا، لم يتدمر، بل تشظى، ولكنني سقطت من هوة كبيرة وتهدمت نفسي.. تخيل أن يخبروك أن أهلك قد أصيبوا؟!
لم أكن حينها في المنزل، فلقد هربت باكراً، فزعاً وخوفاً ورعباً.. ومن منا لا يخاف من الحرب؟
الجبناء وحدهم لا يخافونها!
تستيقظ صباحاً ليخبرك أحدهم أن طائرة "إستهدفت" منزلك.. وأنت تعلم أن أهلك، أمك وابيك وشقيقك في المنزل نفسه..
تخيل..
نهضت من السرير مبتسماً، ضاحكاً، فرحاً، وجلست مع أبناء عمتي، نستعد لنلتهي.. فنحن إلى جانب الخوف في الحرب، نفعل أي شيء لنبتعد عن التحديق بالموت.. ولنبعد أنظاره عنا!
يكسر ضجتنا صاحب البيت، ليخبرني أن بيتنا قد أصيب، لم يكن لدي الوقت، لأفهم كيف أصيب ومتى وأين.. ولكنني فهمت أن أهلي حكماً قد أصيبوا أو أدركت هكذا، خفت أن أقول في نفسي أنهم ماتوا.. ولكنه إحتمال ممكن!
هدوء ناقل الخبر قد أثارني، جعلني أذوب في خوفي، وأرقي، ويتمي لبرهة!
على مفرق البكاء وقفت، صامداً، والكل حولي صامتاً، وأنا أجمع دموعي، كي لا تهرب واحدة منهن فتسقط وتفضحني.. يخرس الجميع، الكل يقف مهيباً للموت، خانعاً.. مطأطأ الرأس..
وإذ بإبتسامة فرحة، تسقط لتخبرني أن أهلي لم يطاولهم أي خدش..
فرحا فرحا فرحاً... شعرت أنني سأقتل الذي أمامي قبلاً.. أعادني من الموت إلى الحياة، إلى الدنيا.. إنتشلني من حزني الغريب.. من ضيق صدري، من إنتفاخ دموعي وهطولها.. إلى سكينة طبيعية، وهدوء مصطنع..
لم أكن أعرف إني أحب أهلي لهذه الدرجة!
أو يعقل إني لم افكر بهم، بل فكرت بنفسي.. فكرت في حالتي وحيداً من بعدهم.. أيعقل؟
فنحن حين نبكي موت الآخرين، نبكي أنفسنا أولاً، نخال أنفسنا نلعب دور الميت، ونرى الناس حولنا.. فنبكي!
لا، أنا حزنت عليهم، وخفت على نفسي.. كذلك خفت على مريم.
مريم في الحرب رحلت مع أهلها وتركتني، وأنا رحلت مع أهلي وتركتها، ولكنني لم أنساها، لم أنس قلقي عليها.. كنت خائفاً عليها جداً كثيراً.. فهي حبيبتي، رغم أنني كنت بحاجةٍ إلى من يخاف عليّ.

لن أسرد الحرب، ومن الغباء سردها.. فهي تسرد نفسها بنفسها..
أنا لم أنس إلا القليل منها، ما زلت أذكر كل لحظة..
لحظة خروجنا من البيت وذلك المسلح الغريب الذي يحتل الشارع، إلى أن وصلنا إلى بيت عمتي.. ما زلت أذكر لحظات الخجل الأولى، والتردد، والحزن.. أذكر هروب أختي إلى الخارج، إلى زوجها مع أطفالها، اذكر لحظات اللعب الوحشي التي كنا نمارسها في الحرب، فنحن كالحرب وحوش، ولحظات التفكير بموت أهلي، ما زلت أذكر خبر الصباح ورائحة الموت المنبعثة من بيتنا، لا زلت أذكر قدوم أهلي بعد أن طاولهم القصف، والنوم الجماعي، واللعب الجماعي، والموت الجماعي..
وأذكر ذهاب عمتي الثانية إلى صيدا، وأذكر لحاقنا بها بعد فترة، وأذكر ضرب المحولات الكهربائية القريبة من مكان سكننا الجديد.. كان موتاً تجريبياً سريعاً.
أذكر كتاب وصايا الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين لشيعة لبنان، الذي وزع مجاناً خلال فترة الحرب مع جريدة السفير، لا أعرف إن كان هذا الفعل مقصود.. أم عفوي، ولكني أعتقد أنه جاء في الوقت المناسب، فهو من جهة يحمل أفكار منطقية نسبياً، ومن جهة أخرى يحمل رسالة سياسية لم تكن تقصدها جريدة السفير حقاً.. على ما أعتقد!
كان كتابي الأول الذي أقرأه، ولكنه ضاع مني، وضعته بين مساند الكنبة ونسيته، خبأته من أيدي ذاك الولد الصغير، الذي صار رفيقي في الحرب وبعدها، إنه إبن عمتي.. في الحرب لا فرق بين صغير وكبير، الكل رفاق وأصحاب، حياتهم واحدة، ونهايتهم واحدة، لم يعد الفارق العمري يعني أحداً، لم نكن نفكر إلا بالنجاة أو الموت، لا خيار ثالث في الحرب، ولا أمكانية للإتصال بصديق أو حذف إجابتين!
مضت الأيام، وشعري كان يلامس كتفي تقريباً، فالناس لم تنسَّّ شيئاً، ولكنها حتماً لم تنسَّ شعري الطويل وذقني المعمرة.. وعهدي على نفسي أنني لن أحلقهما إلا عندما تنتهي الحرب.. وكل إثنين وخميس، أذكر جيداً، كانت تأتينا من الإذاعات.. أنباء نهاية الحرب، لتعود من جديد.. وعندما أنتهت، إنتزعت شعري وذقني من على جسدي المتألم من مرارة تلك الأيام..
أذكر تماماً، صوت فيروز وزهرة المدائن التي تطل يومياً علينا من على إذاعة الشرق، كنا ننتظرها صباحاً مع بزوغ الشمس، كنا ننتظر القدس، ومريم وطفلها لتبكي لحالنا... والغضب الساطع الذي لم يأتِ!

هو الموت، حين يلامسنا، ينفضنا من جسدنا، نطوف كالأرواح في المقابر، نشتم رائحته من بعيد، فنخاف، نخاف الموت لأنه الموت، لأننا سننام من بعده في حفرة، وسينفصل الجسد عن الروح.. يلامسنا فيقتلنا، نحن نموت أحياناً دون أن ندري، نحن أموات منذ ولادتنا.. ولدنا كي نموت؟

عدنا في اليوم نفسه إلى بيتنا، لم نستطع الإنتظار، أبي لم يستطع، ولكني كنت أريد البقاء يوماً إضافياً بعد، أريد أن أحتفي بصيدا دون حرب، دون موت، دون قذائف مدمرة.. بسلام. أريد أنام دون الخوف من الموت، دون أن أحلم بنفسي مجرد جثة في براد مليء بالجثث..

- أتفهم، أنا لا أؤمن بالشهادة، وهي لا تعنيني.. ما يهمني طموحي.. أريد أن أعيش.
- أتعيش في الذل يا أنت، بلا كرامة.. أنت بلا كرامة، الأعداء يدهسون رأسك وأنت تبتسم، وتحدثني عن الطموح، وأي طموحٍ هذا والأعداء حولك، وأرضك محتلة؟ مغتصبة؟
- إسمع يا هذا، الكرامة ليست في التشرد، ليست في الدمار، ليست في الموت، ليست بسحب الأجساد من ركام الموت ورميها في الحفر.. هذه ليست كرامة، وطموحي هو كرامتي، كرامتي هي أنا، وأنا الذي أصنع كرامتي.. لست أنت من يصنعها.. قل لي بربك الذي تعبد، أين هي الكرامة في أن تقاسم غرباء لا تعرفهم، غرفةً في مدرسة؟ في حامع؟ في كنيسة؟ في الشارع؟
أين الكرامة وتهجرك من منزلك؟ وبيتك؟ وحياتك؟ أين الكرامة والنوم على الأرض؟ أين الكرامة والوقوف صفاً ليأتي دورك لتدخل إلى المرحاض، أو تشرب نقطة ماء؟ أين الكرامة وأن تعود إلى منزلك فتجده مدمراً؟ وتنصب خيمة فتجلس فيها مئة نفرٍ، أين الكرامة في هذا يا هذا؟ الكرامة أن ترى أطفالك مقتولين؟ مذبوحين؟ مشوهين؟ أن ترى أطفالاً بلا روؤس، بلا أجساد؟ بلا أرواح؟ بلا شيء، تذكر أطفال قانا، وحدثني، عندها، عن الكرامة، حدثني عن الذل والكرامة.. فأنت لا تعرف شيء، فأنت تجهل الكرامة والذل، تجهل نفسك والله..
أنت لا تعرف إلا الخداع، وأنا لا املك إلا الطموح، والرغبة في الحياة، أنت تضيع في معاني الشهادة المترفة وجنات النعيم، وأنا أسلك طريق مجدي وهنائي في طرقات الحياة، إني أهبك موتي، خذه ومت وحدك.. وإتركني أحتضن كرامتي وذلي وحدي.. النوم في الشوراع، والأنتظار وقوفاً إلى أن يأتي رجلاً ينقلك إلى مخزن فتسكن به.. هل يصنف ضمن أنواع الكرامة؟
- إخرس، لعنك الله.. أنتم شر البلية..
- شبعنا من الموت، شبعنا من رائحته، من مناظره، من أشكاله.. أنا لا أريد أن الموت والكل يحب الحياة.. فكافكم موت.. وشهادة
لكن العدو لم يشبع من موتنا.. وهم أي أنت ومن تمثل من قوى "إحراق الأخضر واليابس" و قوى "الحرب المفتوحة" لم تستطعموا بعد بمرارة الموت!
ها هو أدونيس يكتب، كما لم يكتب أحداً يكتب عندك وحدك، عنكم وحدكم
إنكم، كمثل كثيرين غيركم، "مجاهدٌ: رمزياً، شهيدٌ مسبّق. لذلك يعرف انه لا يكون تجسيداً لهذا الرمز إلا بموته. ويعرف ان موته ليس كمثل ذلك الموت الذي يتم في أحضان الطبيعة، بوصفه قانون الحياة، وجزءاً منها، وإنما هو الموتُ المقصودُ، المُشتهى، الذي يُنهي فيه ما يتّصل بالطبيعة، ويخلّصه من عوارضها، لكي يقذفه إلى الأبد في ما وراءها. في حضرة الخالق.
يقْضي على «مخلوقيّته»، لكي «يغيب» في ملكوت الخالق. ففي هذا الملكوت تبدأ الحياة الحقيقية «الغائبة» على الأرض. كأنه في شَهْـــــــــوتهِ العالية لقتل الآخر العدوّ (ولقتل الآخر معه، دون ان يكـــــــون عدواً) مسكـــون بشهوة أخرى أكثر علوّاً: قتل نفسه. وفي هذا ما يفسّر لامبالاته (أو استبساله) في تنفيذ هذا القتل المزدوج: «جريمة» ليست إلا «نجاةً» و «خلاصاً»، يرتــــفــــع بهما الى عرش الخالق. ومع ان هذا العرش ليس محصوراً في السماء، وإنما هو السّماء والأرض معــــاً، فإنه يفضــــّل الصورة السّماويّة لهذا العـــرش. كأنّه في ذلك «يمحو» الأرض ذاتها. كأنه يُريد ألاّ يبقى من صُوَرِ الوجود الكروية إلاّ كرة السّماء.
لا حُبّ، لا شعر، لا حياة على هذه الأرض – أجمل الكواكب. المسألة، بالنسبة إليه، هي ان يستأصل نفسه من «المادة»، ويطير بها الى الغيب المجرّد.
المسألة هي ان يثبتّ الواحدَ، وينفيَ المُثنّى."
وأنا إنسان، أي إنني أحب وأعشق وأرغب في الحياة، والموت هو النهاية الطبيعية ولا أعترض على ذلك، لكن الموت الطبيعي في "أحضان الطبيعة". لا يمكنني أن أعيش وحدي، وأفكر في نفسي فقط، لا أقدر، كي أنفذ شهوتي، أن أدمر كل من حولي.. طموحي لي وحدي صحيح، لكني لا أجبر أحداً على الإنصياع له.. ولا يمكنني أن "أثبت" نفسي، و"أنفي" الآخر.
أفهمت؟



لماذا أتذكر كل هذا؟ لماذا أتخيل بالطريقة المخيفة هذه؟
قرائتي للكتب، بعد حربي الأول (حرب تموز)، جعلت مني رجل التخيل فقط.. فنسجت لنفسي مستقبلاً وطموحاً كبيراً، أبعد من رأسي، وسأقتل من يحاول تمزيقه!
أنا خائف من الحرب، وأمي وأخي وأختي أخي، وجاري وأولاده، وسكان الحي المجاور والقرية القريبة والبعيدة وكل الناس، خائفة من الحرب.. من أي حربٍ كانت، فلا فرق..
من جديد هناك تهجير، وضياع، ودمار، وموت.. من جديد نعود إلى علب التونة.. في الحرب لا فرق بيننا وبين علب التونة، فنحن مثلها مكدسين إلى أن يأتي من يأكلنا-يقتلنا.. في الحرب نحن أموات، حتى قبل أن نموت.. والرصاصة أو القذيفة، هي بمثابة إعلان رسمي لموتنا..
أنا لا أريد أن أموت، أفهمتم؟
لا أريد أن أموت، لا أريد أن أموت، ولا أريد أن يدفن طموحي إلى جانبي، ولا اريد أن يقال عني شهيد، وأزف إلى مثواي الاخير جثة مقطعة، مبعثرة، مذبوحة.. لا أريد كل هذا!
أريد أن أعيش، وأحقق نفسي وطموحي، أن أبني كرامتي أنا، وشهادتي الحياتية، الخاصة بي، أما شهادتك فهي لك، خذها.. هي لك وحدك، ودعني بسلام، أعيش بأرضي بسلام.. أحلم، اتخيل، أتذكر.. ما أشاء، لا ما تفرضه علي ذاكرتك الحربية، القتالية، التدميرية.. لا أريد أن أعيش في حرب أهلية، لا أريد أن أعيش في حربٍ مع الجوار، أريد أن أعيش مع نفسي بسكينة وهدوء.. ومع الأخرين بحبٍ ووئام.
لا اريد أن تشعلني نار القنابل والقذائف والمدافع، أريد ان أشتعل برغبتي وطموحي وأهدافي وحبي.. أريد أن أشعل العالم بأفكاري..
لا أريد أن يصلي أحد على جثتي المحترقة أو المثقوبة..
لا أريد أن أدفن في حفرة بهذه السرعة، فلا يكتب عليها تاريخي ومجدي.. فأنا أعمل لمجدي وتاريخي.. لذا لا أريد أن أموت.
أتفهم؟

تحزن، تغضب، تشتم مريم، حين تسمعني أحيك هذا الكلام على الورقة.. فهي لا تعرف أنها ستموت "حتماً"، وأني سأموت من بعدها "حكماً"..

"طبعاً" هي لا تعرف أني سأموت.. وستموت هي من بعدي "حتما" "حكماً" "طبعاً".. فهي حبيبتي.
وكأني متأكدٌ من موتي.. يا مريم!
لا أعرف ما هو ذا، أهو نص، أم قصة؟ ولكنه حتماً خوفٌ من الحرب..



#عاصم_بدرالدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزواج المدني: الخطوة الأولى
- بيروت،أدب وفن
- حالة حب (قصة قصيرة)
- بيروت:-مملكة الغرباء-
- غزة فوق الحصار
- ثقافة -حرق الإطارات-
- أسئلة وقبلة
- القتل العادي!
- ترسبات طائفية!
- حول مقولة: الدين لله والوطن للجميع
- خواطر على هامش العام الجديد
- أنشكر العاهل السعودي على الحق؟! (نعتذر من فتاة القطيف)
- بيروت تبعث من جديد!
- الذاكرة لا تصنع وطناً!
- إلى جبران تويني ...
- الشباب العربي
- رسالة إلى فخامة الرئيس...في اللحظة الأخيرة
- نقد محتشم لتدخلات رجال الدين في الإستحقاق الرئاسي..!
- الحاكم و العصفور …
- ألا يخجل؟!


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاصم بدرالدين - لا أريد أن أموت