أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - لزوميات نصيف الناصري















المزيد.....

لزوميات نصيف الناصري


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2189 - 2008 / 2 / 12 - 06:36
المحور: الادب والفن
    


وديع العبيدي

[لا أشبه أي شخص وأنا صورة الجميع]
لزوميات نصيف الناصري



لا فجرَ عندي / لا شعلةٌ / لا نسمة
لا نجمةٌ تضيء سديمي
أندم لأنني لم أفِ بوعدي حيالَ أكثر من تسعين يوماً لم أحيها عام 1986 / لقد أحببتُ الملابس الرثة كثيراً / غرفَ الفنادق الرخيصة / الخمورَ المصنوعة في البيوت / النومَ في حدائق بغداد حيث نمورُ الشرطة توقظني برفق في الفجر / أحببتُ كلَّ الأشياء البوهيمية والمنفلتة / {كل شيء مألوف لدي / الجميع يخصني / لست مديناً لأحد / لقد دفعتُ أكثرَ مما يتوجب عليَّ دفعه من ديون للذين ينسون / لدرجة نفذت فيها المدية الى العظم / غير انني بقيت وفياً للتقاليد / انظروا الي فسوف ترون بسهولة انني لا أشبهُ أيَّ شخص وأنا صورة الجميع}


كانت قصيدة النثر اليومية أحد ارهاصات جيل السبعينيات لكن كيان تلك القصيدة واكتماله لم يتحقق إلا بعد عقد من ذلك، على يد شاعر فطري هو نصيف الناصري. كان نصيف الناصري جندياً أمرضته الحرب إلى حدّ الامتعاض والقذع، بحيث لم تترك له وسيلة غير الهروب. الهروب والسجن والهروب والسجن في متوالية لن تنتهي قبل أن تخلف متوالية أكثر أهمية ونزفاً هي قصائده. الحالة المستعصية تضع المصير الانساني بين أمرين: الانتحار أو الجنون. وأحد أولئك كان خيار الشاعر، وإذا كانت الحرب انتحاراً بمعنى ما، فأن القصيدة هي الجنون في مواجهة الحرب، ليبقى الشاعر على قيد الحياة وتموت الحرب غير مأسوف عليها.

* لم أفعل شيئاً يستحق اقامة نصب لي بحيث يخسر بعض المسؤولين يوم عمل من أجل تدشينه .
هربت من الخدمة العسكرية عدة مرات واختبأت في أمكنة سرية كئيبة . حوكمت وسجنت وتبهذلت واعتبرت جرائمي في {قادسية صدام} مخلة بالشرف. والآن- أنا عاطل عن العمل لا أملك غرفة ولا غيمة ولا حذاء ولا ثمن وجبة طعام . حياتي هامشية . علمتني صحيفة }القادسية} أن أحب الوطن وأموت من اجل ترابه مع انني لا أملك ذرة تراب واحدة!

ترجم الشاعر يوميات الحرب إلى قصائد، لم يذهب إلى معاجم اللغة ولم يتوسل الخليل بن أحمد الفراهيدي، لم يتكلف البلاغة ولم يبحث عن شاعر كبير لمحاكاته وتقليده؛ ولأنه تعلم اللعنة من الحرب والسبّ من الضباط فقد لعنهم جميعاً وقرر أن يجعل من صحيفة حياته العسكرية أول ديوان شعر طافح بالحقيقة والألم. تستند تجربة نصيف الناصري إلى مرجعية غربية بالتأكيد، ولكن مرجعية قصيدته هي يوميات حرب كريهة وغير مقنعة. تلبست روح الشاعر وكيانه و تخللت تفاصيل حياته وفكره.

* شعلةُ حياتي انطفأتْ وظلَّ الفتيل / هذه ليست آثار معركة مع حيوان مفترس / هل حدقتَ أنت في المرآة ؟ أنا حدقتُ فجرحتني ذكرياتُ موت جاثم على أيامي / جئتُ اليك فباركني لأن السديمَ يغطي حياتي / ارفعني من طوفانات تغرقني /..

لا تعكس قصائد الشاعر نصيف الناصري صورة عن حياته، وانما هي حياته نفسها ذائبة في مياه الشعر أو الشعر نفسه متحللاً إلى مفردات حياتية لانسان من هذا العالم. القصيدة هنا لا تلعب دور المرآة كما هي عند غيره، ولا عدسة مقعرة أو محدبة لإضافة أو اختزال/ تضخيم أو ضغط تقاسيم معينة، وانما هي سيرة ذاتية مستمرة مثل نزيف الحروب التي عاشها أو هي رواية شعرية في فصول أو أجزاء، تمثل تاريخا مفصلاً لمرحلة وحيوات وخطاب ورؤى تركت ظلالاً ثقيلة وبصمات عميقة على ساعة المستقبل اللا زمنية، حسب تعبير الشاعر.
ثمة ثلاثة قرائن متساوقة في قصيدة الناصري، غير قابلة للفصل أو المفاضلة أو الاختزال، الذات/ الحرب/ الوجود، يجمع بينها قاسم مشترك أعظم هو (الشعر). لا يوجد أحدها بدون غيره، وأي منها بذاته لا يمثل قصيدة ولا علاقة له بالشاعر. من الصعب الفرز هنا من سبق من؟ هل ولد الجندي من خضم القصيدة أم ولدت القصيدة من معترك الجندي، متى بدأ سؤال الذات؟ هل ارتبط السؤال بالحرب أم الشعر، أم سبقهما؟. هل الشعر هو الوجود؟ متى بدأت الأسئلة المغلقة في ذهن الشاعر؟ هل كانت تدرجاً حفرياً لواقع الحرب أم سابقة لها؟. هذه الخطوط الثلاثة المندمجة والمتفاعلة هي نصيف الناصري/ الانسان/ الشاعر، فكما لا يمكن تصور أحدهما بدون الآخر، لا يمكن تصور قصيدته، بدون الحركة الداخلية المتساوقة للخطوط الثلاثة.

بناء الجملة
اللغة أحد أهم مرتكزات قصيدة الناصري وأبرز ملامح تجربته الشعرية المميزة. وذلك عبر اقتناص المتداول اليومي والملفوظ ونفخه بنار الشعر. لم يتأت إلا لقليلين من رواد قصيدة النثر أو القصيدة اليومية كما دعيت اصطلاحاً، الخروج على القاموس اللغوي لقصيدة الشعر الحديث والاقتراب من لغة الشارع واليومي دون فقدان بريق الشعرية. ومن بين القليل يقف نصيف الناصري في تطويع قاموس العسكرية وأوامر القسم الثاني لقصيدة تعيش الحالة بكل جوانبها ولا تتعامل معها كظاهرة أو حالة منفصلة.

هذا الراهب العجوز تراءى له أن يرى ملاكاً يقولُ انه المسيح
فلما أعاد النظرَ وجده جندياً يهبط بمظلة
حروب : حروب : حروب :
حروب : حروب :
حروب : حروب :
حروبُ الدم السعيد بمصابيحِه التي تسطعُ دائماً / أسرابُ طائراتٍ وجنودٌ يهبطون بمظلاتٍ ويشعلون العار في حقولنا المهيأة للحصاد / وثمة عطورُ بارودٍ لافحة ودمٌ / أشجارٌ يتيمة في الأقاليم المحمومة لهذا المساء /
الغجري/ أنا الشاعرُ الغجري
الراهبُ / أجلْ
الغجريّ / كتبتُ قصائدي في الحاناتِ والحدائق والخنادق
الراهب / أجلْ
الغجريّ / أنا الغجريّ / الشاعر الغجريّ / كانت الثكنات التي هربت منها جحيماتٍ مرعبة / وسررتُ كثيراً لأنني قلتُ وداعاً / وداعاً لتلك الجحيمات /
يا إلهي
بغدادُ الآن كئيبة وموحشة
لا شعراء
لا عشاق .


يعتمد بناء الجملة لديه على نوع من سبق الاصرار في تشكيل (التعارضات)، كما وردت في احدى قصائده: (ظلال التعارضات التي تهدم التعارضات). فالصور لا تتولد لديه منقطعة وانما متوالية أو متعارضة أو منعكسة، فيجمع بينهما بعلاقة (صلة وصل وموصول) كالتشبيه أو التعليل أو النقض أو السخرية أو الألم.

مرايا ضخمة تعكس جمال الهاوية/
شمس الجسد، شمس عذراء تلتحم مع الثلج في شوقها لعناق الليل.

(فالمرايا الضخمة) تقابلت مع (جمال الهاوية) واداة الربط بينهما فعل مضارع [تعكس]. بنفس السياق يمكن تحليل أو تفكيك بنية الجملة التالية التي تبدو (شرحاً) لعبارة (شمس الجسد)، وهي توصيف شعري نادر وأخاذ، دلالة على الانبهار والاحتراق (جاذبية الجمال ولظى الشوق) وجاء وصف (عذراء) لزيادة الوقع والاثارة. أما الجملة التفصيلية أي أن أصل الجملة في النحو:
(أما) شمس الجسد، (فـ) شمس عذراء، تلتحم مع/ الثلج في/ شوقها لـ/ عناق الليل. والتعارض واضح في الجملة حيث: [جسد/ شوق]، [شمس/ ثلج]، [تلتحم/ عناق]،[عذراء/ ليل]. وهي سبعة أسماء وفعل واحد وثلاثة أحرف جرّ [مع/ في/ لـ]. فتكرر الجار والمجرور ثلاث مرات تبعاً لذلك: [مع الثلج/ في شوق/ لعناق]، وتكرر الجرّ بالاضافة مرتين: [شمس الجسد/ عناق الليل].
ورغم جمالية جملة الناصري وغرائبيتها السحرية للوهلة الأولى، إلا أن اختزال الزوائد اللغوية واللفظية سوف يدعم تكثيف الجملة ويزيد المعنى رصانة وتماسكاً. ثمة فائض في حروف الجر والصفات المشبهة، هي من خواص اللغة العربية وأساليبها أكثر مما تكون خاصة لصيقة بالشاعر.

نسمعك تسافرين مع
أشجار تحضن تحت أثدائها
فضائح جنرالات يتعذبون.

فالسطر الثاني في هذه الجملة افترض منه [اضافة لمسة غرائبية] على عبارة عادية مثل [نسمعك تسافرين مع فضائح (جنرالات) يتعذبون]، ويلحظ الدلالة العامية في استخدام [نسمعك/ نسمع أنك= نسمع عنك]، والدلالة الرمزية لمفردة (جنرالات).
ويأتي في سياق ذلك، تقليل استخدام أل التعريف والاضافة، عدم التأكيد على جملة جواب الشرط أو جملة الخبر لاكتمال المعنى. لأن قصيدة النثر في أصل خطابها ، باعتبارها مشروع حركة شعرية متكاملة بقيت مختزلة لدى التحقق، مقتصرة، حالها حال المنجزات الشعرية السابقة واللاحقة، على زاوية محددة دون أن تترجم مشروعاً كاملا. السياب قام بتكسير قصيدة الشطرين إلى قصيدة الشطر مع حرية نسبية في تعداد التفعيلات والتعويل على الروي والقافية. تمهيداً لتحولها إلى شعر التفعيلة على أيدي الستينيين. أما مشروع السبعينيين في (قصيدة النثر اليومية) فكان يتجاوز رفع الملفوظ اليومي الدارج إلى مرتبة الشعر، إلى تفكيك النحو واللغة من الداخل، والذي لقي معارضة من الجهات الرسمية ممثلاً في قانون (سلامة اللغة العربية) الصادر في النصف الثاني من السبعينيات. ومع انتشار أنماط عديدة لقصيدة النثر اليوم إلا أن تفكيك اللغة بقي مؤجلاً أو مختزلاً حتى الآن. الناصري منحاز للجملة الأسمية ، التي يمكن أن تقتصر في أقصى ايجاز، (العقائد مصائد). أو اعتماد مبدأ تكرار مفردة أو لازمة مثل: (العزلة العزلة العزلة العزلة)، ويمثل الرقم أربعة أو التربيع شبه لازمة نفسية في لغة الناصري، عكس التثليث لدى صلاح نيازي مثلا: [(نوح، نوح، نوح) أو (يا علي، يا علي، يا علي)] في مجموعته (وهم الأسماء) ، لتمثيل دالة محددة.

التكرار اللازمة
وقت الشمس الكرستالية وهي تجلس فوق شجرة اللاهوت . وقت التحشدات الضخمة
لجيوشنا العظيمة . وقت النسور وهي تصعد لتحية الشمس . وقت البحر الذي يدفع
أمواجه في الخلجان السرية . وقت القواقع وهي تدفن أصدافها . وقت الليل وعصّابته
الملفوفة حول العالم .
فوظيفة التكرار هنا سحب الانثيالات الشعرية على جمل مستطيلة لكل ما ارتبط أو أمكن ارتباطه بمفتاح (وقت)، قريبة إلى حدّ ما من (لازمة الحرف) لدى الشاعر أديب كمال الدين. فالمفتاح هنا أقرب لفكرة المفاتيح المكتبية أو آلية البحث في نظام البحث في الكمبيوتر عندما تكتب كلمة (وقت) فتنفتح أمامك قائمة لكل ما له علاقة بالكلمة. وتستند اللازمة على دالة نفسية على درجة من التورم والتشوش تستلزم معها آلية تنظيم أو فرز تتمثل باللازمة الشعرية المتكررة. ولذلك لا نني نرى عودتها وايقاعها الذي تختتم به القصيدة. وهي ليست خاصة شعرية حداثية حيث نلمسها في الشعر العربي القديم في مستهلات الأبيات مثل كلمة(خليليَّ) لدى غير شاعر وفي قصيدة الملك الضليل [ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي وهل يعمن إلا سعيد مؤثل قليل هموم ما يبيت بأوجال وهل يعمن من كان..إلخ]. فقد تكررت لازمة (وهل يعمن) لتنظيم التدفق النفسي الذي يلامس جوارح دفينة في قيعان الذات الشاعرة. فمع انتظام سيل الشعرية ارتدعت لازمة (وقت) الى الوراء قليلاً وخيل أن (الثور الأخضر) سيلعب دور لازمة ثانية، اتخذت القصيدة جريانها المنساب لتعود وتلتقي على الضفة الأخرى لدائرة الميتافيزيقا بنفس اللازمة متأينة بشحنات جديدة في دائرة كهربائية مغلقة ابتدأت بالشمس/ شجرة اللاهوت وانتهت بالميتافيزيقا/ جبال الاورال.

وقت الميتافيزيقيا وهي دائرة ضيقة . الجنون فضاء .
وقت الجرح بجنحه الأسود الأكثر تحليقاً من الصراخ .
وقت الساعات المضيئة فوق أعشاب القبر .
وقت جوهر الحياة الذي يمزق الظلمة وعبثها .
وقت الغيوم الروسية التي تشرب من أنهارنا
تاركة نهودها
فوق جبال الأورال .

والظاهرة اللغوية الأخرى هي الاحتفاء بالتناغم الصوتي للأحرف في بنية المفردة ضمن رؤية انتقائية لبناء جملة موسيقية ذات دلالة شعرية. فكلمات [جرح/ جنح- ساعات/ أعشاب- روسية/ تشرب- وقت/ فوق/ ضيق/ يمزق] وهناك الأصرة اللونية بله اللغوية التفاضلية [اسود/ أكثر] و [اسود/ مضيئة/ الظلمة]، أو التقاء الدلالات [غيوم/ أنهار/ نهود]. مما يعطي الجملة الشعرية صورة منظومة شمسية تدور حول مركز [لازمة (وقت)] بينما تدور المفردات والصور دورات مزدوجة حول نفسها وحول مراكز فرعية ناهيك عن المركز الرئيس.

كما نلحظ هنا تعويل الشاعر على استخدامات (أل التعريف) أو (صلة الوصل/ الذي والتي) الممكن انتزاعها من النص دون هدم المعنى أو جمالية العبارة.

لزوميات وقرائن
1- شعرنة الملفوظ اليومي
2- تغريب اللقطة العادية
3- عمق الألم والسخرية
4- تداخل الذاتي والمطلق
5- اخبار ثابت وتساؤل استنكاري
6- فلسفة العبث والعدمية
7- عبث.. ضياع.. دمار [الهاوية]

في التجربة الشعرية
نصيف الناصري [1960- الناصرية] خريج مركز لمحو الأمية وتعليم الكبار [1975/1976] ، جند إلزاميا في الجيش [1979- 1991]، 1994 غادر العراق إلى الأردن، ومنذ 1998 يقيم في السويد. يتوزع شعره في: [جهشات] مجلد مطبوع بالدفلوب عام 1986 يضم أربع مجاميع شعرية؛ أرض خضراء مثل أبواب السنة عام 1996 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بدعم من البياتي؛ ومجلد بعنوان [المياه كثيرة السهر في شفاهنا] في مائة وثلاث وثلاثين صفحة يضم قصائد متنوعة ومن فترات متفاوتة؛ ناهيك عن نشرياته المتواصلة في غير موقع على الأنترنت. عمل بثقة واعتداد كبيرين على مواصلة حضوره الشعري والأدبي في الداخل و الخارج، ولكنه لم يحظ بالاهتمام النقدي فرداً أو جملة ضمن جيل الثمانينيين ومن بعدهم، ولم يحظ بفرصة مناسبة لنشر مجاميعه الشعرية أو إصدار أعماله الكاملة، بعد أكثر من عشرين عاماً من الشعرية . وبالتالي فلابد من جهة تتولى الاهتمام بطبع ونشر نتاجه الشعري بعد جمعه وتبويبه، ضمن تشظيات المنافي العراقية المنقطعة .
بدأت تجربة الناصري في الثمانينيات مع بدء انخراطه في الحرب. مما يبين أثر العوامل النفسية والذهنية في ميوله الأدبية. لم تمضٍِ بضع سنوات على تفتح اهتماماته بالمطالعة حتى وجد نفسه بين صناديق العتاد وأصوات الانفجارات ودخان الأوامر الخانقة. أي أن الولادة ما فتئت حوصرت بعوامل الوأد والحصار، ومن هنا فقد قامت لغة الناصري على الرفض والتمرد ، والعناد والمكابرة. ان استخدام تعبير فطري له من دلالات البراءة والملامسة الأولى مع الوجود أكثر من أي شيء آخر. فلا غرو أن يكون الواقع المباشر مادة الشاعر الأولى، متوجهاً إليه بحاسة الاكتشاف والاقتناص والمغامرة بتوقد ذهن جارف وقدرة غير عادية في إعادة صياغة وانتاج الواقع في إطار النص. قصيدة الناصري الثمانينيية كانت صورة حال الواقع اليومي للجندي، مشاعره وهواجسه وأحلامه، خوفه وتذمره وتمرده. قصيدة التسعينيات ترجمة للعبث اليومي وتلاحق الانهيارات والفجائع المتراكمة بأثر بقايا الحرب والحصار والشعور بشمولية الفقدان [الوطن (الهاوية)]. قصيدة الناصري واقعية انطباعية، تخالطها مرات عناية مقصودة من سخرية مقذعة أو نكتة مرّة، ترتفع بها إلى سوريالية هيموفيليةعصية على السيطرة. لا جرم أن قصائد تلك الفترة كانت طويلة وغير قابلة للانتهاء، مثل رواية ملحمية مستمرة الجريان، تختلط فيها البدايات والنهايات. ترجم الناصري في قصائده تلك جريدة الحرب اليومية في حياة إنسان يمثله الجندي. ولأن الجندي في الشعر كان بطل القصيدة فأن ملامسة الشاعر للحرب كانت إنسانية أكثر منها متمحورة حول فكرة الحرب عند المقارنة بالحالات المثيلة في حروب أخرى، الحرب العالمية الأولى أو الثانية أو حروب فلسطين أو فيتنام، عندما كانت فكرة الحرب تحتل صدارة القصيدة أو الاهتمام. وهذا ما يبطل دعوى شعر الحرب أو شعر المعركة التي رفعها بعض ازدواجيي الشخصية لتهميش التجربة الثمانينيية في المدونة الشعرية والنقدية العراقية، في انحياز مرضي واضح لتبجيل المنجز الستيني ورفعه على ما عداه. متناسين سقوط أسماء ورموز عديدة من هذا الجيل في وحل الدكتاتورية حفاظاً على لمعانها الخارجي. قصيدة الجندي في المشهد الراهن هي مقاربة واضحة مع رواية الفلاح وقصة العامل والطالب والمثقف ضمن انعكاسات الواقعية الاشتراكية في الأدب العراقي، في تأكيد لعمق الخصائص الذاتية والمرجعية الثقافية لهذا الأدب. القاعدة المتحركة لقصيدة الناصري القائمة على تفاعلات المداخل في الواقع المباشر ومخارجه كانت في حالة تحول وتغير مستمرة وبنفس متصاعد عبر التسعينيات، لتأخذ تجليات جديدة على أرض المنفى ممثلة بالشعر الميتافيزيقي أو الاستغراق في النزعة الوجودية العدمية وحوارات المطلق، جراء انزياح الواقع وسحت المنفى.

نار الله تتلظى عبر أدغال وخرائب حيواتنا المبعثرة في الهاوية .
أجراس الحرير ومرايا فراديسه في الأعالي
وعصارات الفضة خضراء الجفون في أرض الفجر المتلألئة .
ينبغي أن نموت ميتة عظيمة بلا خوف
لا أمل
لا أوهام
لا حلم بوعد .



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع الذات والآخر في قصيدة داليا رياض (تطيش نحو السماء)
- - كفى تناسلاً أيها الخراب!-
- المرثاة في الشعر المعاصر
- عن المرأة والمدينة في ظل التحول الاجتماعي
- الشعر.. الرؤية الكونية.. وبشارة الحاضر
- إشكالية الخروج.. من الاغتراب الذاتي للاغتراب الوجودي
- نظرية التوا زنات الافقية في رواية دابادا
- خُوَاء
- جلولاء.. سيرة مكان.. (1 - 4)
- عودة الزنابق
- بعقوبا .. سيرة مكان)
- وقفت عن حبك
- توقفت عن حبك
- وجوه متداخلة
- غسل العار والعودة لوأد البنات
- الفرد والعالم..
- الترجمة والهوية والمسؤولية الاخلاقية
- طُرُقٌ صَحْراويّة
- أطفال المهاجرين ضحايا مزدوجة
- (سيرة يوم غائم)*


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - لزوميات نصيف الناصري