|
مخاوفنا مبررة ، فالحرية الإقتصادية ليست مطلقة
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2154 - 2008 / 1 / 8 - 07:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
في شهر ديسمبر من العام الماضي أتخمت الأجواء الإقتصادية في الإتحاد الأوروبي بصيحات الحرب التي إنطلقت على صناديق الإستثمار السيادية المغلقة ، و هي الصناديق الإستثمارية المملوكة لدول أو مجموعة أفراد ، كبعض الأسر الحاكمة ، و لا يمكن لأي جهة ، أفراد أو هيئات ، الدخول فيها .
الخوف الأوروبي مبعثه هو الخوف من السيطرة الأجنبية على الإقتصاد الأوروبي ، ذلك الخوف الذي كان باعثاً لرئيس دولة مؤسسة للمجموعة الإقتصادية الأوروبية ثم للإتحاد الأوروبي للقول : إننا لم نخصص إقتصادنا لتؤممه دول أخرى . مثلما كان سبباً في قيام الحكومة الألمانية الإتحادية بإجهاض صفقة كان تسعى بمقتضاها جهة مملوكة للحكومة الروسية لشراء حصة كبيرة في شركة الإتصالات الألمانية ، دويتش تليكوم ، و كذلك يجب الإشارة إلى الجهود التي كان من شأنها إحباط محاولة السيطرة على حصة لا يستهان بها من أسهم الشركة المنتجة لطائرات الإيرباص .
الخوف لا ينتاب فقط الدول الأوروبية الكبرى ، و لا هو منحصر في الدفاع عن الشركات الحيوية ، كشركات الإتصالات و تصنيع الطائرات و المعدات الدفاعية ، بل إنه عم دول الإتحاد الأوروبي ، من أقصاه إلى أقصاه .
لا شك إن لكل دولة ، أو منظمة تضم مجموعة دول ، الحق في الدفاع عن إستقلاليتها الإقتصادية ، و مصالح شعوبها الحيوية . و بالتالي الحق في إتخاذ كافة التدابير التي تراها لصيانة تلك الحقوق و المصالح .
إذاً لا مجال لإنتقاد تلك التصرفات ، و لا سبيل لإتهام دول الإتحاد الأوروبي بالشيفونية ، أو البارانويا .
إنما تلك الموجة من الخوف من تسلط الدول الأجنبية ، عبر صناديقها الإستثمارية المغلقة ، على إقتصاديات دول الإتحاد الأوروبي ، و الذي يضم كل من ألمانيا و بريطانيا و فرنسا و إيطاليا و أسبانيا ، و الذين تضمهم الأن قائمة الدول الإقتصادية العشر الكبرى في العالم ، تجعل من مخاوفنا و التي أثرناها منذ مدة طويلة ، من سيطرة الأجانب على الإقتصاد المصري ، لا سبيل لإنتقادها ، و لا مجال لإتهامها بالمبالغة ، و لا يمكن إتهامنا باللعب على نغمات الخوف غير المبرر .
فأين إقتصادنا المصري الوطني ، الذي تهلهل ، من إقتصاد معظم دول الإتحاد الأوروبي ، و يدخل في تلك المقارنة إقتصاد الإعضاء الجدد من دول الكتلة الشرقية ؟؟؟
أين إقتصادنا المصري من إقتصاد دولة مثل بولندا ، على سبيل المثال ؟
هل نتحمل في مصر كأفراد ، و تتحمل مصر كدولة ذات سيادة ، سيطرة أجنبية ، على الإقتصاد المصري ، بينما لا تستطيع تحملها دولة صغيرة مثل المجر ؟
إن الشعارات التي يروج لها إعلام الأسرة الحاكمة في مصر ، عن إقتصاد السوق الحر ، و التي تروج للحرية الإقتصادية في التعامل بلا ضوابط وطنية ، ليس لها أساس صحيح ، و لا يمكن بالتالي أن نبتلعها ، لنسكت عن بيع مصرنا .
الإتحاد الأوروبي قام في الأصل كمجموعة إقتصادية من أجل مصالح الإقتصاد الحر ، و لازال من أنصار إقتصاد السوق الحر ، و لكن ذلك لم يمنعه كمنظمة ، و يمنع دولة كأعضاء ، من إطلاق صيحة الحرب من أجل التدخل ، عبر حزمة من التشريعات ، يسعى لإقرارها ، لحماية أمنه و مصالحه ، فليست الحرية الإقتصادية كيان مقدس لا يجوز المساس به ، فمثلما لكل حرية حدود ، فإن للحرية الإقتصادية حدود هي الأخرى .
لقد أصبحت مصر حالياً ملك لأجانب ، و يدخل في تعريف الأجانب ، رجال الأعمال الخليجيين ، سواء من المنتمين للأسرات الحاكمة بدول الجزيرة العربية ، أو من غير المنتمين ، فكل من هو ليس بمصري ، هو أجنبي ، و لا يجوز لنا ، كمصريين وطنيين ، أن نقبل تلك السيطرة الخطيرة على إقتصاد مصر ، و بخاصة قطاعاته الحيوية ، مثل قطاع المصارف ، و قطاع الطاقة و التعدين ، و غير ذلك من القطاعات الحيوية ، خاصة أن عملية التملك التي تتم ، تتم في معظم الأحوال عبر البيع لمستثمر رئيسي ، أو صناديق إستثمار سيادية ، بما يعني السيطرة المطلقة على الوحدة الإقتصادية المباعة ، و خروجها من سوق تداول الأسهم ، ذلك التداول الذي يتيح للمصريين كأفراد ، أو صناديق إستثمار ، تملك حصة بها ، بما يفتح عملية تفتيت ملكيتها ، و يقضي بالتالي على فرصة السيطرة الأجنبية المطلقة و الإحتكار ، و لو كان مصري .
فعلينا ألا نغفل أيضا ، مخاطر الإحتكار ، فليست كل المخاوف الإقتصادية ، مصدرها السيطرة الأجنبية فقط ، فهناك خطر لا يقل عن ذلك ، و هو سيطرة قلة من رجال المال و الأعمال من المصريين ، المعروفين للشعب المصري بالإسم ، من المرتبطين بالأسرة المصرية الحاكمة حاليا ، و إن إختلف شكل الإرتباط ، على ما تبقى من الإقتصاد المصري .
لقد أصبح إقتصاد مصر ، في الوقت الراهن ، واقع بين فكين ، احداهما السيطرة الأجنبية المطلقة ، و الفك الأخر رجال الإقطاع الجدد ، و ضاعت مصالح مصر كدولة مستقلة ذات سيادة ، و إنسحق الشعب المصري كأفراد بين الفكين ، خاصة إن كل ذلك يتم في ظل نظام حكم مشبع بالفساد و يفتقد للوطنية .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هكذا يجب التعامل مع آل مبارك
-
نصب تذكاري لضحايا مذبحة المهندسين
-
يعقوب صنوع أديب الحرية
-
الأغنياء و المساتير أيضاً يثورون
-
هم الذين كفروا و صدوكم عن المسجد الحرام
-
لا يا بلد شامبليون، الحضارة المصرية لم تبن بالسحر
-
يا راكب القارب، تعال نصنع أوروبا في مصر
-
حتى لا يساء للقرآن، إبحثوا عن بديل لكلمة إرهاب
-
مبارك و بوتين، الفارق بين من فرط و من إسترد
-
مبارك و بوتين، لا وجه في المقارنة بين من فرط و من إستعاد
-
الجمهورية المصرية الثانية، هكذا ستقوم
-
أحمدي نجاد، لا فارق بينك و بين آل سعود و آل مبارك
-
لماذا أقف مع الأفرو ضد الجنية؟
-
الخطوة القادمة شريحة تحت الجلد
-
ماذا لو ان عرفات في غير عرفات؟؟؟
-
حالة الطوارئ الباكستانية هل تختلف عن المصرية؟؟؟
-
لا تتوسلوا للبناويين أو لأحد
-
إنه مخاض لعصر أكثر إظلاماً، يا أستاذ هيكل
-
و حملها الإنسان، الرد على مفكر النازية المصرية
-
مش دورك يا أبو جيمي
المزيد.....
-
أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي
...
-
كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير
...
-
جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
-
الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
-
الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
-
احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
-
شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي
...
-
نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
-
تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
-
الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|