أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - المعرفة ُ الشرقية (1)















المزيد.....


المعرفة ُ الشرقية (1)


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 2141 - 2007 / 12 / 26 - 03:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن النقطة التي تتلاقى فيها هولوغرامات كارل بريبرام ( الحديثة) مع آلهة الشرق القديم هي وجود " وعي " كلي للهولوغرام الكوني ، حيث كانت الآلهة المسيطرة على الكون والتي أصبحت ملائكة في الفكر الشرقي فيما بعد بظهور ديانات التوحيد مناظرة لهذا " الهولوغرام الواعي " الذي يقابل بحق ملكوت السماء !
إن إعادة قراءة الهولوغرام الكوني بنفس أسلوب الملكوت القديم ، يجعلنا نعيد النظر أيضاً في هذا الملكوت ونؤسس على رؤيته بزاوية نظر " شرقية " جديدة تنطلق من " إعادة الخلط" المعرفي بين الشرق والغرب لتظهر لنا في النهاية صورة جديدة متطورة جداً بالقياس إلى الصورة التأريخية القديمة للملكوت الإلهي .
إن تحليل واقع المكون " الكلاني" للوعي الجمعي الشرقي القديم يحتاج إلى دقة تقرب الصورة من واقع المعرفة النظرية الحديثة ، خصوصا ً عند إعتبار التصور الشرقي عن الكون نابع من "إستشراف" للحقيقة الكلية الكونية بإعتبار إن المعرفة الحدسية الباطنية هي طريق " وعر " للمعرفة والحقيقة يلتقي مع المعرفة الحسية في نفس الهدف والتي لا تقل عنه بمواجهة العراقيل والصعوبات في طريقها للحقيقة سوى إن " الباطنية" قليلة الرواد من الأنبياء والكهان قياساً بالعلماء والفلاسفة بالنسبة للمعرفة " المؤسسة على الحسية " ولا نقول الحسية مئة بالمئة .
وها نحن اليوم إذ نقف على أعتاب فلسفة " غنوصيوا " جامعة برنستون وباقي الرؤى التي ترى إن الكون برمته عبارة عن " فكرة عظمى" بعد أن بقي لسنين طويلة ينظر إليه على إنه " آلة ضخمة " بعد كوبرنيكوس ونيوتن ، نسأل :
ماذا يعني أن يكون الكون فكرة ً عظمى ؟
وماذا يعني أن يكون هولوغرافا ً من الوعي الكلي يتجلى في هولوغرام من الوعي العقلي الفردي؟
أن يكون الكون فكرة ، بما فيه من حركات وسكنات وأحداث يعني إننا مجرد " أفكار" لديها وبدرجة معينة قابلية الإنسياب الذاتي ضمن هذا النسق الفكري الكلي ، بحيث تعيد تشكيل الصورة العامة لهذه الفكرة بما أتيح لها من فرصة ٍ وإمكانيات ، فيما يعني إن يكون الكون وعياً كلياً ينعكس في وعي " جزئي " هو الوعي الفردي فهذا يعني إنه بالإمكان فهم الوعي الكلي في ضوء الوعي الجزئي ، ومن خلال فهم " النفس " الفردية قد نستطيع فهم النفس أو الأنفس الكلية التي تشكل الهولوغرام أو الملكوت الكلي ... !
في الفقرات الآتية ، سنعقد المقارنة بين أقسام " الملكوت" في ضوء ما وصلنا من تراث الشرق القديم مع " النفس البشرية الفردية" ومعطيات علم النفس العصرية .

القوى النفسية والدين في العالم القديم

في مجتمعات العراق القديم في سومر وبابل و أكد و آشور وكذلك المجتمعات في وادي النيل والشرق الأدنى عموما ً كانت الرؤية الميثولوجية الدينية للقوة الكونية المسيطرة على الكون ( الآلهة) تتخذ نسقا ً في الفكر الشعبي القديم شبيه ٌ إلى حد كبير بطبيعة الإنسان والنظم المدنية والحضارية و السياسية التي أقامها على الأرض ، فالآلهة لديها نظم سماوية ، فهي تتقاتل .. وتتزوج ..وفيها الخير والشر على حد ٍ سواء وتتخصص حيث لكل إله ٍ وظيفته المعينة ..وتحزن ..وتفرح...وغيرها من الصفات البشرية ، التمييز في تلك الميثولوجيا بين الآلهة والإنسان يكون بإطلاق صفات القدرات المطلقة التي تتمتع بها الآلهة في السماء , كالخلود والتجدد و الإنبعاث بعد الموت فيما يكون الإنسان قاصرا في قدراته وعمره كما تدلنا على ذلك أقدم أسطورة واثر أدبي في العالم " ملحمة كلكامش" .
نلاحظ أيضا ً التخصص...والتقسيم في رؤية الإنسان في ذلك الزمن للآلهة الكونية فللحكمة إله وللخصب إله وللأعداد المحسوبة إله ...وغيرها حتى نجد إن برج بابل ( كعبة العالم القديم ) مقسم إلى سبعة طبقات كل طبقة تحوي مجمعا ً خاصا لآلهة ٍ ما ..!
ولو إعتبرنا إن كل تلك " الأفكار والفلسفة " القديمة مجرد أوهام وخرافات لا تمت إلى حقيقة علمية بصلة نكون ربما أبطلنا أهم مورد من موارد المعرفة التي كشفها " الحدس " الإنساني الأول ..!!
وحسبنا الديانات التوحيدية الثلاث إضافة لديانة الصابئة و الإيزيدية الأقدم في بلاد مابين النهرين كدليل على إن تلك الميثولوجيا كانت تحوي حدسا ً إنسانيا جامعا ً بحقيقة العلاقة بين الكون والإنسان والتي لم تتمكن الرؤية العلمية الحديثة من كشفها بعد ، فديانات التوحيد التي أقصت الآلهة عن إدارة الشؤون الكونية العليا ..إضطرت إلى تعديل الصورة العامة عن الملكوت بأن جعلته ملائكة وإله واحد !
فعلى سبيل المثال...هناك ملاك للموت...و ملاك للحرب...و آخر للوحي...و وهكذا القضاء..والمياه ..والقدر ..وغيرها ، ما يعني نفس الصورة القديمة تحولت إلى صورة جديدة للملكوت السماوي لكن بألوان ٍ أخرى ..!
بقي الرقم ( 7 ) مهيمنا ً على العدد وتقسيماته في أيام الأسبوع والرقم ( 12) لا يزال يشير إلى عدد الساعات اليومية والحواريين والأئمة الإثني عشر ، وبرج بابل الذي كان يحج له معظم سكان العالم القديم أيام كانت العراق إمبراطورية العالم القديم تحول إلى ( الكعبة) و ( القدس ) بألوان ومسميات جديدة لكنها تحتفظ بنفس روح الطقوس والرؤية القديمة ..!
وعادت ذات النظرة الدينية القديمة في بلاد مابين النهرين برؤية الملكوت السماوي كصورة مطابقة لعالم الإنسان الأرضي كما يردد المسيحيون في عالم اليوم :
لتكن مشيئتك على الأرض كما هي في السماء
هذه التطابقات في حقيقة الأمر إنما تشير إلى إن الحدس الإنساني يبحث طيلة هذه الآلاف المؤلفة من السنين عن( نظام SYSTEM) مجهول يعني في جوهره إن العقل البشري و الذات الإنساني صورة مطابقة تماما لنظام كوني أعلى وذات كونية عظيمة ..!!
في حقيقة الأمر...هذا النظام هو جوهر ما سنبحثه بالتفصيل في محاولة علمية لتثبيت أركان وركائز علمية لهذا النظام قد تساعدنا في حل العديد من الإشكالات التي تعيق تطور معرفتنا عن العقل البشري والطاقات التي نسميها دائما بالروحية .
قبل أن نخوض في تفاصيل هذا التطابق الآن في عرض العلاقة بين الفيزياء الحديثة وما توصلت له والنظام الكوني ما وراء الزمن ( الفضا- زمن) , سنكتفي بالإشارة إلى علاقة ثوابت تقسيم أيام الأسبوع إلى سبعة أيام وتعميم الآلهة القديمة ومن ثم الملائكة إلى التخصص في كل يوم ٍ من هذه الأيام وتلوين كل ملك من هذه الملائكة بلون ٍ معين ، وعلاقة هذا التلوين بألوان الطيف الشمسي الأساسية السبعة وعلاقة الأخيرة بعلم النفس الحديث وتأثيرات هذه الألوان من الناحية النفسية " الأعماقية " ورؤيتها في ضوء تجربتها المعاصرة بما يتعلق بهذه الألوان .

ملكوت العالم القديم

نذكر خلاصة عن هذه العلاقة وردت في كتب السحر القديمة والتي رشحت عبر ميثولوجيا الشرق القديمة جدا ، حيث يذكر العلامة المعروف (بن الحاج التلمساني المغربي) في كتابــــه شموس الأنوار ( ص 72 ، مطبوع في مصر بحدود العام 1350 م ، أحدث طبعة دار الجيل في لبنان) تقسيم أيام الأسبوع على سبعة ملائكة إعتبرهم الشرق من الآلهة الأساسية القديمة :
( نوردها بمقاربة تحاول الوصول إلى العمق البشري كما يصفه علم النفس الحديث )

• يوم الأحد ( يوم الشمس " سن داي" ) ..يشرف عليه ملاك ( أو إله ) المعرفة روقيائيل المدعو بالمذهب أو الأصفر ..يرمز للمعرفة والعلوم ...ترميزه السماوي هو الشمس ولونه الأصفر !
كوكبه هو الأسد الناري .
لاحظ العلاقة بينه وبين إله الحكمة شمش ( إله الشمس) عند البابليين .
• يوم الإثنين( يوم القمر " مون داي" ) ..يشرف عليه جبرائيل ملاك الروح والوحي ويرمز له بالأبيض أو الفضي وترميزه السماوي هو القمر .
الملك الأرضي هو ( أبي مرة الحارث ) ...المعروف بإسم إبليس ..!!
يقابله عند البابليين ( إله سن ) إله القمر .
• يوم الثلاثاء يقوم بأعماله الملاك سمسمائيل ملاك الحرب والدمار والزلازل ولونه هو الأحمر وترميزه السماوي هو الكوكب الأحمر ( المريخ) .
الملك الأرضي هو أبي محرز الأحمر.
يقابله إله الحرب جوبتير عند الإغريق .
• يوم الأربعاء ..يقوم بأعماله الملاك ميكائيل ..ملك المطر والمياه وتقسيم الأرزاق بين العباد ...لونه هو الأزرق وترميزه السماوي الكوكب عطارد أبراجه هي الجوزاء.
الملك الأرضي هو برقان أبي العجائب ..!
يقابله عند البابليين ( بعل) أو ( مردوخ ) أو ( تموز ) إله الخصب والوفرة .
• يوم الخميس ..يقوم بأعماله صرفيائيل (أسرافيل)..ملك القضاء والعدل والقدر ، لونه هو الأخضر وكوكبه هو المشتري وأبراجه القوس والحوت و كوكبة برج الميزان .
يقابله لدى البابليين آنو وابنه نابو الكاتب بألواح القدر .
الملك الأرضي شمهورش المعروف بقاضي الجن ,.
• يوم الجمعة .. يقوم بأعماله عنيائيل ..ملك الجمال والعاطفة والرحمة ، يقابله الأرضي النحاسي الذي أسمته العرب ( زوبعة ) ..لونه هو البرتقالي أو النحاسي وكوبه هو الزهرة .
تقابله ( عشتار) إلهة الجمال والحب والخير عند البابليين و(أفروديت) لدى اليونان و(فينوس ) لدى الإغريق وهي آلهات حب وجمال أيضا ً ...وكلها وفي كل الديانات تقابل كوكب الزهرة ..والغريب إن العرب كانت تميل إلى إعتبار كوكب الزهرة أنثى مثل الأرض والشمس وكذلك يوم الجمعة هو أنثوي التسمية مقارنة بسائر أيام الأسبوع المذكرة ..
وكما وإن يوم الجمعة هو اليوم المقدس لدى المسلمين وفيه تغفر الذنوب .. وهي علامة تحاكي إعتبار ذلك اليوم هو يوم عشتار و فينوس والزهرة..حيث الحب والرحمة ..!
ما علاقة هذا اليوم وكوكبه الزهرة بـــ"الزهراء" بنت الرسول البتول..وبين عشتار البتول و مريم البتول أيضا ً ؟
• يوم السبت .. يقوم بأعماله كسفيائيل ( أو عزرائيل ) ..ملاك الحزن والموت والتغييرات الكونية ، لونه هو الأسود أو ( النيلي) ترميزه الكوكبي هو زحل .
أبراجه هي الجدي والدلو.
الملك الأرضي هو ميمون السياف أبا نوخ أو أبو السحاب .

لعب ( الإسرائيليون) دورا بارزا ً في تطور هذه الرؤية عبر الزمن ، خصوصا وإن النبي إبراهيم كان له أهم دور في تاريخ تطور النظرة الدينية للجنس البشري بأسره ، حيث حطم المنظومة الفلسفية الدينية البابلية القديمة وبدا بعصر التوحيد محولا آلهة السماوات الحرة الفوضوية إلى مجرد ملائكة خاضعة للإله الواحد تأتمر بأمره وتنجز مهامها بدقة ، ولكون إبراهيم وليد المجتمع البابلي فإن ثقافة نسله من بعده ورؤيتهم الدينية التي سارت بخطى التوحيد أكملت في نفس الوقت المسيرة الطويلة السابقة للمعرفة في محاولة التعرف على العلاقة بين الله والإنسان والوسائط الكونية التي تتدخل في ذلك ، إبراهيم الكلداني هو الذي شطر الفكر الديني إلى شطرين جديدين بزرعه لنسله من الإسرائيليين في فلسطين والإسماعيليين في الحجاز ، ومن رحم هذا الصراع الفكري القديم بين الإثنين المنعكس عن الصراع بين سارة ( أم اليهود) وهاجر ( أم الإسماعيليين ) زوجتي إبراهيم تمخض الفكر الديني الشرقي المعاصر بما فيه من تناقضات وتشوهات مخلوطة ومعجونة بالقيم الحضارية القديمة في وادي الرافدين والشام والجزيرة العربية وقيمها الصحراوية ووادي النيل واليونان وروما ، اختلطت جميعا ً في عهد الحضارة الإسلامية الذهبي مع تراث الشرق الممتد في رقعة مجتمعات إنتاجه من فارس مرورا بالهند وما وراء النهر حتى الصين فظهرت ( ألف ليلة وليلة ) كتعبير عن لا وعي شرقي تاريخي أدبي وديني وفلسفي قديم جدا والتي راعت كثيرا الإشارة لهذا التراث التأريخي الأسطوري الغني كخلاصة ٍ لم تزل مبهرة حتى يومنا هذا لتجربة الشرق , كل الشرق!

ولعل العالم كارل غوستاف يونغ هو أول عالم معاصر يشير إلى دور اللاوعي الجمعي للمجتمع في صياغة الأفكار وتفاعلها بصورة توحي وكان الفكر الإجتماعي منظومة خفية تستتر وراء كواليس الغيب ، ومن هذا نجد شرقنا العظيم القديم العريق قد جدد الصياغات بتفاعلات تجاربه المختلفة وبقي هذا الوعي الجماعي للشرق مركزا ً على نقاط أساسية في الموضوع :
ماهية المنظومة الكونية الماورائية ..العقل الكوني...العقل الجمعي للشعب والشعوب وبني البشر..علاقتها بالعقل ..تشابه الذات البشرية والعقل البشري مع هذه المنظومات العليا .
وعند العودة إلى ألف ليلة وليلة وأساطير الجن الشرقية القديمة وما يعرف بالأرواح الشريرة في أوربا القديمة نجد إن ( عالم الجن ) هو الآخر قد صاغه هذا الوعي كنقطة ما ورائية كونية تفصل
عالم الإنسان عن الملكوت السماوي الأعظم ، ويتجلى ذلك في كتب السحر القديمة التي رسمت ملكوتا ً خاصا ً بالجن مطابق ٌ لملكوت الملائكة السبعة العظماء !
حيث يورد شيخ المغرب في نفس المصدر السابق بأن يوم الأحد الذي يقوم بأعماله الكونية روقيائيل ( أو روفائيل) في السماء يقابله على الأرض جني ٌ يدعى المذهب أو الأصفر ويأتمر هذا الأخير بأمر روقيائيل ويقوم بنفس أعماله ولكن...على الأرض ..أي التخصص بالمعلوماتية بلغة العصر الحديث !!
كذلك يوم جبرائيل ( الإثنين) هو الآخر يوم ٌ يتخصص فيه جني ٌ أرضي يدعي ( أبي مرة ) أو عزازيل وهو الشيطان إبليس الملعون في الكتب السماوية ، ومن الغريب حقا ً أن يكون الشيطان مؤتمرا ً بإمرة جبرائيل ويقوم بنفس أعماله ولكن على الأرض !
جبرائيل مسؤول الوحي..للمخلوقات الكونية العليا ..و عزازيل يقوم بالإيحاء للمخلوقات الأرضية ومنها الإنسان ، وهذا يعلل منطقية نزول ( جبرائيل ) إلى الأرض كي ينبه الأنبياء إلى إن الوحي الذاتي البشري لا يخلو من خطورة على الإنسان نفسه لأن من يقوم بـــه هو عزازيل الذي تمرد على المنظومة السماوية وقرر تدمير وتشويه الذات الإنسانية !
هذا الترابط الغامض بين جبرائيل وإبليس يوحي بأن الرؤية الدينية نفسها مستندة على رؤية باطنية لا واعية للعقل الباطن للشرق بما حفل من حضارات ودين وثقافة بدليل إن الديانات جميعا لم تشر إلى ذلك ولم ترسم صورة هذا الترابط بين نزول جبرائيل الناتج عن تمرد إبليس ، لكن الثابت وكما يظهر في الفكر الإسلامي الروحي إن جبرائيل تخصص وحده في الوحي للأنبياء بأمر الله...لغاية ...هي ...تحاشي الخطر الناتج عن تمرد ٍ في البرمجة الملكوتية الأرضية المتمثلة بعزازيل و أتباعه والذي سمي فيما بعد بالشيطان الرجيم ..وهو بمثابة فايرس برمجي ..ليكون الدين وتعاليمه فيما بعد بمثابة محاولة لإحتواء هذا الخطر !!
وعند العودة إلى صلاة النبي عيسى تتجلى هذه الرؤية وإن بقيت مستترة متخفية بلاهوت عريض وعميق شرحه واستزاد فيه التلاميذ والرهبان فيما بعد ، ففي قوله :
( لتكن مشيئتك على الأرض كما هي في السماء )...
وقولـــــــــه :
( لا تدخلنا في تجربة وخلصنا من الشرير) ..
وهي قرائن واضحة تشير إلى إن الثابت الكوني الأساس حسب فهم المسيح للخطة الكونية العليا نفس الخطة الدنيوية السفلى لكن شريرا ً ما ، هو السبب في تعطيل ظهور النظام الأرضي الخاص بالمجتمع البشري كصورة مطابقة للملكوت السماوي ، ولعل تصورات اليهود عن حلول ملكوت الله على الأرض في نهاية الزمن إنما تتجذر في لاهوت و رؤيا ( جمعية) لم يكتبها عراف أو روحاني أو يوحى بها إلى نبي ٍ بمفرده...وإنما مجموعة كبيرة جدا من أنبياء بني إسرائيل و الكهنة والقديسين والحواريين إضافة إلى تداخلاتها مع الموروث الشعبي لحضارات الشرق من عصور ما قبل الطوفان العظيم الذي أشارت له الرقم الطينية البابلية بالإضافة للكتب السماوية ، وهي مجموعة ٌ لا تحصى ...!!
نعود لإبليس وجبرائيل ووظيفة كل منهما ، فالوحي بمثابة منظومة إتصالات كونية بلغة العصر الحديث ، أو هو منظومة أوسع واعقد لتشمل منظومة إتصال مدمجة بمنظومة إستخبارات ..!
وكذلك روقيائيل والمــُـذَهّــب يرتبطان في شبكة معلوماتية معقدة تترابط بجبرائيل وإبليس وتترابط مع باقي المنظومات الأخرى السماوية و الأرضية ..في تداخلات تشبه إلى حد ٍ بعيد تعقيد الترابطات بين خلايا الدماغ البشري التي تؤلف بمجملها الحس الإنساني والشعور ، بمعنى إن الترابطات تبدأ في النظم الكونية الماورائية العليا التي مثلتها الميثولوجيا القديمة بــ(السماء) وتهبط لترسم صورة شبيهه بها إلى حد ٍ كبير في عالم ما قبل العقل البشري والذي عرفته الأساطير القديمة بــــ( عالم الجن ) ومن ثم تهبط صورة المنظومة في عالم العقل البشري ...!!

المنظومة العقلية الكونية ما وراء الكون المرئي المحسوس و ما قبل العقل البشري أسمتها ميثولوجيا الشرق القديم بعالم الجن ، وكما أوردنا سابقا عن علاقة روقيائيل بالمذهب وجبرائيل بعزازيل ( إبليس) كذلك يوم الثلاثاء المرتبط بسمسمائيــــل فهو يرتبــــط أرضيا مـــع ( الملك الأحمر) وهو من ملوك الجن المشكلين لمنظومة الآلهة أو الملوك الأرضية السبعة أسمته العرب أيضا بـأبي محرز ، ذو شأن في وحي وتأثيرات الحروب والدماء والقوة والغريزة ، يعتقد قديما إن لتأثير كوكب المريخ الأحمر شأن في علاقة هذه التأثيرات ببني البشر عن طريق تأثيرها في عقولهم ، يأتي من بعدها يوم الأربعاء الخاص بميكائيل الذي يرتبط معه ( برقان) أو ( ملك الجان الأزرق ) والذي أسمته العرب بأبي العجائب !
وسيرة هذا الملك لم يتبق منها ( في ظاهر وعينا ) إلا ماهو معروف في المثل الشعبي المصري :
" و لا الجني الأزرق يعرفلو طريق "
حيث أسمته العرب بأبي العجائب ، لذا فهو يضرب كمثل لأقصى قدر من القوة الماوراء كونية !
وهكذا نصل يوم الخميس ...و صرفيائيل السماوي ( أو إسرافيل )...والأخضر ( شمهورش ) الأرضي الذي يدعى أيضا ً بقاضي الجن ..، الجمعة فيها السماوي عنيائيل وزوبعة الأرضي ( البرتقالي أو النحاسي ) وأخيرا السبت و عزرائيل أو كسفيائيل ملك الموت والحزن الذي يشرف على ( الأسود أو النيلي ) من ملوك الجن ..الذي كانت تسميه العرب بإسم ميمون السياف أو أبي السحاب.!!
إن المتصفح لكتب السحر والعرفان القديمة من فلاسفة العلم الحديث قد يجد فيها خزعبلات وأوهام جمعية فقط بعيدة عن الحقائق العلمية كل البعد , لكن المتأمل لشدة الترابط بين أجزاء الملكوت السماوي الأعلى والملكوت ما قبل البشري ( الجن) والذي هو قد يكون إستعارة من اللاوعي الجمعي للــ(الغرائز الدنيا ) يجد إن هناك إحتمال كبير بأن بداهة المجتمع عبر التأريخ وقوة الحدس الجمعي في الشرق والغرب على حد ٍ سواء ربما تكون قد أقتربت من حقيقة لا يزال علمنا الحديث عنها بعيد , بعيــــــــد ٌ جدا ً ..!
حيث يتضح بأن هناك نظام ٌ أساسي تنتظم بموجبه شبكات الملكوت ( العقلية) ، عبر تجريد تلك الصياغات من مسمياتها الأسطورية وتحويلها إلى مجرد ( أنظمة) أو سستمات تتحول تسميتها وخصائصه الما ورائية إلى ( غير مدركة ) أو (لا واعية) بلغة علم النفس المعاصر , حيث يتجسد ( العقل) في بعد ٍ حر ٍ خارج الوجود مع الكثير من العقول مكونا ً عقلا ً جامعا ً أكبر ..ومثلما تنظم الذرات في تكوين الجزيئات والتي تنتظم هي الأخرى بدورها لتكوين الوجود المادي ، تنتظم العقول لتكوين ما يعرف بالملكوت ، في نسق ٍ ثابت يعتمد على تقسيم الطيف الضوئي " النور" ..!!
تترد كلمة " الأنوار القدسية" والنور الإلهي ...ونسبة الخير للنور والشر للظلام في نفس التراث القديم فتدفعنا كل هذه التداخلات المحيرة إلى التساؤل :
سبعة مستويات عقلية كونية عليا ...تأتي بعدها سفلى ..هل هناك سبع ٌ أدنى منها تتعلق بالإنسان ؟؟
هل العقل البشري مقسم هو الآخر لمثل هذه المستويات ؟
والعقل الذي نقصده هو الجوهر والباطن الكامل من شخصية وعاطفة وفكر وغيرها ...
لو نظرنا لتطور رؤية الحدس الإجتماعي ( الباطني ) بوجود عوالم الباطن الملكوتية نجد إن سعي الرسالات السماوية الدائب والحثيث هو توحيد هذه الأجزاء في كل مستوياتها والتوضيح للناس بأنها خاضعة لسلطة الإله الواحد ...إلى درجة إنها مغيبة تماما في الدراسات الإسلامية ، وبالتالي فإن مبدأ الشفاعة نفسه مستوحي من وقع هذه التجزيئية في الملكوت ومثلما ينزع الحس
الإجتماعي إلى المطالبة بالتوحيد ونبذ الوثنية التجزيئية ( الإشراك في بعض الأحيان) نجد العقل الظاهري للإنسان الفرد نفسه يحاول نفي هذه التجزيئية عن سلوكه وتصرفاته و تناقضاته و تخباطته اليومية ..؟!
إنه يحاول التوحيد هو الآخر كفرد ، لكن في مقابل هذا نجد التوحيد( الباطني ) يبعده عن رؤية ذاته و إمكانية الإقتراب من عقله هو ، والذي نشعر بأن الأمزجة فيه تتلون بالألوان أيضا ، أما الإستبصار المعاصر فقد نبه إلى وجود هالات ملونه ( غير مرئية روحيه ) تحيط بالإنسان وتتلون حسب طبيعة مزاجه الآني ، فهي حمراء عند الغضب ...وزرقاء في التأمل ...وبيضاء في الصفاء والهدوء ...وصفراء عند الجدل والنقاش..وبنفسجية في لحظات الرومانسية و الإنقطاع عن المحيط .. وخضراء عند الطرب والهدوء وحتى إننا نقول عن فلان بأنه " برتقالي المزاج ، وهكذا نجد هذه الألوان في نفس الموقع الملكوتي لتؤدي ذات الأغراض السابقة في ملكوتات الباطن .
هذا الباطن في حقيقته ، يلتقي مع هولوغرامات الفيزياء الفلسفية العصرية التي تبحث في الكون عن وعي جامع وكما ترى " جمعية برنستون " بالكون فكرة عظمى بعد أن بقي لسنين طويلة يعتقد بأنه آلة ضخمة فإن رجوع الشرق إلى " الخلف البعيد " وإعادته للنظر في ملكوت العالم القديم في ضوء أدوات بحث " علمية " عصرية ، وكما تراه هذه الدراسة حسب مبدأ إعادة الخلط الحضاري الذي تناولناه سابقا ً، سيفتح الباب الموصدة لحد الآن بما يتعلق في عمق الباطن البشري .
فالغرب ، وعلومه العصرية الأكثر تفاعلا ً مع الطبيعة ، وكما سيأتي ذكره ، تغرق في الطبيعة ، وبالرغم من إننا نعتبر الغرب مثلا أعلى يحتذى بمنهجه ( التجريبي) في فهم العالم ، لكنه ليس كذلك ليعرف من نحن ، وماهو الباطن البشري اللامتناهي ..!
الغرب يحاول بدلا من ذلك ، تبسيط ، وتسطيح النفس ومحاولة رسم النفس بمستويات الضحالة المقبولة لذهنيته بمناهج علم النفس ، هذا العلم الذي لا يعترف به في الغرب كعلم إجرائي تام مثل باقي العلوم لأنه أقرب للفلسفة ومنهجه يميل كثيراً إلى ( الإستبطان ) ..!
لذا ، فمن الطبيعي أن يتعثر العلم الحديث ويتردد كثيراً في إستقراء ماهية الهولوغرام الكوني الكبير ، ومن الطبيعي أن يعتبر علم النفس فلسفة والباراسايكولوجي من العلوم الزائفة والدين بقايا ميثولوجيا الشعوب والحضارات البائدة .. !
لذا ، فنحن ننطلق في هذه الدراسة بإتجاه عكسي ، بدل التماشي مع الغرب في إنطلاقته كالإشعاع نحو الطبيعة التي ينتهي فيها إلى " الكل" الكوني الواعي أو الهولوغرام ، نرتد وحسبما يناسب ثقافة الشرق النمطية " الجمعية" كالإشعاع الساقط في ثقب أسود ، الباطن البشري ، إنها رحلة إلى الداخل سنقوم بعد إكمالها بمحاولة التأسيس لثقافة إستدلال جديدة " مجردة " لا شرقية ولا غربية في نهاية هذه الدراسة .
وما نود الإشارة إليه الآن أولا ، هو توضيح إن المعرفة الميثولوجية في الشرق وخلاصتها إنما كانت "متشابهة" في كثير من وجوهها رغم إختلاف واقع الزمان والمكان ، وهو ما إعتبرناها " إستشرافا" أو " معرفة " باطنية أولية تمكنت من رسم أهم ملامح الباطن البشري والكوني على حد ٍ سواء وكما قلنا سابقاً فهذه التي بدا فيها الشرق أول إنطلاقته المعرفية قبل التأريخ ما هي إلا حدود ما وصلت إليه المعرفة الغربية اليوم ، فنحن اليوم ، لا نرى في النفس البشرية أي أغوار أو عوالم سبق وان كان الشرق يراها من قبل ، ووقعنا في سوء فهم تأريخي كبير عندما إعتبرنا رؤية الشرقي للنفس ، أو العالم النفسي ، هي رؤية للطبيعة ..!!!!!



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعرفة ُ في الشرق ... هل لها مستقبل ؟ ((4))
- المعرفة ُ في الشرق ...هل لها مستقبل ؟ ((3))
- المعرفة ُ في الشرق ... هل لها مستقبل ؟ ((2))
- المعرفة ُ في الشرق ....... هل لها مستقبل ؟ ((1))
- النظرية ُ الإسلامية ِ...سوء ُ تطبيق ٍ ..أم سوءُ تخطيطٍ رباني ...
- المجتمع كما رآه الرسول محمد....العلاقة بين الديمقراطية والعل ...
- صراع الحضارات ، حوار الحضارات، مستقبل الحضارات، هذا العالم.. ...
- الدخول إلى فضاءات النفس الداخلية وفق الطريقة البابلية
- محاكمة صدام....ام محاكمة التاريخ ؟ للمرادي والبعثيين الجدد ب ...
- مرثية ُ بغدادَ لبابل
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- في الطريق الى عقيدة ليبرالية عربية ج1
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- الديمقراطية والحداثة في العالم العربي
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- بابلٌ تتحدث...فلتنصتي لها يا صحراء
- سيد الارض المعظم..ليتقدس اسمك..ليات ملكوتك على الارض ايها ال ...
- حقيقة الدين بين الوحي والفطرة


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - المعرفة ُ الشرقية (1)