أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غريب عسقلاني - أجندو غزة وشطب الذاكرة















المزيد.....

أجندو غزة وشطب الذاكرة


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2137 - 2007 / 12 / 22 - 11:50
المحور: القضية الفلسطينية
    


أجندة غزة وشطب الذاكرة
حكايات عن براعم الأيام في الانتقاضة الآولى - 1 -

مشوار
خرج الخيط الأبيض من بطن الخيط الأسود, فخرج, زوادته على كتفه وكان مجبرا أمام حاجة الأسرة وحاجات أُخر.. عند احد المنعطفات أوقفة الجنود, رفع يديه, فتشوه, وجدوا رغيفين وحبة بندورة وقرن فلفل وبصلة وحفنة ملح.. جف ريقه وتمتم لنفسه:" هل اعتادوا غداء السلطة"
سلبوه هويته, أمره أحدهم بالعربية:
- إطفء الإطارات وانتظر حتى نرجع.
بحث عن الماء, استعان بتراب الطريق, خمدت النار, فخرجت عليه سرية الأطفال:
- إشعل النار.
سكبوا بعض البترول على الإطار, فاحت رائحة بخار الكيروسين, فاعتصموا بالأزقة. أشعل عود الكبريت, هبت النار, وتداخلت دوائر اللهب في بطن الإطار, وتلوت ثعابين الدخان, فانشقت الأرض عن سيارة عسكرية أخرى, وفرقع الرصاص:
- لا تتحرك. ركلوه, نفر الدم من مسامات وجهه, تورمت عينه, لكنه ضحك في سره.
وأمام المحقق شهد الجنود أنه من أشع النار, لم ينفِ التهمة, سأله المحقق:
- لماذا أشعلت النار؟
- .......
- أنت حماس؟..أنت قيادة؟.. أنتً جهاد؟
لم يرد, ركلوه بقسوة, عصبوا عينيه, قيدوه وألبسوه كيس الخيش, حز القيد لحم معصميه.. صوت المحقق غاضبا وقد نفد صبره:
- من الذي أمركً بإشعال الإطار؟
رد بثقة:
- الأطفال.
لحس الدم النازف من جروحه. وتذكر شكوى زوجته من نفاد الكبريت الكيروسين من البيت, وألح عليه طفله يقفز في الحارة حافيا..

الكرسي
انتصب المعلم الشاب وكان شامخاً, تلعثم المدير وخرج صوته ميتاً:
- الحمد الله على السلامة, متى خرجت؟
- أريد العودة للعمل.
- قدم طلباً بذلكَ.
ضحك المعلم.. توتر المدير قال:
- القانون.
كز المعلم وخرج صوته غضوباً.
- أخذوني دون تهمة, دون محاكمة.. توقيف إداري, هل تعرف قانون الإداري. وقذف في وجهه ورقة الصليب الأحمر, قال المدير:
- ماذا أستطيع لكَ.
ضغط المعلم على مخارج الحروف يضع حدا للمراوغة:
- اسأل الأطفال, ألم تصلك رسائلهم!!
وأشار إلى الكرسي.
عقلة أصبع أصبح المدير, تهتز به الاسفنجة المنتفخة في قاعدة الكرسي، تأرجح وتوسل:
- قدم الطلب عسى أن يكون خيرا.
خرج المعلم.. زفر المدير, فك ربطة عنقه, لم يستوعب الهواء, تمشى حول الكرسي.. لهث, ولم يستوعب محيط الدائرة, كانت بؤرة المركز بعيدة, تساءل " هل كانت دورة الأطفال بهذه السرعة" وتذكر درساً حضره في أحد المدارس عن قوة الطرد المركزي.
***
في البيت رأى حفيده يصعد إلى كرسيه الصغير بدون عناء, داعب الطفل:
- أعطني الكرسي أجلس عليه.
تساءل الصغير:
- هل بعت الكرسي الكبير يا جدي؟!
بهت الرجل, فيما جلس الصغير على كرسيه وأخرج لسانه لجده..

ملاحظات في دفتر أنيق
عندما حاصر الجنود المدرسة, كان ممثل الصليب الأحمر في زيارة تفقدية, فاحتمى في غرفة الناظرة وافتقد آلة التصوير.. عطس مع هبة المسيل للدموع, واندلقت دموعه, فزودته الناظرة بقطنة مبللة بماء الكولونيا..
تصاعد الهياج, وتبخر ماء الكالونيا ولم تُجدِ القطنة, فهرست أم محمد البوابة فحل بصل وسدت منخريه, امتعض من بربريتها ولكنه سرعان ما نظر إليها بامتنان..
فرقع الرصاص, وحملت الطالبات صبياً في العاشرة أصيب في بطنه, استدعت الناظرة سيارة الإسعاف فيما انهمكت معلمة الألعاب تضميد الجرح والإسعافات الأولية.. تشنج الصبي تلوى ونفض ساقيه, فسقطت الحجارة من جيوبه..
فتح ممثل الصليب الأحمر دفتره الأنيق وسجل ملاحظة, ولم ينظر صوب الطفل.. أوقف الجنود سيارة الاسعاف, منعوها من الوصول, هزته معلمة اللغة الانجليزية:
- إنهم يقتلون الصبي..!!
عاد إلى دفتره الأنيق, وسجل ملاحظة أخرى, فانفجرت أم محمد في وجهه:
- يلعن أبوك..
ونتشت الدفتر وطوحت به بعيدا في فناء المدرسة.. الغريب أن أحدا من التلاميذ لم يلتقط الدفتر, وأن السيدة الناظرة لم تسأل أم محمد في تصرفها مع صاحب الدفتر الأنيق, وأن الصبي بقي يحدق فيهم رغم الشحوب الذي زحف إلى عينيه..

بعيداً عن السياسة
سرت إشاعة عن تسمم مياه الشرب, لم تنطلِ على أحد ولم تُشغل سكان المخيم..
قال مساعد الحاكم العسكري لوجهاء ومخاتير مخيم الشاطئ في اجتماع طارئ:
- أنا لا أُريد الحديث في السياسة, أنا طلبت الاجتماع بكم حتى أبحث معكم مشاكل المخيم. صمت المخاتير والوجهاء, ولم يهزوا رؤوسهم كالعادة, وسرب أبو العبد حبات المسبحة من بين أصابعه فأحدثت نقرات متتالية, وفتح القناة المعتادة بين الأذن اليمنى واليسرى, وتظاهر بمتابعة الحديث, فال مساعد الحاكم:
- الناس يتحرشون بالجيش, لازم تعرفوا أن الجيش مش لعبه, الجيش يدافع عن نفسه.. يطلق النار, تصيب ناس ويموت ناس, والخسارة دائما فيكم.
توقفت حبات المسبحة بين أصابع أبي العبد, وتبادل النظرات مع المخاتير, وتظاهر بالاستماع, واصل مساعد الحاكم العسكري:
- لازم تربوا أولادكم..
زفر الوجهاء والمخاتير, مصوا سجائرهم.. جفت حلوقهم ولم يطلبوا ماءً.
- وعلشان أتصل بكم طلبت إعادة التليفونات المقطوعة عنكم.
تمتم أبو العبد" خليها مقطوة أحسن" فقطع الطريق على أحدهم هم بالحديث.
سأل مساعد الحاكم أبا العبد:
- إيش رأيك يا مختار؟
- في ماذا؟
- في الكلام الذي قلته.
سد أبو العبد القناة الموصلة بين الأذن اليمنى والأذن اليسرى, وتشبث بحبات المسبحة, قال:
- هذه قصة يعرفها الناس في المخيم, اسمع يا حاكم, حل ضيف على رجل, فوضع المضيف أمام ضيفه الطعام وسلة خبز, وقبل أن يمد الضيف يده للطعام, قال المضيف" رغيف صحيح لا تكسر, ورغيف مكسور لا تأكل, وكل حتى تشبع"
كركر الوجهاء والمخاتير, فاستشاط مساعد الحاكم:
- من الضيف, ومن المضيف يا مختار؟
- هذا كلام في السياسة, وأنتَ لا تريد..
وانفض الاجتماع..

درس في الأفعال
كان الصبح ندياً رغم سحب الدخان في أزقة المخيم, وفي المدرسة تجاوز الأطفال متون الأيام, قالت المعلمة:
- ضع الفعل الماضي في جملة مفيدة.
قال حسام:
- نزح أهلي من مدينة المجدل.
وغضبت رانية:
- قتل الجنود خالي محمود.
وعبس سعيد:
-جرح "المشمار كفول" صديقي أسعد.
تجاوزت المعلمة أحزانها, ضغط خاتم الخطبة على أصبعها, واشتاقت للمسة أصابع حنونة, قالت:
ضع الفعل المضارع في جملة مفيدة:
قالت صفاء تتباهى:
- تطرز أمي الأعلام كل يوم.
وقال خليل واثقا:
- نقيم المتاريس في الأزقة.
وقال شوقي وقد اطمأن على البصلة في جيبه:
- نشم الغاز المسيل للدموع.
تحشرج صوت المعلمة, وانفلتت دمعة فشلت في حصارها, ومض في صدرها شاب صادروه تحت جنح الظلام, وأدعوه النقب, وما زال يحلم كثيرا, ويقبل عينيها من وراء الشباك كل زيارة.. سألت:
- استخدم فعل الأمر في جملة مفيدة.
لوح مجدي:
- إرجموا الجنود.
وتميز صوت سامر:
- إشعلوا الإطارات.
وتجاوزت هيفاء لثغة لسانها:
- غنوا يا أطفال.
صدر المعلمة يتسع, يزهر حنانا, نظرت إلى أفق الدنيا, واسترسلت مع أشعة الصباح, وامتطت أشعة الدخان جيادأً أصيلة, سكنتها عيون الأطفال, حلمت دون نوم, رأت فارسها يعتلي أعمدة الغضب, سيفه خيوط الشمس, فاشتاقت لموعد الزيارة.
ميز الأطفال صوت سيارة عسكرية فاندفعوا إلى بوابة المدرسة, كوروا قبضاتهم الطرية, وباعدوا بين السبابة والوسطى وغنوا بثقة.



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اجندة غزة وشطب الذاكرة
- بطاقة تهنئة في عرس مصادر
- الضرب على قشرة الدماغ
- الخالة أم بشير - قصة قصيرة
- الهدهد والديك الديك الرومي - قصة قصيرة
- أطوار/ المرأة الوردة
- فلة وسكبن صغير - قصة قصيرة
- أول المرايا - فضاء سردي
- الهليون - قصة قصيرة
- ثلاث شجرات يثمرن برتقالا - قصة قصيرة
- قصص سوداء
- أشلاء بؤرة العشاق للروائي أحمد حميدة
- فوزية مهران امرأة تقترف الوجد - مقاربة نقدية
- الوجوه الباهتة - مقاربة نقدية
- غزالة الموج
- من هنا وهناك- وقاربة نقدية
- من هنا وهناك
- الهدهد والديك الرومي
- مرآيا الأثير- قصة قصيرة
- امرأة في الحصار- قراءة في رواية بقايا امرأة للثاص باسل ناصر


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غريب عسقلاني - أجندو غزة وشطب الذاكرة