أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - حضن هو الدنيا#















المزيد.....

حضن هو الدنيا#


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 2088 - 2007 / 11 / 3 - 07:49
المحور: الادب والفن
    



يحدق بشرود مجرداً التجربة من أثقالها. يحدق نحو ذراعه المرفوعة في فضاء الغرفة، حالماً بها ناصعة مغسولة من كل الجروح تصعد بضحكتها. تفتح الباب وتهبط عليه هبوطها القديم، المباغت، المحتدم.

ـ هل ستفعل ذلك مثلما كانت تفعل في زهرة شبابها؟!.

ـ هل سيدفن رأسه ويبكي في حضنها الحار من جديد؟!.

ينزف بصمت في انتظاره اليومي للحظة صعودها من الصالة. ينزف خلاصة روحه في خفقان قلبه المضطرب وكأنه صبيٌ غر يحاول الكلام أول مرة مع بنت أحبها. ينزف ناظراً إلى أصابعه المشهرة في فسحة الضوء المتسرب من مصباح الشارع.. إلى ذراعه التي كلتْ وهوت. يتابع صدى سقوطها الخافت.. تناثرها مثل قتيلٍ في البرية.. مواتها وكأنها لا تمت إليه بصلة.. قطعة من أشتات الدنيا ملقيةً جواره. يستلقي مهدوداً، لا ينشط إلا على ضجيجها المقترب من أسفل السلم. وخطوها المتسلق درجات الخشب. يصطخب قلبه على إيقاع الأزيز الران في الصمت. يتتبع الأقدام التي أتمت لتوها الصعود. يحدد الاتجاه.. هاهي تمر بباب الغرفة.. تعبرها نحو الحمام.. تكبس زر الكهرباء.. دوي المفرغة..أنها تؤدي طقوس ما قبل النوم.

ـ هل ستستدير في لحظة حمق وتفتح الباب؟!.

يتوتر.. يشب ناهضاً من رقدته. متوقد القلب. علها تنسى.. علها.. علها. ينصت لصوت فرشاة الأسنان الدائرة في فمها العذب. يكتظ بالرغبة.. يكاد ينفجر وشكل سنيها الأماميين العلويين البارزين بروزاً ساحراً يراهما بوضوح تحت رغوة منظف الأسنان. يجمد على وقع الصمت الذي يسود للحظة عقب انقطاع صوت الماء المنهمر من الحنفية. يجمد. يلتصق بالباب. ستخرج.. ستخرج. يصيخ بكل كيانه منتظراً وقع قدميها.

ـ علها تنحرف عن مسارها اليومي المتجه نحو غرفة الأطفال!

علها تنسى ضغائنها وتأخذني من جديد إلى مدارها!

علها..!.

يسمع الخطوة الأولى.. الثانية.. بعد خطوتين ستكون خلف الباب تماماً. يكاد يفتح الباب ويجذبها ورائحتها المدوخة تخترق الباب.. تطيح بكيانه.. يمد كفه نحو مقبض الباب. يسقط يده والخطو ينقطع في الفسحة الكائنة بين غرف النوم. ينصت

ـ هل قررت الدخول؟!.

يمتد الصمت طويلاً

ـ أنها إذن مثلي محتدمة وتكابر!.

يقول لنفسه.. يخف توتره قليلاً لهذه الفكرة.. ينتظر إلى أن يسمع من جديد وقع خطوها المبتعد، ثم باب الغرفة الأخرى وهي تغلق بحذر. يغور في الصمت وخواء الليل. يستيقظ في أعماقه ذلك الكائن الشائه.. المتجلي بين الحين والحين. ينبثق من أمكنة سرية في الروح.. يأتي متلمظاً بلذة غريبة.. نشوة تتصاعد مع فوران دمه بالرغبة الماحقة. رغبة عارية شديدة الوضوح عادت تزوره في سنوات المنفى الأخيرة على فترات متقاربة. رغبة تهدر في لحظات انسحاقه في مختلف الأمكنة. رغبة تجلت أول مرة عندما طعن جسد الجندي الإيراني المهاجم في ضيق الملجأ.. رغبة ماحقة في تدمير الكل.. تحطيم العالم.. يفور.. يفور.. فورانه اللذيذ وهو يجهز على رجل المخابرات الصامت، الموثوق اليدين في كهفٍ من كهوف الجبل.. فوران يستحيل فيه العالم إلى نقطة ضيقة تتسع لحظة الطعن.. سينفذ إلى قلبها بحد السكين.. سيصل إلى سخونته القديمة.. سيصل إلى مباهجه.. سيتسع العالم وهو يراها تحت عينيه مذعورة.. مستسلمة.. مسكينة.. ستختفي من ملامحها نظرة الاستهجان التي باتت تلقيه إلى تلك النقطة التي يضيق فيها العالم.. النقطة الحرجة. ينتظر إلى أن تعم السكينة.. يتسلل إلى حيث ترقد، يتأكد من سقوطها في النوم:

ـ أنها خلية القلب!.

يهبط السلالم، يرتشف الكأس تلو الكأس. يتلمس حد السكين على ضوء مصباح الطريق. ينتفض على نفسه هامساً:

ـ مجنون.. مجنون..

لا سبيل إلى القلب بسكين!. يسمع صوت ابنه الصغير في تسلله اليومي إليه حيث سيغفو ثانية بين ذراعيه كما تعود منذُ سنته الأولى. يحمله إلى فراشه. ويعود إلى وحدته في بحر السرير الزاخر بالهواجس والقصص. يستلقي مفكراً في سر تعلقه الأعمى بهذا الكيان رغم صدوده وقسوته. سر عدم مقدرته على تغيير حياته رغم الفرص الكثيرة التي سنحت له. سرٌ غامض مختلط يكمن فيها وفيه وإلا لمَ عجز عن الهروب نحو عالم جديد ؟. سرٌ حاول مرارا الوقوع على مفتاحه لكنه يضيع في تفاصيل طفولته وصباه ونضجه:

ـ هل يكمن ذلك في نشأته وسط ست أخوات.. أم في ضعفه وخوفه من العالم دون حضنٍ دافئ؟!.

الحضن.. الحضن.. هل يكمن السر فيه؟!. لحضنها عبق حضن أمه الذي ضمه في ذلك اليوم المرعب. كان ابن التاسعة. دخل البيت لاهثاً فقد ركض من جامع السنة قرب سوق التجار إلى بيت أهله في طرف المدينة. ودفن وجهه المعروق باكياً في حضنها الحار. كانت تقف جوار التنور:

ـ اسم الله يمه أش بيك.. اسم الله!

لبث يختض ملتصقاً وكأنه يبغي الغور في أحشائها، غير قادرٍ على مغادرة مشهد الذبح الذي جرى أمام عينيه. كان في طريقة إلى دكان خليل الحلاق حيث يعمل مساعداً خلال العطلة الصيفية. وكالعادة سلك درب أزقة ـ الجديدة ـ الضيقة المحيطة بالسوق المسقوف، سائراً لصق الجدران متضايقاً من واجبه الثقيل الذي يجعله لا يستمتع باللعب أسوة برفاق طفولته الصاخبين في الشوارع والأزقة. سيستقبله خليل بوجهه الصارم، المخيف لحظة الغضب، التي تتكرر في اليوم عدة مرات حال تلكؤه في تنفيذ طلبٍ. يسير في الظلال، بين جدران الأزقة التي تكاد تتعانق بشرفاتها العلوية. يسير مفكراً في كف الحلاق القاسي التي تهبط على رأسه، ظهره، قفاه، موجعة لأتفه الأسباب. وعندما أشتكى لأبيه من ذلك. قال له:

ـ حتى تتأدب!.

لم يجرؤ على الرد، فقد جرب مرةً فذاق عصاه الغليظة وصراخه الهستيري:

ـ ترد عليّ ابن الكلب.. ما مربى!.

وفي نقطة بظلال جدار جامع السنة العالي وجد نفسه يجلس على دكة بابه الذي يظل مغلقاً إذ أن المصلين يدخلون من الباب الأخرى الكائنة في فرع جانبي، كما فعل البارحة فقد تنعم بالظلال الوارفة حتى غياب الشمس، عاد بعدها إلى البيت ولم يكتشف أمره. جلس يرمق القرويين الغادين والرائحين في الزقاق الموصل بين مخازن الحبوب وكراج الأرياف، بائعة الباقلاء الجالسة أمام دار مقابل، صائغ الفضة الجالس على دكة ناصية في فسحة محله الضيق قبالته. يتأمل بشرود المصلين الذين بدأوا يتوافدون مع اقتراب موعد أذان الظهر، الكائنات الخاطرة مثل أطياف حالماً بلحظة الخلاص من الحلاق، عصى أبيه والانطلاق في الأزقة، الأفياء، سواقي الحقول، البساتين مثل رفاق طفولته المليئين باللعب والقصص،. وفيما هو ينصت إلى صوت المؤذن الشجي ظهرت فتاة تركض من فرع جانبي. وخلفها يجري رجل شاهراً قامةً. تخلصت من عباءتها. كان الزقاق قد خلا تقريباً وقت صلاة الظهر. دفع بجسده المذعور بخشب الباب العالي وقسمات الفتاة الجميلة المرعوبة قريبة واضحة. كانت تحاول الصراخ دون جدوى. أخرسها الرعب والرجل الفارع القامة يقترب منها. كاد أن يقوم صوبها راكضاً حينما تأكد بأنها جارتهم سميرة التي طالما حضنته وأجلسته في حجرها، وقصت له الحكايات. وأرسلت بيده الرسائل لشبان مختلفين بين فترة وأخرى. وكان لا يبوح بسرها مقابل حجرها الدافئ وأصابعها الناعمة الجائبة بأنحاء جسده الغض وشعوره بلذة وراحة مسكرة. لحجرها طعم مختلف عن حجر أمه وأخواته. جاوزت باب الجامع بقليل حينما أمسكها الرجل بذراعه القوية من كتفها الممتلئ وهوى على عنقها بالقامةِ لاهثة النصل. انبثقت الدماء نافورة قانية، لامعة تحت شمس الظهيرة. انبثقت في لحظة خاطفة سوف يظل مرآها يرعبه وهو يتخيل أعناق النساء جاهزة لحد السيف. نافورة تنثر رذاذها الأحمر على التراب على ثوبها المنزلي المطبع بالورد على القاتل الذي لم يتركها تسقط بل راح يكيل إلى جسدها المنتفض الطعنة تلو الطعنة إلى أن همدت بين ذراعيه الملطختين بدمها. كان يحملق متقطع الأنفاس في أصابعه السمراء الغليظة، المبقعة بزيت زنجيل الباسكلات، الماسكة بالكتف الدامي، برأسها المتدلي مثل خرقة، بملامح القاتل المنشية، بالقامة الحمراء، بصبيب الدم المنهمر على التراب، بعجوزٍ شمطاء راحت ترقص رافعة عباءتها الصوف ودائرة حول الجثة التي تركها تسقط، وهي تنشد أشعاراً شعبية عن الشرف الرفيع المستعاد تلك اللحظة. أنكمش حتى كاد يغور بصاج الباب، بصوت المؤذن الذي لم ينتهِ بعد من الشهادة متخيلاً القاتل سوف يجهز عليه أيضاً. وما أن استدار بملابسه الملطخة بالدم نحو السوق ومخفر الشرطة حتى هب راكضاً من باب الجامع إلى حضن أمه الواقفة بطرف الحوش جوار التنور. ظل ينتفض بحضنها الحميم حاساً بدوي أحشائها المضطربة:

ـ أش بيك يمه.. قول.. قول!

ـ ..

كان عاجزاً عن النطق، متشبثاً بحضنها، مغموراً في أنفاسها، مرتجفاً، معروقاً، مغمض العينين يود البقاء في بهاء حضنها ورائحته وصوت نبضها ودوي أحشائها ولهاث لهفتها.. إلى أن أنفجر بعويل طويل وصراخ مجنون. ستظل تنتابه هذه الحالة من الارتجاف والتعرق والانكماش من المحيط كلما ألمت به نازلة ما.. فقدان صديق.. سفر.. هجران امرأة تعلق بها.. إحساس بالوحدة في وسطٍ معادٍ كما كان يحدث له بين الحين والحين وسط رجال العصابات فكان يختض في حضنها اختضاض ذلك اليوم القديم في حضن أمه جوار التنور قبل أن يعول منفجراً في نحيب طويل وهذيان يندب كل شيء. كانت تكفكف دموعه وتطبع شفتيها في أنحاء جسده الراجف الهش مع سيل من الهمس الناعم المواسي المتغزل الشفيف المتألم كان يحسها تتمزق بكل كيانها لألمه فيغفو في حضنها تلك الليلة بعمق وأمان.

ـ هل لا يزال مجرد طفل رغم كل ما مرَّ به؟!.

ـ هل يخشى فقدان حضنها؟!.

ـ أتكون الخشية تلك سر عجزه عن تغيير حياته؟!.

ـ ألم يفقده فعلاً هنا في الدنمارك؟!.

ـ هل حلمه بعودة الدفء القديم إلى حضنها المقشعر انكماش عند ملامسته هو من جعله يتحمل كل ذاك المقدار من الإذلال اليومي والقسوة؟!. أم أنه إنسان ضعيف ذليل لا قدرة له على المواجهة؟!.

لا يدري.. ضاع عليه كل شيء في تشابك وتعقد العلاقة والحياة والماضي والحاضر ومجهول اليوم القادم وهذه المناحي الغريبة ببشرها ومطرها وسمائها التي تكاد لا تعرف الصحو بتقاليدها الجديدة السابقة حتى على ما كان يتخيله من فحوى الحرية وتمثلها في واقع مجتمعه.. لا يدري.. لا يدري رغم الكم الهائل من الكتب التي قرأها والحوارات التي دخل فيها في الوسط الثقافي والسياسي في كل الأمكنة والدول التي مرَّ بها.. لا يدري.. لا يدري فها هو يسقط في حيرة تلك اللحظة التي كف فيها عن الصراخ ليخبر أمه عن مقتل سميرة على يد خالها مصلح الدرجات، وبدلاً من أن تبدي أسفها. لامته لعدم ذهابه إلى دكان الحلاق. وقالت وهي تنظر بعينين تقدحان غضباً نحو شقيقاته الثلاث اللواتي يكبرنه:

ـ هذا مصير كل وحده ما تمشي بالدرب الصحيح!.. قحاب.. والله لا عابت أيده لغسل عاره!

أحس بأخواته الثلاث يحدقن بذعر نحوها قبل أن تشرد عيونهن نحو السماء الصافية المليئة بطيور الجيران الدائرة في حلقات. ومن يومها ازداد التصاقا بأخواته واجداً بحضنهن بديلاً عن حضن أمه التي وجدها قاسية في تهديدها المضمر لهنَّ. وصار يطيل المكوث معهن منشغلاً بهمومهن وخصوصاً مع التي تكبره بثلاثة أعوام والتي أصبحت تسر له بمشاعرها الدفينة في تعلقها بالمغني الأمريكي الوسيم ـ ألفيس برسلي ـ وفي لاعبي كرة قدم مشهورين.. سوف يستعيد عينيها النهمتين وهي تطيل النظر في أجسامهم الفتية شبه العارية المطلة من الصور التي يقطعها من مجلات أخر ساعة والمصور والمجلة والمدار المكدسة على المناضد لتسلية زبائن الحلاق المنتظرين دورهم. أستبدلها بأمه فعندما أصابه الهلع وهو يرى رجالٍ عراة يخرجون جثة فتاة طفت على النهر قرب الجسر القديم بملابسها وقسماتها المنتفخة ويضعونها على نقالة الإسعاف لم يخبر أمه، بل أسر إلى أخته في الليل بما شاهده وما سمعه من الناس حول مقتلها غرقاً غسلاً للعار مضيفاً:

ـ لا تسوين شي مو زين.. أرجوك.. أرجوك خاف يقتلوكِ.

ـ لا تخاف أحنه متربين مو مثلهن!.

لكنه في السنين القادمة عثر على حزمة رسائل مخبئة بين الكتب القديمة المكدسة في غرفة الطين بطرف البيت والمستخدمة كحمام ومطبخ ومخزن. وقتها كانت أخته في المرحلة الإعدادية، والرسائل موجهه إليها بالاسم.. رسائل غزل طويلة مكتوبة بقلم حبر جاف يتلون بين الفقرة والفقرة بالأحمر والأخضر والأزرق. رسائل فيها تفاصيل عن لقاءات سرية في غرف.. وكلام عن قُبَلْ وأشياء أخرى جعلته يحمر غضباً وخجلاً. أخفاها في مكان آخر ولم يفكر مطلقاً في إخبار أبيه أو أمه أو أي شخص آخر مستعيداً مشهد سميرة التي ذُبحتْ والفتاة التي انتشلت جثتها من النهر. ظل يتقلب بالعذاب أياماً غير قادرٍ على مصارحتها إلى أن فكر بحلٍ يساعده على الخلاص من هذا السر الذي يثقله. ففيما كانوا يتحلقون حول صينية الطعام الكبيرة في وسط الغرفة ألقى في حضنها بإحدى الرسائل في غفلة عن أمه المنشغلة بإطعام أخته الصغيرة وراقب ردود الفعل. سقطت من يدها قطعة الخبز التي كانت على وشك تغميسها بصحن المرق. أمتقع وجهها، ثم شحب شحوب من غادر الحياة. وشخصت فوراً إلى وجه أمه. وجدتها لم تنتبه للورقة، فخطفتها لتضعها في زيق ثوبها المفتوح وتقوم قائلة بصوت مرتجف لأمه المتسائلة عن سبب تركها صينية الأكل:

ـ يمه.. ما أشتهي!

وقتها أحس بلذة خبيثة لم يزل يتذكر طعمها. ظل يأكل بشهية مستولياً على حصتها بينما كانت تدور في حوش الدار الواسع متنقلة بين فيء الحيطان منتظرةً على جمر قيامه. تعمد الإبطاء وكأنه ينتقم لدمه الفائر منذُ لحظة عثوره على الحزمة الثقيلة. وفي زاوية البيت وبصوت هامسٍ متوسل قصت عليه قصةً الرسائل الطريفة مصرةً على كونها تخص صديقةً لها اتفقت مع صاحبها على كتابة أسمها بدلاً منها كي لا تنكشف علاقتهما أبداً. وأن تلك الصديقة طالبة معها في الصف. وستأتيه بها إذا طلب كي تؤكد القصة.. كانت تتوسل كي يحفظ سر صديقتها. وكان يضحك في داخله وهو يستعيد تفاصيل ما ورد في الرسائل التي قرأها بإمعان ولمرات لا تعد حتى حفظ كلمات الغزل والوصف الذي رسم ملامحها ولونها بدقة والمختلف تماماً عن صديقتها المذكورة الطارقة بابهم كل صباح كي تصطحبها إلى المدرسة:

ـ أنت ما تخافين.. ليش!

قال لها ذلك متخيلاً عنقها البض يحز من أحد أعمامه أو أخواله أو أبيه بسكين، ناظراً نحوها بإشفاق وحنان، مبدياً أنه قد صدق قصتها ولا يحتاج إلى مقدم صديقتها. وذهب إلى غرفة الطين المتطرفة وسلمها الحزمة طالباً منها الكف عن هذا السلوك كي لا يفعلوا بها كما فعلوا بتلك البنات اللواتي يعثر عليهن مقتولات في الشوارع والأنهر والبساتين والحقول. أصبحت مستودع أسراره لاحقاً. يسرد لها قصصه مع البنات اللواتي يتعلق بهن. كن يتركنه بغتةً دون أن يعرف السبب فيبكي في حضنها طويلاً. هي الأخرى كانت تمسحه بحنان قائلة:

ـ أسكت خويه.. أسكت راح تحبك أحلى بنية بالدنيا.. وين أكو مثلك حنين وطيب!

لكنها سرعان ما تزوجت لتتركه في وحشة افتقاده لحضنها الذي استولى عليه رجل غريب صار يود البصاق على خده كلما زارهم بصحبتها. سيظل يبحث في الدنيا عن حضنٍ هو الدنيا إلى أن هبطت عليه لتزيل كآبته وعزلته في غرفته المتربة المظلمة العاجة برائحة الكتب والحرمان.
ــــــــــــــــ
# فصل من رواية معدة للطبع ـ كل شيء ضدي ـ



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروب وغبار رواية جنان جاسم حلاوي عن العراقي التائه الباحث ...
- أرباب الرعب
- طوبى للعراق الموحد في صف أدرس فيه العربية في كوبهاجن كمتطوع
- وجهك المأمول حجتي رسالة عاشق مخذول تحول إلى سكير حالم حتى قا ...
- حوار بين الشاعر علي الشباني وسلام إبراهيم
- قولبة شخصيات النص في أبعاد معدة سلفاً رواية أيناس لعلي جاس ...
- أقواس المتاهة مجموعة عدنان حسين أحمد القصصية المغزى في النص ...
- بنية روائية تؤسطر الوقائع وتدفعها إلى حافة الجنون قلعة محمد ...
- المنفى هو منفى أبدي بعد مجيء الطير مجموعة إبراهيم أحمد القصص ...
- بنية قصصية تبحث عن دلالتها بالرمز -ما يمكن فضحه عن علاقة أبي ...
- كتاب يهجو الطغاة ويعرض لصريخ الضحايا مصاطب الآلهة مجموعة محم ...
- مجلس جالية أم مجلس أحزاب الجالية؟!
- المولود في المنفى كائن مكونٌ من الحكايات -أمسية صيفية-* مجم ...
- المنفي ميت حي -البيت الأخضر - مجموعة عبد جعفر القصصية
- قاب قوسين مني- مجموعة -هدية حسين- القصصية تصدع بنيان المجتمع ...
- أصغي إلى رمادي لحميد العقابي الذات حينما تدمرها الطفولة والح ...
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة5
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة 5
- ما بعد الحب رواية هدية حسين 1
- ما بعد الحب رواية هدية حسين2


المزيد.....




- -من أم إلى أم-للمغربية هند برادي رواية عن الأمومة والعالم ال ...
- الناقد رامي أبو شهاب: الخطاب الغربي متواطئ في إنتاج المحرقة ...
- جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2023-2024 “صناعي وتجاري وصناع ...
- مسلسل المتوحش الحلقة 33 مدبلجة على قصة عشق ومترجمة على فوكس ...
- رئيسي : ندعو الكتّاب والفنانين الى تصوير الصراع بين الشرف وا ...
- أغاني حلوة وفيديوهات مضحكة.. تردد قناة وناسه على نايل وعرب س ...
- الإعلان الأول ح 160.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 160 على قصة ع ...
- لأفلام حصرية باستمرار.. ثبت تردد قناه روتانا سينما على الأقم ...
- فنون البلاغة العربية.. فلسفتها، ومتى يعد العرب النص فصيحا أو ...
- الرباط.. معرض الكتاب الدولي يستقبل زواره ويناقش -الرواية وعل ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - حضن هو الدنيا#