عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1986 - 2007 / 7 / 24 - 11:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
محمد- أزواجه –1 -
لقد ذكرنا لك أزواجه الأثنتي عشرة اللاتي دخل بهن , وقد ذكروا أن جملة من خطبهن من النساء ثلاثون امرأة منهن من لم يدخل بهن , وهذا ما سيظهر معنا في المقالة التالية 0
خديجة بنت خويلد
(00 لقد ذكرنا لك , فيما مرّ , كيف أرسلت خديجة إلى محمد , وكيف طلبت منه أن يذهب أجيراً لها بتجارتها إلى الشام مع غلامها ميسرة 0
ولا يخفى أن خديجة كانت تعيش مع محمد في بلد واحد , وهي مع ذلك ليست بعيدة عنه في النسب , بل هي وهو كلاهما من قريش تجتمع معه في قصي 0 فلا شك أنها كانت تعرف محمداً وتعرف ما قد اشتهر به بين أهل مكة من الصدق والأمانة وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة , إلا أن معرفتها هذه لم تكن عن قرب ولا عن مخالطة , ولكنها بعدما استأجرته وأرسلته في تجارتها إلى الشام وصارت تعرفه معرفة القريب المخالط , وقع في حبه قلبها وتمكن منها , وخامرها هواه حتى أصبحت / 529 / له عاشقة بعد أن كانت له مستأجرة 0
ليس من الغريب أن نرى خديجة أصبحت عاشقة لمحمد في مدة يسيرة بعد استئجارها إياه لأن نظرة واحدة قد تكون في بعض الأحيان كافية لحصول أشد الحب , فكيف إذا كانت نظرات ومجالسات ومحاورات , شاب في الخامسة والعشرين , كامل الخلقة جميل الصورة , حسن الأخلاق , شريف النسب , كيف لا تحبه خديجة وقد اتصلت به واتصل بها في تجارتها , وقد ربحت على يده أرباحاً لم يسبق لها أن ربحت مثلها من قبل , وهي أيم وهو عزب 0
مما لا استريب فيه أنها بعدما أرسلته مع غلامها ميسرة إلى الشام , كان شوقها الشديد إليه يمثله لناظريها , فكان خياله نصب عينيها لم يفارقها مدة غيابه عنها , فكانت تنتظر قدومه كما ينتظر العاشق قدوم عشيقته , وكانت في انتظارها قدومه على أحرّ من الجمر , حتى أنها في يوم قدومه صعدت في علية لها تطل على طريق الشام من مكة , فقعدت فيها مع نساء لها تنظر إلى الطريق وقد علمت أن العير قادمة في ذلك اليوم , فلما دخل محمد مكة في ساعة الظهيرة لرأته وهو راكب على بعيره , فأرت نساءها إياه 0
إن خديجة كانت يومئذ بنت أربعين سنة , وكانت قد تزوجت قبل ذلك مرتين , فكان أو زواجها عتيق بن عابد , فولدت له بنتاً اسمها هند , وكان ثانيهما أبو هالة واسمه هند , فولدت له ولداً اسمه هالة , وولداً اسمه هند فهو هند بن هند 0 والظاهر أنهما توفيا عنها فبقيت أيماً لم تتزوج 0
وفي السيرة الحلبية : أن هنداً بنت خديجة من عتيق بن عابد تزوجها صيفي المخزومي , فولدت له محمداً 0 فهي أم محمد بن صيفي /530/ , وأن هنداً ابنها من أبي هالة كان ربيب رسول الله , رسول الله , وكان يقول أنا أكرم الناس أباًَ وأماً وأخاً وأختاً , أبي رسول الله ( لأنه زوج أمه ) و أمي خديجة , وأخي القاسم وأختي فاطمة 0 قال الحلبي : إن هنداً هذا قتل مع علي يوم الجمل , وقال السهيلي : إنه مات بالطاعون في البصرة (1) 0
إن خديجة وإن كانت قد بلغت الأربعين من عمرها إلا أنها لم تزل عليها مسحة من جمال , كما وصفتها نفيسة بنت منية , وهي صاحبتها التي كانت وسيطة بينها وبين محمد في طلب الزواج 0 ففي السيرة الحلبية عن نفيسة بنت منية قالت : كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة جلدة شريفة , مع ما أراد الله لها من الكرامة والخير , وهي يومئذ أوسط نساء قريش نسباً وأعظمهم شرفاً , وأكثرهم مالاً وأحسنهم جمالاً , وكانت تدعى بالطاهرة , وفي لفظ : كان يقال لها سيدة قريش , وكل قومها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك , وقد طلبوها وذكروا لها الأموال فلم تقبل (2) 0
طلب الزواج
إن محمداً تزوج خديجة بعد رجوعه من الشام بخمسة عشر يوماً , وكان طلب الزواج وقع من قبل خديجة لا من قبله , وكان السفير بينهما نفيسة بنت منية , قالت نفيسة : فأرسلتني دسيساً خفية إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام , فقلت : يا محمد ما يمنعك أن تتزوج ؟ فقال : ما بيدي ما أتزوج به , قلت : فإن كفيت ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاية ألا تجيب ؟ قال : فمن هي ؟ قلت : خديجة , قال : وكيف لي بذلك ؟ قلت : بلى وأنا أفعل 0 قالت : فذهبت وأخبرتها , فأرسلت إليه أن ائت لساعة كذا وكذا (3) 0
إن خديجة كانت تخشى أن لا يوافق محمد على الزواج , وأن يمتنع / 531/ منه , فلذا أرسلت نفيسة خفية لتجس نبض رأيه في الزواج , حتى إذا علمت أنه موافق غير ممتنع طلبت حينئذ الزواج علناً , فيكون طلبها مقروناً بالنجاح لا محالة 0 وهذا يدل على أنها كانت حازمة كما قالت عنها نفيسة 0
أما محمد فلم يذهب حتى أستأذن عمه أبا طالب وذكر له ما قالت نفيسة ؛ ففي السيرة الحلبية نقلاً عن الفاكهي , عن أنس : أن النبي أستأذن أبا طالب في أن يتوجه إلى خديجة, فأذن له وبعث بعده جارية يقال لها تبعة , فقال : انظري ما تقول له خديجة , فخرجت خلفه , فلما جاء إلى خديجة أخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت : يا ابن عم إني قد رغبت بك لقرابتك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك (1) 0 وعن ابن إسحاق أنها قالت له : يا محمد , ألا تتزوج ؟ قال : ومن ؟ قالت : أنا , قال : ومن لي بك أنت أيم قريش وأنا يتيم قريش , قالت : أخطبني 0 فرجع محمد وذكر ذلك لأعمامه (2)0
كانت العادة في الزواج عند قريش أن المرأة يزوجها أحد أوليائها كأبيها أو أخيها أو عمها 0 فأما خديجة فأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها فحضر , وأما محمد فجاء في عمومته إلى بيت خديجة , فخطب أبو طالب , وقيل : حمزة , فقال في خطبته : إن أبن أخي له في خديجة رغبة ولها فيه مثل ذلك 0 فقال عمرو بن أسد : هذا الفحل لا يقدع أنفه , وهذا القول منه جواب بالموافقة , ومعنى قوله لا يقدع أنفه لا يضرب أنفه ليرتدع بخلاف الفحل الكريم (3) 0
(1) السيرة الحلبية , 1/140 0
(2) السيرة الحلبية , 1/137 0
(3) السيرة الحلبية , 1/1370
(1) السيرة الحلبية , 1/ 140 0
(2) السيرة الحلبية , 1/ 138 ؛ سيرة ابن هشام , 1/ 189 0
(3) السيرة الحلبية ,1/ 139 0
سودة بنت زمعة :
كانت وفاة خديجة في شهر رمضان من السنة العاشرة للنبوة , وفي هذا الشهر أيضاً بعد وفاة خديجة بأيام تزوج محمد سودة بنت زمعة , وكانت قبله عند ابن عمها السكران , وكان قد هاجر بها إلى الحبشة الهجرة الثانية ثم رجع بها إلى مكة فمات عنها 0
وكانت الوسيطة في الزواج خولة بنت حكيم , فعن خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون قالت : لمّا ماتت خديجة قلت : يا رسول الله , ألا تتزوج ؟ قال : من ؟ قلت : إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً , قال : فمن البكر ؟ قلت : أحق خلق الله بك بنت أبي بكر , قال : ومن الثيب ؟ قلت : سودة بنت زمعة قد أمنت بك واتبعتك على ما تقول , فقال : اذهبي فاذكريهما عليّ 0
قال خولة : فدخلت على سودة بنت زمعة فقلت لها : ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة ؟ قالت : وما ذاك : أرسلني رسول الله أخطبك عليه , قالت : وددت , أدخلي على أبي فاذكري ذلك له , وكان شيخاً كبيراً , فدخلت عليه وحييته بتحية الجاهلية , فقال: من هذه ؟ فقلت : خولة بنت حكيم , قال : فما شأنك ؟ قلت : أرسلني محمد بن عبدا لله أخطب عليه سودة , قال: كفؤ كريم , ثم قال: وما تقول صاحبتك ؟ قلت : تحب ذلك , قال: ادعيها إليّ , فدعوتها فقال : إي بنية إن هذه تزعم أن محمد بن عبدا لله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبك , وهو كفؤ كريم , أتحبين أن أزوجك منه ؟ قالت : نعم أدعيه لي 0 فجاء رسول الله فزوجه إياها (1)0
(1) السيرة الحلبية , 1/ 348 0
(2) سيرة ابن هشام , 4/ 644 0
عائشة بنت أبي بكر :
هي عشيقة محمد بن عبدا لله وحبيبته التي كانت أحب الخلق إليه , وزوجته التي لم يتزوج بكراً غيرها , وضجيعته التي لم ينزل عليه الوحي في لحاف امرأة غيرها , فكان الحب الذي جعله الله في قلب خديجة لمحمد جعله الله بعد خديجة في قلب محمد لعائشة 0 ولقد علمت مما مر أنه عقد على عائشة في مكة , ولكنه لم يدخل بها لأنها كانت صغيرة بنت ست سنين , وإنما بنى بها في المدينة بعدما فرغ من بناء المسجد , قال ابن القيم : فلما فرغ من بناء المسجد بنى بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد يليه , وهو مكان حجرته اليوم (1) 0 هذا ما يقوله ابن القيم , وقد جاء في بعض الروايات ما يدل على أنه دخل بها في بيت أبيها بالسنح 0 قال الحلبي ورأيت بعضهم صرح بذلك , فقال كان دخول بها بالسنح نهاراً (2) /539/ وفي معجم البلدان السنح , بضم فسكون , إحدى محال المدينة كان بها منزل أبي بكر الصديق حيث تزوج مليكة وقيل حبيبة بنت خارجة بن زيد من الأنصار 0 قال وهي بعوالي المدينة في طرف من أطرافها بينها وبين منزل النبي ميل (3)0
• ففي الكشاف عن عائشة قالت : ما مات رسول الله حتى أحل له النساء , تعني أن الآية قد نسخت , ولا يخلو نسخها إما أن يكون بالسنة , وإما بقوله تعالى : ( إنا أحللنا لك أزواجك ) 0 قال : وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف (4)0
فإن قلت : هل في القرآن أية تأمر بتحجيب النساء المسلمات على الوجه الذي نرى عليه نساء المسلمين اليوم ؟ قلتُ : لا , ليس في القرآن ذلك , وإنما في آداب أمرت النساء جميعاً من نساء النبي ومن نساء المسلمين أن يتأدبن بها 0 وهذه الآداب وردت في آيتين إحداهما مفسرة للأخرى ؛ أما الأولى ففي سورة الأحزاب وهي : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً ) (5) 0 أما الثانية ففي سورة النور : ( وقل للمؤمنات أن يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن وآبائهن 000) (6) إلى آخر الآية 0 وليس في الآيتين ما فهم منه الحجاب المستعمل عند المسلمين اليوم من تغطية الوجه , فإن إدناء الجلباب شيء وتغطية الوجه شيء آخر , كما أن الضرب بالخمار على الجيب ليس معناه تغطية الوجه 0 ومعلوم أن جيب القميص هو طوقه وزيقه مما يلي الصدر , وقد يطلق الجيب على الصدر نفسه , قال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالجيوب الصدور تسمية بما يليها ويلابسها ومنه قولهم فلان ناصح الجيب (1) 0
(1) زاد المعاد , فصل بناء المسجد 0
(2) السيرة الحلبية , 2/ 1210
(3) معجم البلدان , 2/ 265 0
(1) سورة الأحزاب , الآية : 6 0
(2) سورة الأحزاب , الآية : 52 0
(3) سورة الأحزاب , الآية : 50 0
(4) الكشاف , تفسير الآية 50 من سورة الأحزاب 0
(5) سورة الأحزاب , الآية : 59 0
(6) سورة النور , الآية : 31 0
(1) الكشاف , تفسير الآية 31 من سورة النور 0
حفصة بنت عمر :
ومن أزواج النبي حفصة بنت عمر بن الخطاب وأمها زينب أخت عثمان بن مظعون , وهي شقيقة عبدالله بن عمر وأسنّ منه لأنها ولدت قبل النبوة بخمس سنين وقريش تبني البيت 0 وكانت قبل أن يتزوجها النبي تحت خنيس بن حذافة فتوفي عنها بجراحة أصابته ببدر , وقيل بأحد , وهو خطأ , لأن النبي تزوجها في شعبان على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة أي قبل أحد بشهرين 0 وأهم حادثة لحفصة في حياتها مع النبي هي تطليق النبي إياها(1) 0
(1) السيرة الحلبية , 3/314 0
زينب بنت خزيمة :
هي أخت الميمونة أم المؤمنين لأمها , وكانت تدعي في الجاهلية أم المساكين لرأفتها بهم وإحسانها إليهم , وكانت قبل أن يتزوجها النبي تحت الطفيل بن الحارث فطلقها , فتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث فقتل يوم بدر شهيداً , فخطبها النبي فجعلت أمرها إليه , فتزوجها وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشاً , وذلك على رأس أحد وثلاثين شهراً من الهجرة قبل أحد بشهر 0 أنها كانت تحت عبد الله بن جحش قتل عنها يوم أحد فتزوجها رسول الله وصححه بعضهم 0
أم سلمة :
ثم تزوج بعد زينب هذه أم سلمة وأسمها هند , وكانت قبله عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد , وهو ابن عمته برة بنت عبد المطلب وأخوه من الرضاعة , فلما مات أبو سلمة قال لها رسول الله : سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك ويخلفك خيراً , فقالت : ومن يكون خيراً من أبي سلمة ؟ (3) 0 ولا شك أن في قوله : ( ويخلفك خيراً ) كان يلمح لها بنفسه أنه يريد أن يتزوجها , ولكنها لم تفطن لما أراد , فلذا قالت له : ومن يكون خيراً من أبي سلمة 0
اعتدت أم سلمة ولما انقضت عدتها أرسل النبي إليها حاطب بن أبي بلتعة يخطبها , وكان خطبها أبو بكر فأبت , وخطبها عمر فأبت , فلما جاءها حاطب قالت : مرحباً برسول الله , تقول له , إني امرأة مسنة , وإني أم أيتام , وإني شديدة الغيرة ؛ تريد أنه له أزواج وأنا أغار على زوجي فكف أعيش معه 0 فأرسل النبي إليها يقول لها : أما قولك إني امرأة مسنة فأنا أسنّ منك , ولا يعاب على المرأة أن تتزوج أسنّ منها, وأما قولك إني أم أيتام فإن كلهم على الله وعلى رسوله , وأما قولك إني شديدة الغيرة فإني أدعو الله أن يذهب ذلك عنك 0
زينب بنت جحش :
بعد أم سلمة تزوج محمد زينب بنت جحش , وكان اسمها برّة فغيّره وسمّاها زينب , وسبب ذلك أن عمته أميمة بنت عبد المطلب كان لها بنت اسمها برّة , فكره أن يقال خرج من عند برّة فيتوهم السامع أنها بنت عمته (3) 0
وكانت زينب قبله عند مولاه زيد بن حارثة , فلما طلقها زيد تزوجها محمد , ولهذا الطلاق والزواج قصة يشير إليها القرآن بقوله : ( فلمّا قضى زيد منها وطراً زوجناكها ) (4) 0
جويرية بنت الحارث :
بعد زينب بنت جحش تزوج جويرية بنت الحارث من بني المصطلق , وكان اسمها برّة فسمّاها رسول الله جويرية لما تقدم في تسمية زينب 0 وكانت قبله عند مسافع بن صفوان 0
وفي السيرة الهشامية : وكانت قبل رسول الله عند ابن عم لها يقال له عبدالله (2) 0 وقد ذكرنا كيف تزوجها وذلك فيما تقدم في بحث الغنائم والسبايا , فلا حاجة إلى إعادته هنا , وكانت لمّا تزوجها بنت عشرين سنة , وكانت عليها ملاحة وحلاوة لا يكاد يراها أحد إلا وقعت في نفسه , توفيت في المدينة سنة ست وخمسين وصلّى عليها مروان بن الحكم , وهو والي المدينة يومئذٍ , وقد بلغت من العمر سبعين سنة وقيل خمساً وستين سنة (3) 0
(2) سيرة ابن هشام , 4/ 646 /0
(3) السيرة الحلبية , 3/ 321/ 0
ريحانة بنت يزيد :
ثم تزوج ريحانة بنت يزيد , ويقال بنت عمرو , وهو شمعون مولى رسول الله من بني النضير 0 فريحانة إذن من بني النضير , وقال بعضهم : هي من بني قريظة , والصحيح أنها من بني النضير إلا أنها كانت متزوجة في بني قريظة , كانت عند رجل منهم يقال له الحكم 0 قال الحافظ الدمياطي : ولذلك ينسبها بعض الرواة إل بني قريظة , وكانت جميلة وسيمة وقعت في سبي بني قريظة , فكانت صفي رسول الله فخيرها بين الإسلام ودينها , فاختارت الإسلام فأعتقها زوجها وتزوجها وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشاً 0 وقيل : كانت موطوءة له بملك اليمين , فقد ذكر بعضهم أن رسول الله خيّرها بين أن يعتقها ويتزوجها وبين أن تكون / 626 / في ملكه , فاختارت أن تكون في ملكه , وعليه فتكون من السراري لا من الزوجات (1) 0 ودخل بها بعد استبرائها أي بعد أن حاضت حيضة , وذلك في بيت أم المنذر سلمى بنت قيس النجاري سنة ست من الهجرة , وذكروا أنها غارت على النبي غيرة شديدة فطلقها , فأكثرت البكاء فراجعها 0 وهذا مؤيد للقول بأنها كانت زوجة لا سرية 0 ولم تزل عند النبي حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع سنة عشر فدفنت فب البقيع (2) 0 وعلى هذا تكون أزواجه اللواتي توفين في حياته ثلاثاً لا اثنتين كما ذكر فيما مرّ , وهن خديجة وزينب بنت خزيمة وريحانة بنت يزيد هذه 0
أم حبيبة بنت أبي سفيان :
ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب واسمها رملة , وهي بنت عمة عثمان بن عفان , وكانت قبله عند عبيد الله بن جحش الأسدي , ولما هاجر عبد الله إلى الحبشة الهجرة الثانية هاجرت معه فولدت له حبيبة وبها كانت تكنى , وهي ربيبة رسول الله , وكانت في حجره 0 وتنصر عبيد الله بن جحش هناك وثبتت هي على الإسلام , ولمّا توفي زوجها بعث رسول الله عمر بن أمية الضمري إلى النجاشي فزوّجه إياها , وأصدقها النجاشي عند رسول الله أربعمائة دينار , والذي تولى عقد النكاح خالد بن سعيد بن العاص على الأصح , وكّلته في ذلك وهو ابن عم أبيها 0 وقيل الذي تولى عقد النكاح عثمان بن عفان و وقيل كان الصداق أربعة آلاف درهم , وجهزها النجاشي من عنده وأرسلها مع شرحبيل بن حسنة في سنة سبع , وقيل تزوجها رسول الله بالمدينة(3) / 627 / 0
صفية بنت حي بن أخطب :
ثم تزوج صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير الذي قتل مع بني قريظة , وكانت قبل أن يتزوجها النبي عند كنانة بن أبي الحقيق الذي قتل عنها يوم خيبر , وقبل كنانة كانت عند سلام بن مشكم طلقها فخلفه عليها كنانة ولم تلك لأحد منهما (1) 0
واصطفاها رسول الله لنفسه من سبي خيبر , وكانت هي من سبايا القموص وهو أعظم حصون خيبر وأمنعها 0
(1) السيرة الحلبية, 3/ 322 0
(2) السيرة الحلبية , 3/ 322 0
(3) السيرة الحلبية , 3/ 322 0
ميمونة بنت الحارث :
ثم تزوج ميمونة بنت الحارث وكان اسمها برة فسماها ميمونة , زوّجه إياها عمّه العباس بن عبد المطلب , وهي خالة ابنه عبدالله بن عباس , وأختها أسماء بنت عميس وسلمى بنت عميس , وأصدقها العباس عن رسول الله أربعمائة درهم 0 وكانت في الجاهلية عند مسعود بن عمرو ففارقها فخلف عليها أبو رهم بن عبد العزى فتوفي عنها و فتزوجها رسول الله وهو محرم في عمرة القضاء كما عليه الجمهور من علماء المدينة خلافاً لأبن عباس , ونسبه صاحب الهدى إلى الوهم قال : لأن السفير بينهما في النكاح أبو رافع , وهو أعلم بالقصة لأنه رجل بالغ , وابن عباس كان سنه نحو عشر سنين , قال : ولا يخفى أن مثل هذا الترجيح موجب للتقديم , وكلن ذلك سنة سبع 0 وبنى بها بسَرِف ( بفتح أوله وكسر ثانيه موضع على ستة أميال من مكة ) بعد أن أحل من احرامه , وماتت سنة إحدى وخمسين على الأصح , وبلغت ثمانين سنة ودفنت بسرف الذي هو محل الدخول بها (3) 0
(1) السيرة الحلبية , 3/ 323 0
(2) المصدر نفسه 0
(3) السيرة الحلبية , 3/ 323 0
سراريه :
السراري جمع سُرِيّة ( بضم السين وكسر الراء وتشديد الباء ) وهي الأمة ينزلها سيدها بيتاً ويطؤها بملك اليمين لا بعقد النكاح , وهي نسبة إلى : السُر" الذي هو مصدر بمعنى السرور , وعليه يكون اشتقاقها من السرور لأنها تسر سيدها بالوطء , وقيل : هي مشتقة من " السِر " بكسر السين لأن سيدها يطؤها سراً ويكتم ذلك عن زوجته , ويرد هذا أنها لو كانت من السِر سِرية ( بكسر السين ) وهي مضمومة , إلا أن يقال : إن أصل المعنى في السرور هو الانكتام لأن السرور يطلق في أصل اللغة على الفرح المكتوم في القلب , وهو بهذا يفارق الجود الذي هو الفرح الظاهر آثاره على الإنسان 0
كان لمحمد عدا أزواجه ثلاث سريات : مارية القبطية وهي التي أهداها إليه المقوقس ملك القبط في مصر , وهي أم ولده إبراهيم , وجارية أخرى وهبتها له زينب بنت جحش , وأخرى اسمها زلخة القرظية (3) 0 وقد عذّ بعضهم ريحانة في سرارية بناءًَ على أنها كان يطؤها بملك اليمين , وعليه فتكون سراريه أربعاً , والصحيح أن ريحانة كانت من أزواجه كما تقدم بيانه 0 /636 0
(1) سورة الأحزاب , الآية : 51 –
(2) الكشاف , تفسير الآية , 51 من سورة الأحزاب 0
(3) السيرة الحلبية , 3/ 325 –
الكلمة الأخيرة :
بعدما أنهينا الكلام في أزواج محمد وسراريه , نود أن نقول كلمة تكون كنتيجة مما تقدم , وهي : إننا نعلم مما مر ذكره أن الله كان بجانب محمد في كل ما حدث من الأمور المتعلقة بحياته الزوجية , كما يتبين لنا ذلك من الآيات القرآنية النازلة في هذا الباب , إذ نرى الله تارة يضرب الحجاب على أزواجه , وتارة يجعلهن للمؤمنين أمهات ويحرم عليهم نكاحهن من بعده , وتارة يهددهن بالطلاق وأنه إن طلقهن يبدله أزواجاً خيراً منهن , وتارة يزوجه من السماء ويجعل جبريل شاهداً , وتارة يحرم عليه النساء فيقول له : ( لا يحل لك النساء من بعد 00 ) (1) الآية , ثم يحلها له بقوله ( إنا أحللنا لك 00 ) (2) الآية , وتارة يطلق له القيود ويجعله مختاراً يرجئ من يشاء ويؤدي من يشاء منهن , وكان ذلك كله وفق رغبته فيهن وطبق مراده منهن , حتى أن عائشة قالت له مرة : يا رسول الله , إني أرى ربك يسارع في هواك , فدلت بقولها هذا على بساطتها وصفاء قلبها لأنها لا ترد بقولها هذا طعناً فيه ولا اعترضاً عليه , وإنما نطقت بما شاهدت من دون ترو ٍ ولا تفكير 0 , وأيضاً نرى بعض المتجددين من المسلمين في عصرنا هذا يريدون أن يعتذروا لمحمد عن كثرة أزواجه بأنه إنما تزوجهن لأسباب مجبرة منها سياسية ومنها غير سياسية , ونحن قد ذكرنا لك كيف تزوج كل واحدة منهن – لقد ذكرنا لك أزواجه الأثنتي عشرة اللاتي دخل بهن وهناك غير اللواتي ذكرناهن لم يدخل بهن , وقد ذكروا أن جملة من خطبهن من النساء , ثلاثون امرأة , منهن من لم يعقد عليها ومنهن من عقد عليها واللواتي عقد عليهن منهن من دخل بها , وهن اثنتا عشرة امرأة وقد مرّ ذكرهن , ومنهن من لم يدخل بها , فمن غير المدخول بها غزية أم شريك العامرية 00الخ يتبع 00
(3) السيرة الحلبية , 3/ 325
(1) سورة الأحزاب , الآية: 52 0
(2) سورة الأحزاب , الآية : 50 0
* من كتاب – الشخصية المحمدية – للكاتب والشاعر العراقي – معروف الرصافي 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
