عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1969 - 2007 / 7 / 7 - 12:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كل شيء زاد عن حدّه , انقلب إلى ضده , هكذا يقول المثل , ويقول المنطق كن معتدلاً تكن موضوعياً , وتقول الحياة على لسان أحداثها وتجاربها , إن الأحزاب والمنظمات التي تبيع أفكاراً ذوات ألوان تناسب الأذواق , لهي أحزاب رخيصة تسفِّه القيم , وتدِّني المفاهيم , وتضر بالشاري والبائع , لأنّ قيم الحياة هي قيم أسباب الوجود , وحرية الوجود , أمّا الذين تصوروا أنفسهم أصحاب حوانيت يبيعون من خلالها أفكارهم التي لاتتسع إلى لعقدهم وانتماءاتهم ضيقة الأفق , وأصبحوا فلاسفة على مزابل أهلهم , فهؤلاء لا يستطيعون أن يروا أبعد من أنوفهم لأن الحياة أكبر من أي انتماء أو حزب , أو قناعات يتوهمونها , فالأحزاب ليست أكثر من نوايا حسنة , أو نوايا سيئة , إذْ تظل رتوشاً في هذا العالم الواسع , والقسم الأعظم من المفاهيم التي آمن بها البشر وحددت أشكال الوعي لديهم , بما في ذلك الأشكال التي ربما لن تمحى من ذاكرتهم , هي أفكار مصدرها الخرافة والصدفة , لذى نرى قسماً كبيراً من الذين كانوا يدعون الأفكار العلمية باستنادهم على النظرية الماركسية أو الماركسية اللينينية , اكتشفوا أنفسهم بعد إزاحة الغطاء عن هذه المفاهيم أنهم أرباع قساوسة , أو تلاميذاً صغاراً على عتبات الجوامع, وربما الأبأس , دعاة طوائف العودة إلى طوائفهم فهم انتقائيون فاشلون , فالانتماء الحزبي اليساري أو العلماني لا يعني أنّ المنتمي هو يساري أو علماني لأن المسألة ليست حج , ويٌغفر للمرء ليصبح كذلك , بل المسألة متأصلة في الجذور فالموانع والحوافز كثيرة للوصول إلى حرية الاختيار مثلاً – الأسرة – التربية – المجتمع – العادات والتقاليد – الدين – بما في ذلك المذهب , إذ ْ أن كثيرين بعد أن تذهب السكرة وتأتي الفكرة , أي يتحررون من الحالة القطيعية يعودون إلى جذورهم , وفي هذه المرة يكونون أكثر نفاقاً وتظاهراً بالانتماء إلى العشيرة – الطائفة – القومية – وربما أكثر تعصباً , وكأن الادعاء السابق كان غثاءاً أحوى – وهذا ما يؤكد أن المجتمعات التي لم تنضج فيها الظروف الذاتية والموضوعية , للوصول إلى التفكير الحر الناجز , تُجِّمع أحزابها كأي حالة قطيعية لا أكثر , وتظل الكلمات مثل النضال – التحرر – العلمانية – القومية – التقدم – الاشتراكية هي كلمات جوفاء لا قيمة لها أكثر من صداها الخافت , فيتوهم هؤلاء البؤساء أنهم أصحاب قضية , وَيُنصِّــبون أنفسهم أسياداً للمعرفة والشعارات البّراقة , التي تُرضي خواءهم الداخلي , إذ أنّ كل من يختلف معهم يضعونه في خانة العداء , أو في الجهة المقابلة لهم , لأنهم يصنعون جهات وهمية" تعاديهم" ليؤكدون" نظريتهم الوهمية , وهذا الشيء ذاته ينطبق على اليمين المتطرف , بإيدولوجياته المختلفة , من دينية وشوفينية , قومية , مروراً بفروغ الصبر, وضيق الأفق , التعالي والإدعاء بامتلاك الحقيقة , أو تمثيل الله على الأرض , كأن ْ يتوهمون أنّهم أنصاف آلهة – ممثلين أنفسهم بأحزاب لها خصوصية الله , ويأمرون وينهون بحد السيف الجاهل والمتجاهل لإنسانية البشر , وكلا المفهومين الذيْن يدعيان العلمانية , أو اللاهوت – يصلان إلى نقطة واحدة تجعل منهما أكثر تطرفاً وعداءاً للحياة الموضوعية القائمة على الاختلاف واحترام الآخر , فمن هنا يظهر لنا العودة إلى كل هو غريزي وظلامي ومتخلف , حتى لتخال أنّ الإنسان , وخاصة العربي والشرقي مجبول بالخرافة , وحالة الارتداد , فعدم الدخول إلى أعماق الفكر العلماني منه , وكذلك الديني يجعل الكثيرين يَسْبحون في السطح ويستسهلون فلسفة العادي والسطحي وكأن الفكر بمفهومه التركيبي العميق عدو لهم , وكأني بهم كأصحاب " الدواوين " في الزمن العثماني يصدرون فتاواهم ومفاهيمهم وقيمهم التي يضحك منها الجاهل , ويسفهها العالم 0 فالبعض لا يريدك إلا على شاكلته شتائمياً صبيانياً , تُنَفّس المكبوت عنه , والآخر لا يراك إلا مسبحاً بحمد الخنوع متبركاً بالأوهام والخدر الكامن في ذاكرته , فالشعوب التي لا تنظر لأبعد من أقدامها هي شعوب خرجت خارج التاريخ , وهذا هو حال مجتمعاتنا وشعوبنا , لأن هذا الزمن لم يعد يُفيد به البكاء والحزن , أو السباب والشتائم , لأنّ ذلك لا يولد إلا الحقد واليأس , وكلما ابتعدنا عن ( الزمن الحضاري ) نكون قد ابتعدنا عن أنفسنا , ونصبح في مواجهة كل ما هو جديد , أي في مواجهة الحياة ذاتها وهذا ما يظهر عند المتطرفين من اللونين المذكورين , فالعلمانية ليست مسبحاً نستحم به ونخرج علمانيين , بل هي علوم معقدة ومتكاملة وسبب الولوج إليها هو التصميم والحرية , وما سوى ذلك أساطير 0 فحرِّية المعتقد , وحرية الفكر هما صنعوا المعرفة , نضيف إليهما احترام الرأي , فَنُقعد العقل على كرسيّه الصحيح, إنه لمن البؤس أن ترى كل من هب ودب يكتب في المسائل ذات الإشكاليات الكبرى , مثل الفلسفة , الدين , المجتمعات – القيم – الأحداث الكبرى في مسيرة التاريخ ( أي المنعطفات التاريخية ) , نرى مثلاً أحدهم يرى الصراع في المنطقة وكأن المسألة هي صراع بين شيوخ عشائر فلسطين , وشيوخ عشائر الصهاينة متناسياً أنّ هكذا صراع هو أحد أهم المفاصل المحورية في الصراع العالمي , وإن الذي يجري ما هو إلا مقدمات لصراع طويل الأمد تتحدد عبره ومن خلاله المفاهيم الجوهرية والثابتة للمنطقة يوما ما , وأن قسماً كبيراً من الذي يجري ما هو إلا إبراز نقاط ارتكاز لتحريك الصراع الجوهري , وإظهار ما هو مخفي , وخاصة في عمق الكائن الفلسطيني ومن يناصره , عدا عن أنّ البشرية قد حسمت أمورها منذ زمن, وراحت تبيع لشعوبنا فتاة نتاجاتها ومفاهيمها , ونحن لا زلنا منفعلين / نصدق " الأرجوزات " التي يظهرونها لنا لنطل برؤوسنا , فبدلاً من أنّ نعالج ما هو قائم فينا , نبدأ ككل البائسين نفلسف مظاهر الأشياء والأكثر بؤساً , أنّ ساستنا لا زالوا يتغنون بالشعر بدلاً من المنطق , فمن هنا يظهر أي ّ ترد نحن فيه , ونكابر في الادعاء , نحن أمم تعتمد على الخطابة والخطباء , بدلاً من العلماء , أي نحن بلد خطباء لا علماء - ونقدس الساسة الذين يتغوطون ذهباً ونفاقاً , ونحتقر أصحاب الرأي الحر , وأسياد المعارف , أيْ باختصار نحن أمم لم يتكوّن بعد جوهرها , فهشاشة هكذا أمم و شعوب , تجعل منها ألعوبة بيد الغير , وأضحوكة بيد آخرين , لذا فإنني أتوقع أن الأزمات في بلداننا سوف تستمر وتتعقد أكثر فأكثر – والصراع سيكون بدلاً من أن يتحول إلى فعل خارجي من أجل تقوية الذات – سيكون ارتدادياً أي داخلاً , إضافة إلى الخارج , وسيتحول إلى صراع وحشي لأنّه صراع الأهل ظالم وقاس ٍ , حتى يأتي زمن تتخلص هذه الشعوب من حالة العماء الذي تعيش , وسوف يحاول العدو الخارجي الاستفادة من أي وكل خلاف لتعزيزه وتفعيله , مستفيداً من الخلافات العقائدية , سنة , وشيعة , تيارات دينية متناقضة , مع تيارات علمية أو ديمقراطية , هشاشة الأنظمة , عدم تجانس الشعب الواحد , أو الشعوب حول مسائل مهمة – مثل القضية الوطنية , مفهوم الدولة – والانتماء والتحرر الاقتصادي إلخ 00
وهذا سوف يعزز التطرف الديني والمذهبي والسياسي الذي سوف يؤخذ على شعوب هذه المنطقة , كوقود لتبرير خلق الصراعات والتفكيك , والتمترس حول العقائد والمفاهيم , وجوهر ذلك هو ضرب المواطنة , وإلغاء الآخر المختلف , وهذا سوف يدوم بسبب هشاشة البنية التحتية اجتماعياً – واقتصادياً – ومن هنا يأتي دور – قناة الجزيرة – في عملية خلق الفتنة الخلاقة – لخلق كل هذا التشويش والإضحاك على ذقون من يسمون جماهيرها , فهي معادية للجميع – كما هو مطلوب منها , وعلى رأسهم القوى الإسلامية بكل تدرجاتها , ( وكذلك العلمانيين والليبراليين وغيرهم ) وهي أول من أكد على الطائفية – سنة – شيعة ( إرهاب – إسلام – يهود – مسيحية – عشائر طوائف الخ ( حتى أصبحت هذه المصطلحات راسخة في أذهان الناس , وأحياناً تدافع عن تسمية ( محامي الشيطان ) ومعروف لماذا تقوم بذلك , فقط لتعزز الشرخ وتظهر المخفي , لإبراز الفتنة أكثر فأكثر كما هو مطلوب منها , وسيندم يوماً ما كل الذين لا زالوا يتصورون أنّ قناة الجزيرة – هي قناتهم والمعبرة عن طموحاتهم لأنهم ( هم سيكونون في مقدمة ضحاياها ) وضحايا أسيادها من وراء المحيطات , وكذلك الذين يختبئون داخل جحورهم التي توهموا أنها قصوراً , فاللعب على طيبة الشعوب وبساطتها وعدم خبرتها على ما تحيك المخابرات الدولية من تآمر , هي لعنة لا على الشعوب وحدها بل أيضاً على هؤلاء الذين يٌروِّجون للفتنة والطائفية والحروب , مسترخصين دماء الناس الأبرياء من أجل أَنَاتهم المريضة , ومصالحهم التي لا ترتوي حتى من دماء الناس , ولو كانوا أطفالاً بعمر الزهور , أو عجائز لا يشبهون آباءهم الذين وَرِّدوا لنا هؤلاء – الدراكولات – الذين سوف يلعنهم التاريخ , وتلعنهم الشعوب , ولكن بعد أن تصيب المصائب عقر دارهم 0
* إن ّ عتاة الفكر الرجعي ظهروا باسم الأديان في مشارق الأرض ومغاربها , كما أنّ عتاة القتل الجماعي وليس على الهوية فقط بل على قول كلمة ظهروا من الفكر الغيبي , أو من كان يدعي تحرير العالم , والأمثلة عل ذلك هي أكثر من أن تحصى فمن هنا على البشرية أن تبدأ بالنظر إلى الآخر المختلف وإلى الأفكار والأحزاب وإيدولوجيات , لا على أنها مبادئ وكفى قناعات وكفى , بل على قدرتها من تحقيق كرامة الشعوب , والوصول بها إلى السلام والأمن , وتحقيق كرامتها وفق خصوصية وبرامج كل بلد بما يتناسب ومفهومه الوطني , القائم على العدل والمساواة , لا على الديكتاتوريات , وسرقة الشعوب والدول, وتمجيد العنف , وتبني المنظمات الإرهابية , أو أصحاب الفكر التكفيري الذي يخدم برامج الأنظمة الكبرى , من حيث درى ولا يدري , وخلق الفتنة بين الشعب الواحد , بدلاً من تعميق المفهوم الوطني , والمفهوم الإنساني , إن المنطقة في العالم العربي تجلس على بركان- مراجله- المشتعلة بيد أخطبوط أذرعه الممدودة مكتوب على كل واحدة منها اللون الذي يناسب الدولة التي تشتعل تحتها المراجل , الصفراء , أو البنية , أو الخضراء , أو الحمراء , وسوف تفعل فعلها في الوقت الذي يناسب الظرف , أي عند اللزوم , ونظل نحن لزوم ما لايلزم 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟