عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1970 - 2007 / 7 / 8 - 12:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سعاد خيري هذا القلب الكبير الذي يتوجّع , لم يعد الزمن , زمن تقدير المناضلين , أذكر أنني كتبت مقالة استغرب فيها كيف يضعون أصفاراً ( أي قراء الحوار المتمدن ) لمقالة كتبتها – سعاد خيري- عن حزنها على قتل طفلة فلسطينية , من قبل الاحتلال الإسرائيلي وهي تلعب على شواطئ غزة , وكانت المفكرة والكاتبة الجليلة – سعاد خيري- قد كتبت هذه المقالة بألم وحزن شديدين , ثم أنني لم أتفاجأ عندما وضعوا لي أصفاراً عن قصيدة كتبتها في قتل – رياضييْ التايكواندو – في العراق – هكذا ببساطة نحن نعيش أزمة أخلاق بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى , ما ذنب الطفلة الفلسطينية لتقصفها طائرات الاحتلال الإسرائيلي , وما ذنب الرياضيين , أياً كان انتماؤهم المذهبي لكي يقتلوا أو ترمى جثثهم على قارعة الطريق , أو في الأماكن البعيدة , هل سمعتم يوماً أن صهيونياً واحداً قتل بهذا الشكل من قبل الآخرين الذين يختلف معهم , حتى لو كان الخلاف هو التعاون مع منظمة التحرير الفلسطينية ؟ إذاً الأزمة هي أزمة أخلاق لدينا بكلِّ المقاييس , مرة حضرت لقاءً لكادر الحزب الشيوعي السوري في بيت – خالد بكداش – في دمشق – وكانت الانقسامات في الحزب على أشدها والاتهامات كذلك , فاحتاج – خالد بكداش – أن يظهر ورقة يلعب بها على الآخرين , أو يتقوى بها عليهم , أي على خصومه , فـَجيْء – بنعمة شاهين – وهذا النعمة شاهين رجل طيب وأخلاقي بشكل مثالي إذ هو الرجل الذي كلّفته الأممية الشيوعية( الكومنترن) إخراج الشيوعيين البوليفيين الذين هم في سجن مهوّل ومحكم , لذا قام بحفر نفق ٍ تحت الأرض مدخله من الدكان الذي أُمِّن له مقابل السجن , وكان يساعده في ذلك بعضهم , وبما أن العملية شاقة ومتعبة كان يهرب الذين يكلّفون بالمهمة معه , واستمر هذا الرجل العظيم في مهمته حتى تم إخراج قادة الحزب من تحت الأرض , ونتيجة حالة الخوف الدائم , إذ أن الضباط والجنود كانوا يتعاملون معه بشكل دائم بحكم كونه بائعاً , كان ذلك يجعله أكثر تشنجاً وتحملاً لمسؤلية مهمته – فأصيب بمرض ( الصدف ) وهو مرض جلدي لا شفاء منه , المهم أن هذا الرجل الطيب المناضل العظيم – قام بمهمته على أكمل وجه وأخرج جميع السجناء من قادة الحزب آنذاك , وأصيب بأكثر من مرض دائم , كنت سعيداً بلقاء هكذا إنسان عظيم – لأنني عرفت قدرة الإيمان بالمبادئ كيف تحقق المعجزات , ولكن هم الذين يريدون أن يكسبوا موقفاً سياسياً أو دعائياً – اظهروا هكذا شخص في أيامه الأخيرة من العمر, وكذلك كان ذلك في السنين الأخيرة من حكم – خالد بكداش – الحزب الشيوعي السوري , أي قبل وفاته , واستلام زوجه حكم الحزب , ليضيفون مشروعه الخلاق إلى انجازاتهم في مرحلة ما فيحولون الفعل السامي , إلى فعل سياسي ودعائي , طبعاً عاش ومات ( نعمة شاهين ) مغموراً , فلم يكن يوماً سفيراً ولا وزيراً ولكنّه ظل في قلوب الناس , فكُرِّم في أمريكا اللاتينية وفي دول أخرى تحترم نفسها ( طبعاً هي غير عربية ) وأُنتج فيلم سينمائي عن تجربته الشخصية بعنوان ( الحرية هذه الكلمة الحلوة ) أو الظهر الصَدَفْي – وكان الفيلم مهماً جداً وتُرجم الفيلم إلى العربية , فهكذا هم قيادات الأحزاب الشيوعية تحولوا من مناضلين إلى سياسيين فقط , كل الذي يهمهم توظيف الأعمال والأفعال بشكل دعائي لا أكثر , فلا تغضبي – سعاد خيري – لأن هذه الأحزاب فقدت ليس مصداقيتها فقط بل كرامتها وأسباب جوهر وجودها , ولا تستغربي أن يكون حزب / فهد / قد تحول إلى حزب من هذا النوع , فالذي لا يحترم تاريخ الشرفاء والمناضلين , لا يمكن أن يحترم حزبه , وربما حتى وطنه , فالذين تربوا على العقلية الاتهامية والتخوين , والتفكير الأحادي , وعدم قبول الرأي الآخر المختلف , لن يزيدوا الأوطان إلا بالممالئين إلى السلطات , وأعوذ بالله من سلطتهم , لأن هؤلاء هم الشر , , عينه , دعني أ ُسمِعُكِ هذه الحادثة 0 بعد أن سقط الاتحاد السوفيتي وبدأ التغيير , إذ أن هذا التغيير كان زلزالاً على بعض الشيوعيين ومنهم أحد أصدقائنا ( ح , و ) حيث كان هذا الرجل من أكثر الناس صدقاً وتماهياً مع الحزب , وهذا جعله عرضة لانتقاد أصدقائه , والبعض منهم كان يتهمه بالجمود العقائدي ,أو بالحنبلي أو الرجل الحديدي, وكان هذا الرجل الطيب الصادق يقوم بكل المهام التي يطلبها منه الحزب , حتى لو كان ذاك مزحة مثلما كان يعمل معه رفاقه , لمعرفة مدى تحمله وتنفيذ ما يطلب منه , وكان ينفذ المهام بأمانة تامة , وبصبر جمل / ولكن بعد تمزق الاتحاد السوفيتي تمزقت روحه / وَجُنَّ فجأة / وأنا من الذين أخذوه إلى طبيب نفساني , فلم يقبل بالدخول إلى عيادة الطبيب إلا بعد أن رأى أنه ( خريج موسكو ) أي الطبيب , وبعد أن تمت معالجته وهدأ قال له الطبيب إن مرضك سببه أنت , تخلّص من الذي في داخلك وخذ الأمور بروية / أو سوف تُشَل , وفعلاً بعد عدة أشهر أصيب بشلل نصفي , وبعد ذلك أغلق على نفسه الباب ( وانتحر ) صار يشك بكل من حوله , وأخيراً انتحر , وكأنه أراد أن يقول لنا كلكم منافقون ودجالون عاش فقيراً ومات معدماً , ولكنه ظلّ عند القلائل الذين يعرفونه رجلاً صادقاً حتى الموت , هكذا هم المناضلون الحقيقيون أخيراً يجدون توحدهم وسموهم وكبرياءهم مع أنفسهم فقط , لأن الحياة هي في النهاية ذات, ومع الجماعة إلا طيفها , أو ذات تكمل الجماعة , إذ يقول الشاعر :
إني نظرت إلى الزمان وفعلـــه – فوجدته في فعله كالمنخل ِ
يعلي النخال على الدقيق سفاهة – ويحط لب لبابه من أسفل ِ
كطبيعة الميزان في أفعالــــــــه - يضع الرواجح والنواقص تعتلي
• تحية إلى الكاتبة الجليلة – سعاد خيري , والمجد لك 0
• نعمة شاهين – مناضل منسي من مدينة / طرطوس – السورية 0
• رغم عدم قناعتي بالحزب الشيوعي وأفكاره التي لم تعد صالحة لهذا الزمان وذلك لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها في هذه المقالة 0
إلا أن هذا لا يعني من أننا يجب أن لا نحترم تجارب وخصوصيات الناس خاصة عندما تتعلق المسألة بقضيتهم عندما تكون قضية حياة 0 وكرامة , فالذي لا يحترم تجارب الكبار يظل صغيراً , إن كان حزباً أو فرداً , حتى لو كانت هذه التجارب تختلف معه , لأن منها العبرة , والحياة عبرة 0
* كتبتُ هذه المقالة بعد قراءة مقالة الكاتبة – سعاد خيري – المعنونة / أصعب امتحان في حياتي / المنشورة في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 6/7/ 2007 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟