الحرب العالمية الثالثة


عبد الهادي مصطفى
الحوار المتمدن - العدد: 7343 - 2022 / 8 / 17 - 17:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تطورت الصراعات البشرية وارتقت الى مستويات عدة لتصفية الخلافات، ولم يعد فيها مكان للأساليب والطرق القديمة على غرار الحروب التقليدية. وعليه فالحرب الحالية لا تجري على الاراضي الأوكرانية كما يعتقد الكثيرين. أنما موقعها الطبيعي هو عناصر التجادبات الدولية في اشكالها المتنوعة بين الاقتصاد والسياسة. ومقارنة بما يحدث تعتبر الحرب الأوكرانية مجرد نرد بسيط يتحكم مختلف الفرقاء المتصارعين على رقعة الشطرنج للفوز بمركز وضع الخطط لقيادة العالم الجديد.
مما لا شك فيه في أن التنسيق بين التنين الصيني والدب الروسي في الأزمة الدولية الحالية وصل مستويات متقدمة عبر استراتيجية واضحة. ولربما هناك اطراف دولية اخرى شريكة فيما يجري وستعلن عن موقعها الحقيقي من الصراع الدائر حاليا في الوقت المناسب.نفس الشيئ يمكن قوله عن الحلف الغربي الذي يبدو واضحا في تحالفاته اذا استتنينا بعض التصدعات التي بدأت تصيب بعض أطراف الحلف الأمبريالي.
ظاهريا فروسيا تدفعها عوامل الامن القومي المترتبة عن توسع حلف الناتو للدخول في الحرب الاوكرانية.،لكن حقيقة ما يجري على أرض الواقع الذي يتطابق مع الاستراتيجية الروسية /الصينية يتجاوز ذلك بكثير وهي محاولة جادة للإطاحة بالغرب من عرش القيادة والسطوة الدولية لصالح الشرق بتحالفاته الحاولية ... وهو ما يبرر تضارب الانباء حول الاهداف الحقيقية لروسيا من وراء دخول اوكرانيا. حيث يمكن ان يتجاوز النزاع العسكري الحدود الاوكرانية ليدق الحدود الاوربية الشرقية حيث من الممكن ان تكون بولندا المحطة التالية للجيش الروسي نضرا لتهديداتها العسكرية ثم للدور البولندي في الحرب الحالية ومغالاته في ارسال الاسلحة للنازيين الجدد. هذا ما يبدو ظاهريا ولكن على ارض الواقع فيمكن ان تكون بولندا المحطة التالية نضرا لدرجات ارتباطها مع الغرب ثم لعضويتها في حلف الناتو.
غير ان دخول الروس لبولندا لا يمكن ان يتحقق الا اذا استطاع بوتين تفكيك هذا الحلف داخليا لضمان عدم الانجرار لحرب عالمية يمكن ان تهدد مصير البشرية بسبب السلاح النووي، وهو ما نجح فيه الى حدود الساعة خصوصا ادا إستحضرنا مدى الاختلاف والتنافضات في المواقف والاستراتيجيات من قبل دول حلف الناتو. ليس هدا فحسب بل ان اكبر القوى الاوربية المشكلة لحلف الناتو لا زالت مختلفة في طريقة تعاطيها مع الازمة الأوكرانية . بريطانيا تحدو حدو امريكا وتتجه نحو الدعم الشامل الى حدود الحرب المباشرة، بينما فرنسا والمانيا وإيطاليا لا زالو يراوغون ويتدبدبون ما بين الدعم المحتشم لاوكرانيا والتنديد ثم الحوار والمفاوضات السرية والعلنية مع الروس تحت يافضة الترابط الإقتصادي خصوصا في مجالي النفط والغاز.
الحرب الدولية الحقيقية تجري الان وهي على قدم وساق للإنفجار العلني حيث يشكل الصراع الروسي الصيني /الأمريكي جوهره الرئيسي ولعل تحييد اوروبا او ضمان احد الطرفين ولائها الرسمي والواضح هو ما يمكن ان يفجر المواجهة المباشرة التي يمكن ان يكون اجتياح الصين لتايوان شرارتها الاولى او تهور امريكا بدعم الاوكرانيين باسلحة نوعية يمكن ان تهدد العمق الروسي وهو ما سيدفع الاخيرة الى تنفيد تهديداتها باستعمال القنابل النووية التكتيكية او الإجتياح الشامل.
ما يجري على ارض الواقع سواء في اوربا او آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا الان هو سباق تسلح وبناء الجيوش وقبل هذا وذاك هناك عمليات معقدة لترسيخ التحالفات الدولية وتجديدها وهيكلتها وفق أسس وقواعد جديدة بين الفرقاء وهو ما يعيدنا الى ضروف ما قبل الحرب العالمية الثانية
الغرب كعادته لا زال يؤمن بجدوى الحرب بالوكالة و يقترف نفس أخطاء الماضي ولم يتعلم أبدا من التاريخ... فقبل 1930 عمد الغرب الى دعم النازيين في ألمانيا وسعت مخابراته الى توفير كل الوسائل المطلوبة لتسليح الفاشية ، كما عملت الدول الغربية بمعية امريكا على غظ البصر عن عمليات اعادة التجييش والتسليح التي نهجها هتلر في خرق واضح لبنود معاهدة فيرساي. ليس هذا فحسب بل كانت هناك اتفاقيات غربية سرية لإطلاق يد النازيين في اوربا لإجتياح العديد من الدول المحادية لروسيا ك النمسا وتشيكوسلوفاكيا وغيرهما. و كان المخطط الأساسي يتمثل في تفجير حرب مواجهة شاملة بين الاتحاد السوفياتي والنازية للقضاء على الاشتراكية والحد من انتشارها العالمي . فاستعملت الامبريالية العالمية الحزب الفاشي الألماني للحد من نمو وتطور الاتحاد السوفياتي الذي كان يهدد الامبريالية الغربية.
غير ان الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن و خرج هتلر وحزبه النازي المتطرف عن السيطرة الغربية ولم يكتفي بدويلات البلطيق المجاورة لروسيا بل طمع في أكثر من ذلك فانفجر في وجه الغرب برفضه الانصياع لتوجيه ألته العسكرية نحو روسيا فقام باجتياحه فرنسا و غيرها من دويلات الاتحاد الاوربي الضعيفة التي كانت لا زالت ترزخ تحت تأتيرات إفرازات الحرب العالمية الأولى التي أنهكتها عسكريا وإقتصاديا . ولم يستدرك هتلر فضاعة و خطورة المواجهة التي فتحها مع أوربا الا متأخرا... فكان فتحه للجبهة الشرقية مع الاتحاد السوفياتي سوى محاولة يائسة للعودة الى الاتفاق الاول مع الاوربين للتكفير عما اقترفه في حق فرنسا وبلجيكا وبريطانيا..... لكن الامر لم يفلح بسبب تجاوزه للخطوط الحمراء مع أولياء نعمته الذين كانو قد اتخدوا قرارا مسبقا بضرورة التخلص من النازية التي عضت الايادي التي مدت لها واضحت تهدد الأمن الامبريالي العالمي....
التاريخ يعيد نفسه بنفس الاساليب والخطط التي سبق وخطط لها الغرب لتوجيه النازية ضد روسيا. حيث عمد الناتو وهو الدراع العسكري للإمبريالية مؤخرا الى دعم الانقلاب في اوكرانيا وتنصيب النازيين الجدد الذين زرعوا مرة اخرى نفس عقيدة هتلر لضرب روسيا واستنزافها بحرب طويلة الامد. وهو ما يعتبر تكتيك غربي مضاد للمخطط الروسي الصيني.
إنها حرب عالمية من اللحضة التي انطلقت فيها شرارة الحصار الغربي للدب الروسي عبر توسيع رقعة إمتداد حلف الناتو في دول البلطيق و جمهوريات الاتخاد السوفياتي سابقا مما يكرس تاريخية العداء الغربي الشرقي وابدية الصراع الروسي الاوربي الذي لم تستطع الامبريالية إذابته ضمن نفس الوحدة الرازخة تحت زخم متناقضاتها الداخلية المتعددة.
نهاية الازمة لا يمكن ان تكون بنهاية الحرب الاوكراني ولكن على العكس من ذلك تماما فالإنتهاء المواجهة العسكرية على الأراضي الأوكرانيا هو ما سيفتح الباب على مصراعيه للدخول جديا وعلنيا في نزاع دولي شامل سيقود لا محالة للإعلان الصريح عن بدأ نزاع عسكري وحروب شاسعة ستسمى فيما بعد في الادبيات التاريخية الأكاديمية بالحرب العالمية الثالثة
لعل ما وصل اليه العالم حاليا من تناقضات صارخة وأزمات اجتماعية متتالية وانتكاسات اقتصادية كبيرة وتفسخ واضح في العلاقات الدولية وتجبر وتسلط وسيطرة امريكية أحادية الجانب.... كل هاته العوامل وغيرها أصبحت تفرض قبل اي وقت مضى العالم الى الدخول مجددا في حرب عالمية لاعادة بناء العلاقات الدولية و تكريس قواعد وأسس جديدة لبناء عالم جديد متعدد الاقطاب للخروج من الافرازات المدمرة للهيمنة الامريكية التي تقود العالم للمجهول.
مفاتيح اللعبة الدولية الراهنة توجد في يد الإتحاد الأوربي الذي تستعمله الولايات المتحدة الأمريكية لقيادة المواجهة المباشرة ضد روسيا وهي المعركة التي ستقود الى تفكك الاتحاد او انهايره المستقبلي بفعل عاملين. الاول يتمثل في ارتباط الاقتصاديات الاوربية الكبرى كإيطاليا... فرنسا... ألمانيا سريريا بالغاز والنفط الروسي الرخيص . أما العامل الثاني فيتجسد في ضعف الاتحاد الأوربي في أي اجتياح او مواجهة عسكرية ضد روسيا. وعليه فإن استمرار عملية عض الأصابع بين روسيا وأوربا إن استمرت الى حدود شهر ديسمبر من العام الحالي فستسفر عن أزمات بنيوية قاتلة للحلف الاوربي ومن الممكن ان يؤدي ذلك الى تشريد العمال وتوقف المعامل وتراجع الناتج الوطني الاوربي الى ادنى مستوياته خصوصا ادا استمر تدفق الغاز الروسي في الانخفاض نحو أوربا.مما قد يتسبب بشكل مباشر في أزمات إقتصادية وإجتماعية ستعصف دون شك بأغلبية الدول الأوربية.
الاتحاد الاوربي على يقين تام بحتمية الإنتصار الروسي في أوكرانيا لكنه يحاول على الاقل جعل ذلك عسيرا و مكلفا على روسيا للحد من جماحها و طموحها وكل ما تقوم به اوروبا انها تحارب روسيا بالجنود الأوكرانيين لحصر التوسع الروسي كي لا يتجاوز الى الدول المجاورة . فيما أمريكا من جهة أخرى تستعمل نفس الطريقة و تدفع الإتحاد الأوربي الى شفا حافة المواجهة مع الدب الروسي. وعليه فإن عملية جر الحبل هاته لا يمكن ان تنتهي الا عندما يقتنع الأوربيين بضرورة استقلاليتهم عن الولايات المتحدة الأمريكية، أو عندما ينجح الدب الروسي في قطع الحبل السري الرابط بين المصالح الأمريكية والسياسة الخارجية للإتحاد الأوربي. وهنا مربط الفرس بالنسبة للأطراف المتصارعة.
المعركة الكبرى لم تندلع بعد لأن عملية إزاحة أمريكا من موقع الدولة العظمى ليست بهاته البساطة بل هي عملية معقدة يتداخل فيها السياسي والاقتصادي والعسكري وما الازمة الاوكرانية الا فصل من فصول هاته العملية وتتمثل في تفكيك التحالف الاوربي الأمريكي. وربما تكون تايوان العملية المقبلة والتي يتحدد فيها مدى نجاعة وقوة الجانب الصيني
النظام الدولي لا يسير عبثا ولكن هناك تراتبية طبقية تتحكم في دواليبه وسياساته فكما يمكن تقسيم المجتمع الى طبقات إجتماعية فكذلك الأمر بالنسبة للقانون الدولي. فالدولة العظمى وهي أمريكا حاليا توجد على رأس المتحكمين عسكريا وسياسيا واقتصاديا وعملتها المالية تعتبر مقياس تقييم باقي العملات رتستفيد من كل عملية اقتصادية في كل قطر، بعدها تأتي الدول العظمى وتكون مجموعة دول مختلفة القوة السياسية والاقتصادية وغالبا ما تكون شريكة من الدرجة الاولى للدولة العظمى ونحن هنا نتحدث عن الاتحاد الاوربي واليابان... بعدها تاتي الدولة المتقدمة والسائرة على طريق الوصول الى مراتب الدولة العظمى وهنا نتحدث عن الصين وروسيا، بعدهما تأتي الدول الوطنية ذات الاقتصاد الوطني ك إيران وفي ذيل الترتيب تتكدس ما ييمى عبثا بالدول النامية او الدول التبعية وسمية بالدول التبعية لانها اصغر من ان تكون وطنية ولا تمتلك ارادتها بيدها كما ان سياساتها الخارجية والداخلية ومخططاتها واختياراتها الاقتصادية دائما ما تكون في يد الدولة العظمى او ما يليها من الدول العظمى الشريكة في بناء السياسة الدولية. وإن صح القول فيمكن ان نقول عنها دول لا زالت ترزخ تحت الاستعمار السياسي والإقتصادي، ومن بين هاته الدول التبعية نجد المغرب ومصر وغيرها من الدول العربية والشمال إفريقية.
حينما تضع هاته الحرب أوزارها و تتفق الاطراف المنتصرة على أسس النظام العالمي الجديد والذي لن يكون الغرب طرفا فيه حسب تصريحات مراكز التحليل والخبراء والمحللين الاوربيبن والامريكيين أمثال توني بلير الذي يمتلك عدة مراكز أبحاث ودراسات ثم عراب السياسة الخارجية الإمبريالية كاسنجر... انذاك لن يرجع العالم أبدا لما كان عليه قبل إندلاع الحرب الأوكرانية. ولكنه بطبيعة الحال لن يكون ايضا عالما أفضلا للطبقة العاملة وعموم الفقراء والكادحين. وطالما لم يفرزوا ألياتهم الجدرية الخاصة للتغيير الفعلي وفق موقعهم الطبقي ومصالحهم الإجتماعية فلن يكونوا مرة أخرى الا وقود هدا العالم كما كانو كذلك لما قبله.
قالها المفكر الإشتراكي الفرنسي جان جوريس قبل الحرب العالمية الثانية بوقوفه ضد مشاركة طبقة العمال والفلاحين وانجرارهم الى حرب عالمية سيكونون وقودها الخاص لاعادة تدوير النفايات الامبريالية لتجديد نظام عالمي وفق اسس تضمن المصالح الامبريالية وكان هذا التصريح وهذا الموقف الصريح سببا مباشرا في اغتياله لتحقيق انجرار وانخراط العمال والفلاحين الفرنسين والاوربيين في حرب عالمية مدمرة.