المهراجانات في المغرب.مهرجان ميسور


عبد الهادي مصطفى
الحوار المتمدن - العدد: 5977 - 2018 / 8 / 28 - 18:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حاولت ان اتناول المهرجانات الفنية من جانب نقدي تماشيا وسيرورة الصراع الطبقي على مستواه الاديولوجي وتاتيره على البنية مهرجان ميسور
واقع بئيس معاناة مستمرة وتهميش متواصل..

تنظم جماعة سيدي بوطيب الدورة السادسة من مهرجان مدينة ميسور تحت شعار-تمكين وتقوية قدرات الفاعلين رافعة اساسية لتحقيق تنمية مجالية – وهو شعار دو حمولة كبيرة وقوية تتجاوز امكانات المدينة ورغبة المسؤولين كما لا اظن ان رقص دنيا باطمة تستطيع ان يقدم شيئا في التنمية المجالية .انما نعرف جميعا انه مجرد شعار فضفاض شبيه للنخلة التي تخفي ما وراء الأكمة , وفعلا هدا الشعار يخفي خلفه حقيقة مرة تتمثل في الفرق الشاسع بين رؤى و اهداف المجالس المنتخبة وبين واقع وتطلعات الفقراء من ابناء مدينة ميسور , وعوض الاهتمام برتق الواقع المضني لأغلبية سكان مدينة ميسور و مراعاة معاناتهم مع الفقر والعزلة و التهميش فأصحابنا اختاروا ان يعزفوا مقطوعتهم المشروخة خارج السياق.
نتساءل دائما عن مصدر الاموال ومصاريف المهرجان لكن اصحابنا يتنصلون كونها بعيدة عن جيوب المواطنين وأنها تبرعات من شركات ومقاولات اخرى ...انما اليس من الاجدى صرف هاته الاموال والتبرعات ومساهمات الشركات والمقاولات على تدعيم مجال التدريس والمدرسة العمومية , لكن هل من الممكن ان تساهم الشركات والمقاولات بالملايين لتمويل المهرجان دون ان تستفيد أي شيئ في المقابل ... نعرف ان الامور تسير عكس هدا وان ما يجري في الكواليس من اتفاقيات وتمرير للصفقات حيث الربح الحقيقي اكبر من بضع ملايين لتمويل مهرجان بسيط كهذا.
من حيث الشكل وبحسب ملصقات المهرجان فقد تم تنظيمه بشراكة بين مجموعة من الفاعلين والوزارات والشركات وهي كالأتي : وزارة الداخلية/وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات /مجلس جهة فاس مكناس / المجلس الاقليمي لبولمان / جماعة ميسور / جماعة ويزغت / جماعة سيدي بوطيب /جمعية سيدي بوطيب / العمران / القناة التانية / القناة الاولى / اطورا / كيفاش / المصدر / الجريدة 24 / العمق ميديا / العمران /اكورا / سلطانة / المشاهير / sorec / ipn / le site lafo / dag sound…….
كما يبدوا فهاته هي الاطراف المشاركة في تنظيم وتمويل المهرجان موضوع النقاش لكن وعكس ما يشاع فأغلبية هاته المصالح والوزارات والجماعات يتم تمويلها من جيوب المواطنين عبر الضرائب , وبالتالي فالأولى هو صرف هاته الاموال في مشاريع ذات منفعة عامة عوض صرفها في البهرجة و الميوعة الفنية .
ينطلق المهرجان في 30 من غشت ويستمر الى فاتح شتنبر يتخلله معرض تجاري و انشطة رياضية وسهرة فنية بحضور دنيا باطمة / حمزة لبيض / محمد رضا / بدر سلطان / حاتم عمور / حميد السرغيني / الشريفة ...وهي لائحة طويلة وستستهلك ميزانية كبيرة كان من الاولى استغلالها لتمويل المشاريع المتوقفة وعلى راسها مشروع الطريق الرابط بين مدينة ميسور ودواوير جماعة سيدي بوطيب وهي الجماعة المنظمة للمهرجان .
تعيش مدينة ميسور على ايقاع التهميش والفقر ومعاناة الشباب جراء العزلة والبعد وانعدام أي مبادرات لخلق انشطة اقتصادية كفيلة بخلق مناصب شغل قارة .ليس هدا فحسب ولكن الساكنة تعاني الامرين من جراء قلة المشاريع المحلية لتأهيل البنية التحتية اضافة الى توقف العديد من المشاريع الاخرى كما هو الحال بالنسبة لمشروع الطريق الرابط بين تشابت وميسور ومشروع شبكة الواد الحار بالمرس اضافة الى تأجيل العديد من المشاريع التي صادقت عليها الجماعات المحلية والجهات المختصة وتم اصدار قرار انجازها في اصدارات الجماعة او في الجريدة كما هو الحال بالنسبة لطريق كاع جابر وطريق ولاد البكري .وللإشارة لا الحصر فهناك مشاريع مصادق عليها تم تأجيلها و الغاؤها نضرا لضعف الميزانية كما هو الحال للمسلك الطرقي الرابط بين الدويرة السفلى والطريق الوطنية الرابطة بين ميسور و بولمان وهو مسلك ترابي ممتد على مسافة 6 كلم تقريبا حيث تمت المصادقة على دعم وإصلاح المسلك بالحصى سنة 2016 على ان سنجز المشروع سنة 2017 ورصد له مبلغ 50000 درهم وهو مبلغ جد بسيط , لكن المشروع لم ينجز بدعوى عدم كفاية الرصيد المرصود للمشروع ,فقامت جماعة سيدي بوطيب بإعادة تقييم المشروع ودراسته من جديد ليرصد له مبلغ جديد حدد في حوالي 400000 درهم على ان ينجز قبل نهاية سنة 2018 كما قال رئيس جماعة سيدي بوطيب .
هده عينة بسيطة من معاناة سكان مدينة ميسور و الدواوير المجاورة من جراء التهميش والفقر وضعف وهشاشة المشاريع المنجزة .اضافة الى تكريس تعاطي اللامبالاة من طرف المسؤولين مع المشاكل فقد كان الاولى لجماعة سيدي بوطيب ان تقوم بدفع الشركاء المنظمين والممولين لمهرجان ميسور لجمع الاموال لاستكمال وانجاز المشاريع المتوقفة والمؤجلة عوض صرف كل هاته الاموال على انشطة لا علاقة لها بما يجري على الارض
بالنسبة للمجال الصحي فالكارثة أكبر من أن نستطيع الوقوف عليها بمجرد مقال والواقع كفيل بالإجابة عن كل الترهات التي تحاول رسم واقع وردي عن القطاع في المدينة.انطلاقا من الهوة الشاسعة والكبيرة بين التوزيع الديموغرافي كما ونوعا وعدد السكان وقلة إن لم نقل انعدام الأطر الطبية الفاعلة والمتكونة في كل المجالات والتخصصات .دون ان ننسى التطرق الى غياب المستوصفات والمستشفيات الصغيرة والمتوسطة في القرى والمد اشر والمناطق النائية وأماكن انتشار واستقرار قبائل ولاد خاوة.وهنا تجدر الاشارة الى الغياب التام للقوافل الطبية على غرار الاهتمام بمناطق اخرى من المغرب.
الطرق والمواصلات وباقي مكونات البنية التحتية تعاني الغياب التام في مناطق عدة والهشاشة والضعف والإهمال في باقي المناطق هو عنوان المرحلة ، ويكفيك زيارة الديور الحومر او تفقد الطريق الرابطة بين سيدي بوطيب والمدينة او الطريق المؤدية لكاع جابر لتكتشف فضاعت الوضعية الحالية من غياب تام للطرق المعبدة والمسالك المهيئة لذلك وفق المواصفات المتعارف عليها حيث الغياب لأي اهتمام او فعل للمسؤولين الذين اكتفى أغلبهم بمتابعة صيحات الموضة او تركيز اهتماماته أكثر على الاعداد للانتخابات القادمة
الطرق والمواصلات وكل ما يؤثث البنية التحتية تعاني الإهمال التام و الضعف والهشاسة ونذكر منها على الخصوص تلك الرابطة بين بعض القرى النائية متل دوار الدويرة السفلى ودوار الدويرة العليا ودوار تيدارين والطريق الرابط بين ولاد بوخالفة وميسور والمار عبر تشابت وولاد سكير ،كذلك الطريق الرابط بين ميسور وموزار مرموشة وطريق فرط وسوق عام .... بمعنى أدق فالاهتمام بطرق المواصلات باعتبارها الشريان الرئيسي لأي نشاط تجاري او اقتصادي موسمي او قار او خدماتي فلا وجود له بل لم يولى هذا الموضوع الاهتمام المطلوب على الرغم من الكثافة الديموغرافية في بعض المناطق والأنشطة الفلاحية والتجارية الموسمية خصوصا مع نضج الفواكه والخضر والزيتون.تبقى الإشارة الى متلازمة متناقضة من حيث الشكل والمضمون وهي على الرغم من أن أغلبية الجماعات يسيرها أبناء المنطقة وأبناء الدواوير الذين يسيطرون على المجالس المنتخبة سواء عبر الأغلبية الانتخابية او من خلال التحالفات المشبوهة وعلى الرغم من درايتهم بحقيقة الاوضاع وبفظاعة المشاكل وطبيعة معاناة أبناء جلدتهم من جراء غياب متل هاته المشاريع التي أضحت ضرورة ملحة من أجل توفير ضروريات وسبل الحياة لأبناء الشعب في القرى والبوادي حيث كفاف العيش فإنهم لم يقدموا أي شيئ يذكر اللهم قيام بعضهم بتأسيس جمعيات وتعاونيات مشبوهة هي الأخرى لشرعنة الزحف ومصادرة ما تبقى من ريع الأراضي السلالية..
الفقر..الأمية...الجهل...البطالة...غياب التطبيب...كلها مشاكل وآفات تنضاف إلى ما سبق ذكره وهي كوارث أصبحت شبه طبيعية عندنا بمدينة ميسور ليس بحكم الايمان بالقضاء والقدر ولكن على اعتبار استمرار سيطرة وتربع زمرة من رموز الفساد العقاري والسياسي والاقتصادي ورعاة الريع الاقتصادي ...على كل مناحي وتجليات العيش بهاته المدينة الصغيرة من عقار ورمال ومشاريع صغرى ومتوسطة وصفقات ...وأصبحوا يمتلكون ويحتكرون كل شيء عبر تحالفات لوبي الفساد السياسي والاقتصادي بل ويتمادون في الدفاع عن ذلك أمام الجميع وفي واضحة النهار حيث لم يترك للكادحين وأبناء الفقراء وصغار الفلاحين وأبناء الدواوير والمعطلين وحاملي الشواهد العليا من اطر ومجازين إلا الاشتغال ك(خماسة ورباعة) والتسابق نحو) الموقف( او اختيار الهجرة لمغادرة المدينة المنكوبة والموبوءة باتجاه الشرق او الغرب نحو مدن اخرى حيث فرص الشغل بمناطق تمركز المشاريع الاقتصادية .
كان مجلس الشيوخ الروماني كلما أحس بضيق عيش الشعب الروماني او باقتراب ثورته على تسلطه إلا وبادر الى محاصرة هذا الاحتقان وتفريغه بطرق يتجاوز بها مرحلة الانفجار .ولعل اختيار يوليوز قيصر لبناء الكولسيوم او ما يعرف بحلبة المصارعة الرومانية حيث يكتظ اكثر من45 الف روماني كانت بمثابة الحل الأنسب حيث الرقص والغناء والخبز المجاني ومباريات المصارعة كفيلة بان تجعل الشعب يولي اهتماماته عن وضعيته المزرية إلى الاهتمام بالمتبارزين و الرقص والغناء وأشياء اخرى......
نفس الشيء يقع بمدينتنا الصغيرة حيث الآلام والأحزان والفقر والمعاناة والبطالة والأمية وكل الآفات والظواهر الاجتماعية المدمرة ..وعوض أن تمتلك المجالس المنتخبة الشجاعة الكافية لتطرح حلول ناجعة وجذرية لإعطاء إجابات شافية عن واقع التفسخ والترضي والبلوكاج الاقتصادي و الخدماتي فإنها اكتفت بالالتجاء الى الحلول الترقيعية السهلة التي لا تزيد الوضع إلا تأزما من خلال اختيارها تنظيم مهرجان الرقص والغناء والتبوريدة و الذي لا يمكن ان تستفيد منه ساكنة ميسور أي شيء.
ما الإضافة التي قدمها المهرجان لمدينة ميسور.؟؟
أولا لابد من ان نضع سياق كلمة المهرجان في فهمها الصحيح والحقيقي وتأطيرها التاريخي قبل أي خوض في النقاش. فكلمة مهرجان لم تكن تعني البهرجة او التهريج او الغناء او الرقص يوما .بل تعني تنظيم نشاط اجتماعي دو خلفيات اقتصادية لتبادل التجارب والمصالح والصفقات وكذا اعتباره واجهة تنموية من خلال تسويقه لمادة او مواد محلية او جلبه للمستثمرين او غير ذلك من الأنشطة الإقتصادية التي يمكن ان تنظم داخله .وقد تم استقدام فكرة المهرجانات من فرنسا ومن مناطق اللورين وغيرها من المناطق ذات الكثافة السكانية القليلة او الأنشطة الاقتصادية الضعيفة . فكانت المجالس المنتخبة تنظم مهرجانات محلية بأسماء المنتجات او الأنشطة المحلية كصناعة الأجبان والأثواب وأنواع الفواكه فكانت هاته المهرجانات فرصة لعرض المنتجات من جهة وتبادل الخبرات مع مهتمين من مناطق اخرى وكذلك كانت فرصة لجلب مستثمرين والبحث عن أسواق أخرى وعقد شراكات وعلاقات اقتصادية مع تعاونيات بمناطق أخرى....
هذا هو الفهم الفرنسي للمهرجان .اما مدينة ميسور فباستثناء بعض المنتوجات المعدودة على رؤوس الأصابع فكل الإهتمام ينصب في توفير سبل الفرح بجلب العديد من الفرق الغنائية لحث الفقراء من أجل الرقص على إيقاع همومهم المتراكمة
مهرجان ميسور ليس الا محطة من محطات تكريس الزبونية والاستغلال وإنتاج متكرر لنفس علاقات الانتاج السائدة بسيطرة نفس رموز السيطرة والفساد العقاري والاقتصادي والسياسي حيث تحول هؤلاء الشناقة والسماسرة من مجرد مسؤولين الى جاثمين دائمين وفعليين على رؤوس أبناء ميسور الحقيقيين الذين لا تزداد وضعيتهم إلا إلى الاتجاه نحو القعر والمنحدر بفعل قتل اي حركة اقتصادية بفعل سيطرة هذا اللوبي الفاسد على كل مناحي الحياة وإليكم مجال البناء باعتباره المحرك الوحيد لليد العاملة بالمنطقة حيث تم تفويت جميع رمال الأنهار والقضاء على أسطول شاحنات نقل الرمال وتوقيف توسيع المجال الحضري والرفع من قيمة البقع...وإليكم ان تتخيلوا الكم الهائل من المياومين الذين خسروا نشاطهم ومن العائلات المتضررة من هاته السياسية الاحتكارية والاستغلالية التي تنكرت لكل القيم الدينية والإنسانية وانتصرت فقط لرغبات الجشع لتكديس المزيد من رأس المال على حساب اهات ومعاناة الفقراء وذوي الدخل المحدود
مهرجان ميسور ليس إلا مهرجان الموسيقى المائعة بالرغم من بعض الاستثناءات المتمثلة في الفلكلور الشعبي ولا يمكن ان يقدم اي إضافة غير ثقافة العهر والميوعة والأخلاق الساقطة والمتفسخة البعيدة كل البعد عن أخلاق أبناء مدينتنا العتيقة والضاربة جذورها في التاريخ.
مهرجان ميسور لا يختلف في شيء عن مهرجان موازين ومهرجان حب الملوك وغيرهم من مهرجانات الذل والعار والاستهزاء بالمغاربة والاستتمار في جيوب دافعي الضرائب باعتبارهم الممول الأول لمثل هاته الأنشطة حيث يتم التسويق لأخلاق التفسخ والميوعة دون اي اعتبار لأسس وروابط المجتمع المحافظ من جهة ومتطلباته وتطلعه الى مهرجانات تتجاوز الرقص والغناء الى مهرجانات حقيقية تنتج مشاريع مادية ملموسة على أرض الواقع تكون لها مساهمتها المتميزة والفعالة في خلق سبل الانعتاق والتحرر من الفقر و البطالة والمعاناة.
ساكنة ميسور في حاجة ماسة الى مسؤولين فعليين يستطيعون ان يستوعبوا طبيعة المتطلبات الآنية والمستعجلة في خلق مشاريع لتدعيم اليد العاملة المحلية وتوفير وتدعيم البنية التحتية والتدخل للحد من الارتفاع المهول للعقار مع مراعاة متطلبات قطاعي التعليم والصحة والاستثمار في الثروة الطبيعية والاهتمام بالمجال الخدماتي وتدعيم المرافق الاجتماعية.
ان أحسن مهرجان يمكن أن ينظم بمدينة ميسور ليس إلا مهرجان الانصات والاستماع لهموم ومشاكل الساكنة المكلومة في خيرات وثروات مدينتها والتي ملت من الاستماع لخطبكم ووعودكم الكاذبة ولمهرجاناتكم الفارغة الشكل والمضمون.
مدينة ميسور بحاجة الى مشاريع حقيقية لدعم البنية التحتية ومبادرات فعالة وحقيقية لخلق مشاريع كبيرة لخلق مناصب شغل قارة ومتنوعة لإيقاف هجرة الشباب والتأسيس لتجليات ودوافع الاستقرار وكذا على اعتبار ان اي نهضة وتطور بعيدا عن الاهتمام بشباب المدينة ليس إلا كذبا ونفاقا وقفزا عن الواقع ومتطلباته.
نتمنى ان يجد مقالي هذا الاهتمام المطلوب والتأثير المنتظر على الأقل من أجل أن يعي الجميع بحقيقة الواقع المعاش بعيدا عن تأثير الأقلام العميلة على الرغم من يقيننا بالعجز عن تحقيق هدف المقاطعة وهذا منتظر جدا بأننا ضد أن يستعمل مهرجان مدينة ميسور للضحك على أبناء المدينة وتمرير ما تبقى من الصفقات في صمت مطبق.