جبهتان في المشهد السياسي العراقي


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6113 - 2019 / 1 / 13 - 22:00
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

في العدد (472) وفي هذا العمود، قلنا ان الانسحاب الامريكي من سوريا يعني ان الولايات المتحدة الامريكية بعد فشل مشروعها، تعد اما لتأهيل داعش او من يخرج من رحمه، او اشعال حرب اخرى في المنطقة. اليوم تثبت المعطيات المادية صحة ما ذهبنا اليها، وقد كشفت زيارة وزير الخارجية الامريكي الى العراق قبل ايام والمنطقة عن السيناريو الجديد الذي ترسمه ادارة ترامب في المنطقة وتحت عنوان جديد "التصدي للنفوذ الايراني في المنطقة" وسيكون العراق الساحة الرئيسية لهذا الصراع.
ثلاثة احداث سياسية تتسارع تضع سيناريوهاتها في العراق، وتكشف عن وجود جبهتين متضادتين على صعيد المصالح الاقتصادية والسياسية سنعرج عليها في هذا المقال. تلك الجبهتان؛ الاولى متمثلة بالطبقة البرجوازية ويمثلها اليوم الاسلام السياسي، وهي تؤيد كل المشاريع الاقتصادية للمؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لكنها تفتقر الى الانسجام السياسي، وتدور في فلك هذه الجبهة التيارات السياسية الهامشية وتحاول ان تحصل على بعض فتات مائدة العملية السياسية التي تديرها لحد الان سلطة الاسلام السياسي الشيعي، اذ تحاول ان تعقد المؤتمرات الهزيلة في داخل العراق وخارجه، وتفتقر هذه التيارات الى اية بوصلة سياسة وتحاول ان تتعكز على دوائر المخابرات الغربية او العيش على بعض الوعود حتى لو كانت كاذبة مثلما يطبل لها كعناوين فارغة من المحتوى مثل مؤتمر برلين وشيكاغو، او عن طريق اللحاق كذيل لتيارات سياسية اسلامية اخرى تتطاحن من اجل السلطة والنفوذ وتجد مصالحها في صراعها مع بقية الاجنحة السياسية للإسلام السياسي بإضفاء حلية المدنية عليها في الوقت الذي تفوح منها رائحة الرجعية في المجتمع مثلما شاهدناه في تحالف الحزب الشيوعي العراقي مع التيار الصدري او ما نراه اليوم الحاق ما تبقى من الركب المؤمن من التيار الذي يسمي نفسه بالمدني عبر عقد مؤتمرات له.
اما الجبهة الثانية هي جبهة العمال والكادحين ومحرومي المجتمع، فهي ما زالت مستمرة في احتجاجاتها واعتراضاتها وبأشكال مختلفة من اجل الحصول على الخدمات وفرص عمل، لكنها هي الاخرى تفتقر الى الانسجام السياسي والتنظيمي سنتحدث عنه بعد قليل.
بالنسبة للجبهة الاولى، او جبهة الصراع بين اجنحة الاسلام السياسي، فما زالت عقدة تعيين وزير الداخلية هي العصا التي تقف في عجلة عدم اتمام تشكيل حكومة عبد المهدي. وفي هذه المناسبة نذكر ان وعود عبد المهدي التي تتصدر برنامجه الحكومي بالحرب على الفساد اقرب الى نكته سمجة من الكذبة التي يحاول ان يصدقها او يسوقها. فهو الى الان لم يستطع ان يختار وزير للداخلية في حكومته فكيف له القدرة بشن الحرب على الفساد..! واذ ما عدنا الى موضوعنا، فان تصاعد الصراع بين اجنحة هذه الجبهة وصلت الى كسر العظم، وخاصة بعد زيارة بومبيو وزير الخارجية الامريكي الى العراق. فعمليات الاغتيالات بين صفوف هذه الاجنحة والتلاسن بين عصائب اهل الحق وباقي فصائل الحشد الشعبي ونزول عدد من فصائل المليشيات في مناطق الثورة يوم الجمعة الفائت كاستعراض للقوة وعرض العضلات، وعقد الاجتماعات بين قادة المليشيات في بيت الخزعلي وهم هادي العامري وابو مهدي المهندس، وتجول قادة ومسؤولين امريكان في شارع المتنبي وبغداد الجديدة بالرد على جولات قاسم سليماني في مدن العراق ايضا، يوضح بشكل لا لبس فيه عن عمق الصراع الاقليمي والدولي الذي ينعكس صداه بعنف في المشهد السياسي العراقي.
وهنا لا بد من ذكر، ان الصراع على وزارة الداخلية، بين جناح العامري – المالكي - ايران وبين جناح الصدر – العبادي - امريكا، هو صراع على مستقبل السلطة السياسية في العراق على الاقل خلال المرحلة المقبلة. فالجناح الاول يحاول تأمين ظهير للمليشيات المنضوية في الحشد الشعبي داخليا والتغطية على جميع التصفيات التي ستجريها ضد معارضي ومخالفي مشروع العامري - المالكي لتأسيس الدولة وهويتها، فيما يدرك جناح الصدر خطورة ما يرمي اليه ذلك الجناح، ويعي جيدا ان اول الاهداف ستكون التيار الصدري وميليشياته سرايا السلام، وهو ايضا اي الصدر يمتلك ايضا مشروع سياسي لتأسيس الدولة وهويتها في العراق.
بيد ان هذا الصراع هو انعكاس مباشر للصراع بين المشروعين الامريكي والايراني في العراق وفي المنطقة. وان اشتداد الصراع بين الاجنحة البرجوازية في جبهة الاسلام السياسي الشيعي وخاصة خلال هذه المرحلة، سببه الاستعدادات الامريكية لوضع سيناريو جديد بعد فشل مشروع داعش ودعم الجماعات الاسلامية الارهابية وخاصة جناح الاخوان المسلمين خلال مرحلة الالتفاف على الثورتين المصرية والتونسية وهبوب نسيمهما على المنطقة.
ان الجبهة البرجوازية بجميع تياراتها واجنحتها بقدر تشتتها،تحاول القضاء على التشرذم السياسي في صفوفها تارة بالدبلوماسية والمفاوضات والمؤامرات واخرى بالعنف، بنفس القدر ان جبهتنا، جبهة العمال والنساء والشباب والعاطلين عن العمل وجميع الكادحين هي الاخرى مشتته وغير موحدة الصفوف. صحيح ان الاحتجاجات الجماهيرية مستمرة ولكن الصحيح ايضا انها تراوح في مكانها، ولم تحقق الى الان مكاسب واضحة.
ان اول المهمات امامنا وتحديدا امام فعالي ونشطاء الاحتجاجات الجماهيرية، هي عدم التوهم بالمؤتمرات التي تعقدها التيارات السياسية المهمشة التي اشرنا اليها، ويجب ان لا تكون صدى او رد فعل لها، وعليهم ان يدركوا ان عملنا ليس الرد عليهم بل الرد على من يمسك بزمام السلطة السياسية. اما المسالة الاخرى فهي العمل على ايجاد رؤية سياسية موحدة للمطالب والالتفاف حول تلك الرؤية والتي نؤمن بأنها تتلخص بفرص عمل او ضمان بطالة وتوفير الخدمات وتحقيق المساواة على جميع الاصعدة القانونية والاقتصادية والسياسية بين جميع فئات الجماهير واقسامها وبغض النظر عن الانتماء القومي والطائفي والديني والجنسي. ومن جهة اخرى على الجماهير ان تعد نفسها لمواجهة انحدار الاوضاع الامنية بسبب الصراعات القائمة والتي ذكرناها، وهذه المرة يجب ان تأخذ هي زمام المبادرة في تأمين حياتها ومعيشتها في محلات سكنها ومعيشتها وتفويت الفرصة على المليشيات بالعبث بأمنها وفرض سطوتها عليها لتمرير اجندة احزابها السياسية.