الغطرسة الامريكية في المنطقة وموقف الشيوعيين


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6216 - 2019 / 4 / 30 - 22:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لمنطقة تحبس انفاسها وتترقب ماذا يحصل بعد الثاني من ايار، وهو الموعد الذي اعلنته الولايات المتحدة الامريكية عن ايصال صادرات ايران النفطية الى الصفر والغاء الإعفاءات على الدول التي حصلت عليها في الحزمة الاولى من العقوبات الاقتصادية. فيما تهدد الطبقة الحاكمة في ايران وخاصة الحرس الثوري بأغلاق مضيق هرمز. وبموازات ذلك ترسل امريكا اسطولها وتفرض الاجواء الحربية على المنطقة بذريعة حماية الملاحة البحرية في ذلك المضيق.
الحملة السياسية والدعائية والاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد ايران بذريعة انها جزء من محور الشر وداعمة للارهاب ليس فيها ذرة حقانية. فالسعودية والامارات التي تدعم الحملة الأمريكية ليست اقل شرا ولا اقل دعما للإرهاب بل وحتى تعتبر هذه الدول من صانعي الارهاب وقادته في العالم. وليس داعش والقاعدة وجماعات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل العصابات الاسلامية الارهابية التي تنتشر سرطانيا في العالم الا ونالت دعما ماليا وإيديولوجيا وعسكريا ولوجستيا وحتى سياسيا مثلما كان يحدث في سوريا من قبل تلك الدول حلفاء امريكا في المنطقة.
انه الاقتصاد بالدرجة الاولى ويعبر عنه بالسياسة هي محنة الولايات المتحدة الامريكية التي تفقد ريادتها في العالم لصالح الصين. ومن تابع وقائع منتدى (الحزام والطريق) قبل ايام، المنعقد في بكين، حيث شارك فيها ممثلي 100 دولة من اوربا واسيا وافريقيا ووقعت صفقات تجارية بقيمة 64 مليار دولار، وغابت عنه الولايات المتحدة الأمريكية، يدرك ان اوضاع الاخيرة لا تحسد عليها. وما اطار صواب الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية هي ان تلك الصفقات التجارية ممولة من المصارف الصينية التي بلغت ما تملكه من عملات صعبة بقيمة 3 ترليون و400 مليار دولار. اي بعبارة اخرى اخذت المصارف الصينية تنافس اليوم او ستحل غدا محل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الامريكيين.
من هذه الزاوية يجب النظر الى سلسلة الاجراءات الأمريكية ضد ايران واذرعها في المنطقة مثل الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض العقوبات الاقتصادية وإدراج الحرس الثوري الايراني في لائحة الارهاب الى جانب حزب الله بذراعيه العسكري والسياسي، وهي مساعي للحد من النفوذ الايراني الذي يعتبر الحليف الرئيسي لروسيا والصين في المنطقة. اي ان الصراع الامريكي-الايراني يقف خلفه صراع عالمي بين الاقطاب العالمية ، امريكا التي تحاول عبثا ان الحفاظ على مكانتها وهيمنتها على العالم وبين القطب الصيني - الروسي الصاعد.
وفي خضم الصراع الامريكي-الايراني، تحاول الإطراف الاقليمية ايجاد مكانة لها كي تعزز من نفوذها السياسي، فإسرائيل والسعودية والامارات تتصارع على جميع الأصعدة لازاحة تركيا وقطر وايران من المنطقة. فالدعم السياسي الفاضح للسعودية والامارات للغطرسة الامريكية، والمنحة المالية التي تقدم كرشاوى للسياسيين العراقيين بذريعة الاستثمار وتحسين العلاقات وبناء المنطقة التجارية الحرة بين العراق والسعودية هي مساعي سياسية لاضعاف النفوذ الايراني في العراق لصالح السياسات الامريكية.
على صعيد العراق، وكما تحدثنا سابقا، فمع تصاعد شدة الصراع واقتراب موعد الثاني من ايار، بدأت الكتل السياسية تتصدع، وبدأت تلوح بالافق بوادر اصطفافات سياسية واستقطابات جديدة. فقوى الاسلام السياسي الشيعي وخاصة جناحه العسكري المتمثل بالحشد الشعبي اعلنت تخندقها الى جانب الجمهورية الاسلامية، في حين بدأت اسارير التيار القومي العروبي تتفتح وتتمنى حملة عسكرية امريكية على ايران لاسقاط الجمهورية الاسلامية كما كانت تتمنى قوى الاسلام السياسي الشيعي مثل حزب الدعوة والمجلس الاسلامي الاعلى الذين يصطفون اليوم الى جانب الجمهورية الاسلامية، غزو واحتلال العراق لا سقاط نظام البعث.
ان دعوات الحكومة العراقية والكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية لابعاد العراق عن سياسة الاستقطابات او تجنب العراق تداعيات الصراع الاميركي- الايراني هو محض هراء. فالعملية السياسية او المعادلة السياسية قائمة على دعامتين الامريكية والايرانية. وان جميع الحكومات منذ غزو واحتلال العراق التي رأت النور كانت بمباركة تلك الدعامتين. واذا ما دققنا في المبادرة التي قدمها مقتدى الصدر لابعاد العراق عن اتون الصراع المذكور، فهي ليس اكثر من خلط الاوراق و نثر الاوهام حول موقفه من الصراع وتخندقه بشكل غير مباشر مع المحور السعودي في المنطقة. فمثلا يعلن عبر مبادرته بغلق السفارة الامريكية في حالة جر العراق الى الصراع الامريكي-الايراني الا انه لا يدعو الى طرد القوات الامريكية من العراق. فالسفارة الاميركية التي تضم اكثر من 5000 موظف وهي اكبر سفارة في العالم ليست لها قيمة سياسية دون وجود عشرات القواعد العسكرية الامريكية في العراق. لان الصدر ليس فقط غير قادر على المطالبة باخراج القوات الامريكية من الناحية العملية وغلق قواعدها فحسب بل لانه يدرك جيدا ان الدعامة الامريكية ضمانة لوقوف العملية السياسية على اقدامها التي هو جزء فاعل فيها.
ومن جهة اخرى يتجدد اعلاميا حضور تحالف النصر في المشهد السياسي العراقي والتلويح بعودة حيدر العبادي الى الحكومة واقصاء عادل عبد المهدي. وهذه هي ايضا مساعي امريكية لانتزاع التنازلات من الجانب الايراني لتنصيب مرشحه الذي اقصي عنوة بالرغم من انتصاراته على داعش وتقليم اظافر القوميين الكرد الا ان امريكا فشلت في تتويجه بطلا قوميا والتجديد لولاية ثانية له.
موقفان سياسيان يجب ان يتخذهما كل الشيوعيين والاحرار في المنطقة والعالم، الاول الوقوف بحزم ضد الغطرسة الامريكية وتهديداتها العسكرية وفرض الاجواء العسكرتاريا على المنطقة وحصارها الاقتصادي على ايران دون اي قيد وشرط وفضح جميع سياساتها التي تبغي من ورائها اعادة انتاج هيمنتها على العالم. اما الموقف الاخر فهو على صعيد العراق يجب العمل على تفويت الفرصة على القوى سواء كانت القومية العروبية او قوى الاسلام السياسي التي تحاول الاستفادة من اجواء الصراع المذكور في خلق الفوضى الامنية وبالتالي طمس مطالب الجماهير العادلة في توفير الامان والخدمات وفرص العمل او ضمان بطالة.