الشيوعية العمالية والمنهجية الثورية


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6250 - 2019 / 6 / 4 - 16:01
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

قدم هذا الموضوع في ندوة اقيمت في بغداد على قاعة نازك الملائكة بمناسبة اسبوع منصور حكمت في حزيران 2018

مرحبا بكم ايها الصديقات والاصدقاء والرفيقات والرفاق الحضور في هذه المناسبة ، مناسبة اسبوع منصور حكمت.
قبل البدء في تقديم موضوعي الذي هو بعنوان "الشيوعية العمالية والمنهجية الثورية"، اود ان اوضح مسالة مهمة، اثيرت من قبل بعض الاصدقاء حول هذه المناسبة والهدف من اقامتها. فليس صحيحا ابدا ان نقيم هذه المناسبة السنوية لأننا امتداد لذلك التيار الذي اشير اليه باننا نؤمن بعبادة الشخصيات وتأليههم. ليس هذا ابدا غايتنا ولا هو مرتبط بتيارنا لا من قريب ولا من بعيد. نحن ننظم هذه المناسبة للتعريف بتمايز خطنا عن بقية الخطوط على الصعيد النظري والسياسي والاجتماعي والعملي التي تدعي تبنيها للشيوعية اولا، وايضا للتعريف بإسهامات المفكر والقائد الشيوعي وحقا احد معلمي الطبقة العاملة بعد ماركس وانجلز ولينين، وهو منصور حكمت. فكما ذكرت في نفس المناسبة التي اقيمت العام الفائت لو قدر للحركة الشيوعية العمالية الانتصار مثلما انتصر البلاشفة في ثورة اكتوبر لكانت اسهامات منصور حكمت معروفة ومشهورة وتلاقي الانتشار الواسع عبر العالم مثل اسهامات لينين النظرية والسياسية والاقتصادية في الفكر الشيوعي.
ان الشيوعية العمالية كما يقول قائدها ليست هي العودة الى الماركسية الاصيلة ، بل هي الماركسية. وكل شخص مطلع على البيان الشيوعي والايديولوجية الالمانية وراس المال يدرك ببساطة صحة كلام منصور حكمت بأن الشيوعية العمالية هي الماركسية.والشيوعية العمالية ليست مدرسة فكرية كما يحاول البعض تعريفها، بل هي موضوعة العامل في قلب نظرية الاستغلال اي ان العامل ظاهرة اجتماعية وهذا هو اساس الماركسية التي تحدثت عنها الشيوعية العمالية.
ان ماركس لم يدرس المجتمع بدون طبقات ، وان كل الظواهر الاجتماعية مثل الدين والاستغلال والفقر ليست منعزلة عن صراع الطبقات. ولذلك فان تحويل ماركس الى عالم اقتصادي وتجريد جميع اطروحاته التي تقول وتؤكد على نقد النظام الرأسمالي وبعد ذلك العمل على تغييره هو عمل منظم واستغرق عقود من الزمن من قبل الأكاديميين والجامعيين والكتاب والاقتصاديين والفلاسفة البرجوازيين . اي تجريد العامل من فهم اوضاعه الاقتصادية وانحطاط مكانته الاجتماعية وبالتالي تجريده من سلاح التغيير. ذلك هو اساس الماركسية الذي انفق منصور حكمت كل حياته من اجل تبيان هذه الحقيقة.

ان منهجية منصور حكمت الفكرية والسياسية والاجتماعية وعلى الصعيد العملي هي نفس منهجية ماركس في نقده لموضوعات فيورياخ، والتي تؤكد على العنصر الانساني ودوره بالتغيير. ومن جانب اخر ان هذا التغيير مناط بدور الطبقة العاملة الثوري. اي بعبارة اخرى ان منهجية منصور حكمت هي المنهجية الماركسية في نقد النظام الرأسمالي ، ونقد بنائه الفوقي من ايديولوجية ودين وفلسفة وسياسة واقتصاد واخلاق وقانون..الخ. ولكنه لم يكتف بالنقد بل بالفعل الثوري اي التغيير وتقديم البديل للنظام الذي يولد كل لحظة مصائب من حروب ودمار وفقر. وان هذه المنهجية هي اساس مقولته الشهيرة بأن الاشتراكية ليست حتمية.اي ان الثورة العمالية من الممكن ان تنتصر ومن الممكن الحاق الهزيمة بها ، وان دور الممارسة الثورية ، اي دور حزب الطبقة العاملة والعوامل الذاتية الاخرى سيكون حاسما في عملية الانتصار والهزيمة.
ان هذا المنهجية تقودنا الى نقطة مهمة وهي ان الشيوعية العمالية او الماركسية ليست منهجية لا تتجاوز التحليل او كما يقال عنها، عقلانية ومعرفة، بل منهجية لدور العامل الانساني في التغيير. اي نحن لسنا مجموعة من المثقفين المحللين الجيدين وينظر الينا على اننا من النخب وعلية القوم ، وانهم بسبب ثقافتنا ومعلوماتنا يكنون لنا الاحترام والتقدير، ولسنا اناس منعزلون عن الحياة اليومية للعمال والنساء والشباب. البرجوازية تحترم ذلك النوع من الشيوعيين وهذا النوع من الماركسيين المنظرين فحسب ، والبرجوازية على استعداد لازالة العوائق لظهورهم الاعلامي وفتح ابواب مجلاتها وصحفها لهم طالما هم لا يقولون بان الماركسية هي نقد للنظام الرأسمالي ويجب تغيره بشكل ثوري. نحن لسنا حزب المثقفين ، او حزب المحللين الجيدين فقط ، بل ينبغي ان نمتلك هذه الرؤية وهذا التحليل كي ندرك ما هي العوائق الرئيسية التي تقف حائلا امام الدور التاريخي للطبقة العاملة في قلب هذا النظام البرجوازي الطائفي والاسلامي – القومي الى نظام اخر يكون فيه الانسان عندما يسير او يمشي في شوارع بغداد او البصرة او الموصل او كركوك لا يساله احد هل انت شيعي او سني، كردي او عربي او تركماني، مسلم او مسيحي او ايزيدي او صابئي، تشعر المرأة بأن انسانيتها غير مستلبة وانها متساوية الحقوق مع الرجل على صعيد القوانين وعلى الصعيد السياسي والاجتماعي، يعيش العامل وهو مطمئن على مستقبله ومستقبل اسرته ويحصلون على التعليم والصحة المجانية، ويعيشون في مسكن لائق، ولا يخافون من غد العوز والحاجة ، يشعر الطالب والشاب بأن هناك فرصة عمل ينتظره عندما يتم دراسته، او انه يستطيع ان يمارس حقوقه وحرياته الانسانية دون ان يكون هناك متطفل عليه او من يترصد له.

لذلك تحدث منصور حكمت على ان الشيوعيين يجب ان يدخلوا الميدان السياسي، من خلال الصراع على السلطة السياسية ، وان يكونوا جزء من المعادلة السياسية. دون هذه المنهجية لأي حزب ماركسي او شيوعي ، من الممكن ان يكون ذلك الحزب مجموعة من الواعظين اوالمحللين السياسيين او فرق اصدار البيانات والمواقف ، ولكن لا يمكن ان يكون حزبا سياسيا، يمتلك ثقة واعتبار العمال الذين يربطون مصيرهم بمصير الحزب، محل ثقة واعتبارالاقسام الاجتماعية المسحوقة والمحرومة في المجتمع. هذا ما يعلمنا منصور حكمت وهذه هي المنهجية الثورية لماركس التي تلخصها مقولته الشهيرة ان الفلاسفة قاموا بتفسير العالم لكن المهمة تقوم على تغييره.

ان منصور حكمت عندما قام بنقد التجربة السوفيتية والتحليل النظري والسياسي للثورة الايرانية والطبقات الاجتماعية المتصارعة فيها ودور ومكانة الدولة ، ودور وتدخل الشيوعيين فيها، ونقد حرب الخليج الثانية والنظام العالمي الجديد الذي انبثق على جماجم الاف من العمال والكادحين في العراق وتحدث عن مكانة "الديمقراطية في عالم اليوم والمسالة القومية ونقد الحركات الاجتماعية الاخرى، وعلاقة الحزب بالطبقة العاملة وعلاقة الحزب بالحركات الاجتماعية الاخرى، انما انطلق من موقع الطبقة العاملة، مثلما انطلق ماركس في تحليله للمجتمع الرأسمالي ولينين في نقد مجمل الحركات التحريفية والبرجوازية في المجتمع الروسي.

ولذلك عندما نقول ان الماركسية هي الراية النظرية لحركة العمال الاحتجاجية ، تنقلب الدنيا وخاصة نفس اولئك الذين بدلوا راية ماركس من راية الحركة العمالية الى راية محاربة الاستعمار وراية الدفاع عن الصناعات الوطنية والمساومة مع البرجوازية بحجة انها وطنية من اجل الوطن والوطنية ، الى راية حركات اجتماعية اخرى. نفس اولئك ينكرون اليوم وجود الطبقة العاملة في العراق، وبأن العراق غير مهيأ للتحول الاشتراكي،او يذكرون قلتها العددية، او يبررون بأن تطور التكنيك سيحل محل العمال..واخيرا ان الغاية من هذا التحليل كي يصل بالعامل الى أن الشيوعية العمالية وحزبها متطرفون ولا يعبرون عن الواقع او لا يعترفون به. بهذا المنطق يتحول ماركس الى طوباوي ومجمل طروحاته الفكرية والسياسية والاقتصادية هي ايضا طوباوية او في أحسن الاحوال الى عالم اقتصادي او فيلسوف.

ولذلك كما يؤكد ماركس في البيان الشيوعي على عالمية الطبقة العاملة وعالمية النظام الرأسمالي، يؤكد منصور حكمت على دور الطبقة العاملة الحاسم في انهاء النظام الرأسمالي. اذ لا ينظر الى الطبقة العاملة من الناحية العددية ولا من زاويتها المحلية، بل من خلال ان علاقات الانتاج الرأسمالية اصبحت علاقات انتاج عالمية وان الطبقة العاملة هي طبقة اممية.

اليوم اذا سمحتم لي اود استغلال هذه المناسبة كي ارد على مسالتين بخصوص اولئك الذين يتهجمون على الشيوعية العمالية وحزبها، فهم نوعان ولكن بمحتوى واحد، الاول الذي اشرت اليه قبل قليل يصفوننا بأننا متطرفين وغير واقعيين، وبأن الماركسية يجب ان تتغير وان الاتحاد السوفيتي انهار وفشلت التجربة الاشتراكية ولذلك يجب النظر الى الماركسية، ان العالم يتغير، والماركسية تحب التجديد، وعليه يفبركون ويسفسطون هذه التنظيرات كلما اشتد النقد الشيوعي العمالي الى كل المفاهيم والحركات الاجتماعية، وفضح محتواها ، كي يصلوا بالتالي؛ يجب المساومة او التصفيق للجيش في الحالة المصرية عندما قام بالثورة المضادة بحجة الثورة ومطالب الشعب والتخلص من الاسلاميين، او والدخول بصفقات مع الاسلاميين والقوى القومية عبر صياغة مقولات طنانة مثل الكتلة التاريخية وغيرها مثل الحالة العراقية، او الحالة في سورية ووجهنا نقدنا لكل تصور بشكل مادي وسياسي حول ما حدث ومنذ الايام الاولى، اذ قلنا ان ما يجري ليس له علاقة بالثورة لا من بعيد ولا من قريب، انهم ليسوا اقل من عصابات الكونترا. وان جذرهم الاجتماعي يعود الى البرجوازية الصغيرة التي لعبت دورا تاريخيا مجيدا في الدفاع من الناحية السياسية عن (البرجوازية الوطنية) ، وفي مرحلة لاحقة عندما امست حتى البرجوازية الوطنية لا تقر بوطنيتها، وان رأسمالها اختلط بالرأسمال العالمي ، تحولوا الى مطبلين ومزمرين لماضي تلك البرجوازية التليد. وفي عصر عالمية النظام الرأسمالي، ابدى هذا التيار مقاومة عنيفة للحيلولة دون انزلاقه طبقيا الى صفوف الطبقة العاملة ، وفي نفس الوقت حاول سياسيا التعلق بالبرجوازية عسى ولعل ان يطرا تغييرا على مواقعهم الطبقية من الناحية الاقتصادية.
ان اولئك البعض من مدعي الماركسية لا يتجرؤن علانية على التخلي عن الماركسية والاعلان بأنها كانت خاطئة، بل يقفون مطأطئين الرؤوس امام عظمة الصرح الفكري والسياسي والاقتصادي لماركس، وكذلك يدفعهم حسهم الانتهازي الذي يتلخص بحاجتهم الى الماركسية الفارغة من من محتواها الاجتماعي الطبقي، عسى ولعل انه يمكن الاستفادة منها كسلاح في نضالهم الفكري والسياسي في ايام القحط كما كانوا في بداية القرن العشرين وحولوها الى راية حركة ليس لها علاقة بماركس ولا بالطبقة العاملة.

اما النوع الثاني فهو الاخر يعود جذره الطبقي الى مثقفي البرجوازية الصغيرة، الذي يزعق ويزمجر ومن موقع ادعاءهم بأنهم ماركسيين، بأن الشيوعية العمالية فشلت. اولئك ليس لديهم اي عمل ولا اي شغل شاغل بجميع التحولات الاجتماعية والسياسية في المجتمع، وتحول كل نضالهم، واوقاتهم ليلا نهارا ، بالدعاء على الحزب الشيوعي العمالي كي يستقيل هذا العضو او ذاك الكادر او ينشق منه اشخاص او حتى يموت من اعضاءه اشخاص ، بدل "اطلاق الدعوات" كأحد اشكالهم النضالية المبتكرة والجديدة كأضعف الايمان على البرجوازية وقذاراتها في كل مكان التي حولت العالم الى جحيم لا يطاق.. ان هؤلاء بهذا القدر من الانحطاط يرثى لحالهم وفقرهم الفكري والسياسي وما الت اليها اوضاعهم، بنفس القدر هم ايضا يخفون معاداتهم السافرة للتحزب. ان عقدة هذا الطيف هو التحزب.لان هذا الطيف او لنقل حتى هذا التيار يدرك جيدا ان الشيوعية العمالية تعني الماركسية ، وتعني البيان الشيوعي والايديلوجية الالمانية وراس المال كما أشرنا في بداية هذا الموضوع ، وتعني شيوعية متدخلة في الاوضاع السياسية وفي المجتمع ، وبدون التحزب لا يمكن الحديث عن أحداث تغييرات جدية لصالح الطبقة العاملة وعموم المحرومين في المجتمع.
ان تحزب التيار الاشتراكي بالنسبة لهذا الطيف، بمثابة سلاسل تخنقهم كما يخنق تحزب الطبقة العاملة البرجوازية.لذلك فهم يحاولون لي عنق الماركسية عبثا ويقولون بأن الشيوعية العمالية هي ليست الماركسية.
ان ما يجمع محنة هذين النوعين من البشر هو جذرهم الاجتماعي الطبقي اي انحدارهم من البرجوازية الصغيرة وعدم امتلاكهم الجرأة السياسية . اذ انهم ليسوا قادرين على الإجهارعلنا بان الماركسية غير صحيحة وولى زمانها، ولا بإمكانهم الدفاع عن الماركسية، مثلما فعل لينين ومنصور حكمت. الا ان الفارق بينهما هو ان النوع الثاني لا يتخلى عن الماركسية ، لان مكانته الاجتماعية واعتباره نابع من تعريف نفسه وتبنيه للماركسية، فتخيلوا ماذا يبقى لهم لو تخلوا عن الماركسية، والجواب لن يبق وجود اعتباري لهم ابدا. ان الماركسية بالنسبة لهؤلاء مثل بدلة وربطة عنق تغطي خوائهم الفكري والسياسي ومعاداتهم السافرة للطبقة العاملة، لانهم يريدون مع سبق الاصرار والترصد تجريد العمال من سلاح قلب النظام الرأسمالي وانهاء كل مصائبه ومآسيه ، عالم الاستثمار والاستغلال.

وفي الختام اريد ان الخص الموضوع الذي قدمته، ذلك ان الشيوعية العمالية تعني الماركسية، تعني لا مساومة مع البرجوازية في الحقل النظري والسياسي والاجتماعي. ان الماركسية ليست هي مثل الدواء، يمكن تخفيفها قليلا الى 4 مل او 20مل كي تتناسب مع المريض وصحته. ليس هناك ماركسية مخففة كما يطالب السادة مثقفي البرجوازية الصغيرة.
ان الشيوعية العمالية تعني اقتدار العامل بالدخول في الصراع على السلطة السياسية، تعني حقانية المرأة بمطالبتها بمساواتها المطلقة والكاملة مع الرجل في جميع الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، تعني صيانة وعدم مس الحقوق الفردية والحريات للشباب.
ان الشيوعية العمالية تعني انهاء عالم الاستثمار والاستغلال وعدم مساواة البشر. ان الشيوعية العمالية تعني تحزب الطبقة العاملة فلا معنى للشيوعية العمالية دون التحزب العمالي . من هنا يمكن رؤية منصور حكمت ومنهجيته في اعادة البريق الى الماركسية.
اننا ايها الحضور الاعزاء وفي عراق اليوم بأمس الحاجة الى هذه المنهجية الثورية. فمخالب وانياب القوى الاسلامية بجميع اشكالها الشيعية والسنية والقومية تنهش كل يوم جماهير العراق على الصعيد الامني والمعيشي والخدمي والصحي والتعليمي، ولا بديل امامنا اما انتظار الموت البطيء او بقلع هذه الانياب والمخالب.