ماذا تحتاج الانتفاضة؟


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6443 - 2019 / 12 / 22 - 00:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ماذاتحتاج الانتفاضة؟
معضلة قيادة أم معضلة قيادة تحررية:
 كثيرا ما يردد في الأوساط السياسية التي تتحكم بالسلطة الفاسدة أو في أوساط ما يسمون أنفسهم محللين (وهم محللين لكل شيء إلا السياسة) بأن الانتفاضة الحالية ليس لديها قيادة. وهذه المسالة مجافية للحقيقة. فالانتفاضة لها قيادة وفيها اتجاهات سياسية ومتصارعة ولكن اي واحدة منها غير قادرة على تسييد آفاقها وسياساته على الانتفاضة. وقد اشرنا إلى هذا الموضوع في أكثر من مناسبة. وتلك الاتجاهات تقودها جيوش الكترونية سرية وتعطي شعاراتها وسياستها. فمثلا تحديد يوم 10 كانون الأول والدعوة إلى اقتحام المنطقة الخضراء هو جزء من سياسة تلك القيادات المشار إليها. وأيضا تحرك أصحاب القبعات الزرق بالدعوة إلى حماية المتظاهرين هو جزء من قيادة أخرى وآفاق أخرى. وإذا ما نذكر فقط أن نقابة المعلمين المشاركة بشكل فعال في الانتفاضة، فتسيطر على قيادتها حزب الدعوة (جماعة العبادي) فيما تسيطر على قيادة نقابة المحامين القوميين وذوي الميول البعثية، وعليه نجد أن عشرات الخيام وسط ساحة التحرير في بغداد تدار من قبل مجموعة “نازل اخذ حقي” التي تروج لها قناتي "الشرقية" و "الدجلة" المعروفة بميولهما واتجاهتهما القومية ومجموعة التيار الصدري وتحت مسميات مختلفة. وتلك الخيام منقسمة على الاتجاهات المذكورة.
 إن من يراقب ويدقق في جميع أدبيات وتصريحات وشعارات تلك الاتجاهات، يرى أنها في مأزق سياسي، وليس أمامها أية خارطة واضحة، ويرى التذبذب في مواقفها، فهي تبني مواقفها دائما كرد فعل حسب المواقف السياسية التي تتخذها كتل الطبقة السياسية الحاكمة، وهي تفتقر إلى أية مبادرة ثورية بسبب طبيعتها المحافظة وبنيتها السياسية التي لن تتجاوز في أفضل حالاتها الإطار الذي تطرحها القوى القومية والإسلامية والليبرالية سواء كانت في السلطة أو في المعارضة . فنجدها تارة تطرح مواصفات لرئيس وزراء ليس لها أية علاقة بالصراع على السلطة السياسية بشكل جذري، حيث تعكس غياب الخبرة السياسية أو النضج السياسي في الوقت الذي يدرك المبتدئ في عالم السياسة في العراق، أن اي رئيس وزراء اي كانت مواصفاته، فانه إذا لم يملك قوة سياسية في البرلمان ومليشيا مسلحة فلن يكن أكثر من أضحوكة وكاريكاتير. وهكذا وعندما يشتد الغضب الشعبي في رفض المرشح الذي يسرب على انه من ساحة التحرير أو من المتظاهرين، تسحب تلك الاتجاهات اسم المرشح مبررة ذلك بأن هناك تزوير في البيان. فيما حاول التيار الصدري وطوال هذه الفترة من السيطرة على الانتفاضة بمليشياته المسلحة أو بتبني بشكل مخادع مطالب المتظاهرين، وحيث تطرقنا إليها في مقال مفصل (انظر- الأخطار المحدقة بالانتفاضة) لكنه إلى الآن لم يستطع هو الأخر حسم المسالة لصالحه. والملاحظ أن ردود الفعل السياسية تجاه مبادرات القوى السياسية الحاكمة تعكس سيادة آفاق وتقاليد التيارات البرجوازية المشار إليها على الانتفاضة وبالتالي وصولها إلى طرق مسدود. فتلك التيارات أو الاتجاهات لا تعنيها حل مشكلة البطالة ولم يدخل في أجندتها عراق خال من المليشيات، ولم تتطرق إلى صياغة دستور علماني وفصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم، ولا المساواة التامة بين المرأة والرجل، أو أن يكون راتب عضو البرلمان أو الوزير لا يتجاوز متوسط أجرة عامل ماهر..الخ. وبالتالي وبسبب سيادة آفاق تلك الاتجاهات على الانتفاضة، نجد أن المرجعية تظهر كلاعب رئيسي تحرك تلك الاتجاهات، وكأنها تبعث لها اكسير الحياة وتتناغم معها وصولا إلى حد الانسجام. فالانتخابات المبكرة على سبيل المثال والتي دعت إليها المرجعية في خطبتها الاخيرة يوم امس وتطابقت مع مطالب تلك الاتجاهات، لن تحل المشكلة أبدا، بل أن اللصوص والحرامية هي الادرى بالدهاليز السرية للوصول إلى القصر. وليس هذا فحسب بل تلك الاتجاهات وبالتطابق مع المرجعية تراهن على تأسيس مفوضية غير مستقلة للانتخابات وقانون انتخابي ينبثق من برلمان فاسد ومسؤول على تشريع القوانين التي من ضمنها تلك التي تجيز امتيازات كبيرة لأعضائها والمسؤولين في الحكومة ومجمل العملية السياسية، وقام بتفويض حكومات فاسدة منذ عام 2005 وحتى يومنا هذا، وأهل مجموعات مجرمة متورطة بأعمال القتل على الهوية إبان الحرب الطائفية عام 2006.  

الاتجاهات البرجوازية والنزعة الثورية للجماهير:

 إن المعضلة التي تواجهها الانتفاضة هي معضلة الصراع على السلطة بمجملها، معضلة العملية السياسية، معضلة سلطة الإسلام السياسي الحاكم. إن الانتفاضة لن تستطيع أن تصل إلى بر الأمان أو تراجعها إلى نقطة الصفر دون حسم مسألة السلطة. ولابد أن نٌذَّكَرَ أن الجماهير المليونية التي خرجت بصدور عارية ودفعت آلاف من الضحايا، لم تضع أمامها غير إنهاء سلطة الإسلام السياسي في العراق، وهذا ما دعت حكومة عبد المهدي ومليشياتها ومستشاري الجمهورية الإسلامية العسكريين والأمنيين وعلى رأسهم قاسم سليماني بتنظيم حملة حمامات دم إلى حد هذه اللحظة. إلا أن تلك الاتجاهات السياسية تحاول أن تتلاعب بمصير أولئك الملايين عبر ألاعيب سياسية خطيرة لتحقيق أجندتها السياسية. وإذاما عدنا لمسالة القيادة، فكما اشرنا هناك قيادة لهذه الانتفاضة، وتلك القيادة تتحرك وفق أجندتها، وستتحرك في الوقت المناسب وبإشكال مختلفة لحسم مصير الانتفاضة، بدء من الصراع السياسي عبر تجيير الانتفاضة لصالحها وانتهاء بالصراع المسلح. ولكن ما تنقص هذه الانتفاضة هي القيادة التحررية، الأفق اليساري، الأفق الشيوعي. دون سيادة هذه الآفاق، فمصير الانتفاضة في خطر.ويجب بيان حقيقة بأن هناك بون شاسع بين تلك الاتجاهات وبين النزعة التحررية للجماهير. وطوال سنوات مضت لم تستطع القوى السياسية في العملية السياسية بدء من التيار الصدري ومرورا بالعبادي وانتهاء بالحزب الشيوعي العراقي من انتزاع النزعة التحررية من الجماهير. صحيح أن تلك القوى نجحت في انتفاضة 25 شباط 2011 واحتجاجات تموز 2015 من الالتفاف على مطالب الجماهير لكنها لم تستطع سحق تلك النزعة. إن سيناريو تلك الانتفاضة والاحتجاجات ممكن أن يعاد من جديد، وهذا سر وجودهم اي الاطراف المشارة اليها في ساحات وميادين الاحتجاجات، وجميعهم ينتظرون ساعة الصفر، ولابد من تثبيت امام التاريخ أن جذوة تلك النزعة ستظل مشتعلة طالم ادام الظلم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.  

الانتفاضة والسلطة السياسية:  

 إن سيادة آفاق القيادة التحررية على انتفاضة أكتوبر مرهون بتوضيح المسارات السياسية حول الصراع على السلطة، وبالدعاية والتحريض المتواصل في صفوف الجماهير في توضيح تلك المسارات وفضح الاتجاهات البرجوازية ومساعيها وأساليبها الملتوية، وبالتنظيم ثم التنظيم لجميع أقسام المجتمع، تنظيم العاطلين عن العمل، الطلبة، المعلمين شبكات الفعالين ونشطاء العمال، الاهالي والسكان في المحلات وحول برنامج سياسي واضح. وكما اشرنا أن المعضلة التي تواجهها اليوم الانتفاضة هي مسالة السلطة السياسية في العراق. وان السلطة السياسية مرتبطة بكل العملية السياسية. ولذلك يجب أن يكون واضحا أمام الجماهير أن كل البدائل والطروحات السياسية التي تتبناها القوى السياسية سواء في الحكم أو في المعارضة لن تفضي إلى عراق حر ومرفه ويعيش البشر فيه بهويتهم الإنسانية وبمساواة كاملة دون اي تمييز قومي وديني وطائفي وجنسي. ولذلكي جب أن تمضي إلى الأمام، على أن المضي إلى الأمام مرهون بإنهاء عمر العملية السياسية.وعليه يجب عدم انتظار البرلمان ورئاسة الجمهورية، بل يجب الدعوة لحل البرلمان والرئاسات الثلاثة وتحويل قادتها إلى المحاكم العلنية لتورطهم بالتستر على قتل المتظاهرين. فلا شرعية لرئيس الجمهورية ولا البرلمان كي يختاران مرشح لرئيس الوزراء سواء كان من المتظاهرين أو من الطبقة الفاسدة وأيا كانت مواصفاته. ومن جهة أخرى علينا أن نوضح للجماهير بضرورة تشكيل حكومتها الثورية المؤقتة من قبلها، وعبر آلية  انتخاب ممثلي المحلات وأماكن العمل وان يكون برنامجها الفوري تحقيق الأمان والحرية وضمان بطالة. ويجب التأكيد هنا على حل المليشيات وتحويل قادتها إلى المحاكم وان يكون مطلب رئيسي وجوهري وحيوي للانتفاضة. ومن جهة أخرى يجب فصل مسار الجماهير عن مسار طروحات المرجعية التي هي ابدا صمام أمان لإنقاذ سلطة الإسلام السياسي عبر المناورات السياسية. ومسالة  أخرى في غاية الأهمية وهي تكمن في ضرورة شل المليشيات وتفريغ السلطة السياسية المليشياتية من محتواها السياسي وعزلها عبر تشكيل لجان جماهيرية مختلفة في المحلات وأماكن العمل وتقوم بالادارة الامنية والخدمية وحتى السياسية. والنقطة الأخيرة هي مرتبطة بدخول الطبقة العاملة في القطاع الإنتاجي بكل ثقلها في الانتفاضة وخاصة في القطاع النفطي والغاز والكهرباء..وإنها لقادرة بالتعجيل في تقصير عمر السلطة المليشياتية الحاكمة في العراق.
 ان مصيرانتصار انتفاضة أكتوبر مرهون بسيادة هذه الآفاق وليس برئيس وزراء من منتج محلي أو انتخابات مبكرة تفتح صناديقها المليشيات المجرمة.