قصة الكهرباء والسياسة التي ورائها


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6266 - 2019 / 6 / 20 - 00:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


يطل ملف الكهرباء برأسه على المشهد السياسي العراقي من جديد، مع فارق مع الفترات السابقة، هو ان الجميع من المشاركين في الحكومة وخارجها يحاولون تسديد ضربة استباقية فاشلة قبل زيادة تسخين حرارة الصيف شدة درجات حرارة الوضع السياسي في العراق الذي قد تصل الى درجة الاتقاد اثر تداعيات الصراع الامريكي-الايراني من جهة، ومن جهة اخرى خروج الاحتجاجات الى الشوارع بسبب تقاعس الحكومات المتلاحقة وبشكل مخخط في حل مشكلة الكهرباء. فعبد المهدي الذي لا حول له ولا قوة والذي تعد العدة للاطاحة به وبحكومته، شكل خلية ازمة دائمة لمراقبة ملف الكهرباء، بينما غرد الصدر ليقول اقطعوا التيار الكهربائي عن المسوؤلين كي يشعروا بعامة الناس، وهي تغريدة لا تكلف شيئا ولكن كلمة حسنة قد تدفع البلية وهو مشارك في الحكومة والبرلمان منذ اربع ولايات للتحالف الشيعي الذي لعب دورا أساسيا في افقار المجتمع واعادته قهقريا عقود من الزمن الى الوراء، وفي السياق نفسه يصرح وزير الكهرباء بأنه سيحل مشكلة الكهرباء بعد ثلاثة أشهر، ولم يقل كيف، فأقرانه وخلال اكثر من عقد ونصف لم يستطيعوا حل مشكلة الكهرباء، فكيف له حلها في هذا الوقت القياسي.
بعد ثورة اكتوبر عام 1917 ادرج لينين مسالة الكهرباء في اولويات السلطة العمالية الى حد سمي تزويد روسيا بالكهرباء بأنه يعني الاشتراكية، في روسيا المترامية الاطراف والتي كانت تطحنها حرب اهلية شاركت فيها 14 دولة امبريالية ومجتمعا يئن من وطأة الحرب والفقر. كان ذلك في بداية القرن العشرين اي قبل اكثر من مائة عام. اليوم ونحن في نهاية العقد الثاني من الالفية الثالثة، وما زالت قضية الكهرباء تؤرق حياة الجماهير في العراق، والسؤال الذي يطرح نفسه هل حقا ان “دولة “ وصلت ميزانيتها في عدة سنوات الى اكثر من 120 مليار دولار لا تستطع حل هذه المشكلة، ام ان هناك اهداف سياسية مبيتة وراء هذا الملف الذي بات زعماء العملية السياسية يزايدون سياسيا فيما بينهم عليه كي يخلو مسؤوليتهم من حل مشكلة الكهرباء او على الاقل حرف الانظار عنهم .
من يتابع الاعلام، سيجد هناك مسالتين تسيطران على المشهد السياسي العراقي، الاولى هي الصراع الامريكي-الايراني في المنطقة والثانية قضية الكهرباء، اما الاعداد للاطاحة بحكومة عبد المهدي الذي بات يخيم هو الاخر على المشهد السياسي، فهو جزء من معطيات ذلك الصراع. وعليه تبقى المسالتان هما سيدتا المشهد السياسي.
ان سبب سيطرة ملف الكهرباء على الاجواء السياسية والتصريحات الاعلامية حوله هذه الايام التي تختلف عن السنوات السابقة، يعود الى الرعب الذي سببته احتجاجات البصرة في العام الفائت وعلى اثره هرب المحافظ واعضاء مجلس المحافظة واحرق مبنى مجلس المحافظة والعديد من مقرات الاحزاب الاسلامية. فليس هناك اي واحد من الذين يتحدثون عن الكهرباء بحرقة “ويذرفون دموع التماسيح على الجماهير ويملؤون الخطب والتصريحات بالكلمات الانشائية الفارغة من أي مضمون عملي ينقل بيدق من مكان الى اخر، نقول ليس اي واحد من هؤلاء حدثت له صحوة ضمير في غفلة من زمن عمليات السرقة والنهب التي تجري على قدم وساق. فيكفي ان نذكر بأن عدم الاتفاق على مناصب وزارتي الداخلية والدفاع والعدل والدرجات الخاصة منذ تشكيل الحكومة التي مضى على عمرها اكثر من 6 اشهر، كي نستشف دون اي عناء حدة الصراع القائم على الاستحواذ على كميات السلب والنهب والنفوذ وهذا يكشف زيف تلك التصريحات.
ليس صحيحا ابدا ان عدم حل مشكلة الكهرباء في العراق بسبب عمليات الفساد. ان عمليات الفساد هي تحصيل حاصل للاهداف السياسية التي وراء عدم حل مشكلة الكهرباء. واذا ما عدنا الى الايام الاولى للاحتلال فأن قرار بول بريمر الحاكم المدني للاحتلال هو عدم تزويد المصانع والمعامل بالكهرباء ويقدر عددها ب 200 مصنع ومعمل وهي من المؤسسات الانتاجية الكبيرة في منطقة الشرق الاوسط. والغرض من ذلك القرار كما شرحنا في مناسبات عديدة هو تهيئة الارضية لخصخصة تلك المصانع والمعامل او تفكيكها وبيعها على شكل خردة. وعليه انها نفس السياسة التي تنفذ في سوق الطاقة العراقية. وان عدم حل مشكلة الكهرباء وخلال هذه السنوات هو سياسة لاستنزاف ثروات المجتمع او بالاحرى ثروات الجماهير من قبل الشركات الرأسمالية المحلية والعالمية. فكل الاعيب سلطة الاسلام السياسي انكشفت حول قضية الكهرباء، فالحصار الامريكي على ايران اماط اللثام على عمليات شراء الكهرباء من ايران وبالعملة الصعبة. وان المستفيدة هي الشركات الرأسمالية الايرانية وبالتعاون مع سلطة الاسلام السياسي الشيعي في بغداد. ولذلك ان فتح المجال لسرقة كل الاموال التي وضعت لتحسين الطاقة الكهربائية خلال كل تلك السنوات، هي خطة من ورائها تقف شركات رأسمالية. بيد ان القصة لا تنتهي هنا، فسوق الطاقة العراقية هو من الاسواق الواعدة والطموحة للشركات الرأسمالية العالمية. وهناك صراع محموم بين تلك الشركات سواء على صعيد الدولي او الإقليمي. وقد شهدنا منافسة كبيرة بين شركتي جنرال الكتريك الامريكية وشركة سيمنس الالمانية. وكلتا الشركتين نجحتا في ازاحة الشركات الرأسمالية الايرانية من سوق الطاقة العراقي. ولذلك مارست الحكومة الامريكية ضغوطات هائلة على الحكومة العراقية للفوز بحصص تأهيل الطاقة الكهربائية في العراق. وبالفعل استطاعت ان تفوز بحصة الأسد التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات بينما حصلت الشركة الالمانية بحصة اقل بكثير من الامريكية.
وهكذا فالعراق اصبح جاهزا كي تسيطر عليه تلك الشركات، وان عمليات السلب والنهب في هذه الوزارة اي الكهرباء ستتقوض الى درجات كبيرة، لان الشركات الامريكية والالمانية التي تقف خلفها حكوماتها ودولها هي التي ستستحوذ على الاموال التي كانت تسرق بوضح النهار. اي بعبارة اخرى سيستبدل سراق محليين بسراق عالميين. ومن جهة اخرى ان جماهير العراق التي خطط لها لتستنفذ طاقتها ويتم اعيائها وتنفذ صبرها من اجل ان تقبل بالواقع المر الذي فرض عليها ، فليس امامها الا الرضوخ لتلك الشركات بعد كل تلك السنوات الحالكة، لانها ستأمل على الاقل بالحصول على الكهرباء مدة 24 ساعة. بيد ان الصورة لم كل تكتمل كل ملامحها، فخصخصة الكهرباء تكون اولى المشاريع الاقتصادية التي ستنفذ في العراق. فاضافة الى النهب المنظم والمخطط في وزارة الكهرباء خلال اكثر من خمسة عشر عاما، فعلى الجماهير ان تدفع فاتورة جديدة، وهي فاتورة الاموال التي ستنهبها الشركات الرأسمالية العالمية. فهم يسرقون ونحن علينا دفع ضرائب تلك السرقات.