العراق والحرب بالوكالة


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6360 - 2019 / 9 / 24 - 21:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


لقد بدأت فعليا الحرب بالوكالة الجديدة في العراق، وان بشكلها الصامت، بالرغم من كل مساعي القوى الاسلامية الشيعية الحاكمة من التيار الصدري والحكمة وبدر والدعوة ومشتقاتها مثل النصر ودولة القانون والعطاء ومرشحهم حكومة عبد المهدي بتبني سياسة "النأي بالنفس".
من الحماقة الغوص والبحث عمن بدء بقصف منشآت ارامكو النفطية في السعودية؟، ويلعب الاعلام الامريكي بالدرجة الاولى بتضخيم العملية الى حد وصفتها احدى الصحف؛ بأن ضرب ارامكو يضاهي دخول العراق للكويت عام 1991. في حين ان ضرب ناقتلين للنفط في الموانئ الاماراتية قبل شهرين لم يكن يقل خطورة عن ضرب ارامكو حيث اعتبر تهديدا صريحا للملاحة البحرية في مضيق هرمز، ولكن لم تقلب الدنيا مثلما حدث مع ضرب ارامكو. وان هذا القصف الاعلامي هو لتشديد اجواء الحرب والعسكرتارية في المنطقة.
ضرب مصافي ارامكو السعودية يوم 14 ايلول كشف عن كل خبايا الغارات المجهولة على معسكرات الحشد الشعبي التي وصل عدد ضرباتها خلال شهرين الى اكثر من 12 غارة جوية. وكلا الطرفان اي السعودي والايراني في ورطة من امرهما امام المراقب الخارجي، او هو شيء طبيعي بالنسبة لهما في عالم الحرب بالوكالة ولعبة عض الاصابع والعمليات الاستخباراتية والمخابراتية. فصحفية "اندبندنت" كشفت في موقعها بالعربية عن القصف الجوي قبل الاخيرعلى معسكرات الحشد الشعبي القريبة من منطقة البوكمال في يوم الثلاثاء، اي بعد ضرب ارامكو واشار اليه برنامج بانوراما في قناة "روسيا اليوم" بأن طائرات سعودية واخرى مجهولة قامت به، وهذه اول مرة يتم الكشف عن الجهة التي قامت بترتيب تلك العملية وهي رسالة سياسية الى ايران ومواليها بأن اللعب قد يصبح على المكشوف.
ان الاطراف المتصارعة لا تريد ان تفصح عن الجهة التي تقوم بقصف بعضها البعض، وجميع الاطراف الاقليمية والدولية على دراية بالجهات التي تقوم بشن تلك العمليات العسكرية، بيد انها بقدر ماهي في ورطة من امرها بنفس القدر لا تريد ان تكون مفضوحة اعلاميا وسياسيا امام العالم وتفقد حقانيتها الخادعة والكاذبة دون اي استثناء، وبالتالي تفضح سر تعبئتها السياسية والدعائية على صعيد بلدانها وعلى الصعيد العالمي في حربها المباشرة وغير المباشرة بالوكالة. فالسعودية من جهة لا تريد ان تعترف بأن الحوثيين اصبحوا اكثر قوة ولا يمكن دحرهم وان تحالفها وحربها تحت عنوان أعادة الشرعية بدأت تتآىكل وتتقوض مصداقيتها في اليمن وفي نفس الوقت لا تتجرء ان تكشف بأن ايران هي من دبرت العملية، سوى حصر المسالة بأنها مسؤولة وليست ورائها بشكل مباشر، كي لا تترتب عليها التزامات الرد العسكري المباشر وهي بغنى عنها والاستمرار بسياسة حرب الوكالة التي هي اقل تكلفة سياسيا واعلاميا وعسكريا وماديا، والجمهورية الاسلامية في ايران هي الاخرى تحذو حذو السعودية، فهي لا تريد الافصاح عن الجهة التي تقصف معسكرات الحشد الشعبي التي يرابط فيها جنرالات الحرس الثوري واسلحتهم الثقيلة ومعاقلهم الاستخباراتية. ونفس الشيء يجري بالنسبة للوجود الامريكي في العراق عندما قصفت وللمرة الثانية سفارتهم في بغداد مساء امس.
ما حدث حول الغاء منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي هو انعكاس مباشر للصراع الاقليمي في المنطقة، وكان ضرب ارامكو هو القشة التي قصمت ظهر البعير وحسم تنفيذ قرار الامر الديواني الذي اصدره عادل عبد المهدي في هيكلة الحشد الشعبي والحاقه بالجيش. وبالرغم من التطبيل والتزمير الذي يقوم به الاعلام الايراني والموالي له ومدعوما بالاعلام الامريكي بأن الجمهورية الاسلامية متمددة في العراق، فالاعلام الاول هو من اجل استعراض العضلات السياسية والعسكرية لتخويف المعارضين لها في المنطقة بينما الثاني اي الامريكي كي يضفي الشرعية على وجودهم وزيادة عديد قواتهم العسكرية وقواعدهم في العراق والمنطقة كما حدث في قاعدة "عين الاسد" عندما وصلتها ارتال كبيرة من المعدات والمركبات والمدرعات قبل اسابيع قليلة، وفي نفس الوقت لتأجيح الصراع القومي في العراق الذي له مصلحة مباشرة في تقوية التعبئة الجماهيرية ضد الوجود الايراني في العراق، نقول بالرغم من كل ذلك التطبيل الا ان النفوذ السياسي للجمهورية الاسلامية في العراق تحت ضغط شديد، وهذا ما دفع قاسم سليماني قائد فيلق القدس لزيارة العراق والاشراف على الاسراع في تنفيذ الامر الديواني المذكور وتحييد القوى العسكرية التابعة له ولجم ابو مهدي المهندس واعوانه ومليشياته وعدم التورط في ضرب القوات الامريكية.
العراق اليوم اصبح ساحة للحرب الوكالة الجديدة، وبشكل علني، وان مشاهدها السياسية تسخن، وتصاعد مديات الصراع بين اجنحة قوى الاسلام السياسي على السلطة من جهة، وبينها وبين القوى القومية هي الاخرى يتصاعد. وليس تنامي نشاط عصابات داعش وتوسع عملياتها العسكرية بالرغم من اعلان حكومة العبادي في خريف 2017 القضاء على داعش، الا مشهد من مشاهد ذلك الصراع وحرب الوكالة الجديدة.
ان سياسة "النأي بالنفس" كما تحدثنا من قبل هي سياسة انتهازية حتى التخاع، وهي سياسة لغض الطرف عن الوجود الامريكي في العراق من طرف ومحاباة المليشيات ووجودها من طرف اخر. ان السياسة الواقعية والحقيقية التي تكون في مصلحة الجماهير كما عبرنا عنها في موقف المكتب السياسي للحزب، هو بحل مليشيات الحشد الشعبي وكل انواع المليشيات بما فيها التي تعرف نفسها بالمقاومة الاسلامية متزامنا مع اخراج القواعد الامريكية وقواتها وحلفائها من العراق. ان تنظيم الجماهير في كل مكان وتسليحها هي الطريق لمنع تحويل العراق الى ساحة حرب مباشرة بين العصابات والمليشيات والمخابرات والقوات العسكرية من كل حدب وصوب.