ماذا وراء هستريا العنف ضد المتظاهرين وكيفية مواجهتها


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6372 - 2019 / 10 / 7 - 17:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

سيذكر التاريخ ان عادل عبد المهدي بيض صفحة المالكي سواء كان في ميدان الكذب او في ميدان القتل والقمع  بأوامر مباشرة من قوات الامن و بشكل غير مباشر بأطلاق العنان للمليشيات في اباحة دماء الناس، وسيذكر التاريخ ايضا ان عادل عبد المهدي اسوء ديكتاتور ولكن بشكله الكاريكتوري لانه اراد ان يتقمص دورا اكبر من دور الكومبارس الذي منح له كي يتحول الى ممثل محترف بقناع وملابس تنكرية يشارك في حفلة عرس الدم. 
 
سألت صحيفة “اندبندنت” في مقال لها نشر على موقعها بالعربية على لسان كاتبها محرر الشؤون الدولية باتريك كوبرين عن عدم وجود تفسير لهذا الكم من العنف ضد المتظاهرين؟ في الحقيقة انها المرة الثانية التي تتعامل سلطة الاسلام السياسي الشيعي بهذا النوع من الهسترية القمعية تجاه المتظاهرين، فالاولى كانت في تموز المنصرم في البصرة والثانية ما نعيشه ونشاهده الان. 
 
لنقولها بصراحة  ان الجماهير التي خرجت بمئات الالاف الى شوارع بغداد والمدن الجنوبية بعد الاول من اكتوبر هي دون قيادة ودون تنظيم ودون شعار موحد، السخط والغضب وما الت اليه الاوضاع منذ احتلال العراق وضعتهم في حالة التثبيط الحدي الذي يصل اليه الانسان، قيمة الحياة من عدمها متساوية ولا فرق بينهما، ولذلك لا يابه الرصاص الذي يصوب نحوه. والى جانب هذا ان الوضع الموجود ليس هو بوضع ثوري مثلما حدث في الثورات المصرية والتونسية والسودانية والى حد ما تشهده  الجزائر هذه الايام  بحيث يهدد سلطة الاسلام السياسي وكل النظام السياسي القائم في العراق. اي ان الازمة القائمة اليوم في قمة السلطة ليس بسبب شروط الوضع الثوري التي احدها ان الطبقة الحاكمة لا تستطيع ان تحكم بالطريقة القديمة بل سببها صراع الاجنحة السياسية على مسالة حسم السلطة والذي يشكل جانب منها انعكاس للصراع الاقليمي والدولي في العراق . واذا ما راقبنا الاحتجاجات فنلاحظ غياب العنصر النسوي منها بشكل مطلق وفي الوقت نفسه نجد المدن والمناطق المصنفة بالسنية تغيب عنها الاحتجاجات بالرغم من ان حصتها من الفقر والعوز لا تقل اذا لم نقل تفوق بقية المدن التي تجتاحها الاحتجاجات مترافقا معها الظلم الطائفي.
وبسبب هذه الاوضاع فأن شروط تحول الاحتجاجات الى حركة سياسية عارمة تضم اغلب الفئات المسحوقة من المجتمع وتشارك فيها النساء وهذا شرط مهم الى جانب الطبقة العاملة في القطاعات المنتجة، بأمكانها تغيير المعادلة السياسية لصالح الجماهير ما زال مبكرا. واذا ما عدنا للثورتين المصرية والتونسية فأن حسم اسقاط مبارك جاء بعد الاضراب الذي اعلنه العمال في جميع القطاعات وفي تونس كان اتحاد الشغل هو من حسم مصير زين العابدين وهكذا في السودان وكان لمشاركة النساء دورا كبيرا في تلك الثورات. 
من هذه الزاوية يجب النظر الى هستريا العنف التي تمارسها حكومة عبد المهدي الاسلامية. فالجناح الذي يقف خلف عبد المهدي هو جناح المليشيات، جناح الجمهورية الاسلامية. وان الجناح المعارض له هو جناح العبادي والصدر والحكيم، جناح امريكا. وكانت مساعي الجناح الثاني منذ اشهر هو اسقاط حكومة عبد المهدي. والجناح الاول يدرك ان الولايات المتحدة الامريكية خسرت في اليمن و سوريا ولبنان، وليس امامها الا العراق، وغير مستعدة ان تضحي بالعراق. ولذلك تسعى بشكل حثيث لضرب النفوذ الايراني في المنطقة وخاصة في العراق، تارة عن طريق تشديد العقوبات الاقتصادية عليها واخرى عن طريق فسح المجال لضرب معسكرات الحشد الشعبي، ومساعي لانهاء عمر المليشيات الموالية لايران في العراق. ولم يكن دق الطبول والدفوف حول تحويل عبد الوهاب الساعدي قائد قوات جهاز مكافحة الارهاب الذي نقل الى وزارة الدفاع الى بطل قومي الا جزء من المساعي لتقليل من اعتبار قرارات عادل عبد المهدي واسقاطه سياسيا واظهاره بأنه ذيل لايران والمليشيات الموالية لها، وتَحّوَلَ اعادة النظر في قرار نقل الساعدي الا واحدة من الشعارات والمطالب الرئيسية في تظاهرات الاول من تشرين والتي ليس لها اية علاقة بالمطالب العادلة للجماهير من اجل الحياة الكريمة. ولذلك نجد ان الجناح الذي يقف خلف عبد المهدي هو تحت الضغط الامريكي، وتدرك الجمهورية الاسلامية في ايران ان اقصاء عبد المهدي يعني اقصاء لنفوذها. وعليه ان اي حركة في تأليب الاوضاع تحرك الاجواء نحو اقالة عبد المهدي الذي لم يقدم اي شيء طوال ما يقارب العام على تشكيل حكومته، وكل ما لديها هي افتخارها بأن لديها علاقة مع السعودية والعالم كما جاء على لسانه في الجلسة الاخيرة لمجلس النواب وازالة الكتل الكونكريتية. ويضاف الى كل ذلك عامل وجود نزعة قومية محلية معادية ضد الجمهورية الاسلامية لايرانية، وهي اقوى بما لا يقارن مع النزعة ضد امريكا، وليس هنا المجال لشرحها.
ان مراقبة التظاهرات في اليوم الاول من اكتوبر، لم يكن يستدعي قتل المتظاهرين ودهسم على جسر الجمهورية، ولم يكن يستدعي هذا الاستنفار، لا من ناحية عدد المتظاهرين الذي لم يصل في اقصى درجاته مع اضافة عنصر المبالغة له الى حد 3000 شخص ولا من ناحية الشعارات التي رفعت. واذا ما قارنا بينها وبين ما حدث في احتجاجات 2011 فلم تقتل قوات المالكي اي متظاهر في ساحة التحرير في بغداد بالرغم من ان الاجواء التي كانت تسود المجتمع هي اجواء ثورية بفعل هبوب نسيم الثورتين المصرية والتونسية على المنطقة وحتى العالم، وكانت تهدد كل النظام السياسي مما ادى الى توحيد جميع القوى السياسية الاسلامية والقومية، فبهاء الاعرجي مثلا الذي شغل انذاك منصب نائب رئيس الوزراء عن التيار الصدري انظم الى المالكي بطل تصفية الجناح العسكري لجيش المهدي ورمي قادته في السجون في ربيع 2008، ووصف  الاعرجي التظاهرات  بأن البعثيين والقاعدة يقفون خلفها، بينما اليوم اي الاعرجي وفي لقاء مع احدى الفضائيات يدافع عن المتظاهرين ويستهزء بأن من يقول ان السفارة الامريكية ورائها. ووصل عدد المتظاهرين في يوم 25 شباط الى عشرة الاف شخص على اقل تقدير من نساء ورجال في ساحة التحرير رغم تقطيع اوصال مدينة بغداد للحيلولة دون وصول المتظاهرين. واجتاحت الاحتجاجات جميع مدن العراق حيث قتل 19 شخص في ذلك اليوم في الموصل وصلاح الدين وكركوك والبصرة والديوانية وبابل. ما نريد ان نقوله ان جناح ايران الذي اوصل عبد المهدي الى رئاسة الوزراء، يقف مرتعبا وفي حالة استنفار، وفي ظل اجواء الصراع الاقليمي وما ستنتج عنه هي التي كانت تخيم عليهم فقرر سلفا بتوجيه ضربة استباقية، فأستعد ان يقمع اية حركة تأتي بنتائج لصالح الجناح الاخر، فتعاملت بوحشية سافرة في اليوم الثاني عندما اشعل قتل ودهس متظاهرين في ساحة التحرير شرارة السخط والغضب في صفوف الجماهير من سلطة الاسلام السياسي. وكان قطع الانترنيت جزء من سياسة مخطط لها لاخماد هذه الاحتجاجات وبشكل بربري وبفترة قياسية كي لا يكون تحت ضغط الراي العام العالمي اضافة الى حجب عدد من الفضائيات مثل دجلة والرشيد.
ان عمليات القتل الجماعي واطلاق العنان للمليشيات في مداهمة المناطق الامنة كان وما زال جزء من تلك السياسة. لان جناح ايران يدرك ان الجناح الاخر سيستخدم ذريعة الاحتجاجات للاطاحة بحكومة عبد المهدي. وهذا يفسر لنا تصريح مساعد رئيس الشورى الايراني بأن اسرائيل تقف خلف الاحتجاجات وفي تصريحات اخرى لقادة المليشيات بأن السفارة الامريكية والصهوينية تدعم هذه الاحتجاجات. واذا كان كل ذلك صحيح فلماذا عبد المهدي يطلب لقاء ممثلي التظاهرات ولماذا يعترف بمطالبهم ولماذا يُقرر حزمة اصلاحات وبغض النظر عن مدى تحقيقها فقط من اجل انهاء التظاهرات. وفي نفس السياق يرفض العبادي تخوين المتظاهرين ويطالب بحقن دمائهم. وهكذا في اليوم الرابع للاحتجاجات التي خرجت عن السيطرة، ولم تستطع الة القمع الوحشية الرسمية والمليشياتية في اخماد الاحتجاجات، خرج مقتدى الصدر ليطالب باقالة الحكومة واجراء انتخابات مباشرة، وبعد ذلك انضم اليه العبادي. فالصدر والعبادي وبدعوتهما هذه يدركان بأن اجراء الانتخابات من جديد سيقصي هذه المرة المليشيات التي حازت على 47 مقعدا في انتخابات ايار 2018 والمعروفة بقائمة فتح في ظل اجواء الانتصار او القضاء على داعش. ويعني تضعيف دور ايران. 
ولان هذه الاحتجاجات ما زالت عفوية، فركوب موجتها من قبل التيارات الاسلامية واحتوائها يخطط لها، وليس هذا فحسب فمن الممكن عسكرة الاحتجاجات مثلما حدث في سورية بحيث تدفع الجماهير ثمنا اضافيا من امنها وسلامتها من جراء صراع الاجنحة السياسية.
ان المسألة الجوهرية بالنسبة لنا نحن الشيوعيين هو السعي في صفوف الجماهير بعدم التصديق بوعود وتصريحات وخطط القوى الاسلامية سواء كان عبد المهدي او مقتدى الصدر او العبادي، فالاول يقمع بيد من حديد فقط حق التظاهر اما الثاني فهو اي الصدر والعبادي يحاولون استغلال هذه الاحتجاجات لتنفيذ اجندتهم، والمسألة الاخرى عدم اعطاء الفرصة لهذه القوى المليشياتية والقمعية بالاستمرار في قتل الجموع البشرية، وهذا يجعلنا نغير ميدان النضال بنقله الى المحلات والمناطق السكنية، وتنظيم الجماهير في تلك الاماكن لتشكيل لجان المحلات تأخذ على عاتقها حماية الاهالي والتصدي للاجهزة القمعية والمليشيات. ان تأسيس هذه اللجان سيمنع عسكرة الاحتجاجات او يحول دون دخول المليشيات المسلحة الاخرى مثل التيار الصدري والحكيم تحت عنوان الدفاع عن الجماهير في الميدان ضد مليشيات الجناح المؤيد لايران وايضا يفصل صف الجماهير التواقة للحرية والكرامة الانسانية والامن والامان. وليس هذا فحسب بل ويجب ان تكون لهذه اللجان لائحة مطالب بحيث تستطيع ان تضم لها اكبر عدد من المتظاهرين والجماهير التي لم تدخل الميدان لحد الان وخاصة النساء، وتتلخص اللائحة الفورية لمطالب الجماهير لتحقيق الأمان والخبز والحرية: تاسيس لجان لحماية الجماهير من هجمات الأجهزة القمعية والمليشيات، حل كافة الأجهزة القمعية والمليشيات ومحاكمة المتورطين بقتل المتظاهرين، حظر كافة أساليب، العقاب الجماعي كقطع الانترنيت وحظر التجوال وغيرها، فرصة عمل أو ضمان بطالة لكل عاطل عن العمل بلغ الثامنة عشرة فما فوق، ومن كلا الجنسين، تامين الخدمات الصحية المجانية والتعليم المجاني اللائق من قبل الحكومة، توفير الكهرباء والمياه الصالحة للشرب بأسعار مناسبة، توفير سكن لائق لمن لا يملكه. 
نحن في الحزب الشيوعي العمالي العراقي لدينا الاولوية في ايقاف مسلسل الدم عبر حملة عالمية بما فيها محاكمة عادل عبد المهدي بتهمة التحريض على القتل بأوامر مباشرة واطلاق العنان للمليشيات في تنظيم مجازر دموية وتحت مظلة تعتيم اعلامي عبر قطع الانترنيت وحجب عدد من القنوات الفضائية، ونعمل على الصعيد السياسي والاعلامي والتنظيمي من اجل تعبئة الجماهير بالاتجاه الذي اشرنا اليه لحمايتها امنيا وتقليل الخسائر البشرية في صفوفها وتمحورها حول لائحة المطالب المذكورة كي تصون استقلالية صفها وتحولها بالتالي الى حركة منظمة وواضحة الافاق. من الممكن جدا اخماد هذه الاحتجاجات عن طريق القمع وللاسباب التي ذكرناها لكن جذوتها ستبقى متوقدة وستشتعل من جديد مع كل هبة ريح مهما كانت شدة درجاتها، لان سلطة احزاب الاسلام السياسي لم ولن تستطع الرد على، متطلبات الجماهير، ولذلك فان العمل المشار اليه لن ينته بأنهاء الاحتجاجات