الشيوعية المبدئية والانتخابات في العراق


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5770 - 2018 / 1 / 28 - 23:44
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

جملة من التساؤلات هي أقرب الى الانتقادات وضعت امامنا، حول الموقف من الانتخابات الى حد الوصول الى اتهامنا بأن لدينا جمود عقائدي، وان العالم تغير من حولنا وعلينا ان نتغير نحن ايضا مثلما تغيير قسم من الاسلاميين والشيوعيين.
اولى هذه الانتقادات هي ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي هو حزب صغير فهو يخشى ان لا يكسب اصوات وان سياسته بالنتيجة هي الانعزال عن الجماهير.
ان الحجم الجماهيري لأي حزب سياسي سواء كان شيوعيا او برجوازيا لا يقرر موقفه من الانتخابات، وهناك امثلة كثيرة مثل مقاطعة الاخوان المسلمين للانتخابات في مصر وفي الاردن عدة مرات. كما ان هناك عشرات الاحزاب التي تأسست توا من اجل الانتخابات ولم يسمع بها احد ولا حتى بشخصياتها ولا يتجاوز عدد انفارها عدد اصابع اليد، وابرمت تحالفات مع "احزاب كبيرة" من حيث المال والمليشيات او احتمت تحت مضلتها للدخول الى الانتخابات كي يحصلوا حتى ولو على رجل مقعد في البرلمان القادم. اي ان أي حزب مهما كان حجمه او حتى اي شخص بإمكانه الحصول على المال والمنصب، اذا عرف ان يتجرد من اية مبدئية سياسية وانسانية ويضرب مصالح الاغلبية المطلقة من الجماهير بعرض الحائط في انتخابات هي اكثر المشاهد سخرية في العالم، التي هي اقرب الى سيرك منها الى مسرحية تشارك فيها شخصيات ممسوخة لا تجيد سوى تمثيل دور اللصوص والحرامية.
وثاني هذه الانتقادات هي أن على الشيوعية ان تتغير وتكيف نفسها مع واقع العصر مثلما على الاسلام ان يتغير ايضا. ويسوقون امثلة تأتي دائما من الذين يصنفون انفسهم بالديمقراطيين والليبراليين، هي اكثر من سخيفة عندما يساوون بين اسلام داعش او القاعدة التي تتمسك بالماضي وبين الشيوعية او تحديدا شيوعية ماركس ولينين، ويضربون لنا المثال الساطع وكأنهم اكتشفوا سرا عظيما وفتحوا طلاسمه وهو التحالف بين الحزب الشيوعي العراقي والتيار الصدري.
وكي نرد على الانتقاد المذكور، نرجو ان يتحلى القارى بقليل من الصبر. ان خلافنا واختلافاتنا او في الحقيقة مشكلتنا مع التيارات الاسلامية لا تكمن في الخلاف الأيديولوجي، الخلاف بين التيار المادي والتيار المثالي، بل ان اساسها ومنطلقها هو الخلاف بين المصالح الطبقية التي يعتبر الصراع الأيديولوجي احد ميادينها. ان التيارات الاسلامية بجميع تلافيفها تمثل مصالح الطبقة البرجوازية ومن الناحية الايديلوجية وتعتبر اكثر التيارات تخلفا ورجعية داخل تلك الطبقة. ويبقى الصراع بين تيارات مثل داعش والقاعدة والاخوان المسلمين مع التيارات الشيعية هو صراع على السلطة وليس الصراع على صحيح الاسلام، فكلا الاسلامين لهما نفس النهج في تشديد شروط العمل على العمال وسياسة التقشف، واغتصاب الاطفال الاناث ورجم المرأة التي تمارس الجنس خارج اطار الزواج وقتل المثليين وخنق الحريات بكل اشكالها. والنموذج الداعشي في الرقة والموصل ونهج القاعدة والطالبان في السعودية والاسلام المتكيف العصري في ايران والعراق هي نماذج حية وامثلة واقعية عن الاسلام. اما الشيوعية، فمنذ ان وضع اسسها النظرية ماركس وجسدها عمليا لينين هي مع كل التطور والحداثة العصرية، ان الشيوعية هي ثمرة الانجازات التاريخية لما وصلت اليها البشرية وتعمل من اجل تمتع البشرية بتلك الانجازات، وليس حصرها بيد حفنة من الطفيليين الرأسماليين الذين لايعدوا اكثر من ١٪ من البشرية. ان الشيوعية لا يمكن ان تكيف نفسها مع الاستغلال والاضطهاد والتمييز الجنسي والقومي والطائفي والديني، لا تستطيع ان تدير ظهرها الى المساواة بين البشر. ان اولئك الذي يطلبون من الشيوعية ان تتغير وتكيف نفسها مثل اسلام التيار الصدري وشيوعية الحزب الشيوعي العراقي، انما يطلبون بطيب نية او بسوء نية، ان تبطل الشيوعية من عملها ونضالها لصالح جزاري القتل على الهوية وسفك دماء المثليين وسلب حقوق النساء وشرعنة اغتصاب الاطفال. ان الجرائم الجنائية واعمال القتل من الممكن تناسيها او طمس الحقيقة حولها او تضليل الجماهير عنها، ولكن لا يحصل التقادم عليها في كل الاعراف والقوانين الجنائية الدولية.
ان نقد الشيوعية المبدئية اليوم تجاه الحزب الشيوعي العراقي ليس نابعا من تحالفه مع التيار الصدري فهذا شأن خاص به وبمصالحه الطبقية، ولكن النقد نابع من انتحال هذا الحزب صفة الشيوعية، لتفريغ الشيوعية من محتواها الثوري والطبقي وتكييفها مع مصالح اكثر تيارات الطبقة البرجوازية رجعية والملطخة أياديها بدماء الابرياء. ان نقد الشيوعية المبدئية للحزب المذكور ينطلق من أن التيارات البرجوازية بقومييها واسلامييها، يستغلون اسم "شيوعية" الحزب الشيوعي العراقي وسياساته الرجعية، بدءا من دخوله الى مجلس الحكم الطائفي الذي اسسه بول بريمر وتمثيله للشيعة ومروا بتحالفه مع قائمة القومية العروبية لأياد علاوي احد ابطال الحرس القومي وجزار الشيوعيين في انقلاب 1963 وانتهاء بتحالفه مع التيار الصدري، لشن هجمة شرسة على شيوعية ماركس التي تقول ان اثمن رأسمال هو الانسان، للجم جماح العمال لمطالبتهم بمجتمع مرفه وحر وضمان بطالة للعاطلين عن العمل، لكبح نضال المرأة التي تئن تحت وطأة الذكورية المقيتة وتسعى للمساواة التامة والمطلقة مع الرجل، للحيلولة دون اقصاء الدين عن حياة المجتمع وان يكون حرية التدين والالحاد حق مكفول للجميع الى جانب اطلاق كل اشكال الحريات الانسانية والفردية في المجتمع، وبالتالي كي تحوط جماهير العراق بسياج طائفي وقومي وتنزل على ظهورها سياط مؤسسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي قررت مع حكومة التحالف الشيعي بخفض رواتب العمال والموظفين بنسبة 20 % خلال المرحلة القادمة، وخصخصة الكهرباء، وطرد المزيد من العمال والموظفين من القطاع العام من خلال تصفية ذلك القطاع.
واخيرا أن من يراهن على هذه الانتخابات التي لا تختلف عن سابقاتها، ويعتقد بأنها ستعمل على تغيير حياة العراقيين على جميع الاصعدة، فهو يشبه المدمن على القمار، يعتقد في كل مرة اذا ذهب الى صالة القمار قد يحقق ربحا ويعوض ما خسره، ولكن النتيجة دائما لصالح صاحب صالة القمار الذي يسلب مال اللاعبين بكل حرية ويدعي بأنه لا يمارس الضغط على احد.