زمن 5 يونيو الذي لم يرحل بعد


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 5545 - 2017 / 6 / 8 - 04:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


حدثت هزيمة يونيو 67
ثم جاء الإنتصار العسكري في أكتوبر 73

لكن تداعيات الواقع تاريخياً تمخضت عن مفارقة في غاية التعقيد وهي أن هزيمة 5 يونيو 67
كانت الأعمق والأكثر أثراً من انتصار أكتوبر العسكري

بالطبع هناك من سيبادر متهماً أياي بالقراءة السوداوية المحبطة والمتشائمة لوقائع التاريخ

لكنني بعيداً عن التفاؤل والتشاؤم قرأت المسألة علي أساس أن "نكسة" يونيو 67 بالرغم من أنها لم تتحول إلي هزيمة شاملة بفعل رفض الشعب المصري لها آنذاك ...

إلا أن الإنقلاب السياسي والإجتماعي الذي أعقب انتصار الجندية المصرية في أكتوبر 73 ... كان قد أوقف النصر عند حدود الإنتصار العسكري في معركة ،
ومنعه من يكون انتصاراً شاملاً يمحو تماماً كامل آثار هزيمة يونيو 67 وينطلق بالأمة المصرية والشعوب العربية نحو آفاق واسعة من التقدم والتحرر الوطني والحداثة

فإذا كان مشروع التحرر الوطني قد تعرض لضربة زلزلت المجتمع المصري في 67
فإن هذا المشروع قد نال الضربة القاتلة عقب فترة حرب أكتوبر 73 مباشرة .. بإنقلاب السادات نحو سياسات التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وبالسماح للمؤسسات المالية الدولية أن ترسم السياسات الإقتصادية والمالية للحكومات المصرية المتعاقبة

وإذا كانت عمامات الوهابية التي سجدت لله شكراً علي نكسة يوليو 67 لم يستمع لها الكثيرون وهي تصرخ في المساجد والزوايا عقب النكسة بأن ذلك غضب من الله لأننا لم نطبق " شريعتهم السلفية الوهابية الإخوانية"
إلا أن ألوفاً مؤلفة من المصريين فيما بعد أكتوبر 73 وفي عهد الرئيس " المؤمن " أنور السادات قد افتتنوا شرائط الشيخ كشك التي جري طبعها وتوزيعها علي نحو واسع يبعث علي الريبة ، ومئات منهم كانت تزدحم كل يوم جمعة أمام مسجد الملك الصالح الذي يتهدج فيه صوت مولانا الشيخ كشك وهو يسب ويلعن كل مظاهر المدنية في المجتمع المصري

كذلك الحال في مسجد القائد ابراهيم في الأسكندرية مع الشيخ المحلاوي وهذا بالتوازي مع إطلاق موجات الشك المركزي المركزة نحو الشباب في جدوي المشروع الوطني الناصري وفي تاريخنا الوطني

فمع شروق كل صباح في تلك الفترة التي تلت حرب أكتوبر كانت جوقة السادات ومثقفيه وإعلامييه يرددون وتردد قطاعات كبيرة من الليبرالية المصرية نشيد زمن الباشوات الجميل وتنعي للمصريين نقصان الخير بفعل إنشاء السد العالي الذي تسبب في شح الطمي وهروب سمك السردين من مصر
وتنعي مصر الكئيبة البعيدة عن دينها في ظل سيطرة عبد الناصر والشيوعيين علي الحكم

وهكذا انقلب السياق الوطني إلي سياق يرجع كل شرور العالم وآثامه إلي الشيوعية والشيوعيين
وأصبح جيل من المصريين فجأةً ليجد عبد الناصر البطل الوطني شيطاناً أعظم
حرم المصريين من هويتهم الإسلامية وسار في ركاب الشيوعيين أعداء الدين

وهكذا كانت قطاعات ليست قليلة من المجتمع المصري وسط هذا الجو العاصف من التزييف المركزي للوعي تحس بالإحباط وفقدان الثقة بالتاريخ وتنحو نحو الانزلاق إلي ثقافة التأسلف والتوهب في مرحلة الإنتقال إلي دولة العلم والإيمان التي أسس لها أنور السادات بمشاركة كمال أدهم رجل المخابرات الأمريكية في البلاط الملكي السعودي وبإشراف مباشر من الإدارات الأمريكية المعنية

حتي جاءت لحظة 1979 الفاصلة والتي تم تشكيل فيالق مايسمي بالمجاهدين في أفغانستان وصعد الدعم المالي والمعنوي لعصابات وجماعات الفاشية الوهابية إلي ذروة غير مسبوقة في التاريخ

وهكذا أصبحنا أمام تحقق ماكان مطلوباً ومخططاً له من نتائج استراتيجية في الخامس من يونيو 67 لتكتمل شموليتها تقريباً في هذا الوقت مهدرة لكامل مايمكن الإستفادة منه من معطيات الإنتصار العسكري في أكتوبر 73

وهذا مايجعل لقراءة ما -لأحداث اليوم - الحق في أن تري أن مانعيشه الآن ينتمي لآثار الخامس من يونيو 67 علي وضع أكثر قرباً من المنطق وإلا ماكان هذا الحضور الملحوظ ليوم الخامس من يونيو 67 حتي الآن بعد مرور خمسون عاماً بالتمام والكمال
__________
حمدى عبد العزيز
5 يونيو 2017