الدعم الأمريكى للصهاينة .. ضرورة استعمارية


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 7824 - 2023 / 12 / 13 - 12:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لتفسير الهيكلية التى تشكل الموقف الأمريكى الداعم لدولة العصابات الصهيونية وعناصرها الأساسية علينا أن ندرك أن هناك ثلاثة دوافع أساسية تحرك الموقف الأمريكى وتجعل من العلاقة الصهيونية الأمريكية علاقة هيكلية مركبة لايمكن لها أن تنفصم إلابزوال هذه الدوافع
الدافع الأول هو دافع وظيفى يتلخص فى كون دولة العصابات الصهيونية تأسست فى ١٩٤٨ تزامناً مع مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التى ظهرت فيها أمريكا على العالم كقوة هيمنة دولية فأنجزت آدوات هيمنتها المتمثلة فى اتفاقيات بيرتون وودز التى افضت إلى (دولرة) الإقتصاد العالمى أى جعل الدولار الأمريكى هو عملة التداول النقدى العالمى الأساسية مع تأسيس صندوق النقد والبنك الدولى واتفاقية التجارة العالمية ، وكان مهماً أن تكون للولايات المتحدة الأمريكية آداة هامة فى ضمان السيطرة على منطقة التقاء خطوط التجارة العالمية وفى ذات الوقت البقعة الجغرافية التى تصادف أن تكون منذ النصف الأول من القرن العشرين هى مصدر الطاقة فى العالم فكان إذن من المحتم والضرورى لتأمين التموضع الجيوسياسي الجديد للولايات المتحدة والذى يمكنها من ممارسة هيمنها على سائر العالم أن يكون لها مخفرها وشرطيها الحارس فى هذه المنطقة فكان لابد تساند العصابات الصهيونية فى إقامة دولة إسرائيل ومن خلال منصة الأمم المتحدة التى كانت لتكون الأبنة البكر لهذا النظام العالمى ومن ثم تصبح ربيبتها التى لاتستغنى عنها والحارس لمصالحها فى خاصرة العالم وقلبه النابض بالطاقة والمجمع لشرايين التجارة العالمية ، وهكذا كان انشاء أو بمعنى أدق غرس إسرائيل فى المنطقة قد جاء كعلامة من علامات تشكل عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية الذى هيمنة عليه الولايات المتحدة الأمريكية .
أما الدافع الثانى فهو من حيث طبيعة النشأة وطبيعة الحاجة إلى ممارسة العنف كمتزامنة لولادة كلا الدولتين
فإذا ماعدنا إلى قصة تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية سنجد أنها قد ارتبطت بسردية موجات الإستيطان الأوربى ذات الطابع الإستعلائى العنيف (الرجل الأبيض المطلق الحقوق بما فى ذلك حق منح أو نزع حياة الآخر البربرى استناداً لمركزيته الحضارية) لأراضى القارتين الجنوبية والشمالية ، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اتسمت سردية الإستيطان المنشئ لها بوحشية أشد وأكثر جذرية من حيث مستوى العنف فى حملات الإبادة الدموية البشعة ضد السكان الأصليين وجزهم كما يجز العشب من جدوره واقتلاعهم من أراضيهم كذلك من حيث ممارسة العنف ذاته تجاه الأفارقة الذين استقدموا كعبيد لزراعة الأراضى الشاسعة التى تخلفت عن نهب المستوطنين لأملاك السكان الأصليين من الأرض ، ثم كانت الحرب المكسيكية التى تم فيها التوسع على حساب المكسيك قبل إنشاء الكيان الصهيونى الاستيطانى بمائة عام بالتمام و الكمال أى فى ١٨٤٨ باستسلام المكسيك واستيلاء الولايات المتحدة على أراضى كاليفورنيا ، ومنذ ذلك الوقت لم تكف الولايات المتحدة الأمريكية عن حروبها العدوانية التى تتم خارج أرضها بحجة الدفاع عن العالم الحر
وبالقطع نحن لسنا فى حاجة إلى إعادة سرد تاريخ دولة العصابات الصهيونية منذ أن تجمع المستوطنون الأوربيون الصهاينة على أرض فلسطين تحت زعم تحقيق الوعد الدينى فى أرض الميعاد ، وكلنا يعرف كم العنف الدموى والفظائع والمذابح التى ارتكبتها تلك العصابات بداية من ١٩٢٢ وحتى قيام انتفاضة البراق الفلسطينية عام ١٩٣٦ ثم تلك المذابح التى ارتكبتها هذه العصابات بعد تأسيس دولتهم ابتداء بمذبحة قرى دير ياسين وابوشوشة والطنطورة فى ١٩٤٨ انتهاء بمذابح غزة فى وقتنا الحاضر ..
هذا التشابه الطبيعى فى تلازم الإستيطان بممارسة العنف والحرب هو تشابه بين طبيعتين استيطانيتين مع الفارق من حيث تحول امريكا إلى دولة هيمنة عالمية ورثت الإستعمار الأوربى واسرائيل ككيان استيطانى اصغر جعل منه هذا التناسب والتشابه ربيباً للإستيطانى الأكبر سابقاً ودولة المركز الرأسمالى الإستعمارى الذى هيمن على العالم منذ القرن العشرين وحتى تاريخه ..
أما عن الدافع الثالث فهو صعود نزعة المسيحية الصهيونية والتى وضحت تماماً مع تولى الرئيس الأمريكى الأسبق دونالد ريجان وهو التيار اليمينى الدينى المسيحى المتطرف الذى يرى فى دولة اسرائيل التجسيد الحقيقي للوعد الذى ورد فى (العهد القديم) ويقود هذا الاتجاه كيان ضخم فى أمريكا يسمى (منظمة المسيحيين المتحدين من أجل اسرائيل) وهى المنظمة التى يرأسها الآن جون هاجى الذى أعلن عندما عزم الرئيس الأمريكى وزعيم اليمين الشعبوى ذو النزعة العنصرية دونالد ترامب إلى نقل السفارة الأمريكية للقدس (معتبراً أنها عاصمة اسرائيل الأبدية) أعلن هاجى وقتها (أن ستين مليوناً من الإنجيليين يترقبون هذا الوعد لأنه فى حال قيام دونالد ترامب بنقل السفارة إلى القدس سيخلده التاريخ ، وسنتذكره إلى الأبد للفعل الشجاع الذى أقدم عليه) ، هذا نفسه مادفع الرئيس الأمريكى الحالى إلى أن يؤكد أنه لو لم تكن هناك اسرائيل لأنشأناها
لعلنا بذلك يمكننا أن نستنتج طبيعة ارتباط الدعم الأمريكى وعمقه كضرورة من ضرورات الأمن القومى الأمريكى لدولة عصابات الاستيطان الصهيونية سواء على المستوى السياسى المتمثل فى حشد الدعم الأوربى لهذا الكيان أو تسخير الدور الأمريكى فى مجلس الأمن لصد أى محاولة لإيقاف هذا الكيان عن أعماله العدوانية التوسعية على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة أو على مستوى الدعم اللوجستى بمليارات الدولارات واطنان الأسلحة التى تحملها البوارج والأساطيل والطائرات الأمريكية أو حتى مشاركتها كتفاً فى كتف فى حرب الإبادة والتطهير العرقى التى تمارسها ضد الشعب الفلسطيني فى مدينة غزة الآن .
والخلاصة هنا تكمن فى أن تصفية المشروع الصهيونى أو النضال ضده ليس منفصلاً بأى حال من الأحوال عن نضال الشعوب ضد الهيمنة الأمريكية وضد أزيال التبعية لها ، وأن التحرر الوطنى للشعب الفلسطينى وتحرر شعوب المنطقة عموماً من الخطر الصهيونى لن ينجح طالما كان بمعزل عن النضال من أجل الفكاك من التبعية للولايات المتحدة الأمريكية فالأمران مرتبطان ارتباطاً وثيقاً كنفس درجة الارتباط الهيكلى بين المشروع الصهيونى ومشروع الهيمنة الإستعمارية الأمريكية على شعوب العالم .