عيش الشمس


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 7668 - 2023 / 7 / 10 - 16:56
المحور: سيرة ذاتية     

من آن لآخر تلمع في ذاكرتي تلك الأقراص الخشبية التى يحمل كل منها قرص من العجين متراصة تحت الشمس منذ بداية طلوعها أثناء سيري أنا الطفل الصغير فى الطريق إلى مدرسة الميثاق الوطني الإبتدائية قبل أن أتركها فى الصف الثالث الإبتدائي إلى مدرسة الوحدة العربية القريبة من مسكننا فى المساكن الشعبية بإمبابة ..
كنت فى النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي أرى هذه الأقراص الخشبية التى تحمل أقراص العجين (الغير مبطط) أثناء مرورى اليومى على منطقة (عزبة الصعايدة) قبل الوصول إلى مدرسة الميثاق الوطنى التى كانت قريبة من مصانع الشوربجى بإمبابة .
، عرفت فيما بعد أن هذه الأقراص المتراصة كانت طريقة تسوية أهلنا الصعايدة ل(عيش الشمس) الذى كان أقاربي يحضرونه لنا مع (العيش الفايش) والتمر أثناء قدومهم من مسقط رأس أبي بنزلة المحزمين الكائنة بمركز طهطا والتى كان أبى وأقربائه ينطقونه (طحطا) التابع لمحافظة سوهاج ..
أكثر ماكان يرعبني وأحياناً يشعل شغفي بالمجهول تلك الظلال الكامنة فى أدغال حقول الأذرة العالية السيقان على حافة الطريق التى بالقرب عزبة الصعايدة ..
لهذا السبب
كنت أقوم مفزوعاً من نومي لما كانت تزدحم به خيالاتى عن حكايات لكائنات مجهولة ربما ترقد أو تختبئ فى تلك الأدغال الكثيفة التى تخلقها تلك العيدان العالية والأوراق الكثيفة من نباتي الذرة أو القصب والتى لم أكن أفرق بينها نوعيهما فى ذلك الوقت ، وهذا ما دفع أبي الذى أطلب له الرحمة والغفران من السماء إلى أن يسعى لإيجاد طريقة ما انتقل بها من هذه المدرسة البعيدة بطريقها الذى كان يفزعني كطفل إلى أن نجح فى مساعيه وتدخلاته لدى الكبار فى إدارات التربية والتعليم لأن ينقلني بعد ثلاث سنوات من هذه الرحلة اليومية إلى حيث أصبحت تلميذاً فى الصف الثالث الإبتدائى في مدرسة الوحدة العربية المجاورة لشارع سيدي إسماعيل الإمبابي الذى كان يشعل شغفي لوجود مؤجري الدراجات الصغيرة ثم مايشعله قدوم مولد سيدي إسماعيل الإمبابي من بهجة لامتناهية في صدري أنا الطفل الصغير ..
لكن حنيناً ما لم يفارقني حتى تاريخه لمذاق العيش الشمسي وطريقة خبيزه ولازال هذا الحنين يلح على ذاكرتي التي تلح علي بدورها ، لدرجة أنني ذهبت منذ سنتين إلى أحد الخبازين فى الأسكندرية أسأله أن يخبز لى رغيف عيش شمسي خصيصاً بعد أن أخبرني أنه يعرفه وطلب مني مبلغ عشرة جنيهات ثمناً لإعداد هذا الرغيف أعطيتهم أياه مسبقاً ، وفى اليوم التالي كما وعد ذهبت لاستلام الرغيف لكنه لم ينجح فى تسوية الرغيف بنفس مواصفات العيش الشمسي ، وهكذا فشلت محاولة إرضاء ذاكرتي اللحوحة التي تطالب باستعادة صورة وهيئة وملمس الرغيف وطعمه الذى لازالت افتقده بعمق ..