المليشيات والفوضى الخلاقة


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5438 - 2017 / 2 / 20 - 00:21
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

دشنت المرحلة الثالثة من مسلسل عبث الميليشيات المنضوية تحت عنوان "الحشد الشعبي" بعد الاقتراب من عتبة الانتهاء من سيناريو داعش. فالمرحلة الاولى انتهت مع صولة الفرسان في ربيع 2008 بعد القضاء على عصابات جيش المهدي، والمرحلة الثانية بصعود نجم داعش الذي يشهد الافول الان، والمرحلة الثالثة ما نعيشه ونراه في مدن العراق وخاصة في اكبر مدينتين وهي بغداد والبصرة، وهي فوضى امنية بأمتياز، والمليشيات تدير دفة الامن والمصالحات والقضاء، كما انها تخطف وتقتل وتسرق وتبث الرعب في المجتمع، وتستعرض عضلاتها في نقاط التفتيش والمحلات السكنية والمشاجرات بكل انواعه. ان هذه الفوضى مخططة لها ومدروسة تصب في استراتيجية اعادة صياغة المعادلات السياسية في العراق وحسمها لصالح التحالف الشيعي والسعي لبناء دولة شيعية طائفية.
ان الفارق بين المرحلتين السابقتين، هو بروز او ظهور عاملين رئيسين، الاول هو تشكيل ادارة جديدة في الولايات المتحدة الامريكية تخطط باستعادة النفوذ الامريكي في المنطقة، بالعسكرتارية والحد من نفوذ القطب الروسي - الصيني بالوكالة التي تديرها الجمهورية الاسلامية في ايران. اما العامل الثاني هو القضاء على التشرذم السياسي في صفوف التحالف الشيعي وخلق الانسجام السياسي بالقوة في صفوفه بعد ان كاد يفقد السلطة على يد داعش في حزيران عام 2014، للاستعداد لمرحلة ما بعد داعش محليا واقليميا ودوليا. وليس فتح النار على متظاهري الصدر وقتل عدد منهم الا خطوة في استراتيجية تصفية الصراعات والخلافات داخل التحالف الشيعي الحاكم. وقد ادرك مقتدى الصدر خطورة الوضع بحاسته للشم الانتهازية، فاذا كان في المرة الاولى هرب الى قم واعلن مسرحية اعتزاله السياسة لمدة ثلاثة اشهر بعد اقتحام جماعته المنطقة الخضراء، والدوس بالإقدام على هيبة الحكومة التي هي هيبة التحالف الشيعي الذي هو جزء منهم، فهذه المرة وجد نفسه في الوقت الضائع والطريق الى طهران قد لا يكون معبدا كما في المرة الاولى وقد لا يحصل على تذاكر للطيران لضيق الوقت، فسارع الى حملة ادانة جماعته سواء الذي حاولوا اقتحام المنطقة الخضراء او الذي اطلقوا صواريخ كاتيوشا على التحالف الشيعي الحكومي في المنطقة الخضراء.
"الفوضى الخلاقة" هي واحدة من المقولات او المصطلحات السياسية التي دخلت الادبيات السياسية للطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية بعد غزو العراق، وهي تعبر عن تحقيق استراتيجية فرض الهيمنة السياسية ومن ثم الاقتصادية على البلدان التي تغرد او تريد ان تغرد خارج السرب الامريكي، عن طريق اشاعة الفوضى بطرق مختلفة. وكان العراق ساحة لتجربة "الفوضى الخلاقة" عن طريق الحرب والغزو وتدمير الدولة وكل مؤسساتها وتحويلها الى دولة فاشلة، لا امن ولا امان على الصعيد الامني والاقتصادي والاجتماعي لاي مواطن. وخلال كل تلك السنوات لم تستطع امريكا في توجيه الفوضى كما عبرت عنها لاول مرة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية في ادارة بوش الابن عام 2005 في توضيح لصحيفة "واشنطن بوست"، سوى في ادارة الفوضى في العراق التي تأخذ مسار المنحني، فتارة بالصعود واخرى بالنزول حسب المعادلات السياسية الاقليمية والمحلية.
اليوم يدرك ملالي قم - طهران ان عراق ما قبل 10 حزيران 2014 وهو تاريخ سقوط الموصل ووصول جراد داعش الى ابواب بغداد، هو ليس عراق بعد الانتهاء من سيناريو داعش. وان مسلسل اعادة انتاج سيناريو داعش بأشكال مختلفة تجدد نفسها طالما ان المرحلة الانتقالية للعالم لم تنته، ولم يحسم صراع الاقطاب الاقليمية والعالمية في اعادة اقتسام مناطق النفوذ. ولذلك ان اشاعة الفوضى هذه المرة عن طريق اطلاق يد المليشيات ونشر الرعب والخوف في المجتمع لسلبه ارادته وارادة الجماهير، وخنق كل الاصوات المعارضة، وتصفية كل معارضي سلطة وحكم التحالف الشيعي، نقول اشاعة الفوضى هذه المرة تلعب الطبقة الحاكمة في الجمهورية الاسلامية دورا كبيرا في نشرها.
لم يبق الكثير من الوقت كي يميط اللثام عن الاوهام التي احيطت بـ"الحشد الشعبي"، بل يعيش المجتمع العراقي اليوم مرارة تلك الاوهام. فكل عمليات الخطف والقتل والسلب والتطهير الطائفي والاعتقالات في السجون السرية والتعذيب تقوم بها مليشيات "الحشد الشعبي". وما تشهدهما مدينتي البصرة وبغداد من فوضى بكل اشكالها تجري وتنظم على يد تلك المليشيات. فمثلما احيطت الهالة حول الجيش العراقي حارس البوابة الشرقية، سور الوطن وحاميه، انتقم لهيبته الضائعة وهو يجر اذيال الهزيمة من الكويت، في قمعه لانتفاضة اذار 1991، احيطت الهالة والنجومية حول الحشد الشعبي في قتاله لداعش، الذي تحول الى اداة قمعية لحكومة العبادي الرسمية وحكومة الظل المالكي الفعلية.