صناعة الهمجية والغباء تربوياً !


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 5328 - 2016 / 10 / 30 - 20:23
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي     

" إن قضية التربية باتت أخطر من أن تترك للتربويين وحدهم " --- د. نبيل علي / الثقافة العربية وعصر المعلومات.
-------------------------------------------

بعد انتهاء المجزرة الصهيونية الرهيبة في غزة عام 2014، عدنا إلى المدارس في بداية العام، حيث قامت وزارة التعليم والوكالة بتقديم العديد من الأنشطة بهدف تقديم الدعم النفسي للأطفال بعد 51 يوماً من الموت والرعب والأشلاء !
لفت نظري أن المواد المستخدمة في الألعاب كلها مترجمة عن أصول غربية، كما لفت نظري اللعبة الشهيرة التي لعبناها جميعاً في طفولتنا، وهي وجود عشرة لاعبين يدورون حول تسعة كراسي، ومع صافرة الحكم، يجب أن يجلس كل لاعب ( طفل ) على أقرب كرسي، ولما كان اللاعبين أقل من عدد الكراسي، فإن صافرة الحكم تؤدي إلى انفراد لاعب واحد بلا كرسي. هذا اللاعب يطرد لأنه فشل في اقتناص كرسي. مع خروج اللاعب يتم سحب كرسي في كل مرة يخرج فيها لاعب بحيث يظل عدد اللاعبين أقل بواحد من عدد الكراسي. في النهاية يفوز من اللاعبين العشرة لاعب واحد يتوج كبطل !!! لكننا لم نلاحظ ما يأتي:

أولا أننا بتتويج البطل الهمام نكون قد هزمنا 9 لاعبين وهذه كارثة نفسية، والأمر الأخطر أن هذا اللاعب الذي اعتبرناه بطلاً، قد تمكن من مزاحمة 9 لاعبين بقوته البدنية، أي أن ما نعتبره بطلاً هنا، هو في الحقيقة أكبر بلطجي !!!
ولا تنتهي خطورة هذه اللعبة عند هذا الأمر، بل تتعداه إلى تعزيز الأنانية ومبدأ " نفسي نفسي " وسوف أسحق كل الآخرين لكي أفوز !! ألا ترون معي حجم القباحة والهمجية التي يكتسبها الطلاب من هكذا لعبة وفق هذا القانون ؟؟!
بالمقابل، في اليابان يلعبون نفس اللعبة لكن مع اختلاف القانون كلية، إذا يتم اعتبار مجموعة اللاعبين مهزومين في حالة انتهت الصافرة إلى وجود لاعب بلا كرسي، فيصبح هم الجميع أن يجلسوا متراصين متلاصقين حتى يوفروا مكاناً لزميلهم الزائد. هنا الوضع مختلف، إذ تعزز اللعبة مبدأ التعاون، ومبدأ الفوز من خلال سلوك المجموع وليس الفرد الواحد !!

التعليم الحديث يبني مفاهيم التعاون الخلاق، بينما التعليم العفن والرجعي والمتخلف يعزز مبدأ المنافسة الفردية التي تعزز الأحقاد وتدعم الكراهية بين المتنافسين !!

----------------------------------

في أحد سنوات الانتفاضة الثانية، قام تعليم وكالة الغوث في غزة بإلغاء ترتيب الطلاب في الشهادات، وهو إجراء حديث وعلمي يهدف إلى التخلص من مبدأ المنافسة الهدّام كما يهدف إلى تقليل الرهبة من درجات الامتحان، لكن ما حدث أن أحد أولياء الأمور قد تحدث على الهواء في أحد البرامج التلفزيونية، حيث كان يصرخ بأنه توجد مؤامرة لتحطيم التنافس بين الأوائل، والغريب في الأمر أن الوكالة بدلاً من أن تفسر القرار بإلغاء الترتيب وتصر على تحديث العملية التربوية قامت بالتراجع عن القرار، وحتى اللحظة، يوجد مدراء مدارس يعتمدون ترتيب الطلاب لتوزيع الجوائز على الفائزين في الامتحانات، علماً بأنه لو تغير الامتحان لتغيرت النتائج، وعلماً بأن التعليم التقليدي لا ينتج مفكرين ولا مبدعين بل " روبوتات " وناس تحفظ وتجتر المعلومات لكن مع مساحات تفكير ضيقة للغاية !
--------------------------------

يجب أن يقوم المفكرون وخبراء تخطيط المناهج بتعريض جميع أنظمة التربية والتعليم لمشارط النقد والتعديل واقتراح البدائل، والقيام بترجمات متواصلة لأحدث النظم التعليمية مثل فنلندة واليابان وألمانيا، والأهم من كل ذلك، أنه يجب منع الدهماء وأصحاب الثقافة الرجعية السائدة من كتابة المناهج أو المساس بعقول الأطفال، فقد قال الشاعر العربي:
بعضُ الغباءِ ميؤوسُ الشفاء **** وإن أحسنتَ في وصف الدواء
وإن كان الغباءُ من البلايا ***** فإن الكبرَ مقبوح الرداء
كلا الدائين واحدهم مقيتٌ ***** فكيف إذا التكبرُ في غباء ؟!

الخلاصة:
1- نحتاج في العالم العربي لثورة مناهج تعارض القيم والعادات المتخلفة وتستبدلها بقيم المحبة والتعاون والتسامح.
2- يجب أن تتخلى وزارة التعليم عن فرض نسختها من المناهج والاكتفاء بالإعلان عن أهداف كل مناهج في كل مرحلة، فيما يترك للخبراء والموهوبين كتابة المناهج وتقديمها للوزارة التي من حقها أن تعتمد أكثر من نسخة تعرضها على جميع المدارس مع إعطاء الحرية لكل مدرسة في اختيار كتاب المنهاج الذي ارتأته مناسباً .. مركزية هيمنة الدولة على المناهج هي آلية رجعية متخلفة من العصور البائدة !
3- يجب إخضاع جميع الأنشطة والألعاب المدرسية لميزان النقد وإعمال العقل لتحديد أي الأنشطة يخدم مباديء وقيم التعاون والتسامح.
4- من الخطورة بمكان احتفاظ وزارات التعليم العربية بحق احتكار التفكير والتخطيط لمستقبل الدولة، ومن الخطورة أيضا ترك المناهج بلا نقد في المقالات ومواقع التواصل.
5- يجب تقليل الحفظ والاسترجاع إلى حدوده الدنيا، مع زيادة التوجه نحو تنمية أنواع التفكير المختلفة من تفكير تحليلي أو تركيبي أو ناقد أو إبداعي أو استدلالي.

ألقاكم على خير